كيف يمكن لشهادة “B Corp” أن تدعم الشركات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟

شركات بي كورب
shutterstock.com/Tada Images
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هناك 9 شركات B Corp معتمدة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا من بين أكثر من 6 آلاف شركة بالعالم، أي لا تبلغ نسبتها حتى 1%. فكيف يمكن رفع هذه النسبة وكيف يمكن للمنطقة أن تستفيد من الانضمام إلى شركات “بي كورب”؟

ثمة توجه عالمي لحثِّ الشركات على إدراج الاستدامة في نموذج عملها والتصرف بمسؤولية وهي تنشر تأثيرها في العالم. فنحن نعيش في عصر ما يسمى برأسمالية أصحاب المصالح، حيث لا تعطي الشركات الأولوية للمساهمين فحسب، بل لجميع أصحاب المصلحة مثل العملاء، والموردين، وما إلى ذلك. باختصار، إعطاء الأولوية للبشر والكوكب والأرباح معاً.

وتحظى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باهتمام متزايد مؤخراً مع تنظيم مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2022 (COP27) في مصر واستضافة الإمارات العربية المتحدة (COP28) القادم هذا العام، بالإضافة إلى معرض إكسبو العالمي الذي أقيم في دبي وكأس العالم الذي أقيم في قطر. حيث يتنامى حضور دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بقوة على الساحة الدولية، ما يسلط الضوء على المنطقة ويثير في بعض الأحيان ردود فعل عنيفة فيما يتعلق بقضايا الاستدامة.

ثمة استثمارات قائمة بالفعل في التحول إلى الطاقة المستدامة بعدة بلدان في الوقت الذي تنضم فيه تلك البلدان إلى السباق للوصول إلى انبعاثات كربونية صفرية مع توجه لجعل الاستدامة أولوية على المستوى الوطني. ومع ذلك يتخلف القطاع الخاص عن هذا الركب. إذ تواجه الشركات تحديات في وضع أهداف طموحة لدعم التنمية المستدامة وفوتت الفرصة لإظهار تأثيرها وإسهامها في أهداف التنمية المستدامة (حيث تعد أهداف التنمية المستدامة إطار العمل الذي اعتمدته دول الأمم المتحدة جميعها في عام 2015). ما الذي يمكن للشركات أن تفعله في هذا السياق؟

شهادة “B Corp

يمكن للشركات البدء بتحويل الطريقة التي تمارس بها أعمالها ووضع الاستدامة على رأس جدول أعمالها الاستراتيجي. وتحتاج الشركات لتحقيق ذلك إلى معايير وتصنيفات دولية لقياس تأثيرها وتحليله ورفع مستواه لبناء مصداقيتها. وتعد شهادة بي كورب (B Corp) واحدة من هذه المعايير والتصنيفات الدولية. والشركات الحاصلة على شهادة بي كورب هي شركات تلبي أعلى معايير الأداء الاجتماعي والبيئي المعتمد والشفافية العامة والمسؤولية القانونية لتحقيق التوازن بين الأهداف والأرباح. وتهدف حركة بي كورب إلى تحويل النظام الاقتصادي إلى اقتصاد عالمي أكثر شمولاً وإنصافاً واستدامة. وهي حركة تهدف إلى استخدام الأعمال التجارية كقوة لخدمة الصالح العام.

لدينا حتى الآن 9 شركات بي كورب معتمدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من بين أكثر من 6,000 شركة في العالم، أي لا تبلغ نسبتها حتى 1%. ومع ذلك فإن هذا الحركة تبني زخماً قوياً على مستوى العالم منذ اندلاع الوباء والصحوة الجماعية التي أحدثها حيث حققت زيادة في طلبات الحصول على شهادة بي كورب تفوق نسبتها 38% في عامي 2020-2021. وعلى الرغم من أن غالبية شركات بي كورب شركات صغيرة ومتوسطة الحجم، فإننا نشهد المزيد والمزيد من الشركات المتعددة الجنسيات التي تنضم إلى هذه الحركة، مثل شركة نسبريسو (Nespresso) التي انضمت إلى الحركة في عام 2022.

لذا سألت مستشارة الاستدامة وباحثة قياس الأثر أميرة موسى، التي أجرت مؤخراً بحثاً حول شركات بي كورب المعتمدة في إفريقيا، كيف يمكن لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن تستفيد من الانضمام إلى شركات بي كورب.

أخبرينا كيف يمكن لبي كورب أن تدعم شركات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتبني رأسمالية أصحاب المصالح؟

أعتقد أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكذلك أجزاء أخرى من العالم، ستستفيد من وجود نظام اقتصادي شامل ومنصف حيث تحوّل الشركات تركيزها من تنمية الإيرادات والفوائد لمساهميها إلى خلق قيمة لجميع أصحاب المصالح. حيث يستدعي وضع مصلحة الناس والكوكب في دائرة تركيز الشركات إعادة صياغة تعريف الرأسمالية كما نعرفها الآن. حيث دعا الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في عام 2020 إلى “إعادة ضبط” للرأسمالية، وتشجيع الشركات على وضع أهداف تتجاوز الربح وفوائد المساهمين. ويحاكي هذا المسعى نظرية التغيير التي تعتمدها مؤسسة بي لاب (B Lab) وهي المؤسسة غير الربحية التي أطلقت حركة بي كورب. تضع مؤسسة بي لاب المعايير والسياسات والأدوات للشركات لتستخدمها في قياس تأثيرها ورفع مستواه. وعندما تصبح الشركة من شركات بي كورب المعتمدة، فإنها تحوّل تركيزها من فوائد المساهمين إلى فوائد أصحاب المصالح، أي الموظفين والعملاء والموردين والمجتمعات المحلية والمجتمع ككل. كما يعد تقييم تأثير بي آي أيه (BIA) الذي طورته بي لاب إحدى الأدوات التي يمكن للشركات استخدامها لقياس تأثيرها على المجتمع والبيئة وإدارته، فضلاً عن تعزيز حوكمة الشركات. وتستدعي تنمية حركة بي كورب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إجراء تغيير منهجي تُبذل فيه جهود تكاملية من قبل القطاع الخاص والحكومة والمجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية. وتتمثل الخطوة الأولى نحو تنمية هذه الحركة في البدء بمحادثات مع أصحاب المصالح في القطاع الخاص مثل أصحاب الأعمال ورواد الأعمال وجمعيات رجال الأعمال والاتحادات في القطاعات الصناعية ذات الصلة.

كيف ستدعم بي كورب (B Corp) الشركات لقياس تأثيرها الاجتماعي والبيئي وإدارته في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟

ثمة شركات كبرى وشركات ناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تُصنف في صدارة الشركات التي توجّه أعمالها لتحقيق الصالح العام، وتلك تماماً غاية شركات بي كورب. توجد على سبيل المثال شركة مصرية ناشئة تهدف إلى الترويج للأزياء التي تعتمد معايير العمل الأخلاقي من خلال تطوير منصة بيع بالتجزئة عبر الإنترنت لبيع الملابس المستعملة العالية الجودة. وبالتالي فهي تقدم للعملاء بديلاً للتسوق صديقاً للبيئة وتسهم في تقليل الهدر في قطاع الأزياء بشكل عام. تستخدم شركة أخرى تعمل في بلدان متعددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مواد من خامات التربة لبناء منازل صديقة للبيئة وبأسعار معقولة للمجتمعات المهمشة. أنشأت هذه الشركات نماذج عملها لخدمة مجتمعاتها بشكل أساسي و(أو) لحل مشكلة بيئية. أقول لهذه الشركات إن حركة بي كورب تم إنشاؤها من أجلكم وسوف يدعمكم تقييم بي آي أيه لقياس تأثيركم وإدارته بشكل أفضل في خمسة مجالات تأثير، وهي الموظفون، والعملاء، والمجتمع، والبيئة، وحوكمة الشركات. ويتوفر تقييم بي آي أيه عبر الإنترنت مجاناً لأي شركة ربحية، سواء كانت مؤسسة اجتماعية أو تقليدية، من أي حجم كانت وفي أي قطاع لقياس الأثر البيئي والتأثير الاجتماعي لعملياتها ونموذج عملها.

حدثينا عن البحث الذي أجريته في شرق إفريقيا وجنوب إفريقيا لصالح مؤسسة بي لاب غلوبال (B Lab Global)؟

بدأت حركة بي كورب بإفريقيا في عام 2017 من خلال افتتاح مكتب في إفريقيا لمؤسسة بي لاب في نيروبي، كينيا. أجريت بحثي في عام 2020 حيث تم اعتماد أكثر من 35 شركة معتمدة كشركات بي كورب فى ذلك التوقيت. وكان الهدف من البحث هو فهم الدوافع والتحديات التي تواجهها الشركات في شرق وجنوب إفريقيا في عملية قياس تأثيرها واعتمادها كشركات بي كورب. لذلك أجريت مقابلات مع شركات بي كورب تستخدم تقييم بي آي أيه في شرق وجنوب إفريقيا للاستماع إليهم بشكل مباشر عن تجربتهم مع التقييم ورحلتهم للحصول على شهادة بي كورب. ومن المثير للاهتمام أن مسؤولي جميع شركات بي كورب المعتمدة التي قابلتهم ذكروا أن الأسئلة المدرجة في تقييم بي آي أيه ساعدتهم على تحديد الإجراءات العملية لتعزيز تأثيرهم بشكل أفضل ، وتحديد مجالات التحسين، وبالتالي إدارة الأداء بشكل أفضل. كما يمكن الاستفادة من ميزة استخدام بي آي أيه كأداة لإدارة الأداء من قبل الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تحتاج إليها الشركات بشدة. ويوجد حتى الآن أكثر من 50 شركة بي كورب معتمدة في إفريقيا وأكثر من 4,000 شركة تستخدم تقييم بي أي أيه لقياس تأثيرها وإدارته.

كيف يمكن أن تساعد بي كورب الشركات في الاستعداد لمؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوب 28) الذي سيعقد مجدداً هذا العام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟

هناك حاجة إلى إصلاحات في البنية التنظيمية لإزالة الكربون من الاقتصادات لتحقيق أهداف حملة السباق للوصول إلى خفض انبعاثات الكربون إلى الصفر (Race to Zero). لم يعد توجيه قدرات الشركات لمعالجة حالة الطوارئ المناخية ترفاً، بل أصبح أمراً لا بد منه. وستؤثر قرارات الشركات اليوم في مستقبل كوكبنا. ويعد الدليل الإرشادي للعدالة المناخية (The Climate Justice Playbook) من بين الأدوات المتاحة للشركات للتركيز على العمل المناخي في عملياتها اليومية. ويقدم هذا الدليل الأفكار والأدوات ودراسات الحالة للشركات لدمج العمل المناخي ضمن أجندة أعمالها. وتعاونت مؤسسة بي لاب على وضع الدليل الإرشادي للعدالة المناخية مع فريق أبطال المناخ لمؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي كوب 26 (COP26)، وشركة بروفوك (Provoc) وهي إحدى شركات بي كورب، ومركز سكول للريادة الاجتماعية في جامعة أكسفورد (Skoll). حيث يتم تشجيع الشركات التي ترغب بالحصول على الدعم في التزامها بإزالة الكربون في عملياتها، وترغب بأن تكون رائدة في مجال المناخ وبناء مصداقيتها، للحصول على شهادة معتمدة من جهة خارجية مثل شهادة بي كورب.

وكما أوضحت أميرة، ثمة فوائد متعددة لاستخدام معايير بي كورب يمكن استخدامها دون الحاجة إلى التقدم بطلب للحصول على الشهادة، وأبرزها تقييم أداة بي آي أيه لقياس التأثير البيئي والاجتماعي للشركة ورفع مستواه. وعلاوة على ذلك، يتواءم تقييم أداة بي آي أيه مع المعايير الدولية الأخرى مثل المبادرة العالمية لإعداد التقارير (GRI) أو بروتوكول الإفصاح المناخي (CDP)، وبالإضافة إلى ذلك تم تطوير أداة إدارة تنفيذ أهداف التنمية المستدامة (SDG Action Manager) بالتعاون مع الاتفاق العالمي للأمم المتحدة لدعم الشركات في تقييم مساهمتها في أهداف التنمية المستدامة الـ 17.

تقدم حركة بي كورب إطار عمل شامل لأي شركة، ابتداءً من الشركات الناشئة وصولاً إلى الشركات الكبيرة، وفي مختلف القطاعات الصناعية. وفي حال كانت الشركات مستعدة لاتخاذ خطوة جريئة والحصول على الشهادة، فيمكنها التعاون مع مجموعة بي ليدرز (B Leaders)، وهي مجموعة من المحترفين المدربين من قبل مؤسسة بي لاب لدعم المؤسسات في مسار عملية إصدار الشهادات.

يمكن لحركة بي كورب مساعدة الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتنطلق انطلاقة قوية في رحلة الاستدامة والكشف عن تأثيرها. ولم يعد تأسيس شركات مسؤولة خياراً بعد الآن، فمن أجل العيش والازدهار يجب على الشركات أن تبدأ بالعمل. إنها فرصة لإحداث فرق والانضمام إلى الرواد الذين يتنافسون ليس فقط ليكونوا الأفضل في العالم بل الأفضل للعالم!