عمل الخير بنكهة القهوة: شراكة هاف مليون وجمعية إنسان في السعودية

3 دقائق
هاف مليون

المجتمعات السعيدة في العالم؛ تلك المتشاركة اجتماعياً، المتعاضدة اقتصادياً، المتآزرة تنموياً. نقف في هذا المقال على قصة اجتمع فيها البعدان التنموي والتسويقي. واستُثمرت فيها قوة الاستهلاك لخدمة قضية إنسانية نبيلة وهي كفالة الأيتام.

في شهر مارس/آذار من عام 2018، أعلنت سلسلة مقاهي "هاف مليون" (½ M) عن توقيع اتفاقية مع الجمعية الخيرية السعودية "إنسان"، اتُفِق بموجبها على تخصيص ريال عن كل كوب قهوة يُباع لدعم جهود الجمعية في كفالة الأيتام ورعايتهم.

عن الشراكة بين "هاف مليون" و"إنسان"

هاف مليون هي شركة سعودية تحوز سلسلة مقاهٍ يرأسها عبد الله بن محمد الراجحي. تأسست الشركة قبل 5 سنوات، وبدأت بفرع واحد يخدم 500 عميل فقط. ويتجاوز عدد الفروع اليوم 40 فرعاً منها فروع خارج المملكة.

جاء التعاون بين "هاف مليون" وجمعية "إنسان" الخيرية، بحسب قول الراجحي، "كنوع من رد الجميل للمجتمع السعودي" وتحقيقاً لأهداف الشركة التي "تبحث دائماً عن دعم العمل الخيري اتساقاً مع رؤية المملكة 2030".

أما عن "إنسان"، فهي جمعية خيرية تأسست بمباركة ورئاسة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، منذ أكثر من 20 عاماً. ورسالتها العناية بأيتام منطقة الرياض وأمهاتهم لتمكينهم من حياة كريمة ببرامج نوعية وجودة عالية.

أسهمت الشراكة المعقودة بين "هاف مليون" و"إنسان" في تحقيق نتائج مثمرة، فعلى مدار 5 سنوات، نجحت المؤسستان في كفالة نحو 12 ألف طفل يتيم من أبناء الرياض. علاوةً على ذلك، أثمرت الشراكة عن عدة مبادرات تنموية مبتكرة تخدم رؤية الجمعية وأهدافها التكافلية.

ثمار الشراكة بين "هاف مليون" و"إنسان"

من المبادرات التنموية التي أثمرت عنها الشراكة بين "هاف مليون و"إنسان" حملة "إنسان للإنسان".

أُعلن عن هذه الحملة في 2022، وكان الهدف منها جمع التبرعات اللازمة لكفالة 1,000 يتيم خلال شهر رمضان المبارك. وبالفعل حققت الحملة النتيجة المرجوة منها وتجاوزتها أيضاً، إذ كُفل نحو 1,900 يتيم ممن ترعاهم الجمعية.

من الجدير بالذكر أن "هاف مليون" أعادت إطلاق حملة مماثلة في عام 2023، ولكن بهدف كفالة 3,000 يتيم هذه المرة، وبجهود العملاء أيضاً تحقق هذا الهدف.

من المبادرات الناجحة الأخرى التي أثمرت عنها هذه الشراكة حملة "مستقبل إنسان". وكان الهدف منها توظيف أكبر عدد ممكن من مستفيدي الجمعية في فروع "هاف مليون" المختلفة، وتمكينهم من الاكتفاء الذاتي والإنتاج.

5 أسرار لنجاح الشراكات بين القطاع غير الربحي والقطاع الخاص الربحي

بالتأمل في تجربة "هاف مليون" و"إنسان"، التي تعد مثالاً للتشارك الناجح والتعاون المُثمر بين القطاع غير الربحي والقطاع الخاص، نستخلص قائمة بالعوامل المؤثرة تأثيراً مباشراً في نجاحها.

1. توافر المنتج الذي يحفز الشراكة: تجنَّبَ القائمون على الشراكة دعوات المشاركة المجتمعية التقليدية، التي تحاول حثَّ الجماهير على "دعم" الأيتام دون توفير تفاصيل حول كيفية التبرع أو مدى تأثير التبرع في حياة كل طفل منهم.

نتيجة لذلك، توافرت منتجات أساسية مميزة وجاهزة للتفاعل مع الشراكة. فمن جانب جمعية "إنسان" أُتيحت منصة مخصصة لقبول التبرعات وبرامج رعاية مبتكرة يمكن للجميع الاطلاع على تفاصيلها. ومن جانب "هاف مليون" توافر المنتج المناسب (كوب القهوة) الذي يساعد العميل على الإسهام.

2. الشفافية والوضوح: كان واضحاً في إعلان الشراكة منذ البداية حدود العلاقة بين المؤسستين، والمبادئ التي تقوم عليها الشراكة والأهداف المرجوة منها. وعلى مدار العلاقة التي بدأت منذ 5 سنوات وما زالت مستمرة، تم اتباع نهج الإفصاح عن أي مبادرات أو تحديثات تخصُّ المؤسستين.

أسهم هذا الإفصاح الدوري في رفع مصداقية الشراكة، وإقناع المستهلك بجديتها وجدوى المنفعة المرجوة منها؛ الأمر الذي يُفسر الإقبال والنجاح الذي حققته.

3. الاستمرار في الابتكار: لم تتوقف الشراكة عند هدفها الأساسي؛ أي اقتطاع جزء من مبيعات "هاف مليون" وتخصيصها لكفالة الأطفال المستفيدين من جمعية "إنسان"، ولكن اكتسبت الشراكة سمةً ابتكارية إضافية، تتعزز فيها العلاقة الإيجابية بين المؤسستين بما يخدم أهدافهما.

ظهر ذلك جلياً في حملة " مستقبل إنسان" التي هدفت إلى توظيف أبناء الجمعية في فروع "هاف مليون" المنتشرة في أرجاء المملكة.

4. احترام العملاء وتقديرهم: كانت الفرصة متاحة أمام "هاف مليون" لممارسة الضغط على عملائها، وذلك من خلال طرح منتج جديد بسعر أعلى بهدف خدمة قضية كفالة الأيتام. لكن هذا لم يحدث، فلم تكن الشراكة مبرراً لتسعير جديد غير مبرر قد يزعج العميل ويهدد مصداقية الشراكة.

والدرس المستفاد هنا هو أن العميل يبحث عن خدمة لا دعم اجتماعي عند دخوله متجراً تجارياً. ويمكن للشراكات تحقيق نتائج أفضل حينما تتيح له شراء المنتج الذي يحتاج إليه مع ميزة إضافية وهي خدمة قضية إنسانية يؤمن بها.

5. الانسجام مع الأهداف التنموية الكبرى: من أهداف الرؤية الوطنية للملكة العربية السعودية رفع نسبة إسهام القطاع غير الربحي بنسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030. ومنذ وضع هذا الهدف، كثّفت الحكومة السعودية جهودها لتيسير الأعمال الخيرية والتطوعية وخلق بيئة داعمة لها.

عند النظر للشراكة بين "هاف مليون" و"إنسان" نجد أنها تنسجم تماماً مع هذه الرؤية البعيدة للمملكة التي تسعى لتمكين القطاع غير الربحي وتهدف إلى تعزيز إسهاماته؛ الأمر الذي يفسر نجاحها وعمق تأثيرها.

تُقاس سعادة المجتمعات بعمق تعاونها وقوة تكافلها وشدة إيمانها بفعل الخير مهما اشتدت الأزمات. ويمكننا القول إن المملكة برؤيتها الوطنية وأهدافها البعيدة المدى، نجحت في تهيئة البيئة لنمو هذا النوع من المبادرات وازدهارها، والشراكة التي استعرضناها في مقالنا تُعد خير مثال على ذلك.

المحتوى محمي