أسرار رواية القصص الناجحة في مجال العمل الخيري

7 دقائق
التأثير

تروي المؤسسات قصص تأثيرها لكي تُعّرف الناس إلى عملها وأسبابه، ولتقنعهم بالاستمرار في تمويله. لكن لا تروي غالبيتها تفاصيل القصة من بدايتها حتى نهايتها، ولا تذكر التحديات والحلول، ولا الشخصيات والسياق. تلك هي العناصر الرئيسة للقصة المقنعة، لكن المؤسسات تقدم في تقاريرها السنوية أو مواقعها الإلكترونية مجرد لمحات قصيرة وملفات تعريفية، وليس قصصاً حقيقية (كما يراها الباحثون من تخصصات عدة). وبذلك لا تقدم الفائدة المرجوة من سرد القصة، التي ينتقل فيها الناس بمخيلتهم إلى عالم شخصيات القصة، ويعيشونه من خلالها، ثم يعودون إلى الواقع متأثرين بالقصة.

وتقدم بدلاً من ذلك عناوين فضفاضة للتأثير الذي تُحدثه. فتقول: "فعلنا كذا حتى تتمكن المجموعة العاجزة المستحقة كذا من عيش الحياة التي تريدها"، أو "تمكن فرد استثنائي من التغلب على التحدي كذا بمساعدتنا". ونرى المؤسسة "بطلة القصة" تساعد فئة عاجزة لا نعرف عنها شيئاً سوى معاناتها، ونتعرف على أفراد مستحقين استثنائيين يُقدَّمون فقط عبر تجربتهم مع مشكلة ما. ولا نرى مؤسسات تعمل على التغيير بالتعاون مع الذين تساعدهم وتعتبرهم أعضاء مهمين في بيئة عمل حركة التغيير الاجتماعي. في البحث الذي أجريته مع مشاركين في مشروع بروك (the Broke Project)، اكتشفنا أن غالبية القصص والملفات التعريفية والمقالات القصيرة المتعلقة بجهود القضاء على الفقر تتبع نمطاً تكون فيه المؤسسة بطلة القصة، ويُذكر الفقراء فقط من خلال تجربتهم مع الفقر. وبالمثل، في بحث أجراه مركز ببليك إنتريست كوميونيكيشنز (Public Interest Communications) بجامعة فلوريدا، وجدنا أن الموقع الإلكتروني لمبادرة خدمة الابتكار للاجئين التابعة للأمم المتحدة (UN Refugees Innovation Service) قد نشر قصصاً تظهر المنظمة بطلة القصة، مع القليل من القصص التي تسلط الضوء على جهود اللاجئين.

يؤدي نشر مثل هذه القصص مراراً وتكراراً إلى التفكير في التغيير بطرق محدودة. لا تُبيّن هذه القصص كيفية حدوث التغيير، ويقتصر فيها تعريف المجتمعات على علاقتها بالمشكلة فحسب. علينا بدلاً من ذلك تطبيق الرؤى وأفضل الممارسات من علوم الاجتماع والحركات الاجتماعية لسرد قصص أفضل عن التأثير.

اسرد قصصاً عن أثر الأنظمة

تتضمن القصة مشكلة يتعين حلها، تصل الأحداث إلى ذروتها بينما تواجه الشخصيات العقبات والفرص، وتنتهي بحل المشكلة واستخلاص العبر.

عندما تصوغ قصة، اجعل الأنظمة التي تتسبب في عدم المساواة سياقاً للقصة وعقدتها. ثمة منهجية لعدم المساواة في أنظمتنا، بدءاً من التمييز في التوظيف إلى من يخضع لرقابة الإفراج المشروط إلى الخدمات والإمكانات اِلتي يمكن للمجتمعات الوصول إليها في مناطق وجودها. تمثل هذه الأنظمة السياق الذي تعيش فيه الشخصيات. إن أنظمة عدم المساواة التي تتبنى العنصرية، والرأسمالية، والسلطة الذكورية، والتمييز ضد ذوي الحاجات الخاصة، هي المشكلات والعقبات التي ترسم تجارب الشخصيات. استخدِم لغة بصرية لتوضيح السياق الذي تعيش فيه الشخصيات. بالمثل، قدِّم العوائق التي تضعها الأنظمة لرسم المشهد بوضوح، مثل عتبات إيقاف المعونات، والأجور المنخفضة، وظروف العمل غير الإنسانية. احرص على تضمين تفاصيل أخرى حتى نتجاوز حصر التعرّف على الناس عبر تجربتهم مع الظلم وعدم المساواة.

تبقينا القصص العظيمة متحفزين لأنها تخلق فينا التوتر والحيرة. ولا نعرف إن كانت الشخصيات ستنجح، أو تتغلب على العقبات، أو تحقق إنجازاً كبيراً. مع تقدم أحداث القصة، أظهِر كيف تُحدث أنظمة عدم المساواة المتمثلة في المؤسسات الاجتماعية التي تعمل على تغييرها توتراً بسبب تأثيرها في الناس بناءً على عرقهم، وطبقتهم الاجتماعية، ونوعهم الاجتماعي، وموقعهم الجغرافي.

على سبيل المثال، في إحدى المقابلات، يروي الناشط في مؤسسة مايغرانت جاستيس (Migrant Justice) إنريكي بالكازار، قصة عمله في ظروف غير عادلة وغير إنسانية في مزارع الألبان في ولاية فيرمونت. نتعرف على كيفية اكتسابه للوعي السياسي وكيف أصبح عضواً في هذه المؤسسة الأهلية التي تعمل من أجل تحسين ظروف العمل من خلال تنظيم حملات متنوعة. لا تقتصر القصة على رواية تجارب الشخصية وتحدياتها في ظل الأنظمة، بل تُظهر تأثير مؤسسة مايغرانت جاستيس عبر تصوير الناشطين والعمال أبطالاً.

عندما تروي قصصاً عن التأثير، احرص على عدم تعزيز الروايات الفردية السائدة، أظهر الشخصيات عبر تفاعلها معاً وتعاونها لتحقيق الهدف. وتجنب السرد الذي يركز على البطولة الاستثنائية ويظهر الناس يتغلبون على عوائق المنظومة عبر العزيمة والإصرار الفردي. تلك جوانب من القصص، لكنها ليست الصورة الكاملة، وعندما تُروى مراراً وتكراراً تخلق ظروفاً تجعل من الصعب تغيير الأنظمة والثقافة.

بدلاً من ذلك، اسرد قصص الأفراد في سياق علاقة بعضهم ببعض، وكيف يعملون لتحقيق هدف جماعي. على سبيل المثال، في هذه القصة من مؤسسة إنفيزيبل بيبول (Invisible People)، وهي مؤسسة تهدف إلى تغيير السردية المتعلقة بالإسكان والتشرد، اجتمعت مجموعة من الجيران في حي كورياتاون في لوس أنجلوس لدعم جيرانهم الذين لا يملكون منازل. تتتبَّع القصة عضو مؤسسة كيتاون فور أول الأهلية التطوعية (Ktown for all) جين نغوين، حيث تعمل مع زملائها المتطوعين لتزويد الناس في مجتمعها بالضروريات الأساسية مثل البطانيات والخبز والمياه.

ومن خلال متابعتنا لها، نتعرف أيضاً على مشكلات عامة مرتبطة بالتشرد والظلم الناتج عن الحملات التي تستولي على ممتلكات الناس. تُظهر القصة متطوعي مؤسسة كيتاون فور أول يتعاونون لدعم جيرانهم، وربطهم بالخدمات، والمياه، وفرص العمل المحتملة. كما نسمع مباشرة الذين يعانون التشرد يتحدثون عن تأثير الحملات فيهم، ما ينقل المجتمع من مجموعة متجانسة من الأشخاص إلى أفراد يواجهون حواجز عامة أمام الحصول على السكن. ونفهم في نهاية القصة عمل مؤسسة كيتاون فور أول وتأثيرها في المجتمع.

أخبر قصصاً عن مؤسستك بوصفها جزءاً من بيئة عمل حركة التأثير الاجتماعي

تروي المؤسسات قصصاً تصور نفسها بطلة فيها، لأنها تسعى لضمان استمراريتها وتحتاج إلى التمويل والمتطوعين والموارد الأخرى. يعمل قطاع التغيير الاجتماعي انطلاقاً من عقلية الندرة مع الاعتقاد أن المؤسسات يجب أن تتنافس على الموارد. ونتيجة لذلك، يركز سرد القصص في كثير من الأحيان على دور المؤسسة في التغيير الاجتماعي وحل المشكلات الكبيرة.

تخلق هذه القصص سردية سائدة تشير إلى أن الناس بحاجة إلى الإنقاذ ويجب على المؤسسات إنقاذهم. لا يمكننا التعرف على مَن يعملون بشغف في المؤسسات، الذين من المحتمل أن تكون لديهم خبرة وعلاقات تربطهم بالعمل وحركات التأثير الاجتماعي الأكبر التي يعملون من أجلها. لا يمكننا التعرف على ظروف العيش والتجارب الفريدة في المجتمعات التي تقع في مركز هذه القضايا. والأسوأ من ذلك أنه عندما يسلط الضوء على الأفراد، يصورون على أنهم يستحقون الموارد المتاحة، ما يشير إلى أن البعض يستحق، والبعض الآخر لا يستحق.

يجب أن تُظهر قصص التأثير كيف تكون المؤسسات جزءاً من بيئة عمل أكبر للتأثير الاجتماعي تعمل مع المؤسسات الأخرى والجهات الفاعلة لتحويل الأنظمة والثقافة من خلال إسهاماتهم الفريدة. تحتوي هذه القصص على شخصيات متعددة ذات خلفيات واهتمامات وأدوار ووجهات نظر مختلفة تتعاون لمعالجة المشكلة. عندما نروي هذه القصص مراراً وتكراراً، يمكننا إحداث سردية جديدة أدق عن التغيير من خلال العمل الجماعي.

يجب أن تُظهر قصص التأثير شخصيات مركبّة تشارك في عمل جماعي ضد نظام غير عادل. أبطال هذه القصص هم شبكة من الشخصيات التي تتعاون لإحداث التغيير، والأشرار هم الذين يدعمون الأنظمة الظالمة. لا تُظهر هذه القصص إسهامنا في بيئة عمل التأثير الاجتماعي فحسب، بل كيف تُبنى الحركات وكيف يحدث تغيير الأنظمة والثقافة من خلال عمل الناس.

على سبيل المثال، في المدونة الصوتية (بودكاست) ذا سم أوف أس (The Sum of Us)، تروي هيذر ماكغي قصصاً عن تحالفات متعددة الأعراق تُحدث تغييراً مهماً. تحكي إحدى حلقاتي المفضلة قصة شاطئ بروس، وهو تعويض عائلة بروس. في عام 1912، اشترى تشارلز وويلا بروس عقاراً على شاطئ البحر في مانهاتن بولاية كاليفورنيا، وبنيا منتجعاً شعبياً ومساحة آمنة لرواد الشاطئ من ذوي البشرة السمراء. وفي عام 1924، صادرت المدينة العقار تحت ستار استخدامه لحديقة عامة، ولكنه كان في الواقع وسيلة لطرد أسرة بروس من المجتمع. ظلت الأرض شاغرة 32 عاماً. تعني خسارة الأرض خسارة أجيال من عائلة بروس للثروة وفقدان ذوي البشرة السمراء ثقافة رياضة ركوب الأمواج. الآن، يشغل ذوو البشرة البيضاء 90% من شاطئ مانهاتن، وتستمر العنصرية من راكبي الأمواج ذوي البشرة البيضاء المحليين تجاه راكبي الأمواج ذوي البشرة السمراء الذين يُنظر إليهم على أنهم غرباء.

يتتبع البودكاست قصة سرقة المدينة الأرضَ من عائلة بروس لإخراج ذوي البشرة السمراء من المجتمع. تتحدث ماكغي مع النشطاء وقادة المدينة الملتزمين بإعادة الأرض إلى عائلة بروس للتراجع عن إرث الإقصاء والعنصرية على الشاطئ. نفهم من خلال أصوات النشطاء التحديات التي واجهوها لتحصيل التعويضات من المدينة والمعارضة لذلك في شاطئ مانهاتن، بالإضافة إلى العمل بين البلدية والمجتمع لتحصيل التعويضات. تسلط هذه القصة الممتازة الضوء على العمل في بيئة عمل حركة العدالة العرقية والتعويضات وتوضح تأثير المؤسسات والناشطين.

اربط بالتجارب الإنسانية: الحب، الفداء، الانتصار، الخسارة

عندما تتضمن القصص شخصيات وتجارب جذابة عاطفياً يمكن للقارئ الشعور بها، من المفترض أن تنقله إلى عالم شخصياتها. عندما نذكر تفاصيل فريدة حول الشخصيات، نعطي فرصة للجمهور للتعرف عليها ونتجنب تعريف الأشخاص عبر تجربتهم مع المشكلة فحسب. اذكر التفاصيل التي ترتبط بالمشاعر والتجارب الإنسانية المشتركة مثل الحب والانتصار والفداء والخسارة والفرح والإحباط والحيرة. وكما قالت الكاتبة جاكلين وودسون ذات مرة: "كلما كان وصفنا أدق، كان ما نصفه أشمل. الحياة في التفاصيل، والتعميم لا يلقى صدى عند أحد، الدقة في القصة هو ما يجعلها تلامس قلوب الناس".

على سبيل المثال، في مقطع فيديو بعنوان "غير قانوني تقنياً" (Technically Illegal)، تساعد مؤسسة ريفورم ألايانس (Reform Alliance) الجمهور على فهم الظلم الذي يتعرض له المخالفون لشروط الإفراج المشروط الذين يقدمون على انتهاكات "غير قانونية تقنياً" من خلال سلسلة من المشاهد القصيرة التي تروي كيف يعجز الناس عن قضاء الوقت مع الذين يحبونهم بسبب قوانين المراقبة. نشعر في هذا المقطع بالحيرة والقلق الذي يعانيه الناس، خائفين مما قد يحدث إذا ضُبطوا وهم يحضرون الدواء لطفلهم المريض في الليل، أو يعبرون حدود الولاية لزيارة أحد أفراد عائلتهم المرضى. من خلال حياة الأشخاص المعنيين، نفهم الدور الذي تؤديه مؤسسة ريفورم ألايانس في الحركة الأكبر لتحويل النظام الجنائي القانوني من خلال تسليط الضوء على تجارب الأشخاص الأكثر تضرراً به ومطالبة الناس بالمشاركة في إنهائه.

اسرد القصص بعناية واهتمام

رواية القصص هي أقوى أدواتنا لمساعدة الناس على فهم العمل الذي نؤديه، وبخاصة إذا رواها من يعاني الظلم وعدم المساواة. ومع ذلك، نحتاج نحن رواة قصص إلى الاهتمام الخاص بعدم تعرّض الذين يسردون قصصهم للاستغلال أو الصدمة أو لوصمهم بالعار. ويجب علينا بوصفنا قطاعاً للعمل الاجتماعي أن نتجنب السرد مع افتراض أننا محترفون ونعرف أكثر من غيرنا، وأن نسلم الموارد والفرص للذين يعانون الظلم ليرووا قصصهم بوصفهم شركاء واستراتيجيين.

أنشأت مؤسسة ديفاين أميريكا (Define American)، وهي مؤسسة تعمل على تغيير السردية المتعلقة بالمهاجرين، دليلاً إرشادياً رائعاً حول التعامل مع قصص الناشطين لضمان إشراكهم أخلاقياً بوصفهم شركاء. تتضمن توصياتهم أسئلة ليسألها رواة القصص مثل: هل الوقت مناسب لرواية قصتك؟ كيف كانت الأحوال منذ آخر تواصل بيننا؟ هل رويت قصتك من قبل؟

كما يلتزمون أيضاً بـ 1. نطاق العمل والتعويضات والجدول الزمني للمشاركة، ويسألون عما إذا كان ذلك يتماشى مع توقعاتك، 2. الملاحظات والاقتراحات لتعزيز الصحة النفسية لرواة القصص ورفاههم في العمل، 3. تحميل الذين نعمل معهم مسؤولية تكريم الإسهامات، وبخاصة في وسائل الإعلام.

بدأ العديد من المؤسسات تخصيص أموال لرواية القصص لتوضيح التأثير، ولكن لضمان عدم تسببنا بالضرر بوصفنا قطاعاً، يجب علينا الاهتمام برواة القصص.

لا يوجد تعارض بين سرد القصص الجذابة وسرد القصص حول التأثير. بوسعنا توظيف علم رواية القصص الرائعة والفنون الخاصة بها لتوضيح أثر إحداث تغيير جوهري وجعله جزءاً من بيئة عمل حركة التغيير الاجتماعي. عندما نبدأ برواية هذا النوع من القصص، فإننا نتجنب الإسهام في سرد روايات ذات تأثير سلبي تجعل من المستحيل تغيير الأنظمة والسرديات التقليدية. المؤسسات شركاء مهمون في العمل على إحداث التغيير. لتكن قصصنا مثالاً يحتذى به.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي