لم يكن فقدانها للبصر سوى البداية لقصة ملهمة، قررت من خلالها اللبنانية "سارة منقارة" أن تسخر نجاحها من أجل دعم أصحاب الهمم، ممن يواجهون التحديات المختلفة في كل المجالات. لذلك أمضت حياتها المهنية وهي تبذل الجهد من أجل تغيير الأقوال الشائعة عن التحديات التي قد يواجهها هذه الفئات من المجتمع.
بداية التحديات
فقدت سارة منقارة بصرها في السابعة من العمر؛ بسبب إصابتها بمرض الضمور البقعي، وهو حالة مرضية تصيب شبكية العين، وتسبب فقدان البصر، لكنها حرصت على الدراسة جيداً وبالفعل تفوقت في مادتي الرياضيات والعلوم.
وعلى الرغم من تهديد المرض لرحلتها العلمية، عندما اقترح المعلمون نقلها إلى صفوف دراسية أقل تحدياً، أصرت والدتها على بقاء "سارة" في فصول المتفوقين، ومتابعة دراسة بطريقة اعتيادية.
أسست سارة في أثناء دراستها بالجامعة، جمعية التمكين من خلال الاندماج غير الربحية (Empowerment Through Integration) بدعم مبادرة كلينتون العالمية؛ بهدف تطوير مجتمع أكثر شمولية والعمل على تمكين أصحاب الهمم من خلال التركيز على بناء القدرات وتحويل عقلية المهنيين المحليين والأسر في المجتمعات المحرومة. وفي الوقت ذاته، عكفت على متابعة دراستها، حتى حصلت على ماجستير في السياسة العامة عام 2014 من "كلية هارفارد كينيدي" الأميركية، وبكالوريوس في الرياضيات والاقتصاد عام 2011 من "كلية ويلسلي" في البلد ذاته.
تخيلت أنها ستتابع لنيل درجة الدكتوراه في الرياضيات والاقتصاد؛ لكن وجهة نظرها تغيرت تماماً خاصة بعد أن استضافت الجمعية أسستها كطالبة جامعية، مخيماً صيفياً شاملاً في لبنان.
لاحظت سارة في أثناء وجودها بالمخيم، أن العديد من الأطفال في جميع أنحاء العالم يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى الأدوات اللازمة للنجاح. لذلك قررت أن تسخر كل جهودهم من أجل دعمهم، وتتذكر أنها قالت: "لقد أخبرت العالم بأنني فخورة بأن أكون كفيفة البصر".
القيمة لدعم حقوق الإنسان
في مقابلة مع موقع "شير أميركا" (ShareAmerica) قالت سارة: "إننا بحاجة إلى تعزيز فكرة إدماج الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وعدم النظر إليها على أنها صدقة أو شفقة، وإنما على أساس أنها الشيء الصحيح الذي يجب فعله كقضية حقوق إنسان قائمة على القيمة". لذا، فقد حرصت على الاستمرار في دورها الداعم، انطلاقاً من تجربتها كامرأة لبنانية أميركية مسلمة كفيفة البصر.
وكانت سارة صورة واقعية عن إمكانية إشراك أصحاب الهمم في العملية الديمقراطية وكيف يمكن أن يكون لدى هذه الفئة قادة يمثلونهم ويدافعون عن مصالحهم على الصعيد العالمي.
وعندما لا تكون منخرطة في مناصرة قضايا أصحاب الهمم فإنها تستمتع جولة في نزهة، أو استكشاف كل ما هو جديد. كما تحب القراءة بنهم، حيث تقول: "إنني أبحث دائماً عن الكتاب التالي لأغرق فيه أو عن البركان التالي لاتجول حوله".
وحالياً، بعد أن عينها الرئيس الأميركي "جو بايدن" لشغل منصب مستشارة الولايات المتحدة لحقوق أصحاب الهمم الدولية، أصبحت مسؤولة عن ضمان دعم الدبلوماسية الأميركية والمساعدات الخارجية على المستوى العالمي. فحسب بيان وزارة الخارجية الأميركية، فإنّ تداعيات الجائحة، وتغيّر المناخ، والاضطرابات السياسية، تؤثّر بشكل غير متناسب على أصحاب الهمم؛ ما يجعل تعيين "منقارة" ضرورياً أكثر من أي وقت مضى.
وهكذا، فهي ثاني شخص يعيّنه الرئيس الأميركي في هذا المنصب بعد "جوديث هيومان"، التي عينها "باراك أوباما" في عام 2010.
مراعاة حياة أصحاب الهمم
شددت سارة منقارة أهمية إشراك أصحاب الهمم في عمليات التخطيط من قبل المدارس والحكومات وأصحاب العمل، وذلك بدلاً من عزلهم عن مجريات الحياة الطبيعية. حيث تؤكد: "ستقول المؤسسات في المجتمع إنها لا تملك التمويل أو الموارد اللازمة لتكون شاملة. إنني أسمع ذلك كثيراً؛ ومع ذلك، فإن تبني نهج يشمل الجميع والتخطيط لإمكانية إتاحة الفرص منذ البداية يعود بالنفع على الجميع".
استشهدت منقارة بقانون الأميركيين ذوي الإعاقة للعام 1990 نموذجاً لتغيير البيئة المحيطة بأصحاب الهمم. فقد أتاح لها هذ القانون الالتحاق بالمدارس العامة. كما تحرص على سرد مسيرتها العلمية والعملية في الدورات التي تقوم بها حول العالم؛ لإلهام الشباب من أصحاب الهمم.
وفي الوقت الذي لجأ العالم إلى التعامل الافتراضي، دون الحاجة إلى التشاور وجهاً لوجه ومراعاة شعور الآخرين وتعزيز الإنسانية بداخلهم، كان عالم أصحاب الهمم هكذا منذ البداية، إذ تقول سارة: "لقد كان يتعين على كل شخص أن يتعلم كيف يصبح أكثر إنسانية مع الآخرين، وأن يكون مفهوماً ويمكن الوصول إلى ما يريد التعبير عنه. نحن نقول ذلك منذ وقت طويل في مجتمع أصحاب الهمم". كما تؤكد أنهم بمثابة قوة متكاملة للتقدم يمكنها دفع عالمنا إلى الأمام.
لا تكل "منقارة" من الانخراط في قضايا أصحاب الهمم، فباتت متحدثة معترف بها دولياً لإدماج التحديات الخاصة والقيادة والتمكين الفردي والمشاريع الاجتماعية، وتقدّم العديد من ورش العمل التحويلية والتفاعلية، وتستكشف أهم المناهج حول تكييف التحديات الاجتماعية، والصعوبات التي قد يواجهها أصحاب الهمم في أماكن العمل. ومن هنا، كان دورها القوي ملهماً خاصة في ظل الصعوبات التي طالت العالم إثر الجائحة، والكثير من النزاعات التي تؤثر على حياة أصحاب الهمم.