كيف تساعد روبوتات الدردشة الطلاب من أصحاب الهمم على التعلم؟

6 دقائق
روبوتات الدردشة
shutterstock.com/Bahau

في عام 2016، فاجأ أشوك جويل، أستاذ علوم الحاسب في جامعة "جورجيا"، طلابه بمساعدته الجديدة، جيل واتسون، التي يستطيعون مراسلتها بشأن كل ما يتعلق بمحاضراته. كانت جيل مساعدة نشيطة للغاية، تجيب عن آلاف الأسئلة في وقت واحد، بشكل كامل وسريع ومن دون أخطاء تقريباً. لا تكل ولا تمل من كثرة الاستفسارات وتكرارها. لم تبد جيل للطلاب أكثر من مساعدة نشيطة وحريصة على إنجاز مهامها، ولكنهم لم يدركوا أنها لم تكن من البشر! نعم كانت جيل مساعدة افتراضية على شكل روبوت للدردشة "شات بوت"، وقد أتمت عملها على نحو مثالي لدرجة أزاحت العبء عن ثمانية مساعدين بشريين لجويل.

دخل الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم على نحو بارز خلال السنوات الأخيرة. ويتضح ذلك جلياً في تقرير حديث يفيد بتعاظم قيمة قطاع التعليم المعتمد على الذكاء الاصطناعي ليتجاوز 20 مليار دولار بحلول عام 2027. فظهر الكثير من التطبيقات القائمة على الذكاء الاصطناعي والمصممة خصيصاً لتلبية الاحتياجات التعليمية للأفراد مثل تعلم لغات جديدة أو تحسين المعرفة في مجالات مختلفة. وكان أبرز هذه التطبيقات روبوتات الدردشة، التي بدأ الحديث عنها منذ سنوات كأداة فعالة تحسّن جودة العملية التعليمية، وتعزز مخرجاتها.

ولكن إذا كان التعليم بشكل عام يحتاج إلى خوارزميات الذكاء الاصطناعي تلك ليقودها إلى التغيير الملائم للعصر، فإن الطلاب من ذوي الحاجات الخاصة سيحتاجون إليها على نحو ملحّ لحل مشكلات متجذرة في مسيرتهم التعليمية تؤدي إلى انخفاض نتائجهم التعليمية عن نظرائهم في الظروف العادية. فبحسب دراسة للكاتب الاقتصادي ديون فيلمر، والمنشورة في "المجلة الاقتصادية للبنك الدولي" (The world bank economic review)، كان الرابط بين النتائج التعليمية المنخفضة والطلاب ذوي الحاجات الخاصة أكثر وضوحاً مقارنة بالرابط الموجود مع عوامل مثل النوع أو مكان الإقامة أو الدخل المنخفض.

عادة ما يحتاج الطلاب من ذوي الحاجات الخاصة إلى معاملة خاصة ومنهاج خاص. لذا، يفترض أن يرافق هؤلاء الطلاب معلمون مدربون، أو معالجون نفسيون، أو معلمو الظل (وهو مساعد فردي يمثل حلقة الوصل بين الطالب ذي الحاجات الخاصة ومعلم الفصل، ويقوم بالدور ذاته بين الطالب وأسرته). ولكن على ما يبدو أن ذلك لا يخرج النتائج المثالية من هؤلاء الطلاب، وهذا ما يراه هؤلاء المعلمون أيضاً. ففي دراسة أجراها الباحث أحمد خميس، في "الجامعة البريطانية" بدبي، بعنوان "موقف المعلمين تجاه استخدام روبوتات الدردشة في عملية التعلم للطلاب أصحاب الحاجات الخاصة"، أظهرت النتائج أن المعلمين المشاركين أبدوا موافقة لأهمية استخدام روبوتات الدردشة لصالح الطلاب ذوي الحاجات الخاصة، وعزماً لتطبيقها مع طلابهم، مع الإقرار بفاعليتها، على أن يكون دورها مكملاً للمعلم وليس بديلاً عنه.

كان الهدف من الدراسة هو معرفة مدى استعداد المعلمين لتطبيق هذه التقنية، مع التأكد من رؤيتهم لمدى فاعليتها مع الطلاب، خاصة أنهم الطرف الأكثر خبرة في التعامل مع الطلاب ذوي الحاجات الخاصة، والأكثر دراية باحتياجاتهم.

كيف تساعد روبوتات الدردشة الطلاب ذوي القدرات الخاصة؟

وصف مؤسس شركة "مايكروسوفت"، بيل غيتس، خوارزمية روبوتات الدردشة بـ "المستشار الخاص" للطلاب، حينما تنبأ منذ سنوات باجتياحها النظام التعليمي كمستشار مجاني متاح لكل طالب. هذا الوصف بالضبط لـ "الشات بوت" ما يحتاج إليه الطلاب من ذوي الحاجات الخاصة لحل المشكلات التي يواجهونها خلال مسيرتهم التعليمية، وهذه أبرز الحلول:

1- مراعاة التمايز الفردي

لدى الطلاب من ذوي المهارات احتياجات مختلفة، بل إن الطلاب المشتركين في حاجة خاصة أو مرض معين واحد يختلفون فيما بينهم في مهاراتهم واحتياجاتهم مثل مرض التوحد. وبالتالي، تختلف صعوبات التعلم بينهم، فيواجه بعضهم صعوبات في الرياضيات، ومجموعة أخرى في الكتابة، ويجد آخرون صعوبة في المهارات الاجتماعية، وغيرها. لذا، من الواضح أن طريقة "منهاج واحد يناسب الجميع" لن تنطبق على هؤلاء الطلاب. فبدلاً من توفير منهاج خاص، ومعلم خاص لكل طالب، وهو أمر صعب جداً، تظهر تقنيات الذكاء الاصطناعي للقيام بهذا الدور وعلى الوجه الأمثل له. فيمكن لهذه الروبوتات مساعدة الطلاب على الوصول إلى إمكاناتهم الحقيقية من خلال التدريب الفردي والتركيز أكثر على المجالات التي يحتاجون إلى تحسينها على وجه التحديد. فتتغير ردود الروبوت وطريقة تعليمه والجوانب التي يركز عليها وفقاً لخصائص المتعلمين مثل العمر، ونوع الحاجة الخاصة، ومستوى الصعوبة، وشكل الاستجابة، والهوايات الخاصة بكل طالب، وغيرها، إذ ينطوي الأمر على إنشاء هيكل تعليمي مصمم خصيصاً لقدرات كل طالب بطريقة محفزة، كما يمكن للمدرسين ضمان استمرار كل طالب في متابعة المنهج وفقاً لوتيرته الخاصة.

2- تعزيز المهارات الاجتماعية

يعاني الطلاب من ذوي الحاجات الخاصة بعض المشكلات الاجتماعية في الاختلاط والتجاوب، مثل المصابين بالتوحد على سبيل المثال، إذ يصعب على بعضهم الاندماج مع نظرائهم من الطلاب، وكذلك مع المعلمين حتى معلمي الظل المرافقين لهم. وهنا يظهر دور إيجابي آخر لخوارزميات الذكاء الاصطناعي وهي توفير قدر أكبر من الراحة لهؤلاء الطلاب.

توصل الخبراء لهذه الميزة، حينما لاحظوا دور الروبوتات في تحسين مهارات الكلام والمحادثة للأطفال مع تعليمهم أيضاً الذكاء العاطفي. فعلى سبيل المثال، استعانت مدرّسة ابتدائية بريطانية بـ "ناو" (NAO)، روبوت يبلغ طوله قدمين يطرح الأسئلة ويرد عليها وكأنه بشري، ولاحظت المدرّسة أن الطلاب يحققون قفزات نوعية اجتماعية بمساعدة الروبوتات. فمثلاً طلب طفل منعزل إمساك يد الروبوت واصطحابه في نزهة على الأقدام، وكانت المرة الأولى التي يقدم فيها على فعل مماثل ما أذهل معلميه ووالديه.

الأمر ذاته مع الروبوتات الافتراضية، مثل سيري على سبيل المثال، الذي أبلغ العديد من الأمهات عن تأثر أطفالهن من ذوي الحاجات الخاصة بالتعامل معهم على مدار اليوم، وتبرر إحداهن: "ابني يعلم أن سيري لن يسخر منه يوماً".

3- زيادة الانتباه

تظهر دراسات عدة أن التعليم الذي يعتمد على التكنولوجيا يساعد الأطفال على الفهم بشكل أسهل من الدراسة المجردة. إذ يعمل على جذب انتباههم وزيادة مدة تركيزهم. روبوتات الدردشة تستطيع فعل الشيء ذاته خاصة أنها لا تحوي فقط نصوصاً، وإنما يمكنها الرد بصور ومقاطع فيديو، بالإضافة إلى النكات والردود المثيرة التي تجعل الطالب متحمساً للتفاعل، ما يمدد قدرته على التركيز والانتباه.

وبينما يبلغ متوسط فترة الانتباه المتواصلة لدى الطالب العادي من 10 إلى 15 دقيقة، فإن بعض الطلاب من ذوي القدرات الخاصة مثل المصابين بمتلازمة فرط الحركة وتشتت الانتباه قد يجدون صعوبة في التركيز المتواصل لدقيقتين. لذا، قد يكون وجود منهاج خاص توفره خوارزمية دردشات الروبوت مفيداً في زيادة انتباه هؤلاء الطلاب، فضلاً عن المتعة التي ستضيفها للعملية التعليمية التقليدية.

4- دعم فرص النجاح

الأمر ليس مقتصراً على تقديم الدعم في سنوات التعليم الأساسية فقط، وإنما يمكن لخوارزمية روبوتات الدردشة دعم فرص الطلاب في الالتحاق بالجامعة المناسبة، أو الدورات التدريبية المؤهلة، بل وحتى فرص العمل أيضاً التي تعيقها الطرق التقليدية.

فعلى سبيل المثال، أفادت نتائج بحث، أجرته الجامعة المفتوحة في المملكة المتحدة، عام 2018، أن طرق التسجيل التقليدية التي تتبعها الجامعات تشكل عبئاً إضافياً على الطلاب ذوي الحاجات الخاصة، وتحرم الكثير منهم من الالتحاق بفرص يستحقونها. فكانت أبرز العوائق التي رصدها البحث هي عدم ارتياح الطلاب للإفصاح المتكرر عن حاجاتهم الخاصة، وعدم قدرتهم أحياناً على طلب الدعم الذي يحتاجون إليه بالضبط، إلى جانب جمود استمارات التسجيل بشكل لا يضع اختلافاتهم في الاعتبار.

قادت هذه النتائج شركة "مايكروسوفت" من خلال مبادرتها "إمكانية الوصول المدمجة بالذكاء الاصطناعي" (Microsoft AI for Accessibility) إلى تبني إنشاء روبوت دردشة ذكي يدعى "تايلور"، مهمته المساعدة في عملية التسجيل للطلاب، إذ كانت تتم بشكلها التقليدي عن طريق ملء استمارة والتحدث مع مستشار عبر الهاتف، الذي قد يكون مجرد طالب متطوع. وبسبب قدرة هؤلاء المتطوعين المحدودة لم تكن العملية تسير على ما يرام.

فكانت مهمة روبوت الدردشة "تايلور" التحدث إلى الطلاب وطرح الأسئلة ليجيبوا عنها. ونجح الروبوت في مهمته، إذ كان الطلاب يفضلون التحدث إلى تايلور، فيقول أحدهم: "في بعض الأحيان، كان من الصعب للغاية مناقشة حاجاتي الخاصة، أما إجراء المحادثة مع مساعد افتراضي، فسهّل الأمر وجعله يبدو كأنه سري".

5- زيادة الاعتماد على النفس

يحتاج الطلاب ذوو الإعاقة البصرية إلى مرافق في بعض الاختبارات لتسهيل الأمور وتسريع وتيريتها، ولكن هذا الموقف تحديداً يحمل الكثير من الصعوبات، كأن يكون المرافق على غير علم بمضمون الاختبارات أو غير متخصص بما يتخصص به الطالب الممتحَن، أو يصاب المرافق بالإرهاق والملل إذا طال الاختبار، وغيره. لذلك، سيكون الاعتماد على خوارزمية تُمكن الطالب من إنجاز اختباراته بنفسه خطوة جيدة في مسيرته. فعلى سبيل المثال، ابتكرت منظمة "إنيبل" (inABLE)، وهي منظمة غير ربحية في كينيا تعمل على تمكين المكفوفين وضعاف البصر، مساعداً افتراضياً يدعى "آي أسيستنت" (I-Assistant) لمساعدة الطلاب على إجراء الاختبارات بشكل أكثر استقلالية عن طريق محادثة آلية مدعومة بالذكاء الاصطناعي. إذ يعالج النصوص ويحولها إلى حديث مفهوم، ويمكّن الطالب من التنقل بذكاء خلال الاختبار وتنفيذ بعض الإجراءات مثل "العودة إلى السؤال الذي تخطيته" أو طرح أسئلة مثل "كم عدد الأسئلة التي أجبت عنها؟" أو "كم من الوقت بقي لي؟".

روبوتات الدردشة مثل بقية تطبيقات الذكاء الاصطناعي تتطور من تلقاء نفسها خاصة مع الأنظمة الحديثة. فلا ننسى ما فعلته شركة "ديب مايند" (DeepMind) التابعة لـ "جوجل"، حينما صممت برنامجاً علمته لعبة اللوحة المعقدة "جو" (GO) في غضون أيام قليلة، وبعد أيام من لعب البرنامج أمام نفسه، تمكن من هزيمة بطل العالم في اللعبة في 5 جولات كاملة.

المدارس في منطقتنا العربية بحاجة إلى إعادة النظر في دمج خوارزميات الذكاء الاصطناعي على نحو أكثر وضوحاً، لتصبح ركيزة أساسية لتحسين جودة التعليم من ناحية، ودعم الطلاب من ذوي الحاجات الخاصة تحقيقاً للمساواة في اقتناص الفرص المناسبة مع نظرائهم من ناحية أخرى.

تُشر هذا المقال استناداً إلى بحثٍ مقدّم من مركز "أبحاث الشباب العربي".

المحتوى محمي