كيف تسهم القصص في فهم القضايا المعقدة؟

رواية القصص
shutterstock.com/Dnai Amponndanai
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

القصص هي أقوى أداة يمكننا من خلالها تعميق الفهم بالقضايا المعقدة والتفاعل معها. و”رواية القصص” بطريقة جيدة يمكن أن يؤدي إلى تغيير المعتقدات والسلوكيات.

تُعد رواية القصص من أقوى الأدوات التي يمكننا من خلالها إشراك المجتمعات في القضايا الاجتماعية والبيئية المعقدة، بطرق يمكن أن تؤدي إلى تغيير المعتقدات والسلوكيات. إذ تزداد احتمالية أن يتذكر الأشخاص المعلومات إذا تلقوها في شكل قصة. وللقصص الجيدة أيضاً قدرة مذهلة على الحد من الحجج المضادة بشأن القضايا الخلافية. عندما ينبهر الأشخاص بقصة رائعة، فإنهم يتذكرون أحداثها ويشعرون أنهم مَن عاشوا هذه التجارب. ولذلك فإن القصة لديها القدرة على التأثير في المعتقدات المستقبلية حول القضايا ذات الصلة.

يتصف العديد من القضايا التي يعمل عليها القطاع الاجتماعي بأنها معقدة، ومن بينها التغير المناخي وإصلاح نُظم العدالة الجنائية والعنف الجنسي والعدالة العِرقية والإنصاف في المجال الصحي والتعليم الجيد، كما أن المشكلات المرتبطة بها ناتجة عن السياسات والممارسات المؤسسية المعيبة والمتداخلة والأعراف الثقافية وطرق التفكير. غالباً ما نتحدث عن معالجة هذه المشكلات، ما يُعرف أيضاً بـ “التفكير على مستوى النُظم”، باستخدام البيانات والمصطلحات المجردة مثل “المساواة” و”العدالة”. ومع ذلك، فإن هذه الطريقة في الحديث عن القضايا المعقدة تترك مجالاً للأشخاص لوضع افتراضاتهم وتحيزاتهم حول ما تعنيه هذه الكلمات، ولم يسبق أن اتخذ أحد أي إجراء بسبب رسم بياني رائع أو نقطة بيانات رائعة.

لذلك يجب على المؤسسات أن تروي قصصاً تساعد الناس على فهم مختلَف التعقيدات التي تشكل القضية التي تعالجها. وينطبق هذا بوجه خاص عند التواصل مع الأشخاص الذين لا يرون بسهولة أن مشكلات مثل التحيز ضد المرأة في مكان العمل أو انعدام فرص الحصول على رعاية صحية جيدة هي نتيجة أسفر عنها نظام أكبر.

علم رواية القصص هو دراسة كيفية رواية القصص عمداً للتغلب على الحواجز النفسية التي يمكن أن تحول دون تغيير المعتقدات والسلوكيات أو تشجع على ذلك، وهو يقدم رؤى يمكن أن تساعد المؤسسات على رواية قصص مؤثرة ومقنعة حول القضايا المعقدة.

في أكتوبر/تشرين الأول عام 2016، جمعت أنا وزملائي في كلية الصحافة والتواصل بجامعة “فلوريدا” 25 باحثاً من جميع أنحاء العالم يدرسون جوانب مختلفة من رواية القصص. كان الهدف من جمعهم معاً هو البحث بعمق في العلم المعني بتحديد ما يجعل قصة ما أفضل من غيرها. ومنذ ذلك الحين وضعت أنا وآن كريستيانو أستاذة كرسي فرانك كاريل في مركز “التواصل للمصلحة العامة” ومات شيان مدير شؤون القصص والمنصات الناشئة، إطار عمل لتأليف قصص أفضل، وهو قائم على أفضل ما استخلصناه من العلم الذي استكشفناه خلال هذا الاجتماع ومن خلال إجراء المزيد من البحوث. نطبق في هذه المقالة 4 من هذه الأفكار على القصص المتعلقة بالقضايا المعقدة تحديداً.

1. اروِ قصصاً عن الأفراد

من الأفضل رواية القصص حول القضايا المعقدة من زاوية حياة الأشخاص الذين توضح تجاربهم مختلف النُظم المؤثرة. وجدت كارين وال-جيرغنسون الباحثة في وسائل الإعلام بجامعة “كارديف”، من خلال دراستها للقصص الحائزة على جائزة “بوليتزر” (Pulitzer) على مدار 20 عاماً، أن 62% من القصص كانت حول قضايا مجتمعية معقدة وواسعة النطاق ورُويت من منظور الأفراد الذين جسدت حياتهم تلك المشكلات. قد يكون النظام (النُظم) شخصية في القصة (على سبيل المثال، وحش يجب هزيمته) أو المكان الذي تعيش فيه شخصياتك أحداثاً معينة.

على سبيل المثال، الفيلم الوثائقي لشركة “آتش بي أو” (HBO) بعنوان من راتب إلى راتب: حياة كاترينا غيلبرت (Paycheck to Paycheck: The Life and Times of Katrina Gilbert)، من إنتاج منصة “ذا شرايفر ريبورت” (The Shriver Report)، طبَّق هذا بشكل ممتاز. كما يوضح ملخص الفيلم:

يعرض الفيلم التحديات اليومية التي تواجهها ملايين النساء في أميركا اليوم من خلال هذه القصة لأم تربي أبناءها بمفردها في ولاية تينيسي، وكفاحها لإعالة أسرتها براتب مقارب للحد الأدنى للأجور. تم تصوير الفيلم في مدينة تشاتانوغا بولاية تينيسي، ويتتبع الفيلم عاماً من حياة كاترينا غيلبرت، وهي امرأة تبلغ من العمر 30 عاماً وتعمل فوق طاقتها وتتقاضى أجراً أقل مما تستحق وغير مشمولة بتأمين، وتعمل مساعدة تمريض معتمدة بينما ترعى أطفالها الثلاثة الصغار.

وفي نهاية الفيلم نفهم العوامل الاجتماعية المختلفة التي تحد من الخيارات التي يجب عليها اتخاذها في أثناء عملها لإعالة أسرتها. ونرى أنها تتقاضى أجراً أقل مما تستحق ولديها فرص ضئيلة للحصول على الرعاية الصحية ورعاية أطفالها. وفي نهاية القصة نصل إلى فهم أعمق لعدم المساواة القائمة على النوع الاجتماعي والفقر والرغبة في تغيير النظام لنساء مثل كاترينا وحلول سياسية واضحة.

لا تُعد القصص التي ترسخ القضايا المعقدة في حياة الأفراد أكثر تأثيراً فحسب، بل من المرجح أيضاً أن تغير سلوك الأشخاص. يدرس بول سلوفيتش، عالم النفس الاجتماعي في معهد “القرار” بجامعة “أوريغون”، سبب عدم اكتراث الناس بالمعلومات المتعلقة بالإبادة الجماعية والجرائم الشنيعة المرتكبة ضد الإنسانية. ويقول إن الأشخاص يصابون بما يسمى بـ “الخدر النفسي” (psychic numbing)؛ أي سحب الاهتمام والتعاطف، عندما تُقدَّم لهم كمية كبيرة من البيانات حول عمل وحشي. ووجد أنه مع زيادة عدد الوفيات والأعمال الوحشية، تقل استجابتنا العاطفية.

في دراسة حديثة حول “الخدر النفسي” والصراع السوري، وجد سلوفيتش وزملاؤه أن قصصاً مثل قصة إيلان الكردي، الطفل الذي جرفت الأمواج جسده إلى الشاطئ بعد محاولة هروب أسرته من الصراع في سوريا، يمكن أن تدفع الناس إلى معرفة المزيد عن القضية واتخاذ مبادرات. بعد أن لاقت قصة إيلان صدى واسعاً، ازداد عدد عمليات البحث على “جوجل” عن الصراع السوري وأيضاً ازدادت التبرعات لصندوق مخصص لمساعدة اللاجئين السوريين زيادة هائلة. وفي حين أن التبرعات انخفضت ببطء بمرور الوقت، فإنها لا تزال أكثر مما كانت عليه قبل أن نعلم قصته.

أخيراً، يمكن أن تكون القصص أكثر فعالية في تغيير المعتقدات أو السلوكيات عندما يتعاطف الأشخاص مع شخصية ما، بما في ذلك الأعراف الثقافية أو الحالة الاجتماعية والاقتصادية أو الهويات الاجتماعية أو الموقع الجغرافي أو الخبرة الحياتية أو قيم هذه الشخصية. وسواء كانت القضية تتعلق بزيادة إجراء فحص “فيروس الورم الحليمي البشري” (HPV) للأميركيات من أصل إفريقي واللاتينيات أو استقطاب الدعم للسياسات المتعلقة بالعوامل الاجتماعية المحددة للصحة، عندما يتعاطف الأشخاص مع شخصية ما، تزداد احتمالية أن تكون القصة مؤثرة وأن تجذب انتباههم.

من الأمثلة الجيدة على ذلك شخصية بيغي أولسن في المسلسل التلفزيوني الشهيرماد مين” (Mad Men)، وهي دراما خيالية تتبعت حياة العاملين في مجال الإعلان في نيويورك خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. في حين أن معظم المشاهدين فهموا أن النساء تعرضن للتمييز في مكان العمل خلال هذه الفترة، ربما كان من الصعب على الذين لم يعيشوا تلك التجارب أن يفهموا المعايير الاجتماعية والمؤسسية التي وطدت التحيز والتمييز ضد المرأة. من خلال قصة بيغي، وهي شابة تشق طريقها من خلال العمل في وكالة إعلانية يهيمن عليها الذكور، يتعرف الجمهور على العوامل النظامية والاجتماعية المختلفة التي تشكل تجربتها. ونشاهد الظلم الذي تشعر به لمعاناتها من التحيز الضمني والصريح داخل المؤسسة والثقافة التي تعيش فيها. حتى الأشخاص الذين ينظرون إلى الأمور من منظور “حسِّن وضعك بنفسك”، رأوا أنه لم يكن هناك تكافؤ في الفرص.

في الوقت نفسه، هذه الشخصية لا تصف النسوية بشكل متشدد لدرجة تجعل من الصعب على بعض الجماهير التعاطف معها. فكما قالت إليزابيث موس، الممثلة التي أدت دور بيغي، لمجلة فولتشر” (Vulture): “لن تخرج بيغي عن المألوف؛ فهي تمثل نسوية من نوع مختلف. إنها المرأة التي تعمل بجد وتركز على وظيفتها وتريد الارتقاء في عالم عملها. وتطورها التدريجي وتمثيلها للنسوية، ربما يتحقق بطريقة أكثر واقعية إلى حد ما. كان عدد هؤلاء النساء أكبر من عدد النساء اللاتي خرجن عن المألوف. فهؤلاء النساء هن اللواتي أخذن زمام المبادرة بالفعل وطالبن بالمساواة في الأجور والحقوق وبمعاملة أفضل في مكان العمل. وهي من هؤلاء النساء”. وعلى هذا النحو، فإن بيغي شخصية على علاقة وثيقة بالجمهور ووفرت له سبيلاً لفهم التمييز على أساس الجنس في مكان العمل والنفور منه.

2. اترك مساحة لجمهورك لفهم المغزى من القصة

تترك أفضل القصص مساحة للجمهور لإدراك الحقائق. فكر في أفلامك وكتبك المفضلة؛ ربما لم يتم ذكر المغزى من القصة بشكل صريح، ولكن تم إظهاره من خلال التجارب التي تمر بها الشخصيات. وبالمثل، مهمتنا هي رواية قصص عن القضايا الاجتماعية بحيث تتيح لجمهورنا القيام بجزء مما يجب القيام به. بعبارة أخرى، اسألهم عن حاصل 2 + 2، بدلاً من أن تقول لهم إنه 4. ولهذا الأمر أهمية خاصة عندما نروي قصصاً عن قضايا معقدة تنطوي على عدد من العوامل المترابطة.

قامت مقالة “لقاء الأحبة” (Love’s Road Home)، التي نُشرت في صحيفة “نيويورك تايمز”، بهذه المهمة بشكل جيد للغاية. تركز أحداث هذه القصة الحقيقية على آشلي فولك التي تحب زميلها صامويل سياتا، وهما مخطوبان منذ فترة طويلة ومتشوقان للزواج وبدء حياتهما معاً. ولكن صامويل من قدامى المحاربين الأميركيين وخدم في أفغانستان ويعاني اضطراب ما بعد الصدمة. عندما عاد إلى المنزل، واجه بعض المشكلات القانونية ونفد معاش الإعاقة الذي حصل عليه، وواجه صعوبة في إيجاد وظيفة، ما اضطرهما إلى تأجيل حفل زفافهما عدة مرات بسبب المشكلات المالية. كانت آشلي تعمل بلا كلل لدعم الرجل الذي تحبه بينما يبحث عن عمل ويتعافى من مشكلاته النفسية. أخذ صامويل دورة في النجارة والتحق ببرنامج للتلمذة الصناعية مع الاتحاد المحلي للنجارين الذي يقدّر قيمة تعيين المحاربين القدامى، ولكن فقط بعد أن سمع قصته قاضٍ توفي ابن أخيه في أفغانستان. وبعد أسبوعين، تزوج صامويل بآشلي.

السبب في أن هذه القصة وجدت صدى لدى الناس هو أنها ليست مجرد قصة محزنة أخرى حول النُظم الفوضوية لوزارة شؤون المحاربين القدامى أو الموارد المحدودة المخصصة لإعادة تأهيل المحاربين القدامى وإعادة اندماجهم في المجتمع المدني. كما أنها ليست صحيفة وقائع تعرض العوامل المختلفة التي تؤدي إلى هذه المشكلة المعقدة في النُظم. إنها قصة حب نُشرت في قسم “وعود” (Vows) بصحيفة “نيويورك تايمز”. وعيش هذه القضايا من خلال رحلة هذين الزوجين يجعلنا نفهم مدى تعقيد الأمور المتعلقة بالصحة النفسية وإعادة التأهيل وإعادة الاندماج في المجتمع بالنسبة إلى المحاربين القدامى، ما يجعلنا نشجعهم وندعمهم. إذ يمكننا أن نتخيل ما يعنيه أن تحب شخصاً ولا تستطيع الزواج منه بسبب عوامل اجتماعية واقتصادية. وبنهاية المقالة، نهتم لأمر هذين الزوجين ونتوق إلى إيجاد حل للحواجز النظامية التي تحد من قدرة المحاربين القدامى مثل صامويل على إيجاد وظيفة. وندرك أيضاً أن التعاون مع المؤسسات لتوظيف هؤلاء المحاربين يمكن أن يكون حلاً محتملاً لهذه المشكلة. وبالتالي فإن الأشخاص الذين لم يقرؤوا مطلقاً عن مشكلات المحاربين القدامى لن يفهموا هذه القضية فحسب، وإنما سيهتمون بها أيضاً وسيكون لديهم قصة يمكنهم مشاركتها مع أصدقائهم وعائلاتهم عند مناقشتها.

3. استخدم المساحات الفارغة بطريقة استراتيجية

عند رواية قصص حول القضايا المعقدة للأشخاص الذين يختلفون معنا، فإن ما ندرجه في القصة يجب ألا يقل أهمية عما نستبعده منها. أشير أنا وزملائي إلى هذا بـ “استخدام المساحات الفارغة والممتلئة بطريقة استراتيجية”. يقرأ الناس القصص وهم يفكرون في افتراضاتهم ووجهات نظرهم، لذلك فإن علينا أخذها في الحسبان. على سبيل المثال، لأخذ الافتراضات المتعلقة بالتحيز في الحسبان، يجب أن نترك مساحة فارغة للقراء ليروا كيف تعبر القصة عنهم وعن قيمهم ورؤيتهم للعالم. وفي الوقت نفسه، يجب علينا خلق مساحات ممتلئة تضم تفاصيل حول العوامل النظامية التي تصحح هذه التحيزات والافتراضات.

على سبيل المثال، درس جيف نيدرديبي، الأستاذ المشارك في التواصل بجامعة “كورنيل”، وزملاؤه استخدام القصص لفهم العوامل الاجتماعية المحددة للصحة، من خلال الإقرار بدور العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسات المؤسسية في تشكيل النتائج المتصلة بالصحة، وقدرتها على الإقناع لتغيير السياسات المتعلقة بالعوامل الاجتماعية المحددة للصحة. يمكن أن يشكل هذا النوع من التغيير في السياسات تهديداً للأشخاص الذين يرون أن الصحة مسؤولية فردية، لذلك فإن تقديم معلومات للأشخاص تتحدى الطريقة التي ينظرون بها إلى الصحة قد يجعلهم أكثر ميلاً إلى تجنب معلوماتك أو البحث عما يثبت أنك مخطئ. ولكن رواية القصص التي تبدأ بتناول نظرة الناس للعالم وتتخطى تحيزاتهم، يمكن أن تكون طريقة فعالة في كسب دعمهم.

كتب نيدرديبي وزملاؤه:

يجب أن يصوغ مناصرو قضايا الصحة رسائلهم بحيث تقر بدور القرارات الفردية حول السلوك مع التأكيد على دور العوامل الاجتماعية المحددة للصحة. قد تستخدم هذه الرسائل القصص لتقديم أمثلة على أفراد يواجهون حواجز هيكلية (ظروف عمل غير آمنة أو عدم شعورهم بالأمان في الحي السكني أو انعدام فرص المشاركة المدنية) تعترض طريق الجهود المبذولة لتجنب الفقر والبطالة والتمييز العنصري والعوامل الاجتماعية المحددة الأخرى…ولا ينبغي لهذه القصص والصور أن تصرف الانتباه عن العوامل الاجتماعية المحددة للصحة والتفاوتات بين السكان في الحصول على الرعاية الصحية، أو تؤكد الصور النمطية السلبية، أو تثير ردود فعل عاطفية عكسية تجاه مصدر الرسالة.

هذا هو بالضبط ما فعلته “مؤسسة روبرت وود جونسون” (RWJF) في إحدى الحملات لإقناع أعضاء “الكونغرس” المحافظين المعتدلين وموظفيهم بدعم السياسات المتعلقة بالعوامل الاجتماعية المحددة للصحة. فمن خلال البحوث، اكتشف فريق المؤسسة أن هذه المجموعة ترى أن الصحة رحلة فردية، لذا استخدم هذه الاستعارة لرواية قصص حول الأفراد الذين كانوا في رحلة لتحسين صحتهم ولكنهم واجهوا حواجز نظامية قد لا تواجهها فئات سكانية أخرى.

4. ارسم صورة في ذهن جمهورك

غالباً ما تعتمد المؤسسات على مفاهيم مجردة مثل المساواة والابتكار والعدالة لتوصيل الأفكار الكبيرة المعقدة. إلا أن هذه المفاهيم تترك مجالاً للأشخاص لوضع افتراضات حول ما تعنيه. على سبيل المثال، معنى العدالة بالنسبة إلى الأشخاص المحافظين سيكون مختلفاً عن معناها بالنسبة إلى الليبراليين. وقد تشير العبارات الغامضة إلى موقف سياسي معين بشأن قضية أو حل ما، ما يدفع الأشخاص إلى تجنب أو إنكار هذه القضية أو الحل إذا شعروا أنها تهدد تفضيلاتهم. لذا، بدلاً من استخدام المفاهيم المجردة، يجب أن نستخدم لغة بصرية ترسم صورة لما تبدو عليه المشكلات والحلول المرتبطة بهذه المفاهيم في ذهن جمهورنا. فعندما تستخدم لغة بصرية، ستزداد احتمالات أن يتذكر الأشخاص رسالتك، وستقل احتمالات أن يسيئوا تفسير معلوماتك. سيضمن القيام بذلك أن يعرف جمهورك ما تتحدث عنه بالضبط عندما تستخدم كلمات مثل “ابتكار” أو “مساواة”، وتتجنب وضع أي حواجز نفسية محتملة.

قام مارتن لوثر كينغ جونيور بهذا ببراعة في خطابه الشهير “لدي حلم” الذي ألقاه في واشنطن في مارس/آذار. فقد عبَّر عن الحاجة الملحة إلى الحرية من خلال اللغة البصرية. الحرية مفهوم مجرد، ولجعلها ملموسة، خلق صوراً في أذهان الجمهور لما تبدو عليه الحرية، حيث قال: “يوماً ما في ألاباما ستتشابك أيدي الفتيان والفتيات الصغار من أصحاب البشرة السمراء والبيضاء كأخوات وأخوة”، و”سيتمكن العبيد السابقون ومالكو العبيد السابقون من الجلوس معاً على منضدة الإخاء”. إذ تتيح لنا هذه الصور البصرية تخيُّل شكل العالم الذي تسوده المساواة.

تُعد القصص من الأدوات القوية التي يمكننا استخدامها لفهم القضايا المعقدة والتفاعل معها. وبذلك فإن تطبيق علم رواية القصص يمكن أن يساعد المؤسسات على أن تكون أكثر فعالية في إيجاد ورواية القصص التي تؤدي إلى تغيير المعتقدات والسلوكيات.

تستند هذه المقالة إلى علم بناء القصة (#storyscience)، وهو مشروع بحثي وورشة عمل أجراهما أعضاء هيئة التدريس والموظفون، بمن في ذلك آن كريستيانو ومات شيان وآني نيماند، في كلية “الصحافة والتواصل” بجامعة “فلوريدا”.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.