الاستثمار في رواد الأعمال ضمن مجال رعاية الأطفال

5 دقائق
رعاية الأطفال

لم تكشف جائحة كوفيد-19 عن تداعي نظام رعاية الأطفال فحسب. زادت أحداث متداخلة من تدهور البرامج الترقيعية لرعاية الأطفال في الولايات المتحدة، وذلك بعد الانخفاضات الحادة في معدلات تسجيل الأطفال في مراكز رعاية الأطفال لدى فقدان أولياء الأمور لوظائفهم، والتحول من التعليم الحضوري بالمدارس إلى التعلم عن بعد في المنازل، والغموض حول الصحة والسلامة خلال جائحة عالمية. وبما أن الافتقار إلى خيارات مرخصة لرعاية الأطفال ارتبط منذ زمن طويل بالمعدلات المرتفعة للبطالة والفقر والبطالة المقنعة، فقد تفاقمت هذه المشاكل.

وبولاية ماين، كانت نسبة 26.5% فقط من الأطفال دون سن 15 عاماً مسجلين بمراكز رعاية الأطفال مدفوعة الأجر الصباحية أوفي فترة بعد المدرسة. كان العديد من الآباء ينقّلون أطفالهم بين العائلة والأصدقاء أو يعملون بدوام جزئي أو هما معاً، بدلاً من العمل بدوام كامل. ولا يحدّ الخصاص في رعاية الأطفال من دخل الأسر فحسب، بل يؤدي في بعض الحالات إلى إبعاد الوالدين عن القوى العاملة تماماً. وعلى مدى السنوات العشرة الماضية، أغلقت 30% تقريباً من مراكز رعاية الأطفال المنزلية في ولاية ماين، وهي المصدر الرئيسي لمراكز رعاية الأطفال المرخصة في المجتمعات الريفية.

والسبب بسيط: التفاوت الاقتصادي بين التكلفة التي يستطيع الوالدين دفعها وتكلفة توفير رعاية جيدة. إن العمالة هي أكثر عنصر مكلف بالنسبة لمقدمي هذه الخدمة، وسبب ارتفاع تكلفتها هو أن هذه المراكز ملزمة بتشغيل عدد من الموظفين مقابل كل طفل. لكن الجائحة ضغطت بشكل أكبر على نموذج الأعمال هذا. صنفت ولاية ماين مراكز رعاية الأطفال على أنها من الخدمات الأساسية، فسمحت لها بالعمل، لكن أُغلقت نصفها تقريباً لأن الآباء أبقوا أطفالهم في المنزل وذلك لأنهم توقفوا عن الذهاب إلى مكان العمل أو لخوفهم من الإصابة بالفيروس. وقد انعكس ذلك سلباً على حسابات الربح والخسارة للقائمين على مراكز رعاية الأطفال علماً أن خسارة طفل واحد تؤدي إلى خفض الإيرادات، فيما تتطلب البروتوكولات الجديدة لاختبار الإصابة بكوفيد -19 والتنظيف في ظل الجائحة تكاليف إضافية لتشغيل المزيد من الموظفين.

تمثل الحاجة المسلَّم بها إلى مراكز رعاية أطفال فرصة لتأسيس انتعاش اقتصادي أكثر إنصافاً، خاصةً في المناطق الريفية التي ترتفع فيها معدلات البطالة والبطالة المقنعة.

خلال جولة إصغاء في مقاطعات ماين السبعة المتاخمة لكندا، علمنا بوجود شغف لدى العديد من الأشخاص - معظمهم من النساء - في التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، ويرغبون في بدء عمل في مجال رعاية الأطفال ولكنهم يفتقرون إلى الحنكة والثقة ليطلقوا مشاريعهم. وتخضع مراكز رعاية الأطفال لدرجة عالية من التنظيم لسبب وجيه. فبهدف تعزيز التعليم والتطوير والحفاظ على سلامة الأطفال تحدّ الولايات من نسبة الأطفال إلى البالغين، وتفرض إجراءات مكثفة من حفظ السجلات والسياسات المدونة، وتفرض مجموعة متنوعة من القواعد التي تتغير من ولاية إلى أخرى، وفي بعض الحالات تفرض اختبارات للمياه ودرجات حرارة معينة للمجمدات والثلاجات. نظراً لأن هذا القواعد التنظيمية يمكن أن تكون عقبةً أمام الدخول في هذا المجال، يتمثل جزء من الحل في الجمع بين التعليم حول الشركات الناشئة الصغيرة مع إدارة أعمال مراكز رعاية الأطفال والتدريب عليها.

يوفر مختبر سي إي آي لأعمال رعاية الأطفال (The CEI Child Care Business Lab)، وهو برنامج مكثف قائم على التعليم الجماعي مدته ستة أشهر، لرواد الأعمال الأدوات اللازمة لبدء عمل تجاري صغير ناجح، ويساعدهم على صقل فلسفتهم التعليمية، ويوجههم خلال عملية الحصول الترخيص، ويصلهم برؤوس المال التي يحتاجونها لبدء مشروعهم. إلى جانب تزويد المشاركين بمخطط عمل لمركز رعاية أطفال عالي الجودة ومستدام مالياً غير ربحي أو ربحي أو تعاوني أو يعمل وفق نموذج مشترك، يمنح البرنامج رواد الأعمال المستقلين المحتمَلين فرصةً للتواصل والدعم وحل المشاكل مع الآخرين. يعين البرنامج رواد الأعمال الطموحين في مجال رعاية الأطفال في المجتمعات الريفية المحرومة، الذين يسعون إلى فتح مراكز توفر فرص عمل، وتقدم رعاية عالية الجودة للأطفال، وتتيح للآباء الذهاب إلى عملهم. لم نكن نعلم عندما بدأنا في تعيين أول مجموعة من رواد الأعمال أن الجائحة ستحل لتصعّد الحاجة الملحة لها.

بتحديد الأفراد الواعدين لهذه المجموعات الأولية، تواصلنا مع أصحاب المصلحة في المجتمعات الريفية وأجرينا تواصلاً خارجياً من خلال كليات المجتمع. انضم إلينا مرخصو الولاية كشركاء أقوياء، وعملوا عن كثب مع برنامج "سي إي آي" لمعالجة حواجز اللغة والتعليم وتقديم المشورة في كل خطوة. لقد حرصنا على ألا نصد المتقدمين نتيجة نقص الخبرة، وبحثنا عن تدريب أو عمل أو مسؤوليات مماثلة قد تكون بحوزتهم لتساعدهم على فهم العمل الذي سيخوضون فيه، فالبرنامج قبل كل شيء مكثف، ويتطلب دراسة مكثفة. لكن عندما ينتهي المشاركون، يكونون مستعدين لتأسيس مراكزهم: فلديهم خطة عمل مستدامة مالياً، وسياسات مدونة حول الأسرة والموظفين، وقد استوفوا جميع متطلبات الترخيص اللازمة.

بدأنا فعلاَ نشهد نتائج. بعد الانتهاء من البرنامج أطلقت خوانا رودريغيز فاسكيز برنامج رايتوس دي سول (Rayitos de Sol) في مدينة ميلبريدج الساحلية (يبلغ عدد سكانها 1265 نسمة)، وهو برنامج جديد تابع للمؤسسة غير الربحية مانو إين مانو (Mano en Mano) حيث تعمل. هاجرت جوانا مع والديها من المكسيك إلى ميلبريدج عندما كانت طفلة صغيرة، إذ قدما إلى ولاية ماين بصفتهم مهاجرين يعملون في معالجة المأكولات البحرية، وصنع أكاليل الزهور، وحصاد التوت الأزرق. يعمل برنامج رايتوس دي سول باللغتين الإنجليزية والإسبانية ويستوعب جداول المواعيد المتغيرة للمزارعين. كما يقدم للموظفين أجراً معيشياً ويوفر التدريب والتأمين الصحي وخطة التقاعد 401 (K) والإجازة. وُضعت فعلاً خطط لفتح مركز جديد موسع. على امتداد الساحل تتكشف قصة مماثلة في مدينة بيمبروك (عدد سكانها 860 نسمة)، حيث سجلت تابيثا بينيت في مختبر سي إي آي لأعمال رعاية الأطفال حتى تتمكن من توفير مركز رعاية أطفال عالي الجودة لتسجيل حفيدتها، لتتيح الفرصة لابنتها والآباء الآخرين في المجتمعات المحيطة بالعمل بدوام كامل. وسعت تابيثا مركزها الخاص وقد وصل بالفعل إلى كامل طاقته الاستيعابية في ستة أشهر فقط.

والسنة الثانية من التدريب الجماعي سارية الآن، التي تشمل دورات مخصصة في مدينة لويستون للنساء اللواتي هاجرن إلى ماين من أنغولا وبوروندي والصومال. يضم حي "لويستون تري ستريتس"، وهو أحد أكثر مناطق الولاية تنوعاً، أكبر عدد من الأطفال في الولاية، ونسبة 15% فقط من الأطفال دون سن السادسة مسجلين في مراكز رعاية الأطفال المرخصة. خلال جلسات الاستماع الأخيرة في المجتمع، أكدت "سي إي آي" على الحاجة إلى وجود مراكز رعاية أطفال ملائمة ثقافياً وعالية الجودة وبأسعار معقولة وتلبي جداول أعمال الآباء على مدار الساعة.

إذا كنا سنبني اقتصاداً منصفاً، علينا أن نمنح الجميع فرصةً لكسب أجر يعينهم على العيش. إن خلق وظائف جيدة ضرورة، ومن الضرورات أيضاً الحرص على توفير مراكز رعاية أطفال عالية الجودة بتكلفة معقولة للوالدين حتى يتمكنوا من العمل في تلك الوظائف. ووفقاً لاستقصاء أداره "سي إي آي"، فإن 46% من الآباء المسجلين في برامج رعاية الأطفال التي أطلقها برنامج "مختبر سي إي آي لأعمال رعاية الأطفال" أشاروا إلى أنهم استطاعوا بدء العمل لأنهم سجلوا أطفالهم في مركز رعاية أطفال مرخص وعالي الجودة. وأشار 38% آخرون منهم إلى أنهم تمكنوا من الاحتفاظ بوظائفهم لأنهم سجلوا أطفالهم في مركز رعاية الأطفال.

بينما نتطلع إلى الاستثمار في التمويل الفيدرالي لمراكز رعاية الأطفال، لمَ لا نوجهه نحو تكرار تجربة برامج مختبرات أعمال رعاية الأطفال في جميع أنحاء الولايات المتحدة، خاصةً في المجتمعات التي ترتفع فيها معدلات الفقر والبطالة؟ يعد تمكين رواد الأعمال من تلبية طلب السوق استراتيجيةً قويةً لإنعاش المجتمعات المحلية. كما أن الاستثمار في توفير رعاية عالية الجودة لأطفالنا الصغار، مع مساعدة الآباء على كسب لقمة العيش، يعود بالنفع على الاقتصاد ويخلف آثاراً ممتدة.

اقرأ أيضاً: 10 مبادرات مُبتكرة لتعليم الأطفال في الدول العربية

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي