كيف يمكن تقديم خدمات الدعم النفسي للرجال؟

الرجال
(الرسم التوضيحي: آيستوك/كوبكو)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا يزال الخوف من وصمة العار والفرق بين الرجال والنساء في الأعراف التقليدية يمنع العديد من الرجال من اللجوء إلى الدعم الصحي النفسي في جميع أنحاء العالم. تصوِّر الذكورية السامة للرجال أنهم ليسوا رجالاً حقيقيين ما لم يحتفظوا بمشكلاتهم لأنفسهم، وأن الغضب أو التحلي بالصبر هو الرد الوحيد المقبول على التحديات. تحد هذه التنشئة الاجتماعية من قدرة الرجال على قبول مشاعرهم والتعبير عنها، ما قد يؤدي إلى لجوئهم إلى سلوكيات ضارة للتأقلم مثل تعاطي المخدرات التي تؤثر سلباً عليهم وعلى من حولهم، وبخاصة زوجاتهم. تعتبر هذه السلوكيات طبيعية في العديد من المجتمعات، ما يسهم في استمرار الثقافات الضارة التي تؤثر في الرجال والنساء على حد سواء وتفرز نتائج سلبية مثل تدهور الصحة البدنية والعلاقات الاجتماعية للرجال ومن حولهم.

على الرغم من الفوائد المثبتة للحصول على دعم الصحة النفسية، ما زال احتمال حصول الرجال في الولايات المتحدة على خدمات الصحة النفسية يعادل نصف احتمال حصول النساء عليها. إذ أظهر الأبحاث أن الرجال عموماً يعتبرون طلب خدمات الصحة النفسية مؤشر ضعف وعمل “غير رجولي” ويخشون كيفية فهم الآخرين لطلبهم المساعدة. ولذلك آثار مدمرة، لأن الرجال في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم أكثر عرضة للانتحار مقارنة بالنساء. يقف العديد من العوامل وراء هذا الفرق بين الرجال والنساء، لكنه يشير إلى الفشل الثقافي في الاستجابة لاحتياجات نصف السكان (الرجال). يؤدي إحجام الرجال عن المشاركة في نقاشات الصحة النفسية إلى نبوءة ذاتية التحقق، لأنه يسهم غالباً في تعزيز حقيقة تمثيل النساء للأغلبية الساحقة من مقدمي خدمات الصحة النفسية، ما يقلل رغبة الرجال في المشاركة فيها. تتفاقم مشكلات التكلفة المرتفعة لخدمات الصحة النفسية وصعوبة الوصول إليها والتمثيل المجتمعي عبر تقاطعها مع مشكلات أخرى مثل الانتماء إلى الأقليات، والوضع الاقتصادي والاجتماعي.

في الحقيقة لا تقتصر المشكلة على عدم حصول الرجال على الرعاية النفسية، إذ تخفق المبادرات في جميع مجالات التأثير الاجتماعي في إشراك أفراد المجتمع على نحو كامل، حتى لو كان من المرجح أن يستفيدوا من الخدمات والموارد المقدمة. يمكن لقادة التأثير الاجتماعي إشراك أفراد المجتمع على نحو أفضل، وبخاصة المهمشون عبر التاريخ أو الذين يواجهون عوائق ثقافية إضافية تحول دون تحقيق النجاح من خلال دراسة بعض الطرق التي حققت بها منظمات الصحة النفسية العالمية تقدماً في بدء النقاشات وتوفير موارد فعالة تستجيب لحاجة الرجال.

إيلاء القيادة للمتأثرين في النقاشات الصعبة

يعد التثقيف في مجال الصحة النفسية أمراً ضرورياً، حيث لا يملك الكثير من الناس الأدوات اللازمة لتشخيص مشكلاته مثل الاكتئاب أو معرفة من أين عليه طلب المساعدة. ومجرد تقديم المعلومات حول الصحة النفسية لا يكفي. رواية القصص والسردية مهمان لكي يفهم الناس الإحصائيات والمعلومات التي يتلقونها على أرض الواقع. من المهم أن نمتلك القدرة على إسقاط أنفسنا وتجاربنا على قصص الآخرين.

وفي نطاق الصحة النفسية للرجال، تعني رواية القصص إلقاء الضوء على كيفية تأثير هذا الموضوع في الرجال بطريقة مختلفة. فالطلب من رجل سماع قصة رجل آخر يروي كيف أن طلبه للمساعدة عزز شعوره بهويته، أفضل من أن تطلب منه اللجوء إلى المساعدة متجاهلاً عدد الذين رُفضوا أو شعروا بالخزي لإظهار ضعفهم. تسلط المبادرات الرامية إلى الحد من العار الذي يتعرض له الرجال الضوء على النماذج المرتبطة تقليدياً بالرجولة، مثل الرياضيين المحترفين، وذلك لأن تسليط الضوء على قصص أقرانهم الذين خاضوا تجارب مشابهة يحدث تأثيراً في أنفسهم، حتى أن بعضهم يفضل سماعها.

بدلاً من مجرد إخبار الناس بأن الدعم أو الموارد فعالة ومتاحة، يمكن لأفراد المجتمع أن يكونوا شركاء موثوقين في سرد القصص ليكونوا أمثلة حية على إظهار الضعف، وإظهار تأثير الموارد، والسماح للأفراد برؤية أنفسهم في قصص الآخرين. تسليط الضوء على القصص الفردية ممارسة دائمة في أعمال التغيير الاجتماعي، وتستخدم غالباً لجمع التبرعات. بالنسبة إلى المشاركة المجتمعية، لا تروى في العادة قصص الأفراد المهمشين تقليدياً من المبادرات المماثلة ولا يمنحون الفرصة للقيادة، ما يسهم في عدم إشراك الموارد التي تبدو غير ذات صلة بتجاربهم. ومع تجنب السلوكيات السطحية التي تستخدم الخطابات الرنانة لجذب الانتباه، يمكن لقادة التأثير الاجتماعي عقد شراكة مع النشطاء المحليين وتوفير الموارد، مثل الدعم والتدريب ودفع المال، فتلك الموارد تمكن الناس من رواية قصصهم بطرق تلهم الآخرين. كما يمكنهم عقد شراكات مع الهيئات المحلية، مثل المؤسسات غير الربحية أو الجهات الحكومية أو المدارس، أو إنشاء حملات إعلامية، عبر وسائل الإعلام المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي، للمشاركة والتوسع من خلال مساحات مجتمعية مشتركة موثوقة.

ومن الأمثلة الرائعة على ذلك حملة “ارفع صوتك” (Speak Up) التي تقودها مؤسسة بيزك نيدز كينيا (BasicNeeds Kenya)، وهي مؤسسة غير ربحية تعمل في مجال الصحة النفسية في كينيا منذ أكثر من 15 عاماً. تتعاون هذه الحملة مع مشاهير محليين وتعطي الأولوية للتواصل مع الرجال، وتعمل على تحويلهم إلى نشطاء وتسلط الضوء على قصصهم المتعلقة بالصحة النفسية وتأثير التواصل في الحصول على الدعم. أنشأت المؤسسة مقاطع فيديو عالية الجودة على يوتيوب لنشرها على وسائل التواصل الاجتماعي وتعاونت مع وسائل الإعلام المحلية لنشر قصصها. وقيّمت حملة التسويق الاجتماعي بصرامة، وأحدثت تغييراً إيجابياً كبيراً فيما يتعلق بالشعور بالعار.

مهما كانت طبيعة الجمهور المستهدف، يجب على صانعي التغيير إعطاء الأولوية لإبراز قصص الذين حرموا من التواصل ووجهات نظرهم ومنحهم القيادة لإثبات أن الناس جميعهم مشمولون بالمبادرات وتغيير آراء أفراد المجتمع خارج الجمهور المستهدف.

تمكين أعضاء المجتمع الموثوق بهم من تقديم الدعم والموارد

بالإضافة إلى إبراز القصص لتغيير الأعراف الاجتماعية، يجب أن يكون أفراد المجتمع قادة وشركاء في عملية توفير الموارد. في مجال الصحة النفسة العالمية، ثمة أدلة كثيرة تشير إلى أن أفراد المجتمع يمكن أن يكونوا بفعالية المختصين الصحيين في تقديم بعض أنواع الدعم النفسي. فالتمثيل المجتمعي يعني أن الذين يطلبون المساعدة يمكنهم التماهي مع الذين يقدمونها، وبناء الثقة والموارد الأفضل لاحتياجاتهم وتجاربهم. ونظراً لنقص تمثيل الرجال في قوة العمل في مجال الصحة النفسية، ومستوى التعليم العالي اللازم ليصبح المرء طبيباً في مجال الصحة النفسية، والمشكلات النفسية المتزايدة، فإن المبادرات التي تدرب أفراد المجتمع، بدلاً من الاعتماد على خدمات الصحة النفسية السريرية، يمكن أن تكون أسرع في تلبية احتياجات العديد من الذين يعانون بعض الأنواع من المشكلات مثل الاكتئاب والقلق. ولتلبية احتياجات المهمشين، يجب إشراك أفراد المجتمع المتأثرين والتواصل معهم بصفتهم مقدمين للموارد لا مستهلكين لها.

آمنا (Amna) مؤسسة تقدم الدعم العلاجي المجتمعي للاجئين، وتوظف ميسرين ذوي خبرة معاشة لقيادة المبادرات النفسية الاجتماعية لتحسين الصحة النفسية والرفاهة. دينامي (Dinami) هو برنامج آمنا الموجه للشباب، ويتضمن نادي دينامي فريند (Dinami Friend)، وهو نادٍ شبابي للبنين، كما يتضمن فوتبول فور أول (Football4all)، وهو حدث شهري يشتمل على أنشطة رياضية وعلاجية نفسية اجتماعية. ومن خلال التركيز على تدريب الميسرين الذين تعكس هوياتهم وتجاربهم تجارب المشاركين في البرنامج وتوظيفهم، يمكن لمؤسسة آمنا الوصول إلى المزيد من البنين وإشراكهم وجذب المزيد منهم ومن الرجال لقيادة البرامج حيث يرون أنفسهم قادرين على تأدية أدوار داعمة. يمكن لقادة التأثير الاجتماعي الآخرين إدراج مبادئ مماثلة من خلال دعم أفراد المجتمع المتأثرين وتوظيفهم قادة في مجال التوعية والخدمات وفي مناصب قيادية أوسع.

اذهب إلى حيث يقضي الناس أوقاتهم

بدلاً من مطالبة الناس بالبحث عن المعلومات على حساب وقتهم، يمكن للمؤسسات مقابلتهم أينما كانوا ووفقاً لشروطهم. على سبيل المثال، يعد دمج موارد الصحة النفسية في موارد الرعاية الصحية الأخرى أمراً ضرورياً، ولكن احتمال وصول الرجال إلى هذه الموارد ضعيف. حتى لو قدم الرجال قصصاً وموارد للمجتمع، إذا لم تقدم بطريقة تضمن وصولها بفعالية إلى جمهورهم المستهدف، فسيكون تأثيرها محدوداً.

لبدء المحادثات حيث يقضي العديد من الرجال وقتهم، أُنشئت مؤسسة فريندشيب بينش (Friendship Bench)، وهي مبادرة في مجال الصحة النفسية لعلاج الاكتئاب، في زيمبابوي، بالشراكة مع منظمة الصحة العالمية والاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا، خلال بطولة كأس العالم 2022 في قطر. وبوصفها جزءاً من حملة فيفا ريتش آوت (ReachOut#) التي تشجع طلب المساعدة واتخاذ الإجراءات من أجل الصحة النفسية، وُضع 32 مقعد صداقة رمزياً يمثل البلدان المتنافسة في الملاعب والمساحات المجتمعية. روّج قادة في الهيئات الحكومية والرياضية والمؤسسات غير الحكومية تلك المقاعد في وسائل الإعلام، واستُخدمت محلياً لإنشاء مساحات يمكن للناس من خلالها المشاركة والتواصل مع الآخرين، لا سيما في المجتمع الرياضي الذي يهيمن عليه الذكور ويمتلك أعلى معدلات مشكلات صحة نفسية مقارنة بغيره. ومنذ ذلك الحين، جددت منظمة الصحة العالمية وفيفا هذه الشراكة وسيواصلان إدارة العديد من الحملات التي تهدف إلى تحسين الصحة النفسية من خلال الرياضة على غرار حملة ريتش آوت على مدى السنوات الأربع المقبلة.

بالإضافة إلى استخدام المنتديات العامة للحوار والتوعية، يمكن للمؤسسات ذات المشاركة المحدودة التكيف بناءً على المحادثات المجتمعية لتصبح أكثر توافقاً مع الطريقة التي يرغب فيها الناس بتلقي المساعدة. على سبيل المثال، تقدم مبادرة مينتالي أوير نيجيريا “ماني” Mentally Aware Nigeria (MANI)) مكالمات استشارية مجانية عبر واتساب لتقديم دعم فعال وإزالة عوائق التكلفة. كان هناك تفاعل كبير مع مبادرة ماني، لكن قرابة 85% من المكالمات كانت من النساء. وللوصول إلى عدد أكبر من الرجال، أجرى فريقها بحثاً مجتمعياً وتوصل إلى أن الرجال يفضلون خدمات الاستشارة عبر الرسائل النصية للتعبير عن أنفسهم وتلقي الدعم. وبعد إطلاق هذه الميزة، ازداد عدد الرجال الذين يطلبون المساعدة بنسبة 40%.

في جميع مجالات التأثير الاجتماعي، يفشل القادة في الوصول إلى الذين سيستفيدون على نحو كبير من الموارد وإشراكهم، وبخاصة الذين استبعدوا عبر التاريخ من المجالات التي تهمهم. من خلال نشر قصص المجتمع، وتمكين قادة المجتمع بصفتهم مقدمي خدمات، وإعطاء الأولوية لتفضيلات أفراد المجتمع، يمكن لقادة التأثير الاجتماعي الاستجابة لاحتياجات الناس، وزيادة المشاركة، وبناء القدرات والمسارات للأفراد المتأثرين لتغيير مجتمعاتهم ورفع كفاءة الموارد.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.