كيف تميزت جمعية الشارقة الخيرية في أدائها عربياً؟

5 دقائق
جمعية الشارقة الخيرية
shutterstock.com/HAKINMHAN

الأداء المتميز سمة جوهرية تعمل عليها المؤسسات، وهدف أساسي تتمحور حوله جهودها، إذ تعمل المؤسسات المتميزة على توسيع نطاق أثرها الإيجابي واستدامة استراتيجيتها، وترسيخ القيم لخدمة المجتمع، ويتمثل الأداء المؤسسي المتميز في القطاع الربحي بترجمة احتياجات العملاء إلى عروض جذّابة ومُستدامة، وتطوير وبناء حوار مستمر معهم يتّسم بالانفتاح والشفافية، وإشراكهم في ابتكار وتطوير المنتجات أو الخدمات، لكن ماذا يعني تميز الأداء بالنسبة للمؤسسات غير الربحية؟.

عملت ليب أوف ريزون (Leap of Reason)، وهي عبارة عن شبكة من قادة القطاعين العام وغير الربحي، على تطوير إجابات واضحة على هذا السؤال وتقديمها في ورقة بحثية بعنوان: حتمية الأداء: إطار عمل لتميز القطاع الاجتماعي (The Performance Imperative: A Framework for Social Sector Excellence)، وعرّفت التميز في الأداء المؤسسي بأنه القدرة على تقديم نتائج ذات مغزى وقابلة للقياس ومُستدامة مالياً على المدى الطويل، وحددت التخصصات التنظيمية التي تؤدي إلى تميز الأداء، وتشمل، قدرة القيادة التنفيذية على التكيف، والإدارة المنضبطة التي تركز على الأفراد، وبرامج واستراتيجيات جيدة التصميم والتنفيذ، والاستدامة المالية، وتبنّي ثقافة التعلُم، والمراقبة الداخلية للتحسين المستمر، والتقييم الخارجي للمهام.

يتمثل التحدي الأكبر الذي يواجه المؤسسات غير الربحية في استمرارية تركيزها على الأهداف الرئيسية، وتطوير استراتيجية لإنجازها، وتوليد مجموعة من العمليات والإجراءات التي تتماشى مع أهدافها، ودائماً ما تندمج هذه المؤسسات في بيئة من التحديات والفرص سريعة التطور، لذا تحتاج دائماً إلى التكيف، وإعادة التفكير في مناهجها، وتبنّي التغيير باستمرار، وفي المنطقة العربية، جسّدت جمعية الشارقة الخيرية مفهوم التميّز في الأداء المؤسسي من خلال أدوارها الإنسانية وتحقيق أهدافها بكفاءة وفاعلية.

الشارقة الخيرية أفضل أداء خيري عربياً

حازت جمعية الشارقة الخيرية على المركز الأول ضمن فعاليات الدورة الثانية من جائزة أفضل أداء خيري في المنطقة العربية، والتي نظمتها مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية بالتعاون مع المنظمة العربية للتنمية الإدارية التابعة لـ جامعة الدول العربية في 8 ديسمبر/كانون الأول عام 2021، متفوقةً على 23 مؤسسة مشاركة من 11 دولة.

تأسست الشارقة الخيرية عام 1989 تحت مسمى جمعية الأعمال الخيرية، وفي عام 2000 تغير إلى الاسم الذي تُعرف به حالياً، ويُطلق عليها الذراع الإنساني لحكومة الشارقة، إذ تعمل على جمع التبرعات وتقديمها للفقراء والمحتاجين والأيتام، وتنفيذ مشاريع خدمية في عدة دول نامية.

انطلاقاً من هدف التوسع في مجالات العمل الخيري والإنساني داخل دولة الإمارات وخارجها، ركزت الشارقة الخيرية على تحقيق الريادة في التنمية المستدامة للأعمال الخيرية، ومساعدة المحتاجين في الاعتماد على أنفسهم من خلال المشاريع الإنتاجية، والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، وتقديم التسهيلات الإغاثية وفق المعايير الدولية، وترسيخ ثقافة التطوع والعمل الخيري في المجتمع، وبناء شبكة من العلاقات مع الجهات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني بهدف الوصول إلى الأسر المتعففة ومساعدتها.

تتواجد مشاريع الجمعية في نحو 84 دولة حول العالم، وتتمثل خدماتها في كفالة الأرامل والأيتام والأُسر المحتاجة، وتقديم العون والرعاية الصحية للأُسر المتضررة من الأزمات والكوارث الطبيعية، وإفطار الصائمين، وإنشاء المدارس والمراكز الصحية والمساجد والآبار، وإنشاء مشاريع وقفية واستثمارية.

التميز في الأداء المؤسسي

تسعى الشارقة الخيرية لتحقيق أفضل أداء خيري، فأطلقت عام 2017 مكتب الجودة، وأصبح مسماه وفق الهيكل الجديد، مكتب التميز والتخطيط الاستراتيجي، وتتطلع من خلاله إلى تحسين الأداء العام، ورفع مستوى كفاءة العاملين، إذ يعمل المكتب على متابعة مؤشرات الأداء الاستراتيجية والتشغيلية، لقياس أداء الإدارات والأقسام، وتحديد نقاط القوة وتحسينها وفق أساليب علمية مدروسة، والارتقاء بالعمل المؤسسي عبر اتباع نهج العمل الخيري الاستراتيجي.

تحدي جائحة كوفيد-19

يُثبت العمل الإنساني المتميز جدارته في أوقات الأزمات، وكان 2020 عاماً استثنائياً مع انتشار جائحة كوفيد-19 التي ألقت بثقلها الاقتصادي والاجتماعي على شريحة واسعة من أفراد المجتمع، لكن جمعية الشارقة الخيرية نجحت في التحدي، وتمكنت بفضل جهود فريق عملها ودعم المحسنين وروّاد العطاء من توصيل المساعدات إلى مستحقيها ممن فقدوا مصدر دخلهم وتأثرت أوضاعهم المعيشية بالأزمة، كما استطاعت الجمعية التحول سريعاً إلى النظام الإلكتروني تماشياً مع الظروف التي فرضتها الجائحة، ما ساعدها في استدامة أعمالها وأداء رسالتها على أكمل وجه.

انعكست قدرة الشارقة الخيرية وتميُز أدائها في مواجهة الأزمات الإنسانية من خلال إنجازاتها لعام 2020، وبحسب تقرير الأعمال الصادر عن إدارة تنمية الموارد والخدمات المساندة، نفذت الجمعية أعمالاً ومشاريع إنسانية إلى جانب كفالات الأيتام بقيمة 245.3 مليون درهم، توّزعت ما بين مساعدات داخل الدولة لما يزيد عن 25 ألف مستحق بقيمة 143.2 مليون درهم، ومشاريع خارج الدولة بتكلفة 49.3 مليون درهم، وكفالات الأيتام ورعايتهم بقيمة 52.8 مليون درهم، كما قدمت مساعدات شهرية بقيمة 17.2 مليون درهم لنحو ألف أسرة من المطلقات والمهجورات والأيتام والأرامل.

المساعدات الموسمية

لم ينصب تركيز الجمعية على توفير حياة كريمة للأُسر المحتاجة فحسب، بل شجعت المانحين على دعم الفئات المحرومة، لذا عملت خلال الجائحة على تلبية احتياجاتهم الأساسية وتكثيف حملاتها وبرامجها الاجتماعية في مواسم العمرة ورمضان والأعياد، وبلغ حجم المساعدات الموسمية المُقدَمة 27.2 مليون درهم، شملت، مشروع تيسير العمرة الذي خدم 600 معتمراً من ذوي الدخل المحدود والأسر المتعففة ومرضى السرطان وذوي الهمم، والحملة الرمضانية التي شملت مشاريع إفطار الصائمين وزكاة الفطر وزكاة المال وكسوة العيد، إضافة إلى حملة برداً وسلاماً، ومشاريع حملة عيد الأضحى ، كما نظمت حملة شتاء دافئ لتوفير 2500 حقيبة شتوية من ملابس وأغطية ثقيلة تخفف وطأة البرد على العمال ذوي الدخل المحدود وأسرهم تقديراً لأدوارهم في الاعتناء بالبيئة والحفاظ عليها.

المساعدات المقطوعة

تؤمِن الجمعية بأهمية تأمين فرص الحياة العادلة وتوفير التعليم والرعاية الصحية للجميع لبناء مجتمعات سليمة ومتكافئة، لذا قدمت في عام 2020 مساعدات مقطوعة بقيمة 83 مليون درهم، وفي إطار دعم الطلاب، رصدت 17.2 مليون درهم لمساعدة الطلبة المتعثرين أبناء الأسر المتعففة، وشملت دفع الرسوم الدراسية وتوفير الأجهزة اللوحية لـ 5500 طالب للاستفادة من مبادرة التعلم عن بُعد، وتوزيع حقائب مدرسية لـ 4 آلاف طالب.

ووفرت الجمعية العلاج لـ 1600 حالة مرضية، وركزت على المرضى المصابين بالأمراض الصعبة التي يسبب تأخر علاجها مضاعفات أشد خطراً، مثل التهابات الكبد الوبائي والأمراض السرطانية وما إلى ذلك. وبدعم من المانحين، تمكّنت الجمعية من تفريج كربة 3 آلاف محتاج وسداد ديون المتعثرين في رسوم الإيجار السكني، والمسجونين على ذمة قضايا مالية.

مشاريع داخل الدولة

تأسست دولة الإمارات على العطاء المُستدام، وأصبح العمل الإنساني جزءاً من رؤيتها واستراتيجيتها لتنمية المجتمع، ومن هذا المنطلق، حرصت الجمعية على أن تكون برامجها وحملاتها في إطار الجهود الحكومية للتخفيف من أثر الجائحة على المحتاجين، ووصل حجم المشاريع التي نفذتها الجمعية داخل الدولة إلى 15.8 مليون درهم، شملت تسليم 18,850 كفارة يمين من أصحابها لتوزيعها على مستحقيها ، ومبادرة من قديمكم إلى جديدهم التي تجمع من خلالها الجمعية تبرعات الملابس ثم تعمل على فرزها وبيع الصالح منها إلى الشركات المتخصصة في تدوير الملابس، ومن ثم صرف ريع هذه المبيعات في شراء ملابس أخرى جديدة لتوزيعها على المستحقين.

ترتبط استدامة العمل الإنساني خلال الأزمات بتضافر الجهود والتعاون مع الجهات المعنية المختلفة، لذا تعاونت الجمعية مع الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف ودائرة الشؤون الإسلامية في إطار برامج المشاركات المجتمعية داخل الدولة، ونفذت برامج خدمية ومشاريع شملت بناء 3 مساجد بكلفة 4.6 مليون درهم، إضافة إلى مشروع العرس الجماعي الذي استفاد منه 80 عريساً وبلغت كلفته 2.1 مليون درهم.

مشاريع خارج الدولة

العمل الإنساني لا يعرف حدود، وكلما توّسع نطاقه زاد أثره، لذا لم تكتفِ الجمعية بمشاريع داخل الإمارات فقط، وإنما تشاركت مع سفارات الدولة في الخارج، ونفذت 5661 مشروعاً خيرياً خارج الدولة بكلفة 48.8 مليون درهم، تضمنت بناء 484 مسجداً و52 صفاً دراسياً و4 مدارس ضمن مشروع هيا نتعلم، و25 محلاً وقفياً بكلفة 333 ألف درهم، وعملت الجمعية أيضاً على إضافة 770 مكفولاً جديداً ضمن برامج كفالات الأيتام، ليصل الإجمالي إلى 26,563 مكفولاً في 42 بلد.

ختاماً، التميز رحلة من العمل الجاد القائم على التخطيط الاستراتيجي الصحيح والرؤية الثاقبة والأهداف الواضحة التي تطمح المؤسسة لتحقيقها، وفي ظل عصر التطور والتغير المستمر أدركت جمعية الشارقة الخيرية أهمية التميز في الأداء المؤسسي لتلبية الحاجات الإنسانية الملّحة فتمكنت من تحقيق أثر مستدام داخل دولة الإمارات وخارجها.

المحتوى محمي