لماذا على قطاع الأعمال الخيرية إعادة النظر في توسيع الحلول المناخية؟

10 دقائق
قطاع الأعمال الخيرية
shutterstock.com/musmellow

تستدعي الأزمة البيئية حلولاً عاجلة ومنسّقة ومؤثرة على مستوى غير مسبوق في التاريخ البشري، ومع ذلك يتبنى قطاع الأعمال الخيرية منظوراً ضيقاً جداً لمفهوم "التوسع" فيما يتعلق بالتغير المناخي، إذ يركز على توسيع استراتيجيات معينة بهدف تلبية المقاييس الكمية بسرعة. وعلى وجه التحديد، يفضل المانحون في قطاع التكنولوجيا التوزيع السريع للحلول على أكبر عدد من المستفيدين من دون الاهتمام باتباع أساليب تراعي التعقيد وتحقق التنوع.

ولكن يجب ألا ينحصر التوسع في سرعة النمو أو عدد الأشخاص الذين يصل إليهم، فهو أكثر من أرقام مجردة. والحركات الشعبية لديها أساليب متطورة لتوسيع الأثر تضمن تنفيذ مجموعة استراتيجيات ذات صلة تتمتع بالمرونة والقدرة على التكيف وتحقيق العدالة. وبما أن الحركات الشعبية هي مجموعات مترابطة تقودها الفئات الأكثر تأثراً بقضية ما فهي تنقل السلطة وتغيّر الثقافة؛ فهي تستخدم أساليب تضمن تحقيق أثر عميق ودائم قادر على معالجة عدة تحديات اجتماعية وسياسية واقتصادية بدلاً من أن تقيّد التوسع بالنتيجة أو أن تقتصر في جهودها على النموذج الأصلي.

مع تخصيص مليارات الدولارات لتمويل العمل المناخي، بات من الضروري أن يفكر الممولون بمفهوم التوسع من منظور أشمل كي يتمكنوا من فهم الاستراتيجيات التي تزداد احتمالات نجاحها على المدى الطويل وتزويدها بالموارد اللازمة. مؤسسة كليما فاند (CLIMA Fund) هي تعاون بين 4 مؤسسات خيرية عامة تدعم عشرات آلاف المجموعات الشعبية التي تعمل على تحفيز حلول العدالة المناخية، وتعلمَت الكثير عن الطرق القوية المتنوعة التي تتبعها الحركات الشعبية لخلق أثر واسع النطاق تولّده القواعد الشعبية التي تبنيها وتنميها لتتحول إلى اتحادات وتحالفات تُكسبها السلطة اللازمة لإحداث تغيير على مستوى العالم.

ومن أجل تقييم عمق الأثر وعملية بناء قوة المجتمع المستدامة وتحويل الأنظمة الراسخة القائمة على استنفاد الموارد الطبيعية، يمكننا النظر إلى التوسع من منظور العمق والعلاقات واللامركزية والسلطة.

العمق

تقيّم الحركات الشعبية الحلّ بناء على مدى انتشاره ودرجة تأثيره بدلاً من التركيز على استراتيجية واحدة لا تهتم إلا بسرعة الانتشار ومقاييسه الكمية، وبهذه الطريقة تعمل استراتيجياتها على حلّ مشكلات متعددة إلى جانب تخفيض انبعاثات الكربون، فتعمل على رفع مستويات العدالة والقدرة على التحمل المناخيتين وصحة الكوكب أيضاً، كما أن عملها لا ينحصر في تغيير افتراضات المجتمع الأساسية بل يشمل أيضاً تغيير الواقع المادي لملايين الأشخاص بتغيير السياسات أو تقديم المساعدات المتبادلة.

خذ مثلاً حركة الفلاحين في باباي (Peasant Movement of Papaye - MPP) بجزيرة هايتي التي عملت على مدى 45 عاماً على حشد المجتمعات حول تحقيق رؤية متعلقة بمنح الشعب الهايتي القدرة على تقرير مصيره بنفسه؛ تضم الحركة 61 ألف عضو يشاركون في جهود مجتمعية لبناء القدرة المناخية على التحمل مع الوصل بين المجتمعات المختلفة كي تتبادل بذور الكريول والمعارف واليد العاملة، وتستند إلى بنية تحتية مشتركة تتمثل في اتحاد ائتماني ومؤسسات تعاونية متعددة القطاعات لتخزين المنتجات الزراعية ومصرف للمزارعين وشبكة من مدارس الزراعة البيئية.

من المحتمل أن تخفّض الزراعة البيئية ما بين 390 و490 غيغا طن من مكافئ ثاني أوكسيد الكربون (CO₂e) بحلول عام 2050، أي ما يعادل الانبعاثات الصادرة من الصين في نفس هذه الفترة، ولكن عمل حركة الفلاحين في باباي لا يقتصر على الأرقام؛ فهي تركز على رؤية شاملة لما تحتاج إليه المجتمعات كي تتمكن من التصدي للكوارث المناخية المتزايدة بدلاً من التركيز على ناتج واحد فقط مثل زراعة 50 مليون شجرة في الجزيرة، وبذلك تعمل على تحويل النظام الاقتصادي وسياسات الحوكمة والعقود الاجتماعية في جزيرة هايتي بأكملها.

العلاقات

العلاقات والتواصل أساسيان في بناء الحركات. بخلاف النهج الموحّد، يتم توسيع الحلول المصممة وفق السياق المحلي لتوليد تغييرات على مستوى العالم عن طريق العلاقات المتينة والتنسيق المحكم والتعزيز المتبادل.

مثلاً، يقول تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ‎(IPCC)‏ بوضوح إنه من الضروري إيقاف عمليات استخراج الوقود الأحفوري وإنتاجه من أجل استمرار الحياة على الأرض، لكن أي حركة شعبية مقاومة لاستخدام الوقود الأحفوري ستبوء جهودها بالفشل إذا عملت بمفردها، في حين تستطيع حركات المقاومة التي تعمل مجتمعة تحقيق أثر حقيقي بفضل العلاقات المتينة ضمنها وفيما بينها. العلاقات هي الركيزة الأساسية لبناء القاعدة الشعبية، وتسهم التحالفات والائتلافات والشبكات التي تبنيها الحركة الشعبية في دعم هذه العلاقات في تنفيذ عملية التوسع. خذ مثلاً الشبكات الإقليمية مثل شبكة الشعوب الأصلية المعنية بالبيئة (Indigenous Environmental Network) أو الشبكات العالمية مثل شبكة أويل ووتش إنترناشيونال (Oilwatch International) التي تدعم الحملات المستقلة ولكنها منسقة التي تحقق التبادل الضروري للمعارف والخبرات الفنية والرؤية المشتركة.

تبين في تقييم حديث لمقاومة الشعوب الأصلية استخدام الوقود الأحفوري في أميركا الشمالية أن النصر الذي أحرزته هذه الشعوب في جهودها المتعلقة بالبنية التحتية وحدها أدت إلى تخفيض مكافئ ثاني أوكسيد الكربون (CO₂e) في معدلات التلوث السنوية في الولايات المتحدة الأميركية وكندا بنسبة 12% (ما يعادل 779 مليون طن متري)، كما أظهر تحليل آخر أنه إذا حصلت جهود المقاومة المباشرة على التمويل فمن المحتمل أن تخفض 1,300 غيغا طن من مكافئ ثاني أوكسيد الكربون (CO₂e) بحلول عام 2050، ما يكافئ كمية الكربون المخزن في غابات العالم كلها.

اللامركزية

تسرّع الحركات الشعبية التوسع عن طريق توزيع الأثر والقيادة. تكون المؤسسة اللامركزية أكثر فعالية وقدرة على التحمل لأنها قادرة على الاستجابة بسرعة أكبر لاحتياجات المجتمعات وتتمتع بمرونة أكبر في تجربة مجموعة متنوعة أكثر من الاستراتيجيات ("متنوعة بدرجة أكبر مما يسمح بالفشل")، كما أن الفريق القيادي المستقل الذي يضم أفراداً غير متجانسين ولكنهم مترابطون يمنح المؤسسة قدرة أكبر على الصمود في مواجهة الظروف السياسية والبيئية السريعة التطور في ظلّ انعدام اليقين. وعندما تتمتع المجتمعات بسلطة سيادية تتيح لها إحراز تقدم في الحلول التي لها أهمية على المستوى المحلي، تكون الحلول الناتجة أسرع استجابة وأطول دواماً لأنها تنتشر عبر شبكات الثقة المحلية.

خذ مثلاً منتدى صغار المزارعين العضويين في زيمبابوي (ZIMSOFF) الذي شارك فيه 12 ألف شخص عن طريق شبكة مؤسسات صغار المزارعين (SFOs) اللامركزية التي تتيح للمزارعين تبادل البذور والمعارف بناءً على احتياجاتهم المحلية، وتنسيق جهودهم بإدارة قادة محليين للتأثير في الحكومة الوطنية، ومنذ بدأ المزارعون في منطقتَي موروا وساشي في زيمبابوي تأسيس بنوك البذور في عام 2017 انتشرت الفكرة في جميع أنحاء الدولة. تدوم الابتكارات المحلية فترة أطول في البنى التنظيمية اللامركزية وبالتالي فهي تنتشر على نطاق أوسع، وبما أن قيادة منتدى صغار المزارعين العضويين في زيمبابوي غير مركزية، كانت المؤسسات الرائدة التقليدية تدعم عروض المزارعين لحفظ البذور المحلية وتنشيط استخدامها بحلول منتصف عام 2021، وكانت تستضيف فعاليات "أيام تدريب المزارعين" التي يقيمها المنتدى، إلى جانب معارض البذور والأطعمة التي تهدف إلى تثقيف المزارعين حول البذور ومساعدتهم على مشاركتها. وبفضل التأييد والعلاقات على المستوى المحلي تمتع منتدى صغار المزارعين العضويين في زيمبابوي بالقوة السياسية للتأثير في واضعي السياسات في مختلف المناطق، ومنهم مسؤولو وزارات الزراعة والصحة واللجنة البرلمانية حول التغير المناخي.

السلطة

لا بد من إنشاء مؤسسة منيعة تتمتع بالسلطة الكافية لتأسيس إرادة سياسية واسعة النطاق قادرة على إحداث التغيير السياسي أو تصميم الأنظمة التي تناهض مصالح أصحاب المال والأعمال المستحكمة أو ضمان قدرة مجموعة مجتمعية على الاستمرار باتباع طريقة جديدة لمشاركة الطاقة. يشمل اكتساب السلطة بناء المعارف والعلاقات والأفكار والظهور والنفوذ والقيادة، وتتمتع السلطة الجماعية بأهمية أساسية في توسيع الأثر لا سيما في عصر تتضافر فيه الأنظمة السياسية الاستبدادية والنخبوية ضد الأغلبية.

خذ مثلاً شبكة أنقذوا الأنهار في ساراواك (Save Rivers Sarawak) التي حشدت أبناء شعب الكايان في قرية لونغ ليام الماليزية حول فكرة تطبيق نظام توليد الطاقة المائية المصغّر، إذ جمعت مسؤولين حكوميين وخبراء محليين ودوليين في مجال الطاقة وممثلين عن القطاع والمجتمعات المحلية من أجل توضيح مسارات تسليم السلطة على موارد الطاقة للشعوب الأصلية، وهذا يشمل إيقاف تشييد السدود الضخمة التي تدعمها الحكومة وبناء أنظمة توليد الطاقة المائية المصغرة التي يعمل المجتمع على حوكمتها، وبذلك بنت القرية قدراتها ومكانتها القيادية لتنظيم مجتمعها والقيام بأعمال الحوكمة الذاتية. منذ عام 2019، تملك 50 عائلة من شعب الكايان الأصلي مورد الطاقة المتجددة المستدامة والميسورة التكلفة والآمنة بيئياً، ولم تعد هذه العائلات مضطرة إلى الاعتماد على مولدات الطاقة التي تعمل على الديزل وتلوث البيئة، وهي تعمل على حماية حوض تجميع المياه وتلتزم إبعاد التطورات الأكبر في مجال الطاقة. تتمتع هذه القرية وغيرها من القرى التي تدعمها شبكة أنقذوا الأنهار بالتنظيم والسلطة الجماعية التي تتيح لها تحديد التزاماتها وتعبئة الموارد اللازمة لتلبيتها بهدف حماية بيئتها وطريقة حياتها.

تجاوز مفاهيم التوسع المحدودة

مع تأثر قطاع الأعمال الخيرية بدرجة متزايدة بمفاهيم التوسع التي يولدها التقدم التكنولوجي، أصبح من الضروري تسليط الضوء على عدم قدرتنا على ملاحظة الحلول المنهجية بسبب تركيزنا على معايير الأرقام والسرعة أولاً. ليست كل النزعات التي سنناقشها أدناه خاطئة بطبيعتها، ولكن يجب أن يتنبه الممولون باستمرار لإبراز المجالات التي تتيح توسيع أفق مفاهيم التوسع باتباع النهج التي ذكرناها آنفاً.

التركيز على السرعة بدلاً من الأثر

تفضي الخطط التي توضع على عجل إلى المآزق غالباً، وهذا ينطبق على القرارات التي تؤثر في أنظمة كوكبنا البيئية المعقدة، إذ تتراكم "العوامل الخارجية" أكثر كلما ازدادت سرعة صنع القرارات، وتسبب المكاسب السطحية على المدى القريب حجب الأثر على المدى البعيد. تُعرف ممارسات التنمية الدولية بأنها تستعجل "الحلول" التي يندر أن تأخذ في حسبانها السياق المحلي، كما حدث عندما عملت منظمة الصحة العالمية على رش المبيد الحشري دي دي تي (DDT) في أجزاء من جزيرة بورنيو الإندونيسية بهدف معالجة انتشار مرض الملاريا في خمسينيات القرن الماضي، فتسببت بسلسلة ارتكاسات أفضت إلى تفاقم مشكلات الصحة العامة في المنطقة، ومنها انتشار مرضَي الطاعون الحرجي (sylvatic plague) والتيفوس (typhus).

التركيز على الكم بدلاً من الجودة

ليس من المرجح أن تدوم الاستراتيجيات أو خطط الانتشار التي لا تأخذ في حسبانها عدم تجانس سياق تنفيذها وتعقيده، ويمكن أن يكون ضرر خطط الطاقة المتجددة الواسعة النطاق أكبر من نفعها وربما تكون مماثلة للخطط القائمة على الوقود الأحفوري السابقة، وستعزز منظومات توليد الطاقة الشمسية التي لا يملكها المجتمع ويشغلها نفس أوجه التفاوت التي تعززها مناجم الفحم. عمل مركز موارد الأعمال وحقوق الإنسان (Business & Human Rights Resource Centre) على توثيق أكثر من 200 دعوى مرتبطة بحقوق الإنسان متصلة بمشاريع الطاقة المتجددة التي أقيمت في الأعوام الأحد عشر الماضية.

التركيز على الانتشار بدلاً من عمق الأثر

تفضل مشاريع التنمية الدولية الأثر الواسع النطاق والتحسين القصير الأمد على التغيير في النتائج، الأمر الذي يقوض الأثر على المدى البعيد. خذ مثلاً آلية تخفيض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها (REDD+) (reduce emissions from deforestation and forest degradation) التي تستعين بها بعض الدول لا سيما دول شمال الكرة الأرضية لتمويل برامج منع خسارة الغابات في الدول الاستوائية والحصول على رصيد مقابل الانبعاثات التي تم توفيرها؛ إذ تجاهل أنصار هذه الآلية في سعيهم لتأمين الحماية لمساحات أكبر وتأمين الأرباح أثرها المدمر على الشعوب الأصلية وأعمال الفلاحين الزراعية وجوانب أخرى.

التركيز على الحلول الحديثة بدلاً من الحلول المجربة والمثبتة

الحلول المبتكرة والحديثة مرغوبة أكثر من المعارف التقليدية القديمة والمتنوعة، ولكننا نملك أدلة كثيرة على امتلاكنا حلول الغذاء والطاقة والحوكمة التي تحافظ على الحياة في كوكبنا، إلا أن الآراء التي تستطيع تفعيلها لا تحظى بما تستحق من التقدير. خذ مثلاً الزراعة التي تراعي الاعتبارات المناخية التي يروجها أمثال بيل غيتس على اعتبارها "الثورة الخضراء" التالية (علماً أنه المسؤول عن السياسات والمبادرات التي زادت القارة الإفريقية فقراً). لكن في حين أن توجه الزراعة التي تراعي البيئة مصمم لزيادة أرباح الشركات وسوف يؤدي في نهاية المطاف إلى الإضرار بصحة التربة والمجتمعات المحلية، فالزراعة البيئية المتمثلة في الممارسات والمبادئ التي طورها المزارعون على مدى آلاف السنين تطعم بالفعل 70% من سكان الكوكب باستخدام 25% فقط من الأراضي الزراعية.

التركيز على الحلول الفورية بدلاً من تغيير الأنظمة

تعاني الحركات الشعبية غالباً انتقاص قيمتها بسبب التغييرات التي تطرأ على الثقافة والسلطة في الأوساط المختلفة على مدى أطر زمنية متغيرة ومع مجتمعات تعاني التهميش المنهجي، ولكن تغيير السياسات والروايات والثقافة والبنى التنظيمية يوقع أثراً أكبر من أثر الحلول الفورية و"الإصلاحات السريعة" التي تقدمها الخدمات أو الأدوات الجديدة. خذ مثلاً نظم التقاط الكربون التي حصلت على استثمارات جديدة بقيمة تزيد على 5.5 مليارات دولار في العام الماضي، ولكنها ليست مثبتة بعد وليست مطبقة على نطاق واسع والأهم هو أنها تسهم في استمرار صناعة الوقود الأحفوري. العلم واضح وضوح الشمس: يجب أن نتوقف عن استخدام الوقود الأحفوري كي نتمكن من تحقيق أهداف ميزانية الكربون، ولكن بما أن هذه التكنولوجيات فورية فهي مغرية جداً للمستثمرين الأثرياء في القطاع، كيف سنتمكن من توجيه تركيز التمويل نحو الاستراتيجيات التي ستؤدي إلى تخفيض الكربون مع معالجة أوجه التفاوت المنهجي في آن معاً؟

التركيز على خدمة النخبة العالمية بدلاً من الغالبية

يؤدي التركيز على "التوسع" غالباً إلى تعزيز الاستراتيجيات القائمة على الأسواق العالمية التي تزيد التفاوت وتجني منها النخبة العالمية أكبر أرباحها، والاستراتيجيات المصممة لخدمة عدد قليل نسبياً من الأشخاص في زمن تسبب فيه الأنظمة العالمية القائمة على استنفاد الموارد الطبيعية خراباً كبيراً في أنظمة الأرض البيئية ليست مستدامة. خذ مثلاً نظام الغذاء الصناعي الذي يستهلك 70% من الأراضي الزراعية و70% من موارد المياه العذبة، فهو يسبب 70% من الخسارة في التنوع البيولوجي و73% من إزالة الغابات في المناطق الاستوائية في حين أنه لا يُطعم سوى 30% من سكان العالم وأغلبهم في شمال الكرة الأرضية. لن يرغب أثرى أثرياء العالم في تغيير نظام يعمل عموماً لخدمة أسلوب حياتهم الخاص.

توسيع نطاق فهمنا للتوسع

كيف يمكننا بوصفنا ممولين ومانحين خدمة المجموعات الشعبية التي تستمر في توسيع عملها البالغ الأهمية؟

    1. تقديم شراكات حرة طويلة المدى. يتيح التمويل المرن للمجموعات الشعبية العمل بذكاء والاستجابة بسرعة والقدرة على تقرير مصيرها. يندر أن تكون استثمارات وادي السيليكون مقيدة بشروط، وذلك من أجل مساعدتها على "الابتكار"، لمَ لا يقدم الممولون حرية مماثلة للمجموعات التي تؤدي العمل الأهم لاستمرار الحياة على الكوكب؟ فالحركات الشعبية لديها أفضل الطرق لترتيب الأولويات وحشد أفرادها وتتبع نجاحها.
    2. تغيير أطر عمل التعلّم والتقييم. تعزز أنظمة التقييم في قطاع الأعمال الخيرية عادة النزعات الاستعمارية المتمثلة في السيطرة من القمة إلى القاعدة على الموارد والافتراضات السيادية، وفي حين تحتضن استثمارات وادي السيليكون الفشل على اعتباره جزءاً أساسياً من عملية التعلم، فقطاع العمل الخيري لا يمول دوائر تعلم المجموعات الشعبية، ولكن الخطورة الحقيقية تكمن في نقص الاستثمار في قيادة الخطوط الأمامية.
    3. دعم التواصل الذي تحفزه الحركات الشعبية. يتطلب التوسع توفير مساحات لأعضاء الحركات الشعبية كي يجتمعوا ويتبادلوا المعارف وينسقوا أعمالهم، وفي كثير من الأحيان يحرص الممولون على جمع المستفيدين من التبرعات الذين يتوافقون مع أهوائهم، وبالتالي يكون بإمكان الممولين دعم إنشاء مساحات التعلم المشتركة وبرامج التعاون الجديدة إذا اقتدوا بهؤلاء المستفيدين.
    4. التفكير فيما يتعدى حداثة الحلول. إن تمويل جهود الحركات الشعبية في حلّ عدة مشكلات ضمن مجموعة العوامل الرئيسة المتنوعة التي تسبب الأزمة المناخية ليس مقتصراً على تقديم تمويل محدود لمجموعة جديدة من التكنولوجيات غير المثبتة (فهي عادة لا تولّد الفوائد المرجوة). تتمتع الحركات الشعبية بالذكاء وسرعة الحركة والابتكار في استجاباتها للعوامل العالمية والآثار المحلية، ولكن الممولين لا يفهمون ذلك.
    5. احرص على منح المجتمع القدرة على السيطرة. يدعم الممولون عادة تكرار الحلول ونقلها من مكان إلى آخر من دون الاهتمام بدعم تكييفها بحسب المكان الذي ستطبق فيه، وبما أن المجتمعات المحلية تملك الاستراتيجيات القابلة للتوسيع يمكن للممولين دعم تنفيذ هذه الاستراتيجيات ضمن الظروف المتغيرة وتعقيداتها.
    6. استعد لإعادة صياغة المشكلة. يتطلب التوسع الذي يشمل تعميق الأثر وزيادة قوته وقدرته التحويلية أن يتمتع الممولون بالمرونة في صياغة المشكلة، فالتحديات لا تأتي فرادى، وتنجم المشكلات البيئية غالباً عن العوامل الاجتماعية المعقدة. يستدعي التعلم من الحركات الشعبية وتزويدها بالموارد على الأرجح اتباع استراتيجيات تمويل أكبر حجماً وأكثر تعقيداً وتطوير قدرتنا على احترام وجهات النظر المخالفة لآرائنا.
    7. استثمر في التوسيع عبر الأجيال. تسعى الحركات الشعبية لنقل السلطة وتغيير الثقافة مع مرور الزمن، ولا يتبع التغيير المنهجي مساراً خطياً ويستغرق وقتاً طويلاً غالباً (خذ مثلاً حركة الحقوق المدنية). سيتمكن البشر من خلق قيمة أكبر بكثير إذا استثمروا في المستقبل الذي نتوق إلى تحقيقه بعد 100 عام من الآن كما يستثمرون في الغد القريب تماماً، ولكن يبدو أن الممولين يتبنون منظوراً ضيقاً متمثلاً في مقاييس الأثر القصيرة المدى بدلاً من دعم من يتبنون رؤية تغيير تمتد لتشمل أجيال المستقبل البعيد.

يجب ألا ينحصر التوسع بسرعة نمو عمل ما أو عدد الأشخاص الذين يصل الحل إليهم، ويستدعي التعلم من الحركات الشعبية وتزويدها بالموارد على الأرجح اتباع استراتيجيات تمويل أكبر حجماً وأكثر تعقيداً وتطوير قدرتنا على احترام وجهات النظر المخالفة لآرائنا، وإذا تبنى الممولون منظوراً أشمل عن التوسع فسوف يفهمون الاستراتيجيات الناجحة على المدى الطويل ويزودونها بالموارد اللازمة كي تخفض مستوى الاحتباس الحراري في الأرض وترفع مستوى العدالة في آن معاً.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي