تخيل شركتين ناشئتين في مجال العمل الإنساني؛ إحداهما ترسل طائرات مسيرة (درون) إلى القرى النائية المعزولة بجنوب إفريقيا لإيصال الأغذية والمياه والدواء واللقاحات، والأخرى مؤسسة جديدة في المكسيك تبتكر أدوات التعلم المعتمدة على الألعاب وتستخدم الذكاء الاصطناعي لكشف صعوبات التعلم لدى الأطفال في عمر مبكر لتحسين التعلم. كيف يقارن المستثمرون الأثر الاجتماعي لهذين المشروعين؟ وكيف يمكن لممولي الحلول في مجال العمل الإنساني تقييم أثر هذه الحلول المحتمل وتتبع أدائها في مختلف محافظهم الاستثمارية؟
تجتاح هذه الأسئلة عالم الاستثمار المؤثر، والمشكلة هي أن ثمة اختلافاً جوهرياً بين "مدخلات" الاستثمار (أموال رأس المال المستثمر) و"المخرجات" المعادة إلى المستثمر (القيمة الاجتماعية للمشروع)، وقد تختلف المخرجات من مؤسسة إلى أخرى ومن مشروع إلى آخر.
أزعجت هذه المشكلة المستثمرين منذ نشأة القطاع؛ فحتى أكثر المؤسسات تطوراً لا تشارك غالباً سوى معايير فضفاضة (أثّر المشروع كذا في 100 ألف طفل) من دون أي تفاصيل إضافية، بينما تقيس بعض المؤسسات الأخرى مخرجات المشروع فقط. إذا قدّم مشروع ما ورش عمل في نيبال لتعليم الأطفال طريقة غسل أيديهم على سبيل المثال، فمن المحتمل أن يبلغ عن عدد ورش العمل التي أجريت بدلاً من المعلومات المهمة فعلاً المتمثلة في أن "عدد الأطفال المرضى انخفض بنسبة 37%".
ثمة أداتان متاحتان ولكنهما غير مستخدمين بدرجة كافية لقياس نتائج الأثر الاجتماعي: العائد الاجتماعي على الاستثمار (SROI) وأثر الأموال المضاعف (IMM)، وهي نسب بين مدخلات البرنامج الاجتماعي ومخرجاته (نتائجه)؛ إذا بلغت نسبة العائد على الاستثمار 4:1 أو وصل مؤشر أثر الأموال المضاعف إلى 4 أضعاف، فمشروعك يولد قيمة اجتماعية قدرها 4 دولارات لكل دولار مخصص للمشروع.
عند حساب هذه المقاييس بدقة ستحقق فائدة أكبر من مجرد الإبلاغ عن عدد المستفيدين، كما أن تركيزها على النتائج بدلاً من المخرجات يمثل تقدماً مهماً في قياس العائد الاجتماعي الحقيقي. إلا أنها أيضاً تستند إلى فرضية أنه يمكن تحويل النتيجة الاجتماعية إلى نقد على أنها "قيمة اجتماعية"، وفي حين أن هذا يلائم المشاريع التي تعبر عن النتيجة الاجتماعية بالفعل بأرقام مالية (على سبيل المثال، زيادة النسبة المئوية في دخل المزارعين)، فمن الصعب التعبير عن النتائج غير النقدية بأرقام مالية بالطريقة نفسها لا سيما في قطاعَي الصحة والتعليم. ليست فكرة تحويل قيمة حياة طفل ما إلى نقد نهجاً مثالياً، ومن الصعب جمع بيانات كافية لإجراء مقارنات دقيقة بين البرامج في مراحلها المبكرة.
قياس 'الاستدامة التنافسية'
للتغلب على هذه العقبات، طورت إطار عمل قائماً على النتائج لمساعدة مستثمري المشاريع الاجتماعية على تتبع أداء استثماراتهم وقياس مدى قابليتها للاستمرار وتحديد المشاريع التي تنطوي على أعظم فرص تحقيق الخير الاجتماعي. طورت هذا الإطار بداية في صندوق المشاريع التابع لليونيسف بوصفه آلية لتتبع الاستثمارات وتقييم المرشحين في المراحل التالية، لكني منذئذ أجريت تعديلات عليه بهدف دعم مشهد الاستثمار الاجتماعي المتنامي بغض النظر عن استراتيجية المحفظة الاستثمارية. وعلى الرغم من أن النظام لا يزال غير مثالي، فهو يساعد على ضمان درجة أكبر من الموضوعية في تحليلاتنا، ويساعدنا على مقارنة المشاريع وإجراء تحليلات أدقّ على عملية التمويل وإدارة المحفظة الاستثمارية.
المفهوم الذي يقوم عليه هذا النظام بسيط للغاية؛ تقييم "الاستدامة التنافسية" للحلول، أي قدرتها على النجاح على المدى الطويل وأمام الحلول البديلة، مع جمع أكبر قدر ممكن من البيانات حول الأثر الاجتماعي. يجب أن تقدم الحلول المستدامة التنافسية منتجاً أفضل من الحلول المتوفرة الأخرى، أو أن تكون أقل تكلفة أو أن تقدم منتجاً جديداً كلياً. ومن دون الاستدامة التنافسية سيكون العائد الاجتماعي للمشروع مقيداً بسقف محدد بوضوح، إذ لن يتمكن أي مشروع من تحقيق عائد اجتماعي هائل إذا تبنى العملاء حلاً بديلاً بمرور الوقت. وأساساً، إذا كنت ترغب في تحقيق عائد اجتماعي كبير فعليك أولاً تحديد الشركات الاجتماعية المستدامة بدرجة تنافسية.
في حين أنه من الصعب مقارنة معايير الأثر الاجتماعي في المؤسسات المختلفة، فهذه المنهجية مفيدة لأنها تمكن الممولين من تقييم الاستدامة التنافسية على مستوى واحد، إذ يمكنهم تحديد نقاط قابلة للمقارنة تساعد على تقييم نقاط القوة الأساسية في الشركات من أجل دعم أثرها الاجتماعي وإدامته.
يتضمن إطار العمل 3 فئات: التكنولوجيا والاستدامة المالية ومعايير الأثر الاجتماعي. تتعلق الفئتان الأولى والثانية بالاستدامة التنافسية للمؤسسة، بينما تحدد الثالثة العائد الاجتماعي بدقة.
1. التكنولوجيا
من دون التكنولوجيا عالية الجودة لا يمكن لمشروع اجتماعي معتمد على التكنولوجيا أن يحقق عوائد اجتماعية على المدى الطويل، فالمستفيدون المستهدفون لن يتبنوا حلولاً ضعيفة على نطاق واسع من البداية، كما أن الحلول الضعيفة يمكن استبدالها بسهولة. لذلك نحرص على تتبع معايير التكنولوجيا لتحديد القدرة التنافسية الحالية للتكنولوجيا الأساسية أو قدرتها التنافسية المستقبلية بمجرد دخولها السوق.
ونظراً إلى عملي على بناء إطار العمل أساساً لإدارة مجموعة حلول مفتوحة المصدر، فنحن نستخدم معايير مفتوحة المصدر لتقييم القوة النسبية لكل مشروع برمجيات تنفذه مؤسسات محفظتنا الاستثمارية. هذه المقاييس متوفرة على نطاق واسع على منصات مفتوحة المصدر مثل غيت هاب Github، ولأنها موحّدة يمكن استخدامها للمقارنة بين المشاريع على اختلافها. قابلية المقارنة عامل أساسي؛ إذ تسمح لنا البيانات التي نجمعها بتقييم قوة التكنولوجيا نفسها على اعتبارها وسيلة لتحديد شركات محفظتنا الاستثمارية التي يرجح أن تنتج الحل الأكثر استدامة من حيث القدرة التنافسية، حالياً أو مستقبلاً.
نتتبع 4 صفات لتقييم صحة مشروع مفتوح المصدر:
- النشاط: إلى أي مدى ينتظم المطورون في تحديث البرمجيات؟
- الظهور: هل الحل معروف جيداً في المجتمع المفتوح المصدر؟
- الاستجابة: هل تُدار البرمجيات وتُحدّث كما يجب؟
- التوزع المعرفي: هل تعتمد البرمجيات على شخص واحد أم أنها موزعة ضمن مجتمع؟
نستخدم نظام تسجيل نقاط متدرج بدلاً من مجرد مقارنة القيمة المطلقة لكل معيار مفتوح المصدر، علماً أنها قد تختلف بدرجة كبيرة من مشروع إلى آخر، ونقيّم كل معيار على مقياس من 1 إلى 5. فمن ناحية الاستجابة على سبيل المثال، نرصد وسطي الوقت الذي يستغرقه البرنامج لحل المشكلات التي يشير إليها المسهمون (مثل مطوري البرمجيات). فالمجتمع ذو الاستجابة العالية يساعد على جذب مسهمين جدد والحفاظ على المساهمين المتواجدين بالفعل، لأنه يعترف بعملهم وإسهاماتهم، وإذا استغرق الفريق أكثر من 5 أيام للرد فيسجل نقطة واحدة، أما إذا استغرق الأمر أقل من يوم فيسجل 5 نقاط. ثم نجمع الدرجات ونحسب قيمة وسطية نستخدمها لمقارنة أداء المشاريع بمرور الوقت ومقارنة بعضها ببعض.
2. الاستدامة المالية
التكنولوجيا والاستدامة المالية ليست عادةً أول ما يفكر فيه الناس عندما يتعلق الأمر بالتغيير الاجتماعي، لكنهما عاملان أساسيان مهمان يمكّنان ازدهار الحل.
نرصد 4 محاور لتحديد الاستدامة المالية للمشروع:
- الشؤون المالية: هل يستطيع المشروع دعم نفسه مالياً؟ أو هل سيتمكن من دعم نفسه مالياً في المستقبل؟
- الارتباط: كم عدد مستخدمي هذا المنتج والمستفيدين منه وعملائه؟ ما سرعة نمو هذه الأعداد؟
- السوق: ما حجم السوق المستهدف؟ من هم المنافسون؟
- الفريق: هل تمتلك القيادة المهارات المتنوعة لتوسيع نطاق المشروع بشكل كبير؟
كما هو الحال مع فئة التكنولوجيا، نعمل على تحديد وزن لكل متغير من متغيرات الاستدامة المالية ونمنح كل مشروع درجة يمكننا قياسها في المحفظة الاستثمارية. بعض هذه المعايير واضح ومباشر ولديه آلاف المقاييس المعيارية المتاحة للعامة (مثل نمو الإيرادات والهامش التشغيلي لجميع الشركات المتداولة علناً)، ولكن المعايير الأخرى ترتبط بالجودة أكثر وتتطلب التعميم لتكون قابلة للمقارنة. مثلاً، مجموعة مهارات فريق الإدارة مهمة لاستدامة المشروع المالية والتنافسية على المدى الطويل، ولكن "المهارات" لا يمكن قياسها بسهولة، لذا نسجل المهارات بناءً على تقييم نوعي للأقسام الأساسية في الشركة: العمليات والتمويل والاستراتيجية والمبيعات والتسويق. وتمنح 5 نقاط للفريق الذي يتمتع بكفاءة ممتازة في جميع الأقسام الأساسية في الشركة، مثل فريق نجح في تطوير منتج مبتكر وطرحه في السوق، أما الفريق الذي يتمتع بكفاءة مُرضية في أقسام معينة ولكن يعاني من العديد من الفجوات الواضحة في أقسام أخرى فسيحصل على 3 نقاط. بينما تسجل نقطة واحدة للفريق الذي لا يمتلك أي كفاءة مثبتة في أي من أقسام الشركة الأساسية، مثل رائد الأعمال المبتدئ الذي لديه فكرة رائعة ولكنه لا يتمتع بخبرة في القيادة وليس حاصلاً على تدريب عملي رسمي في الأعمال.
وبعد ذلك نحسب المتوسط الموزون لهذه الدرجات، وهو المؤشر الرئيسي للاستدامة المالية الحالية أو المستقبلية المحتملة لشركة معينة في المحفظة الاستثمارية. حيث تمنحنا فئتا التكنولوجيا والشؤون المالية نظرة حول الاستدامة التنافسية لمؤسسة ما.
3. مقاييس التأثير الاجتماعي
هذه هي الفئة الأخيرة. نظراً إلى الاختلاف الكبير في العائد الاجتماعي بين الاستثمارات، لا سيما في القطاعات المختلفة، من المهم تحديد المعايير الاجتماعية الخاصة بكل استثمار أولاً ثم استكشاف ما يمكن تجميعه و(أو) مقارنته فيما بينها بناءً على أوجه التشابه في المشاريع.
الأسئلة الأساسية التي نستخدمها لتحديد معايير الأثر الاجتماعي هي:
- ما المخرجات أو النتائج الاجتماعية للمشروع؟
- من يستفيد من تنفيذ المشروع؟
- وكيف يستفيدون منه؟
تتمثل الخطوة الأولى في تحديد معايير الأثر الاجتماعي التي ترصد كلاً من متغيرات المخرجات (مثل متوسط الوقت الذي يقضيه الأطفال على منصة تعليمية افتراضية) ومتغيرات النتائج (مثل عدد الأمراض التي حددها حل طبي). وبعد تحديد ماهية المعيار، نقيس مستوى البداية حتى نتمكن من رصد التقدم. بعد ذلك، نوضح المستفيدين في كل نتيجة باستخدام أكبر عدد ممكن من التفاصيل الديموغرافية ذات الصلة (مثلاً، الأطفال من غواتيمالا بسنّ تتراوح بين 6 و 8 سنوات الذين يرتادون المدارس العامة). وأخيراً، نقيس كيفية الاستفادة: كم عدد الأفراد الذين يستفيدون من هذه النتيجة بمرور الوقت، وكيف يُقارن هذا التغيير بمستوى البداية (مثل النسبة المئوية لتحسن انتباه الطفل خلال فترة معينة). ومن المهم أيضاً مقارنة ذلك بالبدائل الموجودة مسبقاً والتحقق من أن الحل الجديد فعال أكثر وفق معايير القطاع.
عند قياس مخرجات المشاريع الاجتماعية ونتائجها، من المهم أن تدرك أن المعايير قد تتغير مع ترسيخ الشركة الناشئة لمنتجها. وأيضاً، مع توسع نطاق المشاريع، من الممكن إجراء تحليل شامل أكثر لقياس الأثر الاجتماعي من خلال تقييم مقدار التغيير الذي كان سيحدث من دون التدخل مثلاً. يمكن لأي مشروع أن يستخدم هذا الإطار لقياس الأثر منذ انطلاقته، ومع مرور الوقت سيمنحك التركيز على قصة الأثر الناتج المرونة اللازمة لتعديل المعايير وتعزيزها مع تطور المشاريع.
يقدم "مشروع إدارة الأثر" (Impact Management Project)، وهو مورد نشأ من إجماع عالمي بين المؤسسات الملتزمة بقياس الأثر، إرشادات مفيدة حول فهم الأثر الاجتماعي. وقد ساعد في تحسين هذه الفئة، وأنا أتطلع إلى متابعة جهودهم لتعميم ممارسة إدارة الأثر.
بعد جمع المئات من نقاط البيانات وتدقيقها وتسجيلها، يمكن تلخيص معايير الاستدامة المالية والتكنولوجيا في درجتين بمتوسطين موزونين تشكلان أساساً لتحليلنا، إذ تتيحان لنا مقارنة الاستدامة التنافسية بين جميع مشاريع محفظتنا الاستثمارية مباشرة، بغض النظر عن تميز ابتكاراتها الاجتماعية، ثم نضيف إلى هذا الأساس معايير الأثر الاجتماعي القابلة للقياس المتاحة لفهم هذه المعلومات أكثر ورسم صورة أشمل عنها.
يستخدم المثال أدناه درجات الاستدامة المالية والتكنولوجيا لوضع العديد من المشاريع ضمن المصفوفة، ويحدد عدد المستفيدين حجم كل دائرة (دون الحاجة إلى التعميم) على اعتباره مؤشراً تقريبياً لمدى انتشار الأثر الاجتماعي. والنتيجة هي أن المشاريع التي تظهر أقرب إلى الزاوية اليمنى العليا، وتحديداً التي تمثلها دوائر كبيرة، هي المشاريع التي من المرجح أن تحقق أكبر عائد اجتماعي طويل الأجل. وهذه المشاريع هي الأهم في محفظة المستثمر الاجتماعي الاستثمارية.
في حين يركز جزء كبير من إطار العمل هذا على وضع معايير لكميات هائلة من البيانات بغرض المقارنة، يمكن لمستثمري المشاريع الاجتماعية أيضاً استخدامه لتبسيط عملية اختيار الاستثمار المناسب وتقسيمها إلى خطوات فعالة أكثر، وبإمكانهم الاستعاضة عن الفئة الثالثة، وهي مجموعة بيانات الأثر الاجتماعي، بمعيار مختلف لمساعدتهم على "تصفية" بيانات المشروع. مثلاً، يمكن للمستثمر العازم على وقف انتشار الأمراض المعدية في البلدان النامية أن يستخدم معيار الأثر الاجتماعي "لعدد الحالات المحددة" بعداً ثالثاً بدلاً من "عدد المستفيدين"، وهذا سيؤدي إلى إقصاء كافة المشاريع التي لا تتفق مع رسالة المستثمر. يتيح تنوع تطبيقات إطار العمل هذا مجموعة واسعة من الاستخدامات، إلا أنها جميعاً تنضوي تحت المبدأ الأساسي نفسه: المشاريع التي تُظهر الاستدامة التنافسية الأكبر هي التي على الأرجح ستحقق العائدات الاجتماعية الأكبر على المدى الطويل.
سيمتلك كل مشروع أيضاً معايير أثر اجتماعي خاصة لا تتعلق إلا بقطاعه أو الحل الذي يقدمه، وتحديد هذه المشاريع وتتبعها، ولو لمقارنتها بأدائها السابق فحسب، مهم لقياس التقدم. وسيبقى تقييم التحسن الذي يبديه الأثر الاجتماعي المستهدف لحل ما بمرور الزمن أو مقارنته مع البدائل المتاحة أمراً مهماً بالنسبة للمستثمرين الاجتماعيين، ونحن لا نرغب في خسارة أهمية هذه المعايير أو الإخلال بها.
الدروس المستفادة
من المهم أن تحدد سياق الأداة وفقاً لاستراتيجية محفظتك الاستثمارية؛ لا تتوفر أداة واحدة تناسب الجميع في هذا المجال، لذا يجب على المستثمرين تكييف الأدوات مع المحفظة الاستثمارية التي يديرونها وتوجه المؤسسة.
في الواقع، من غير المحتمل أن يوفر أي إطار عمل للأثر الاجتماعي طريقة لتجميع كافة المتغيرات التي تضاعف الأثر الاجتماعي في مختلف القطاعات إلى حده الأقصى والإبلاغ عنها بثقة لا تُضاهى باستخدام عبارات مثل "قدم المشروع (أ) للأطفال فائدة أكبر من فائدة من المشروع (ب) بنسبة 50%". ولكن عن طريق تجميع البيانات وقياسها بمرور الوقت، يمكننا إنشاء سجل إنجازات وقياس التقدم وتقييم أثر الحلول الجديدة وفق آلية نقطة الانطلاق المتاحة حالياً.
في العمل بصندوق المشاريع التابع لليونيسف، أتاحت البيانات التي احتاج إطار العمل هذا إليها رصد الاستدامة والأثر في الاستثمارات وفي المحفظة الاستثمارية بأكملها. مثلاً، تعلمنا من محفظة استثمارية تضم 40 استثماراً ما يلي:
- في أثناء العمل على تحصيل درجة عالية في فئة التكنولوجيا، وسعت 40% من المشاريع التي خضعت إلى التحليل نطاق حلولها لتشمل مناطق جغرافية جديدة. خذ مثلاً التطبيق الأرجنتيني الذي يساعد الأطفال الذين يعانون صعوبات النطق واللغة، سي بورد (Cboard)، إذ يسهم اليوم في تطويره عدد من مطوري البرمجيات من جميع أنحاء العالم، وبالتالي تُرجم الحل الذي يقدمه المشروع إلى 43 لغة ووصل إلى أكثر من 25 ألف مستخدم نشط.
- وأيضاً، تمتعت 30% من المشاريع بقدرة تنافسية على الصعيد المالي وتلقت استثمارات لاحقة بناءً على المعلومات التي وفرها هذا التحليل. وأحد الأمثلة على ذلك الشركة الاجتماعية في الفلبين، ثينكينغ ماشينز (Thinking Machines)، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي وصور الأقمار الصناعية لجمع المعلومات اللازمة لوضع السياسات، إذ حصلت على تمويل من الوكالات الحكومية والمؤسسات الدولية والمؤسسات غير الربحية والشركات منذ عام 2017. وأدى التحسين المستمر لتقنياتها وصحتها المالية المتزايدة إلى جعلها من أقوى الحلول التنافسية التي تتمتع بقيمة اجتماعية كبيرة.
- يمكننا النظر في نتائج المشروع التي خضعت لتقييم موضوعي بدلاً من الاعتماد على الغريزة والحدس للاختيار. مثلاً، نعلم أن 6,167 طفلاً معرضاً لخطر صعوبات التعلم في المكسيك استخدموا ألعاب شركة بيكس فريم (Pixframe) المزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعي التي ساعدت على تقوية وظائفهم المعرفية. وبتعبير أدق، بعد 20 جلسة لعب مرة واحدة في الأسبوع لمدة 20 دقيقة، وهو الحد الأدنى، تحسن انتباه الأطفال وسطياً بنسبة 14%، وتحسنت ذاكرتهم البصرية بنسبة 23%، وطلاقة اللفظ لديهم بنسبة 22%.
وفي حين بُني إطار العمل لمساعدة المستثمرين فقد ساعد المشاريع نفسها أيضاً؛ فمعظم المشاريع التي حللناها لم تتعقب متغيرات مثل المستخدمين أو العملاء أو حجم السوق المحتمل، كما عززت طريقة القياس الجديدة المساءلة وأثارت النقاشات وساعدت فرق الشركات الناشئة على وضع البنية التنظيمية لنظام الإبلاغ لديهم، وكل ذلك ساعد هذه المشاريع في بحثها عن موارد إضافية.
بناء نظام قياس أفضل
على الرغم من حماسنا الشديد لرؤية نتائج جهودنا حتى الآن، فنحن ندرك أن علينا بذل مزيد من الجهود لتطوير تقييمات الأثر الاجتماعي أكثر، لا سيما في المشاريع التي ما زالت في مراحلها المبكرة. ونأمل أن يعرف أصحاب المصلحة أهمية أدوات القياس الأدق ويشاركوها في مختلف أقسام المؤسسات. يمكن لقاعدة بيانات تضم 40 مشروعاً اجتماعياً ضمن محفظة استثمارية تابعة لمؤسسة واحدة أن تكون مفيدة، ولكن قاعدة بيانات تضم 5,000 مشروع اجتماعي ضمن محافظ استثمارية من مختلف أنحاء عالم المؤسسات المتنوع ستزيد قدرة المحافظ الاستثمارية في كافة المؤسسات على تحقيق الأثر.
كما أنه من المهم أكثر من أي وقت مضى أن تُبنى قرارات تمويل المشاريع الاجتماعية على أُطُر عمل قائمة على بيانات موضوعية. فمثلاً، أدت الاستثمارات القائمة على البيانات، التي تدعمها قاعدة بيانات غنية للمشاريع الاجتماعية في المراحل المبكرة، إلى زيادة مباشرة في التمويل الموجه إلى الفئات التي تعاني نقصاً دائماً في التمويل -مثل النساء والأقليات العرقية- ما أتاح لمدراء المحافظ الاستثمارية دعم المشاريع الاجتماعية التي كان من المرجح أن تخلق القيمة الاجتماعية الأكبر، بالإضافة إلى أن هذه الاستثمارات نفسها ولدت عائداً اجتماعياً.
في حين أن إطار العمل يحتاج إلى تحسينات أكثر، وجميع الجهود المبذولة لجمع البيانات وتقييم الأثر تتطلب الكثير من الجهد والوقت، إلا أن ثمة حلاً وسطاً مهماً بين الاكتفاء بحساب عدد المستفيدين وإجراء تجربة عشوائية منضبطة. ووضع النتائج في الاعتبار وأخذ الوقت الكافي لتقييمها هو أمر عملي من الناحية التشغيلية ويسمح للمستثمرين الاجتماعيين بتبسيط عمليات إدارة المحافظ الاستثمارية لتحقيق خير اجتماعي أكبر.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.