قد يمثل الإجهاض تجربة صعبة يعيشها العديد من النساء لأول مرة دون أن تكون لديهن دراية بكيفية التعامل معها. وفي مرحلة المخاض، قد تعتقد إحداهن أنها مصابة بحالة تسمم غذائي لأنها لم تعِ مكان حدوث الألم تماماً.
هناك العديد من المشاكل الصحية التي تعانيها النساء ولا تُبحث بما يكفي، مثل قلة الوعي ونقص البيانات، وسوء الرعاية الصحية، ما يعوق مسار التنمية المستدامة في دعم تمكين المرأة. فكيف يمكننا تغيير ذلك؟
واقع صحي سيئ
تعيش النساء 25% من حياتهن في حالة صحية سيئة مقارنةً بالرجال، ووفقاً لتقرير حديث صادر عن معهد ماكنزي للصحة والمنتدى الاقتصادي العالمي بعنوان: "ردم الفجوة في صحة المرأة: فرصة بقيمة تريليون دولار لتحسين الحياة والاقتصادات"، فإن الفجوة الصحية لدى المرأة تعادل 75 مليون عام من الحياة المفقودة بسبب سوء الحالة الصحية أو الوفاة المبكرة سنوياً.
وأظهر التقرير أن الفجوة الصحية تؤثر غالباً على النساء خلال سنوات عملهن؛ أي بين 20 و60 عاماً، وفي كثير من الحالات، تستغرق النساء وقتاً أطول للحصول على التشخيص أو قد لا يحصلن على الرعاية الصحية المناسبة بسبب عدم القدرة على التشخيص الصحيح.
وكشف التقرير أيضاً عن نقص الاستثمار المالي في البحوث الطبية المتعلقة بالأمومة والصحة الإنجابية، إذ يُستثمر أقل من 2% من أبحاث الرعاية الصحية وابتكاراتها في الحالات الخاصة بالنساء بخلاف السرطان.
توصل تقرير آخر صادر عن شركة أكسنتشر للأبحاث، إلى أن أكثر من نصف مليون امرأة تلقى حتفها في أثناء الحمل أو الولادة لأسباب يمكن تجنبها بالكامل، تعيش نسبة 99% منهن في الدول النامية، التي تعاني صعوبات في تنفيذ السياسات والبرامج الصحية الخاصة بالمرأة، لأن العديد من هذه البرامج تركز على معالجة جوانب محددة من التمكين دون أن تأخذ طابعاً شمولياً يساعد على قياس الأثر من أجل تحسين كفاءة الخدمات.
تمكين المرأة دون المستوى المطلوب
يرتبط مسار التنمية المستدامة بدعم تمكين المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين، إذ يعني التمكين توسيع نطاق حرية الاختيار والقدرة على التحكم بالموارد والقرارات الحياتية التي تؤثر بصورة أو بأخرى على النتائج الصحية للمرأة بما في ذلك التغذية السليمة والوصول إلى موارد الرعاية الصحية والإلمام بالأمومة والصحة الإنجابية وتوفير الدعم المادي اللازم لتقديم الخدمات الصحية.
لكن للأسف، لا تزال هناك فجوة بين الجنسين، ولا تزال الإمكانات الكاملة للمرأة غير مستغلة، ما يعوق التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فأقل من 1% من النساء والفتيات على مستوى العالم يعشْن في دول ذات مستوى عالٍ في تمكين المرأة وفجوة صغيرة بين الجنسين في مجالات مثل الصحة والتعليم. وفي الوقت نفسه، يعيش 3.1 مليار امرأة وفتاة في دول تتسم بنقص كبير في مجال تمكين المرأة وفجوة كبيرة بين الجنسين.
وعرقلت جائحة كوفيد-19 جهود تمكين المرأة، فقد كشف استطلاع أجرته شركة هولوجيك للتكنولوجيا الطبية بالشراكة مع مؤسسة غالوب عام 2021، أن العبء الاقتصادي والعبء النفسي للجائحة أثّرا سلباً على النساء خاصة، في المنطقة العربية مثلاً، حصلت السعودية على المركز 38 عالمياً ضمن المؤشر العالمي لصحة المرأة، الذي شمل 5 فئات: الصحة العامة، والرعاية الوقائية، والصحة النفسية، والسلامة، والاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والمأوى، تلتها الإمارات في المركز 35، ثم الجزائر في المركز 63، ونال لبنان المركز 118.
فرصة بتريليون دولار، فكيف نحصل عليها؟
لكن تغيير هذا الواقع الصحي للمرأة يمكن أن يقلل الوقت الذي تقضيه النساء في حالة صحية سيئة بنسبة الثلثين تقريباً، وقد يزيد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 17%، ويعزز الاقتصاد العالمي بمقدار تريليون دولار بحلول عام 2040 عبر تقليل عدد الوفيات المبكرة وتحسين الظروف الصحية للمرأة وزيادة قدرتها على الإسهام في الاقتصاد والمجتمع. وبحسب تقرير ماكنزي، من المتوقع أن ينتج عن كل دولار يُستثمر في صحة المرأة نحو ثلاثة دولارات في النمو الاقتصادي.
تنعكس التنمية الاقتصادية بصورة إيجابية على صحة المرأة من خلال زيادة الموارد وتحسين التمكين، لكن هل تنتظر الدول النامية تحقيق المساواة في الدخل حتى تسجل تقدماً في صحة المرأة؟ ليس تماماً.
فالتركيز على تعليم النساء والفتيات سيساعدهن على اتخاذ قرارات أفضل بشأن رفاههن، واكتسابهن للمعارف والمهارات سيسهم في تعزيز صحتهن الإنجابية وتحررهن من العادات والتقاليد الاجتماعية التي تفرض عليهن ثقافة كثرة الإنجاب.
وتواجه دول منطقة الشرق الأوسط تحديات سياسية واجتماعية وبيئية فيما يخص المساواة بين الجنسين، وتحسين صحة النساء والفتيات، لكن يمكن التغلب عليها من خلال تحسين وصولهن إلى التكنولوجيا الرقمية وتعزيز قدراتهن على استخدامها، إذ ترى أكسنتشر للأبحاث أنه كلما استثمرت الحكومات والشركات في تعزيز المعرفة الرقمية لدى المرأة، أصبح بالإمكان تحقيق المساواة بين الجنسين في بيئة العمل بحلول عام 2040 في الدول المتقدّمة وبحلول عام 2060 في الدول النامية.
تجربة ملهمة في رواندا
تمثل رواندا مثلاً ناجحاً في تمكين صحة المرأة، ففي العقد الماضي تراجع معدل وفيات الأمهات عند الوضع بنسبة 42%، من 487 إلى 203 حالات لكل 100,000 ولادة طفل حي، وأسهم تعليم القابلات وتدريبهن في وصول نسبة النساء اللاتي يلدْن أطفالهن في مرافق الرعاية الصحية إلى 93%.
ويعود هذا الإنجاز إلى مجموعة من العوامل، أبرزها التقدم الاجتماعي الذي أحرزته رواندا عقب الإبادة الجماعية عام 1994، إذ بدأت النساء بقيادة جهود البناء وإعادة الإعمار بالتعاون مع المؤسسات غير الربحية، ما أدى إلى تحسين النتائج في مجالات النمو الاقتصادي والصحة والتمكين السياسي، فأصبحت رواندا أول دولة في العالم تتجاوز فيها نسبة النساء الأعضاء في البرلمان 50%، ونالت المرأة حقوقاً متساوية في الملكية وشغل المناصب القيادية في مجالات الحياة المختلفة، وباتت نسبة الالتحاق بالمدارس متساوية بين الأولاد والفتيات.
واستطاعت رواندا تحسين مؤشرات الصحة عبر طرح نظام رعاية صحية شامل يغطي أكثر من 90% من السكان، واعتمدت على تنظيم الحوارات والمشاركة المجتمعية من أجل تحديد تحديات الرعاية الصحية للأم والطفل، وكي تتمكن المرأة من التعبير عن احتياجاتها واهتماماتها وتوقعاتها، على سبيل المثال أتاحت رواندا للمجتمع المحلي فرصة اختيار مقدمي الرعاية الصحية المجتمعية، ما يعزز الثقة في تقديم رعاية صحية تناسب الثقافة المحلية.
نحن بحاجة إلى إعادة تصميم البنية التحتية للرعاية الصحية التي تتمحور حول المرأة، والتأكد من تدفق الاستثمارات في هذا الاتجاه، وتعزيز مجالات التعليم البحث والتطوير الخاصة بصحة النساء والفتيات بمشاركتهن واعتبارهن المرجع الطبي الأول لاتخاذ قرارات تتوافق مع احتياجاتهن.