كيف تدعم المستثمرات الملائكيات ريادة الاعمال في السعودية؟

5 دقيقة
تمكين المرأة
shutterstock.com/Lerbank-bbk22

يمثل تمكين المرأة في المملكة العربية السعودية عنصراً مهماً للنمو الاقتصادي المستدام والتنمية الاجتماعية، إذ تظهر المؤشرات الحديثة أن الإصلاحات القانونية والتشريعية قد وسعت فرص العمل للنساء، وعززت ريادة الأعمال، وأسهمت في رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 36%، وانضمام أكثر من 437 ألف امرأة إلى القطاع الخاص خلال 2024.

في هذا السياق، يبرز الاستثمار الملائكي بوصفه أداة فعالة لتسريع تمكين المرأة، إذ يوفر المستثمرون الملائكيون رأس المال الأولي والإرشاد للشركات الناشئة التي تقودها نساء، ما يساعد رائدات الأعمال على تخطي الحواجز التقليدية وتوسيع أعمالهن.

يستعرض هذا المقال بحثاً مستمراً حول مشهد الاستثمار الملائكي في السعودية، حيث أجريت مقابلات مع 23 مستثمرة ملائكية سعودية، إلى جانب عدد من أعضاء شبكات الدعم المحيطة بهن. وبينما ركزنا بالأساس على فهم كيف يجري دعم هؤلاء النساء خلال رحلتهن الاستثمارية، كشفت البيانات أيضاً عن أنماط متكررة حول كيفية دعمهن للمؤسسين الذين يستثمرون فيهن.

يتماشى الاستثمار الملائكي النسائي في المملكة مع رؤية 2030 والتحول الاقتصادي الأشمل، ويؤدي دوراً حيوياً في دفع الأهداف الوطنية في مجالات الريادة والابتكار وتمكين المرأة.

بحسب تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال، شهدت المملكة تقدماً في تنويع منظومة الاستثمار، بدعم من تعديلات تنظيمية عززت مشاركة النساء في ريادة الأعمال. وعلى الرغم من أن النساء يشكلن 50% من السكان، فإنهن لا يمتلكن سوى 26% من الأوراق المالية. ومع ذلك، تحتل السعوديات المرتبة الثانية عالمياً في الاستثمار غير الرسمي بنسبة 18% وبمتوسط استثمار يتجاوز 10 آلاف دولار. تعكس هذه الأرقام وجود فجوة بين الإمكانات المتاحة وواقع المشاركة الاقتصادية للمرأة، لكنها في الوقت نفسه تظهر فرصة استراتيجية هائلة لتعزيز حضور المرأة في السوق المالية وريادة الأعمال.

ما هو الاستثمار الملائكي؟

يشير الاستثمار الملائكي إلى التمويل الذي يقدمه أفراد لديهم رؤوس أموال خاصة لشركات ناشئة في مراحلها الأولى، وغالباً قبل أن تتاح لها فرص الحصول على رأس مال مغامر أو تمويل مصرفي. ترى المشاركات في الدراسة أن هذا الاستثمار عالي المخاطرة، فقد ينجح مشروع واحد فقط من بين 10 مشاريع، لكن في حال نجاحه فإنه يعوض جميع الخسائر. وعادة ما تتراوح قيمة الاستثمار الفردي بين 25 ألفاً و100 ألف دولار، وهو ما يمنح الشركات الناشئة فرصة حقيقية لاجتياز مرحلة "البذرة" الحرجة.

لا يقتصر الاستثمار الملائكي على ضخ المال فقط، بل يقدم قيمة إضافية تتمثل في الإرشاد، وتوسيع شبكة العلاقات، وبناء الثقة بالمؤسسين. تضيف المستثمرات في السعودية بعداً خاصاً إلى هذا الدور يجمع بين الدعم المالي والتواصل الإنساني العاطفي، ما يجعل العلاقة بينهن وبين رائدات الأعمال علاقة مبنية على الثقة والدعم المتبادلين.

في السياق السعودي، يكتسب الاستثمار الملائكي أهمية مضاعفة لأنه يتقاطع مع أهداف رؤية 2030 في تنمية الريادة والابتكار وتعزيز المشاركة النسائية في الاقتصاد. كما يسهم في خلق جيل جديد من الشركات الناشئة التي تقودها نساء، وهو ما يشكل تحولاً في بنية السوق. وبينما يظل التمويل أحد أكبر التحديات أمام رائدات الأعمال، يأتي الاستثمار الملائكي ليغطي هذه الفجوة، ويمنح النساء منصة للانطلاق نحو أسواق أوسع وقطاعات مبتكرة.

الدوافع ومعايير الاستثمار

لا ينحصر دافع المستثمرات الملائكيات في تحقيق الربح المادي، بل يتجاوز ذلك إلى أبعاد اجتماعية وإنسانية واضحة. يعتبر العديد من المستثمرات أن الاستثمار وسيلة لرد الجميل للمجتمع، ودعم الأجيال الجديدة من النساء الرياديات، وغالباً ما تبنى القرارات الاستثمارية على الانسجام مع شخصية المؤسس وقيمه وليس فقط على الفكرة أو المنتج. تقول إحدى المستثمرات: "ما يهمني حقاً ليس الفكرة بل من يقف وراءها". يعكس هذا التوجه ثقافة استثمارية مختلفة، ترتكز على الثقة والعاطفة والرغبة في دعم قصص نجاح جديدة.

كما تؤدي الهوية الجندرية دوراً محورياً في تحديد أولويات الاستثمار، إذ أعربت مستثمرات كثيرات عن رغبة صريحة في دعم شركات تقنية تقودها نساء، بهدف إثبات قدرتهن على المنافسة في مجالات يهيمن عليها الرجال. تتماشى هذه الرؤية مع التحولات العالمية التي تركز على "الاستثمار المؤثر"، الذي يوازن بين العائد المالي والأثر الاجتماعي.

ولا تقتصر معايير اتخاذ القرار على الأبعاد العاطفية فقط، بل تشمل أيضاً عوامل مثل قدرة المؤسس على الالتزام، وتنوع الفريق، وإمكانات السوق المستهدفة. لكن الجانب الإنساني يظل هو العنصر الفارق الذي يمنح الاستثمار الملائكي النسائي طابعه المميز في السعودية؛ فهو استثمار يبنى على قناعة راسخة بأن نجاح امرأة واحدة يمكن أن يلهم مئات النساء الأخريات.

الأدوار المتعددة للمستثمرات الملائكيات

تقدم المستثمرات الملائكيات في السعودية قيمة مضافة تتجاوز التمويل التقليدي، فهن لا يكتفين بتقديم مبالغ مالية تصل غالباً إلى 25 ألف دولار في المراحل المبكرة، بل يؤدين أدواراً متعددة تجعل من وجودهن شريكاً حقيقياً في مسيرة الشركة الناشئة. تشمل هذه الأدوار:

الإرشاد الاستراتيجي، حيث يشاركن في وضع نموذج العمل، وتحديد خطط النمو، ومراجعة مؤشرات الأداء. كما يتدخلن أحياناً في العمليات التشغيلية، مثل التوظيف، وإعادة هيكلة الحوكمة، وبناء نظم داخلية أكثر كفاءة.

إضافة إلى ذلك، يؤدين دوراً محورياً في الدعم النفسي والمعنوي للمؤسسين، إذ يمثلن نقطة ارتكاز عاطفية تساعد رواد الأعمال على مواجهة الضغوط، خصوصاً في المراحل الأولى المليئة بالتحديات. كما يفتحن شبكات علاقاتهن لتوسيع دائرة المستثمرين المحتملين والشركاء الاستراتيجيين، ما يمنح الشركات الناشئة فرصاً أوسع للوصول إلى الأسواق والموارد.

يتجلى تأثير المستثمرات أيضاً في حضورهن بوصفهن عضوات مجالس إدارة أو مستشارات، وهو ما يمنحهن سلطة مباشرة في توجيه مسار الشركات. بذلك يتحول الاستثمار الملائكي إلى منصة للتأثير الاجتماعي والاقتصادي، تتخطى حدود رأس المال إلى صناعة بيئة أكثر شمولاً وعدالة.

نحو منظومة ريادية شاملة

تتجاوز مساهمة المستثمرات الملائكيات في السعودية مجرد تمويل المشاريع، إذ إنهن جزء فاعل في بناء منظومة ريادية أكثر شمولاً وديناميكية وقائمة على القيم. وفيما يلي خطوات عملية تساعد على بناء هذه المنظومة وتعزيزها:

تأسيس مجموعات استثمار ملائكية قوية: إن نجاح مبادرة وومان سبارك، أول مجموعة استثمار ملائكي نسائية سعودية، يوضح قوة شبكات الاستثمار الموجهة للنساء، ولتوسيع هذا النموذج، يمكن توسيع نطاق الشبكات الحالية في المدن السعودية، أو إنشاء مجموعات ملائكية متخصصة تستهدف قطاعات ذات نمو عال مثل التكنولوجيا المالية وتكنولوجيا الرعاية الصحية والتعليم الإلكتروني. كما يمكن تنفيذ برامج تدريب منظمة حول أساسيات الاستثمار وتقييم الفرص العملية، على غرار برنامج المرأة في التكنولوجيا.

بناء شراكات استراتيجية مع المؤسسات المالية: إقامة شراكات مع البنوك والشركات الاستثمارية الكبرى لتأسيس صناديق استثمار نسائية مخصصة، والتعاون مع المنشآت والبنك الاجتماعي لتأسيس أدوات استثمارية مشتركة تشارك الحكومة في تمويل الشركات النسائية الناشئة.

بنية دعم شاملة: مع إبلاغ 32% من رائدات الأعمال بأن نقص التمويل هو التحدي الأكبر، يجب معالجة الحواجز المالية من خلال توفير نظام تمويل متدرج من منح مبكرة تليها جولات استثمار ملائكي ثم رأس المال المغامر لتوسيع نطاق الأعمال، بالإضافة إلى تأسيس منصات تمويل جماعي متوافقة مع الشريعة وخيارات تمويل قائمة على العائد بما يتناسب مع القيم الثقافية.

التركيز على التكنولوجيا والابتكار: توفر الابتكارات المالية والتقنية فرصاً جديدة للشمول المالي، وبالتالي يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في مطابقة رائدات الأعمال مع المستثمرين بناءً على التخصص والتفضيلات الاستثمارية، واستخدام البلوك تشين في تقديم حلول تمويل شفافة وسريعة. كما يحب إنشاء حاضنات تقنية مخصصة للنساء، وربط رائدات الأعمال بالجامعات السعودية لتسويق الأبحاث وتحفيز الابتكار.

تعزيز المبادرات الحكومية: يجب إلزام صناديق رأس المال المغامر بتخصيص نسب معينة للشركات النسائية، وتقديم تخفيضات ضريبية للمستثمرين الملائكيين والمشروعات النسائية في السنوات الأولى، وتسهيل إجراءات الترخيص والتسجيل للنساء على وجه الخصوص.

قياس الأثر: من الضروري وضع إطار قياس كمي ونوعي للاستثمار الملائكي بين السيدات لمعرفة الفرص والتحديات والمتطلبات اللازمة لرفع مساهمة الأعمال النسائية في نمو الناتج المحلي والتنويع الاقتصادي.

 

 

               

المحتوى محمي