4 خطوات نحو تحوّل عادل للطاقة النظيفة

الانتقال إلى الطاقة النظيفة
shutterstock.com/Volodymyr Burdiak
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تضع قضية المناخ دول العالم على المحك في ضرورة الانتقال إلى الطاقة النظيفة للحد من الانبعاثات الدفيئة وإتاحة فرص عمل جديدة للاستفادة من المصادر المتجددة، لكن فوائد هذا الانتقال وميزاته لا تتمتع بها الدول بالتساوي، ما يدعو إلى التفكير ملياً في إرساء عدالة التحول إلى الطاقة النظيفة في البلدان النامية والمجتمعات الفقيرة والنائية.

عقبات التحول

تواجه البلدان النامية الكثير من العقبات أمام التحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة، فمن جهة تفتقر إلى الأموال اللازمة لمشاريع الطاقة المتجددة، ومن جهة أخرى لا تزال رهينة الاعتماد على الوقود الأحفوري، فضلاً عن أنها الأكثر عُرضة لتبعات التغير المناخي.

في الدول المتقدمة والغنية، يمكن للأفراد تحمّل تكلفة تجهيز منازلهم بالألواح الشمسية أو المضخات الحرارية، ويسهل على المدارس التحول إلى الحافلات الكهربائية النظيفة، في الوقت الذي تستمر فيه الأسر الفقيرة في البلدان النامية بتدفئة منازلها بالوقود الأحفوري، والاعتماد على حافلات تعمل بالديزل لإرسال أطفالها إلى المدارس، ودفع الكثير من الأموال مقابل الحصول على الكهرباء، والعيش في بيئة ملوثة نتيجة لذلك.

لماذا الانتقال العادل إلى الطاقة مهم؟

تبيّن الوكالة الدولية للطاقة، أن العالم لا يزال يوّلد نحو ثلثي الكهرباء من حرق الوقود الأحفوري، ما يستلزم تحويل 80% على أقلّ تقدير من الكهرباء إلى مصادر منخفضة الكربون بحلول عام 2040، لكن في الوقت نفسه، تكافح البلدان النامية من أجل تلبية الطلب المتزايد على الطاقة في ظل نقص التمويل، إذ تحتاج إلى استثمارات تُقدر بنحو تريليون دولار سنوياً لقطاع الكهرباء فقط من أجل الوفاء بالأهداف المناخية.

ويوثّق أحدث تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي بعنوان: “تعزيز الانتقال الفعّال للطاقة 2023” (Fostering Effective Energy Transition 2023) تباطؤ عملية انتقال الطاقة في منطقة الشرق الأوسط والعالم، بسبب أزمة الطاقة والتقلبات الجيوسياسية، وعند النظر إلى مؤشر انتقال الطاقة في منطقة الشرق الأوسط، يبرز العديد من الفرص والتحديات التي تواجهها في طريقها نحو التحول الفعّال إلى الطاقة الفعّالة، إذ حصلت المنطقة على نحو 50.5 درجة على مقياس المؤشر، في ظل استمرار اعتمادها على إيرادات النفط.

وتبقى المصادر المتجددة كالشمس والرياح إمكانات لا تُستثمر بالكامل في منطقة الشرق الأوسط لتصبح رائدة في إنتاج الطاقة النظيفة، فالأمر لا يقتصر على الحد من البصمة الكربونية فقط، بل يتعداه إلى ضرورة إتاحة التقنيات الحديثة وبتكلفة ميسورة للجميع لضمان التحول العادل إلى الطاقة، واستفادة العمال والمجتمعات النائية والطبقات الاجتماعية المختلفة من هذا التحول، وأن يكونوا جزءاً من القرارات المتعلقة به.

ويُعد الانتقال العادل والمنصف إلى الطاقة النظيفة مهماً لسببين رئيسيين:

  1. كانت الدول المتقدمة والغنية تستخدم الوقود الأحفوري عبر عقود خلت ما يجعلها السبب المباشر لمشكلة المناخ، وحان الوقت لتتحمل العبء الأكبر من حل هذه المشكلة، وعدم إلقائه على الدول ذات الدخل المنخفض والمتضررة الأكبر من تغير المناخ لضعف إمكاناتها.
  2. لم يعد التحول إلى الطاقة النظيفة خياراً، إنه مسألة حياة أو موت حرفياً، فالعالم المتقدم لن يتمكن من بلوغ أهدافه المناخية دون دعم العالم النامي في تحقيق هذا التحول، وجعل الطاقة المتجددة هي المعيار في كل الكوكب.

عناصر التحول العادل والمنصف إلى الطاقة النظيفة

فرص عمل جديدة

إن التحول العادل والمنصف بعيداً عن الوقود الأحفوري يجب أن يساعد البلدان التي تعاني تبعات تغير المناخ أكثر من غيرها، وأن يأخذ بعين الاعتبار الأشخاص الذين سيفقدون وظائفهم في مناجم الفحم ومحطات توليد الطاقة بالوقود الأحفوري، فمعظم هؤلاء العمال لم يكملوا تعليمهم الجامعي ولم يُدربوا على وظائف أخرى.

ويجب أن يشمل التحول العادل أيضاً حصول الأقليات والفئات المحرومة على فرص متساوية للعمل في قطاع الطاقة المتجددة، فالوضع الحالي عكس ذلك، فبحسب دراسة أجريت عام 2019 حول صناعة الطاقة الشمسية، فإن أغلبية الوظائف في هذا المجال تذهب إلى ذوي البشرة البيضاء.

على الرغم من أن الانتقال إلى الطاقة النظيفة يؤدي إلى خسارة الوظائف، فقد يخلق فرص عمل جديدة؛ فمن المحتمل فقدان نحو 5 ملايين وظيفة في مجال إنتاج الوقود الأحفوري بحلول عام 2030، لكن الوكالة الدولية للطاقة تتوقع خلق ما يقارب 14 مليون وظيفة جديدة في مجال الطاقة النظيفة، كما ستتطلب الصناعات المتعلقة بالطاقة مثل السيارات الكهربائية 16 مليون عامل إضافي، وبالتالي يمكن استحداث ما يزيد  على 30 مليون وظيفة في مجالات الطاقة النظيفة والكفاءة والتكنولوجيات القليلة الانبعاثات بحلول عام 2030.

عادةً ما تكون الوظائف الجديدة في مناطق أخرى غير التي عمل بها عمال المناجم سابقاً، لذا يجب دعمهم وتدريبهم، وتشجيع المدن التي تعتمد على الفحم على تنويع اقتصادها.

بيئة نظيفة للجميع

ينبغي لعملية التحول العادل إلى الطاقة النظيفة ألا تفرض ضغوطاً بيئية على المجتمعات الفقيرة وذات الدخل المنخفض، على سبيل المثال، ارتفاع الطلب على بطاريات الليثيوم مع الانتقال إلى السيارات الكهربائية، يزيد من خطر تعرض عمال مناجم تعدين عناصر الليثيوم والنيكل والكوبالت والعديد من مجتمعات السكان الأصليين للنفايات الضارة، بالتالي يمكن تنظيم العمل في هذه المناجم وتقليل أثرها على البيئة من خلال إعادة تدوير البطاريات، لجعل تحوّل الطاقة أكثر عدالة.

زيادة الدعم المادي وفرص الاستثمار

مع القيود المالية والتكنولوجية التي تعيق الدول النامية ذات الكثافة السكانية العالية من تحقيق الاستفادة الكاملة من مصادر الطاقة المتجددة، يجب رفع مستوى الدعم المالي وضخ الاستثمارات في مشاريع الطاقة النظيفة وكفاءة استخدام الطاقة وتقنيات احتجاز الكربون.

على سبيل المثال، استحوذت إفريقيا على 2% فقط من الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة في العقدين الماضيين، وأقل من 3% من وظائف الطاقة المتجددة في العالم، وتحتاج نيجيريا إلى نحو 410 مليارات دولار بحلول عام 2060 لتحقيق أهداف الوصول إلى الطاقة، في ظل تزايد الطلب عليها مع ارتفاع عدد السكان، لكن هناك فرصة لتوفير نحو 60% من الطلب على الطاقة بحلول عام 2050، في حال استغلال الموارد المتجددة.

مفاتيح التحول العادل في مجال الطاقة

عندما تتخذ عملية التحول إلى الطاقة النظيفة مساراً صحيحاً، سيصبح العالم أكثر أماناً وعدلاً وشموليةً، ويمكن تسريع وتيرة الانتقال الصحيح والعادل للطاقة من خلال:

  • كسر الحواجز التي تعيق وصول تكنولوجيا الطاقة المتجددة إلى البلدان النامية، سواء تقاسم المعارف ونقل هذه التكنولوجيا وقيود الملكية الفكرية الخاصة بها، على سبيل المثال يمكن لأنظمة تخزين الطاقة في البطاريات عند إقرانها بالمولدات المتجددة، أن توفر كهرباء بكفاءة أعلى وأرخص في الشبكات المعزولة وللمجتمعات خارج الشبكة في المناطق النائية.
  • الحد من دعم الوقود الأحفوري لصالح مصادر الطاقة المتجددة من أجل خفض الانبعاثات وتحسين الصحة العامة وخلق فرص العمل وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام، ووفقاً لصندوق النقد الدولي، يستفيد أغنى 20% من السكان من حوالي نصف الموارد العامة التي تُنفق على دعم استهلاك الوقود الأحفوري.

وزاد إجمالي الدعم المقدم لشركات الوقود الأحفوري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بين عامي 2020 و2022 لتستأثر المنطقة بحصة 26% من إجمالي الدعم العالمي للوقود الأحفوري البالغ 1.3 تريليون دولار.

بالتالي، يمكن إعادة توجيه الأموال التي تنفقها حكومات المنطقة على دعم الوقود الأحفوري إلى تمويل البحوث، والبنية التحتية وتطوير مشاريع الطاقة المتجددة.

  • وضع خطة تمويل واضحة تشارك فيها الجهات العامة والخاصة والخيرية لدعم نشر الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة وغيرها من تكنولوجيات الطاقة النظيفة في البلدان النامية، ويمكن أن يسهم فرض ضريبة الكربون في رفع أسعار الوقود الأحفوري وبالتالي تسريع التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة.
  • إعادة تدريب العمال النازحين من مناطق الوقود الأحفوري وتأهيلهم للعمل في وظائف الطاقة المتجددة، وتقديم الرعاية الصحية للعمال المتضررين من انبعاثات حرق الوقود الأحفوري، وتحسين كفاءة الطاقة في المباني لمن لا يستطيعون تحمل تكاليفها بسهولة.

بالمحصلة، ينبغي ألا يكون هناك فائزون وخاسرون في العمل المناخي، ولا أعذار أمام الاقتصادات الكبرى في عدم اتخاذ إجراءات جديّة لتسريع التحول العادل والمنصف في مجال الطاقة ووضع العالم على المسار الصحيح لتحقيق صافي انبعاثات صِفري.