كيف يمكن أن تكون السياحة صديقة للبيئة؟

قطاع السياحة الضار
shutterstock.com/yanishevska
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يشكل أثر قطاع السياحة الضار بالبيئة تحدياً مستمراً ومعقداً. إذ تدعم السياحة اقتصادات الدول حول العالم وتسهم في ازدهارها، لكنها تتسبب في زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة والأضرار البيئية. أظهر تقرير صادر عن المجلس العالمي للسفر والسياحة (WTTC) في عام 2021، أن السياحة مسؤولة عن 11% من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، حيث يسهم قطاعا النقل والإقامة بغالبيتها. وما ينذر بالخطر تضاعف هذه النسبة بحلول عام 2050 كما تشير التوقعات.

يسهم قطاع الطيران بقوة في انبعاثات الكربون، وذلك بسبب الحاجة المتنامية للسفر جواً إلى وجهات عالمية متنوعة. في يوليو/تموز 2023، ازدادت حركة المرور الإجمالية بنسبة 26.2%، بحسب مقياس إيرادات الركاب لكل كيلومتر (RPKs)، مقارنة بالشهر نفسه من العام 2022. ووصلت مستويات حركة المرور الحالية على الصعيد العالمي إلى أكثر من 95% مما كانت عليه قبل جائحة كوفيد-19. تتطلب استضافة السياح إنشاء الفنادق والمنتجعات وغيرها من المنشآت السياحية وتشغيلها على نحو مستمر، وذلك يؤدي إلى استهلاك ضخم للطاقة والموارد، ما يزيد أثر قطاع السياحة الضار بالبيئة. ونظراً لتزايد خطورة تبعات التغير المناخي، فمن الأهمية بمكان أن يتخذ قطاع السياحة خطوات استباقية لمعالجة آثاره البيئية الضارة ورفع قدرته على التكيف مع الظروف المناخية المتغيرة.

تُعد برامج التعويض من الطرائق الفعالة لتخفيف بصمة قطاع السياحة الكربونية. إذ تدفع هذه المبادرات المسافرين وشركات السياحة إلى الاستثمار في المشاريع التي تلتقط كمية مساوية من انبعاثات الكربون الناتجة عن رحلاتهم أو تقللها. على سبيل المثال، يمكن للمسافرين شراء تعويضات الكربون عن رحلاتهم، إذ تموّل تلك التعويضات مشاريع عدة مثل إعادة التشجير أو الطاقة المتجددة أو احتجاز غاز الميثان. كما يمكن لشركات السياحة أن تؤدي دوراً رائداً في برامج تعويض الكربون من خلال تعويض انبعاثاتها طوعاً وتشجيع عملائها على فعل الشيء نفسه. لا يساعد ذلك في تخفيف الأثر البيئي فحسب، بل يعزز أيضاً صورة الشركة بوصفها شركة تتحمل مسؤولياتها وصديقة للبيئة. وبوسع الفنادق والمنتجعات أن تقلل من بصمتها الكربونية بدرجة كبيرة، وذلك من خلال اعتماد تقنيات موفرة للطاقة واستخدام مصادر الطاقة المتجددة. ويعني ذلك استخدام الألواح الشمسية، وأنظمة إضاءة وتدفئة وتهوية وتكييف موفرة للطاقة، إلى جانب اعتماد استراتيجيات توفير المياه. يُظهر عدد متزايد من السياح وعياً متنامياً ببصمتهم البيئية، ما يجعلهم أكثر ميلاً لاختيار منشآت الإقامة الصديقة للبيئة. ومن خلال الاستثمارات في الطاقة التوفيرية وحلول الطاقة المتجددة، تستطيع المؤسسات السياحية جذب المسافرين المهتمين بالبيئة وتحقيق وفورات في التكاليف على المدى الطويل في عملياتها.

تعد البرامج التثقيفية التي تستهدف السياح والمهنيين في قطاع السياحة أمراً بالغ الأهمية لمعالجة آثار التغير المناخي وتعزيز الاستدامة. يؤدي السياح دوراً محورياً من خلال اتخاذ خيارات صديقة للبيئة في أثناء رحلاتهم، بدءاً من اختيار أماكن الإقامة الصديقة للبيئة وحتى المشاركة في أنشطة الحفاظ على البيئة. ومن الضروري أيضاً أن تتخذ شركات السياحة خطوات استباقية. كما من الضروري تنفيذ برامج التدريب للموظفين، لأنها تضمن فهماً عميقاً لأهمية التصدي للتغير المناخي واتخاذ إجراءات ملموسة للتخفيف من آثاره. كما تؤدي المؤسسات التعليمية دوراً رئيسياً في إعداد قوة العمل المستقبلية لمواجهة التحديات البيئية. ومن خلال تنمية ثقافة تحمل المسؤولية البيئية، يمكن لقطاع السياحة أن يسعى على نحو جماعي لتفعيل المزيد من السياحة الصديقة للبيئة، والتخفيف من آثارها السلبية على الكوكب والحفاظ على جمال الوجهات السياحية للأجيال القادمة.

في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP3) في مدينة كيوتو باليابان عام 1997، قدم قطاع السياحة تعهدات مناخية أدت إلى إحراز تقدم كبير على مدى العقدين الماضيين. وتُوّج هذا التقدم بتوقيع اتفاقية كيوتو التاريخية (Kyoto Protocol)، وهي أول معاهدة في العالم تهدف إلى الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة. كما حدث تحول كبير في عام 2021، إذ أسست 300 جهة تحالفاً لتأييد إعلان غلاسكو حول العمل المناخي في قطاع السياحة، والذي شمل مؤسسات بارزة مثل مؤسسة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة والمجلس العالمي للسفر والسياحة. يلتزم إعلان غلاسكو بخفض الانبعاثات المرتبطة بالسياحة بنسبة 50% بحلول عام 2030 ويهدف إلى تحقيق انبعاثات قريبة من الصفر بحلول عام 2050.

ومع اقترابنا من مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP28)، يستمر هذا المسعى في اكتساب المزيد من الزخم، ما يدفع شركات السفر وبلدان الوجهات السياحية إلى إعادة تقييم ممارساتها التشغيلية وتحويلها. وتشير التقديرات إلى أن 140,000 شخص سيصلون إلى الإمارات لحضور مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP28) لمناقشة اتفاق باريس وتقييم التقدم المحرز نحو تحقيقه. ستحول جامعة هيريوت وات دبي خلال هذه الفترة طابقين من حرمها الجامعي في مجمع دبي للمعرفة إلى مركز مناخي لاستضافة الزوار من جميع أنحاء العالم والمشاركة في محادثات مهمة حول أهداف الاستدامة. حان الوقت لقطاع السياحة أن يعمل على تهيئة مستقبل أكثر استدامة لصالح الكوكب وتعزيز الازدهار المستقبلي لهذا القطاع.