تكشف الأزمات والكوارث الطبيعية اليوم أكثر من أي وقت مضى، عن أهمية حماية البيئة للاستمرار في الحياة على الكوكب، وبما أن البشر من العوامل التي تؤثر سلباً على البيئة؛ أصبح من الضروري توجيههم إلى السلوكيات المستدامة وجعلهم من المدافعين عنها، وذلك من خلال زيادة معرفتهم بالبيئة الطبيعية من حولهم وعناصرها وأهميتها ورفع مستوى وعيهم بمخاطر تدهورها.
أولوية التربية البيئية في مواجهة الأزمة
أدى تفاقم الكوارث الطبيعية في مطلع سبعينيات القرن الماضي إلى جعل حماية البيئة أولوية على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، فسارعت الدول إلى إدخال التربية البيئية في مناهجها الدراسية بالمدارس لتمثل استراتيجية لحماية البيئة وتكوين الوعي السليم بها.
وأثبتت العديد من الدراسات فعالية البرامج التعليمية في زيادة مستوى الثقافة البيئية للطلاب ورفع مستوى وعيهم بالسلوكيات السليمة، وذلك في حال تقديم معلومات مرتبطة بالقضايا والمشكلات المُلحة مثل تلوث الهواء والمياه واستنزاف الموارد الطبيعية، والاعتماد على الأسلوب التفاعلي وجلسات العصف الذهني بهدف ابتكار حلول فعّالة لهذه القضايا.
وبما أن التوعية البيئية تتطلب التأثير في قيم البشر واتجاهاتهم وسلوكياتهم؛ لا بد أن تبدأ في مرحلة عمرية مبكرة، لذا تعد المدارس نواة الوعي البيئي، بحيث تحاول إكساب الطلاب عادات واتجاهات وقيم وممارسات تسهم في حماية البيئة والحفاظ عليها، عبر تحليل المحيط الطبيعي الذي يعيشون فيه بالتشارك مع المعلمين. فالمعلم له دور كبير بتسليط الضوء على الظواهر والقضايا البيئية وتحفيز الطلاب على دراستها وتحليلها، وتقديم النصائح والإرشادات حول طرائق حل المشاكل التي تتعرض لها. وتساعد المشاركة الجماعية في الأنشطة اللاصفيّة مثل غرس الأشجار والنباتات والإسهام بنظافة محيط المدرسة، على تنمية القيم والاتجاهات والسلوكيات التي تعزز الوعي البيئي للطلاب.
إذاً، يمثل كل من المناهج والمعلمين أساس نجاح برامج التوعية البيئية؛ فالمنهج هو الركيزة الأساسية لأي عملية تربوية لأنه يقدم حقائق ومعلومات تساعد الطلاب على تعديل سلوكهم وفق استعداداتهم وقدراتهم، ويمكن استخدام أساليب متنوعة في تضمين التربية البيئية في المناهج، لعل أبرزها:
الأسلوب الاجتماعي: يركز هذا الأسلوب على توضيح العلاقة بين العلم والتكنولوجيا والمجتمع والبيئة، وإتاحة الفرصة أمام الطلاب للممارسة العملية والتدريب على كيفية اتخاذ القرارات التي تؤثر في حاضر الكوكب ومستقبله، ما يسهم في إعدادهم للأدوار المستقبلية وربط معرفتهم بالأحداث البيئية مثل التخلص من النفايات عن طريق إعادة التدوير.
الأسلوب المستقل: يمكن تضمين المواضيع والقضايا البيئية في المنهج بحيث تكون مادة دراسية مستقلة، ويناسب هذا الأسلوب طلاب المرحلة الجامعية، إذ تتوافر لديهم قاعدة معرفية جيدة تساعد على تعميق فهمهم للبيئة وزيادة مستوى وعيهم بالممارسات المطلوبة، لذا يعتمد الأسلوب المستقل اعتماداً كبيراً على جهود المعلمين والموجهين.
الأسلوب المتكامل: يرتكز هذا الأسلوب على دمج المعلومات البيئية في مناهج جميع المواد الدراسية المختلفة على سبيل المثال، يمكن تناول مشكلة التلوث الضوضائي عند دراسة خصائص الأُذُن ووظائفها، أو البحث في مشكلة تلوث الهواء عند دراسة الغلاف الجوي، أو مناقشة مشكلة حرائق الغابات عند دراسة علم النبات. ويعد هذا الأسلوب الأكثر ملاءمة لطلاب المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، لأنه يتيح الفرصة لتحقيق التكامل بين المواد الدراسية والقضايا البيئية.
وعلى الرغم من تعدد الأساليب المتبعة في التوعية البيئية، لا بد من أن تركز جميعها على تقديم المعرفة والمعلومة، وبناء المهارات وخلق الاتجاهات والقيم التي تصب في حماية البيئة، ومن هنا تأتي أهمية تقييم فعالية برامج التوعية البيئية.
التعليم عاجز عن تقديم المعرفة البيئية الكافية
كشفت دراسة أعدتها اليونسكو عام 2021 بعنوان: "التعلّم من أجل كوكبنا: مراجعة عالمية لكيفية دمج القضايا البيئية في التعليم" (Learn for our planet: a global review of how environmental issues are integrated in education)، أن قطاع التعليم لا يمد الطلاب بقدر كافٍ من المعارف التي تزودهم بالقدرة على التكيّف مع تغير المناخ والأزمات البيئية والاستجابة إليها واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها.
وحلّلت الدراسة الخطط التعليمية وأطر مناهج التعليم في نحو 50 دولة، وخلصت إلى أن أكثر من نصف هذه الخطط والمناهج لا يتطرق إلى مسألة تغير المناخ في حين تتناول 19% منها فقط موضوع التنوع البيولوجي، كما أشارت إلى عدم الاهتمام بالمهارات العاطفية والاجتماعية والكفاءات العملية التي تعد أساس العمل المناخي والبيئي.
وتضمنت الدراسة استطلاعاً عبر الإنترنت شمل 1,600 معلم وقائد في مجال التعليم، أشار ثلث المشاركين فيه إلى أنّ برامج تدريب المعلّمين لا تتطرق إلى القضايا المتعلقة بالبيئة.
وهو ما يحيلنا مرة أخرى إلى أهمية دور المعلمين في التوعية البيئية وضرورة تدريبهم تدريباً فعّالاً للتأثير في قيم الطلاب وسلوكياتهم، فقد كشف بحث بعنوان: "مدى فعالية برنامج مقترح لدراسة بعض مشكلات تلوث البيئة وأثره في التحصيل المعرفي والاتجاه نحو تلوث البيئة لدى طالبات شعبة الطفولة بكلية التربية بسوهاج" عن تدني مستوى إدراك الطالبات لمشكلات تلوث البيئة ما يؤثر على دورهن عندما يصبحن معلمات وقدوة للتلاميذ في التعامل مع البيئة المحيطة، وأظهر أيضاً اقتصار تدريس برنامج إعداد طالبات شعبة الطفولة على أسلوب التلقين فقط دون الاهتمام بالجانب الميداني واكتساب مهارة حل المشكلات وتوظيف التكنولوجيا في آلية التعليم، ما قد يسهم في تنمية الاتجاهات السلبية لدى الطالبات نحو المحافظة على البيئة من التلوث.
ولحل هذه المشكلة، أوصت دراسة سعودية بعنوان: "فعالية برنامج مقترح لتنمية الوعي البيئي لدى طالبات رياض الأطفال بجامعة الجوف وأثره على الاتجاهات البيئية والقدرة على اتخاذ القرارات البيئية لديهن" بضرورة إضافة مقرر خاص بالمفاهيم البيئية لرفع مستوى وعي الطالبات بالمشكلات والقضايا البيئية، وتفعيل دور الأنشطة الجامعية في إعداد برامج تدريبية فعّالة تساعد على اكتساب المعارف والخبرات البيئية اللازمة لتعليم الأطفال.
لا يعتمد تقييم فعالية برامج التوعية البيئية على مستوى المناهج والمعلمين فقط بل أيضاً على حجم التعاون والتكامل بين القطاعات والأطراف المعنية المختلفة في إطار التنمية من المنظور البيئي، إذ ركزت وزارة البيئة في تونس مثلاً على تعزيز مشاركة المجتمع المدني في عملية الحفاظ على البيئة من خلال برنامج البيئة المتنقل (Enviromobile)، الذي أطلقته في عام 2008، حيث تُسيّر حافلة بيئية إلى عدة مدارس من أجل تقديم موضوعات بيئية للطلاب، وفي كل زيارة تشارك منظمة غير حكومية محلية مسؤولة عن دعم مشروع صغير داخل المدرسة، وتقديم عروض لمواضيع بيئية هادفة من خلال أنشطة تناسب اهتمامات الطلاب ودوافعهم.
بحلول عام 2025، تستهدف اليونسكو تحويل التربية البيئية إلى مكون أساسي في المناهج الدراسية لجميع الدول، ولا تزال الفرصة أمامها لزيادة فعالية برامج التوعية من أجل إعداد أجيال قادرة على مواجهة الأزمة البيئية الراهنة ورسم ملامح مستقبل أفضل لكوكبنا.