وفقاً للتحالف العالمي للمباني والتشييد التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UN GlobalABC)، عادت انبعاثات الكربون من المباني إلى مستويات قياسية بعد انخفاض مؤقت في عام 2020 بسبب تفشي الجائحة. شهد عام 2021 انتعاشاً في أنشطة البناء، وترافق ذلك بعودة إلى مستويات ما قبل الوباء في غالبية الاقتصادات الكبرى. استُخدمت المباني بكثافة مع استئناف العمل في أماكن العمل، على الرغم من استمرار انتشار نماذج العمل الهجين، لذلك وصلت انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناتجة من استخدام الأبنية إلى مستويات قياسية. وقد أعلن برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن نسبة 39% من انبعاثات الكربون السنوية العالمية تصدر عن البيئة المبنية، والتي تشمل كلاً من الكربون التشغيلي الناتج من استخدام الطاقة اليومي في الأبنية والكربون المُضمَّن الناتج من عمليات إشادة الأبنية وصيانتها. وتعد المحاسبة الواضحة والمباشرة ضرورية لتحقيق أهداف الوصول إلى صافي انبعاثات صفري، بدءاً من القياس الدقيق لجميع مصادر الكربون، التي يمكن بعد ذلك تقليلها وإعادة استخدامها وإعادة تدويرها قدر الإمكان. وبصرف النظر عن الكربون التشغيلي والمُضمَّن للمباني، يجب على مطوري العقارات أيضاً مراعاة انبعاثات الكربون الناتجة من أعمالهم.
لوحظ نمو غير مسبوق في قطاع البناء عبر منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر. ويرجع ذلك إلى حد بعيد إلى خطوط الإمداد الواسعة للمشاريع، وخطط التنمية الطويلة الأجل، واستراتيجيات الاستثمار، التي من المتوقع أن تؤدي إلى توسع كبير في هذا القطاع. وفقاً لتقرير صادر عن شركة غلوبال داتا (Global Data)، من المتوقع أن ينمو قطاع البناء في الإمارات العربية المتحدة بنسبة 3.3% في عام 2023، ويرجع ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط وزيادة الاستثمارات في قطاع الطاقة. كما يشير ذلك إلى أن قطاع البناء والتشييد يجب أن يتخذ إجراءات فورية وخطة توجيهية استراتيجية لتحقيق إزالة الكربون بحلول عام 2050. ولتحقيق ذلك، اعتمد مجلس الوزراء الإماراتي خطة وطنية لتنفيذ معايير الاستدامة الجديدة للإسكان والطرق والمباني للحفاظ على الموارد وتقليل البصمة الكربونية للدولة. وتعتزم الحكومة خفض البصمة الكربونية بنسبة 5%، وخفض استهلاك الطاقة في المباني والمساكن بنسبة 25%، وتقليل استخدام المياه بنسبة 16% ضمن تلك الخطة.
يمثل قياس الانبعاثات والإبلاغ عنها بدقة الخطوة الأولى نحو كبح هذه الانبعاثات. يستلزم ذلك إجراء تقييم دورة الحياة للمبنى (LCA)، الذي يقيّم انبعاثات الكربون للمبنى طوال عمره الافتراضي بالكامل. يشمل تقييم دورة الحياة الانبعاثات الناتجة من استخراج المواد الخام ونقلها وتصنيعها وبنائها واستخدامها والتخلص منها. ووفقاً لتقرير الاستدامة لعام 2022 الصادر عن المعهد الملكي للمساحين القانونيين (RICS)، توصل استقصاء عالمي أن ما يقرب من 72% من المشاركين في الاستقصاء من العاملين في قطاع البناء في جميع أنحاء العالم لا يقيسون انبعاثات الكربون التشغيلية طوال دورة حياة المشروع. وعلاوة على ذلك، أقرَّ ما يقرب من نصف المشاركين أنهم لا يقيسون الكربون المُضمَّن في مشاريعهم. لا تُقيَّم غالبية المباني حالياً من حيث البصمة الكربونية لدورة حياتها بالكامل. وبدلاً من ذلك، يركز قطاع البناء بشكل أساسي على قياس انبعاثات الكربون المرتبطة باستخدام الطاقة التشغيلية وتقليلها. لكن من الضروري تقييم الكربون المُضمَّن المرتبط ببناء المباني وتجديدها وإخراجها من الخدمة بوصفه جزءاً من البصمة الكربونية لدورة حياة المبنى الشاملة.
يصدر معظم المباني الكربون، الذي يقاس غالباً على أنه مكافئ ثاني أوكسيد الكربون (CO2e)، والذي يحتوي على جميع انبعاثات الكربون المتولدة في أثناء عملية البناء. ويشمل ذلك استخراج مواد البناء، ونقلها، والنشاطات في موقع البناء. ومن الضروري خفض الطلب على المواد في مشاريع البناء لتقليل بصمتها الكربونية، وبالتالي، يجب أن تراعي تقييمات الكربون المُضمَّن مراحل البناء المختلفة. تتمثل إحدى الطرق لتحقيق هذا الهدف في وضع تصاميم ترفع من كفاءة الموارد. كما تعد نمذجة معلومات البناء (BIM) وبرامج التصميم بمساعدة الكمبيوتر (CAD) أمثلة على التكنولوجيا التي يمكن استخدامها لتحسين الكفاءة عبر توظيف قدرات المعالجة في أجهزة الكمبيوتر.
لتقليل البصمة الكربونية لمشاريع بناء المطورين العقاريين، يمكن للمطورين اختيار مواد بناء ممتازة صديقة للبيئة. ويعد استخدام المواد المعاد تدويرها وسيلة فعالة أخرى لموازنة انبعاثات الكربون الناتجة في أثناء مشاريع البناء. وتعد الخرسانة المعاد تدويرها (RAC) مثالاً جيداً لهذه الطريقة، لأنها مصنوعة من المواد المُتخلص منها مثل المعادن والقرميد والبلاستيك والخشب والزجاج وحتى الورق.
وأخيراً، بوسع الجامعات ومؤسسات التعليم العالي أن تؤدي دوراً حيوياً في مساعدة قطاع البناء في تحقيق أهدافه الخاصة بالوصول إلى صافي انبعاثات صفري من خلال توفير نتائج بحثية عالية التأثير، وزيادة الوعي، وتحديد أفضل الممارسات، وتطوير حلول مبتكرة. وبوسع المؤسسات مثل مركز التميز في البناء الذكي (Centre of Excellence in Smart Construction) (CESC)، تثقيف صانعي السياسات حول أهمية البناء المستدام والسياسات المطلوبة لتشجيعه من خلال حواراتها البحثية والمتعلقة بشؤون القطاع.