حان الوقت لنقدم مفهوماً أوضح للنشر المستدام

النشر المستدام
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب 2020 أطلقت “الأمم المتحدة” بالتعاون مع “الاتحاد الدولي للناشرين” ميثاق الناشرين المناصرين لأهداف التنمية المستدامة. ويتضمن الميثاق الذي حظي بموافقة أكثر من 100 عضو حول العالم 10 التزامات طوعية تؤكد مسؤولية صناعة النشر عن بناء مستقبل مستدام من خلال تسريع التقدم نحو تحقيق أهداف النشر المستدام والتنمية المستدامة (SDGs) بحلول عام 2030. وجاء إطلاق هذا الميثاق في عام 2020 ليشهد إصدار التقرير التاريخي للاتحاد الدولي للناشرين الذي حمل عنوان “الناشرون وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة” حول كيفية إسهام دور ومؤسسات النشر من مختلف الأحجام في جهود التنمية المستدامة.

قضية التنمية المستدامة

في عام 2017 وتحت قيادة الرئيس السابق للاتحاد الدولي للناشرين، ميشيل كولمان، حظيت جهود الاتحاد المتعلّقة بقضية التنمية المستدامة بتركيز متواصل. ونتج عن مساعي كولمان عقد شراكة بين “الاتحاد الدولي للناشرين” و”الأمم المتحدة” حول نادي كتاب أهداف التنمية المستدامة، وزيادة مشاركة أعضاء الاتحاد في قضايا الاستدامة. وكان كولمان قد وجه بإجراء دراسة استقصائية لأعضاء “الاتحاد الدولي للناشرين” في عام 2018 أسفرت عن بعض النتائج المثيرة للاهتمام تلخصت في أنه: على الرغم من أن 84% من أعضاء الاتحاد اتفقوا على أن أهداف التنمية المستدامة مهمة للمجتمع، فإن 73% منهم فقط رأوا أنها ذات صلة بصناعة النشر. وهذه النتيجة تشير إلى وجود فجوة بين الرؤية والتنفيذ، ما يتطلب تعاوناً أوثق وحواراً أوسع بين مختلف الأطراف المعنية داخل صناعة النشر حول تحديد خطوات مادية يمكن للصناعة اتخاذها لدعم جهود التنمية المستدامة.

أيضاً وجدت هذه الدراسة الاستقصائية أن الناشرين يشعرون بقلق بالغ إزاء مدى تأثير جهودهم على كلٍ من الهدف الرابع (التعليم الجيّد)، والهدف الخامس (المساواة بين الجنسين)، والهدف السادس عشر (السلام والعدل والمؤسسات القوية). ولكن نتائج دراسة سياسات “الاتحاد الدولي للناشرين” الأكثر تعمقاً في عام 2020 كشفت أن الناشرين —بشكل مباشر وغير مباشر— يؤثرون في جميع أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر. وتستمر الجهود الرامية إلى زيادة مشاركة صناعة النشر في قضايا الاستدامة بقيادة ميشيل كولمان، الذي يتولى الآن رئاسة اللجنة الشاملة للنشر ومحو الأمية في “الاتحاد الدولي للناشرين”. وقد أسهمت جهوده في الوصول إلى حوار متطور حول مدى التأثير المباشر الذي يمكن أن تُحدثه صناعة النشر في قضايا التنمية المستدامة.

في الماضي، صوّر البعض تأثير صناعة النشر على قضايا التنمية المستدامة على أنه غير مباشر وأغلبه توعوي —وتقلل هذه الآراء من مساهمة صناعة النشر وتقصرها على نشر الكتب والمحتوى الذي يساعد على التوعية والإلهام بالإجراءات بدلاً من النظر إلى صناعة النشر على أنها صناعة قادرة وراغبة في تنفيذ الإجراءات بنفسها. أحد الأمثلة الواضحة على هذا التصور هو تصنيف العديد من صناعات النشر الوطنية في نهاية الأمر على أنها “غير أساسية”، على الرغم من التأثير المعترف به لصناعة النشر منذ فترة طويلة على البشرية ومساهمات صناعتنا في الاستجابة للجائحة العالمية. ويبدو أن قيمة صناعة النشر بالنسبة لبعض أهم الأطراف المعنية غير مباشرة لدرجة أن الكثير من زملائنا لم يتلقوا سوى القليل من الدعم الحكومي لتجاوز تداعيات الجائحة العالمية على أعمالهم أو لم يتلقوا أياً منه على الإطلاق.

النشر المستدام

بدعم من قيادات مثل ميشيل ونائبة رئيس “الاتحاد الدولي للناشرين” كارين بانسا —التي ترأس مجموعة عمل الاستدامة التابعة للجنة الشاملة للنشر ومحو الأمية— بدأت تتغيّر نبرة الحديث عن صناعة النشر كمساهم غير فاعل وغير مباشر في التنمية المستدامة. ومع ذلك لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعيّن القيام به لتصحيح هذه التصورات الخاطئة.

كما ذكرت في المقالة السابقة، يرى العديد من المؤثرين في عالم النشر أن الجائحة العالمية تشكل أزمة وجودية تستدعي ترجمة التضامن والعمل —على عكس المناقشات غير الفاعلة وغير المباشرة داخل صناعتنا— إلى تقدم ملموس على أرض الواقع. وقد كشفت محادثاتي مع أطراف الميثاق الدولي لتعزيز استدامة ومرونة قطاع النشر (InSPIRe) عن تزايد التوجه نحو العمل الواقعي بدافع من الجائحة العالمية التي أدت إلى زيادة الاهتمام برأسمالية أصحاب المصلحة والعمل الجماعي.

ويرغب أصحاب المصلحة من مختلف مشارب صناعة النشر حول العالم في رؤية حوار متسارع وشامل حول كيفية تأثير الصناعة نفسها بشكل مفيد على القضايا البيئية والاجتماعية وقضايا الحوكمة. ويبدو أن أصحاب المصلحة في صناعة النشر غير راغبين في تحويل دورهم إلى مجرد التوعية والاستجابة غير المباشرة لتحديات التنمية والقضايا الاجتماعية مثل الظلم العنصري ومكافحة تغيّر المناخ.

وتعتبر قيادة “الاتحاد الدولي للناشرين” لقضايا تغيّر المناخ في الفترة التي تسبق مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين لتغيّر المناخ (COP26) مثالاً آخر على منهج صناعة النشر الأكثر مباشرة لتأكيد قيمة صناعة النشر في دفع التغيير من الداخل. وستجتمع الأطراف المؤثرة الرئيسة من جميع أنحاء عالم النشر لتوقيع بيان مشترك في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب للدعوة إلى اتخاذ إجراءات عملية بشأن تغيّر المناخ، حيث يوضح البيان ويؤكد الحاجة إلى مبادرات متابعة تقودها صناعة النشر لترجمة البيان والمشاورات إلى عمل قبل مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين لتغيّر المناخ.

وتمر صناعة النشر بمرحلة حرجة للغاية، حيث يتوقع أصحاب المصلحة مزيداً من المساءلة من قبل الصناعة فيما يتعلّق بالالتزامات البيئية والاجتماعية والإدارية. وفي الوقت نفسه زادت الجائحة العالمية من تطلعات صناعة النشر لمدى التأثير الذي يمكنها إحداثه.

وفي حين سعت صناعة النشر سابقاً إلى مواءمة تأثيرها مع أهداف التنمية المستدامة، فمن المحتمل أن تكون هناك حاجة إلى أن تتحد جميع العناصر ذات الصلة معاً للوصول إلى تعريف أكثر دقة لمفهوم “النشر المستدام”. وإذا نجحنا في ذلك كصناعة، فسنضيف قوة وتأثيراً أكبر إلى مختلف أدوارنا —سواء كنا ناشرين، أو دور طباعة أو متاجر لبيع الكتب أو مكتبات أو مؤلفين أو معلمين أو غير ذلك من عناصر صناعتنا— ليكون لنا تأثير مباشر على التنمية المستدامة يتجاوز الدور التوعوي. وأعتقد أن الوقت قد حان لتغيير التصورات القديمة عن طبيعة تأثير صناعة النشر والدور التنموي المهم الذي يمكنها أن تلعبه في عالمنا المعاصر.