3 توصيات لتعزيز فرص عمل المرأة في منطقة الخليج

5 دقيقة
النساء العاملات في الخليج
shutterstock.com/Sabelskaya

تواجه الشركات في منطقة الخليج تحديات مستمرة في تبنّي سياسات قائمة على النوع الاجتماعي، ما يقلل فرص النساء في المشاركة الكاملة في سوق العمل. لا يزال العديد من قادة الشركات يعتقدون أن النساء قد يفضّلن ترك سوق العمل لأسباب تتعلق بالحياة الأسرية، لذلك يتجهون إلى تقليل الاستثمار في تطوير المهارات والفرص المهنية للنساء مقارنة بالرجال. بالإضافة إلى ذلك، تحصل النساء على رواتب متدنية ويتلقين فرص تدريب محدودة مقارنة بالرجال الذين يشغلون مناصب ووظائف مشابهة.

وقد أدى ذلك إلى تفاوتات كبيرة بين الرجال والنساء؛ فوفقاً لبعض التقديرات، قد يستغرق سد هذه الفجوات أكثر من 140 عاماً في دول الخليج في حال عدم اتخاذ إجراءات وتدخلات فعالة. على سبيل المثال، يبلغ معدل البطالة بين النساء في المملكة العربية السعودية 3 أضعاف معدل البطالة بين الرجال، أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فيبلغ معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة نحو ثلثي معدل مشاركة الرجل. تبلغ نسبة النساء اللواتي يشاركن بالفعل في سوق العمل في دول الخليج العربي وهنّ في سن العمل القانونية نحو 40% فقط، في حين تتجاوز هذه النسبة 60% في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

يحمل الاستثمار في النساء العاملات فوائد اقتصادية هائلة؛ إذ يمكن أن تؤدي زيادة نسبة توظيف النساء ومشاركتهن في سوق العمل إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي في أنحاء المنطقة كافة بنحو 60%، لذلك أطلقت دول الخليج خططاً ومبادرات شاملة لتعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل. على سبيل المثال، تبنّت المملكة العربية السعودية رؤية 2030 (Vision 2030)، التي تهدف إلى إنشاء اقتصاد مزدهر من خلال تشجيع النساء على الانضمام إلى سوق العمل إلى جانب أهداف أخرى، كما تبنّت الإمارات العربية المتحدة رؤية الإمارات 2031 (UAE 2031) التي تسعى إلى تحقيق أهداف مماثلة.

على الرغم من أن هذه الأهداف طموحة وواعدة، فإن تحقيق التكافؤ بين النساء والرجال لن يكون مهمة بسيطة. ومن خلال بحثي حول قضايا التكافؤ بين النساء والرجال في مكان العمل ضمن منطقة الخليج، وجدتُ أن تحقيق التوازن يظل تحدياً كبيراً، حتى عند توافر الدعم المناسب من القادة. أجريتُ 10 مقابلات مع متخصصين من مجموعة متنوعة من الشركات الخاصة المتعددة الجنسيات والشركات شبه الخاصة والشركات المتعددة الجنسيات والهيئات الحكومية في الإمارات العربية المتحدة لتحديد المشكلات المستعصية والصعوبات التي تواجه تنفيذ السياسات المتعلقة بالنوع الاجتماعي. شملت هذه المقابلات أيضاً أفراداً من أقسام إدارة الموارد البشرية والحوكمة والاستدامة.

إذا أرادت دول الخليج تحقيق هدفها الطموح الذي يتمثل في دمج النساء بالكامل في سوق العمل فعليها اتباع 3 توصيات رئيسية، وهي إنشاء قواعد رسمية وغير رسمية، وضمان مشاركة كبار المسؤولين التنفيذيين وتفاعلهم، وتشجيع المساءلة من خلال إعداد التقارير.

إنشاء قواعد رسمية وغير رسمية

القواعد الرسمية هي أول خطوة مهمة لضمان تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في سوق العمل. أثبتت سياسات وممارسات كثيرة فعاليتها في تعزيز مشاركة النساء، ومنها جداول العمل المرنة، لكن هذه السياسات قد تُواجه بعض التحديات عند تطبيقها عملياً؛

إذ لن تكون لسياسة التوازن بين العمل والحياة التي تعلنها الشركات أي جدوى أو أثر حقيقي بالنسبة للموظفات إذا لم يسهم المدير المباشر في إنشاء بيئة عمل مشجعة وداعمة لهن. تُظهر الأبحاث أن العديد من النساء اللواتي يعملن في شركات تتبنى سياسات عمل مرنة رسمية يواجهن تقييداً لهذه السياسات من جانب المدراء الذين يطرحون أسئلة على النساء اللواتي يستفدن من مرونة هذه السياسات لرعاية عائلاتهن، مثل اصطحاب أطفالهن من دور الرعاية النهارية. تؤدي هذه الأسئلة إلى إنشاء ثقافة تخشى فيها النساء استخدام السياسات المرنة خوفاً من اتهامهن بالتقصير أو عدم بذل جهود كافية في العمل.

على نحو مشابه، تكشف الأبحاث عن حالات تتناقض فيها السياسات الرسمية عند تطبيقها عملياً، فقد تعلن الشركات تبنّيها سياسة تنص على عدم التمييز على أساس النوع الاجتماعي، لكنها في الوقت نفسه تعتمد سياسة تقدم دعماً إضافياً لرب الأسرة، فمن المفترض دائماً أن يكون الرجل هو رب الأسرة، بغض النظر عن الحالة الاجتماعية للمرأة، ما يؤدي إلى معاملة الرجال معاملة تفضيلية على حساب النساء.

تؤثر القواعد غير الرسمية ضمن المؤسسة في ثقافة مكان العمل بقدر تأثير السياسات الرسمية، ولضمان دمج النساء ومشاركتهن بالكامل في سوق العمل، يجب على القادة التأكد من تنفيذ السياسات بدقة وفعالية، بالإضافة إلى تعزيز ثقافة عمل أوسع وأكثر شمولية تدعم النساء.

ضمان مشاركة كبار المسؤولين التنفيذيين وتفاعلهم

لا يمكن لكبار المسؤولين التنفيذيين تفويض تنفيذ السياسات المتعلقة بالتكافؤ بين النساء والرجال للمدراء المباشرين أو مدراء الإدارة الوسطى. إذ قد يؤدي أسلوب الإدارة في تطبيق هذه السياسات إلى عرقلة تحقيق تكافؤ الفرص المطلوب، كما في حالة الموظفة التي يسألها مديرها عن سبب مغادرتها مبكراً. من الصعب تغيير الثقافة المؤسسية، وإذا لم يكن هناك دعم مباشر وصريح من كبار القادة فمن المحتمل أن تعود المؤسسة إلى ممارساتها السابقة.

يرتبط جزء كبير من نجاح تغيير الثقافة بقدرة كبار القادة على تجسيد المساواة بين النساء والرجال في سلوكياتهم وتصرفاتهم، فإذا كانت المؤسسة تتبنى سياسة العمل من المنزل، لكن كبار القادة لا يطبقونها أبداً، فسيفترض مدراء الإدارة الوسطى أن هذه السياسة غير مهمة. وعندما تختار النساء العمل من المنزل، فمن الممكن أن يعتقد هؤلاء المدراء أنهن لا يعملن حقاً، بل يقضين وقتهن مع أطفالهن أو يتقاعسن عن أداء مهامهن وتحمّل مسؤولياتهن،

لكن إذا استفادت القيادة العليا من السياسات المرنة وأظهرت إمكانية إنجاز العمل في ظلها فستتمكن من تشجيع الموظفين جميعهم على الاستفادة منها لتحقيق التوازن بين العمل والحياة، كما سيؤدي تجسيد هذا السلوك إلى إرساء ثقافة جديدة داخل المؤسسة.

تشجيع المساءلة من خلال إعداد التقارير

ثمة قول مأثور قديم يقول: "ما يمكن قياسه يمكن تنفيذه". إذا أرادت دول الخليج تعزيز التكافؤ بين النساء والرجال فعليها تشجيع تقديم مزيد من التقارير المتعلقة بقضايا النوع الاجتماعي.

تتطلب التقارير الفعالة والدقيقة قدراً أكبر من الشفافية من جانب الشركات، بالإضافة إلى تعزيز المساءلة من جانب الحكومات في المنطقة. يجب على الشركات تقديم تقارير حول مدى تقدمها في تحقيق أهدافها المتعلقة بالتكافؤ بين النساء والرجال، ويشمل ذلك التوظيف واستبقاء الموظفين والأجور والترقيات. من خلال هذه البيانات، تستطيع الحكومات تحديد المؤسسات التي تعمل بجدية كافية نحو تحقيق الأهداف، بالإضافة إلى إمكانية التدخل واتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه المؤسسات التي لا تبدي التزاماً كافياً.

لكن هذه المساءلة لا تقع على عاتق الشركات فقط، فمن خلال بحثي ومقابلاتي المباشرة مع قادة الشركات الخليجية، لاحظتُ رغبة قوية في أن يصبح القطاع العام أكثر انفتاحاً ومشاركة وتفاعلاً مع هذه القضايا. لذا يجب أن تكون الحكومات أكثر انفتاحاً على التعاون مع القطاع الخاص وفهم مخاوفه والتحديات التي تواجهه في تنفيذ هذه السياسات.

من الناحية المثالية، يمكن أن يؤدي هذا الانفتاح من كلا الجانبين على تقديم التقارير والمساءلة إلى إنشاء دورة محمودة من التحسين المستمر داخل سوق العمل، فمن خلال مشاركة البيانات وتقديم التقارير حول التحديات، يمكن أن تحظى الشركات بالتقدير على إنجازاتها وعملها الجيد، بالإضافة إلى حصولها على الدعم في حال مواجهة الصعوبات. بعد ذلك، يمكن أن تستعرض الحكومات قصص النجاح لإظهار ما يمكن تحقيقه عندما تعتمد المؤسسات سياسات متعلقة بالتكافؤ بين النساء والرجال.

الريادة في هذا المجال

يؤدي العديد من الشركات الخليجية دوراً بارزاً ورائداً في مجال تحقيق التكافؤ بين النساء والرجال، وعلى الرغم من ذلك، فإن تنفيذ سياسات تحقيق التكافؤ بين الجنسين لن يكون سهلاً أبداً، بغض النظر عن الظروف. يستغرق هذا الأمر سنوات من العمل لزيادة الوعي حول هذه القضية، ويتطلب ذلك أيضاً تغيير عقلية العديد من قادة الشركات، بالإضافة إلى ضرورة التوافق والتنسيق بين القطاعين الخاص والعام بشأن الأهداف وآليات التنفيذ.

تمتلك الشركات، ولا سيما الإدارة العليا، فرصة لإنشاء ثقافة مؤسسية تسهم في إنشاء بيئة تدعم تمكين المرأة وتعزيز دورها، كما تمتلك الحكومات فرصة لوضع معايير واضحة للشفافية والمساءلة، بالإضافة إلى تحديد آليات إعداد التقارير.

من خلال هذا التوافق والتنسيق بين القطاعين العام والخاص، يمكن أن تحقق دول الخليج رؤيتها المتعلقة بالتكافؤ بين الجنسين في مكان العمل وتعزيز التنمية الاقتصادية في السنوات المقبلة.

المحتوى محمي