تقدم منصة "ستانفورد للابتكار الاجتماعي" الجزء الأول من سلسلة "لماذا من المهم التحدث بصراحة عما قد نجازف به في سبيل كوكبنا؟"، التي سنتحدث فيها عن قطاع المحافظة على البيئة ومعوقات تقدمه، وسنسلط الضوء على زيادة استعداد بعض مؤسسات الحفاظ على البيئة للمجازفة في سبيل الأرض.
لماذا تحتاج المنظمات غير الحكومية والممولون إلى اتخاذ خطوات أكبر نحو الابتكار في مجال المحافظة على البيئة، وكيف يمكن لأداة تقييم المخاطر غير الرسمية أن تساعد على ذلك؟
بصفتي جزءاً من مؤسسة اجتماعية صغيرة تركز على الحلول البيئية غير التقليدية، كنت أعرض دورياً على منظمات حماية البيئة الأكبر والممولين مساعدتنا على التوسع. كان الابتكار مقتصراً على شركات التكنولوجيا في مقاطعة وادي السيليكون، لكن تمتلك منظمات المحافظة على البيئة الرئيسية الآن أقساماً ومسؤولين ومختبرات ومراكز تفكير مخصصة للابتكار. لفترة من الزمن، جعلني هذا – إلى جانب العدد المتزايد من المؤتمرات والمنشورات والمؤسَّسات التي تركز على الابتكار – متأملاً أن يكون قطاع المحافظة على البيئة جاهزاً لذلك.
لكنني لم ألحظ فيه استعداداً كبيراً للمجازفة التي يتطلبها الابتكار، على خلاف التطورات التكنولوجية والعلمية، مثل الاستشعار عن بعد والحمض النووي البيئي (eDNA). سنطرح بعض الأمثلة: تمكنت جمهورية سيشيل من خفض ديونها الوطنية مقابل جهودها في الحماية البحرية، وتهدف شراكة أخيرة بين "ناشيونال جيوغرافيك" (National Geographic) وشركة "دي بيرز دايموند" إلى حماية دلتا أوكافانغو. ومع ذلك، فإن عدد المؤسسات الكبرى التي تجازف بجرأة لحل المشكلات الناتجة عن مساعي المحافظة على البيئة قليل جداً. إذ لم تتغير حلولهم في التدخلات الميدانية، وجمع التبرعات، والمشاركة العامة، والتوعية عن المحافظة على البيئة منذ 30 عاماً تقريباً.
ما الذي يعيق تقدمنا؟
في منشور لجمعية "المحافظة على الحياة البرية" (Wildlife Conservation Society) نشرته في وقت سابق من هذا العام، حدد أليسون كاتالانو وجون فيشر وهايدي كريتسر، بعض أكبر المخاوف حول المجازفة الفردية والمؤسسية، سنذكرها بإيجاز:
- الخوف من خسارة الأموال حالياً، أو التمويل في المستقبل.
- الخوف من خسارة المصداقية.
- الخوف من فقدان وظيفتك أو التسبب في فقدان وظائف الآخرين.
- الخوف من إلحاق ضرر بعلامتك التجارية.
- الخوف من فقدان الشراكات الحالية أو المستقبلية.
- الخوف من إلحاق ضرر بيئي أو ثقافي.
على الرغم من المرونة الظاهرة للمنظمات غير الحكومية الكبرى المعنية بالحفاظ على البيئة، التي كان معظمها موجوداً منذ أكثر من 60 عاماً، فإنها قد تشعر أن التمويل والعلامة التجارية بالذات عنصران هشّان. سأل أحد الزملاء فيمكي بارتيلس مؤخراً، التي تترأس الآن مؤسسة "تي إش إن كيه" (THNK)، ما الذي صعَّب عملية الابتكار في دورها السابق عندما كانت مديرة قسم الاستراتيجية والتخطيط في شبكة "غرين بيس" (Greenpeace)؟ فأجابت: "تعِد معظم المؤسسات بالتركيز على خطط لثلاث إلى خمس سنوات ووضع ميزانياتها، أنت في موقف ضعيف، لذا ‘فإن التعلم من الأخطاء' الذي ينظر إليه عالم ريادة الأعمال على أنه أمر عظيم سيكون ضدك في القطاع الاجتماعي". يواجه رواد الأعمال الذين يحاولون الابتكار ضمن كيانات كبيرة قضايا الحوكمة والبيروقراطية والسياسة وثقافة تجنب المخاطر. ويستسلم الكثيرون لفكرة: افعل ما تجيده، وتجاوز يومك، ولن تُلام على مجازفة لم تفعلها أصلاً.
زيادة استعداد مؤسسات الحفاظ على البيئة للمجازفة
إذاً، ما الذي يمكننا فعله حيال ذلك؟ لا تكوّن الحكومات عادةً الكيانات التي تتطلع إليها لتلهمك في موضوع المجازفة، ولكن في إطار "طموحها في توطيد مكانتها كقوة علمية عظمى"، أنشأت حكومة المملكة المتحدة "وكالة بحث واختراع متطورة" (Advanced Research and Invention Agency) جديدة بقيمة 14.6 مليار جنيه إسترليني وتسمى اختصاراً (ARIA)، موضحةً بذلك عزمها على المجازفة. ينص مبدأ التصميم الأول في بيان سياستها الرسمي على ما يلي: "ستركز وكالة (ARIA) حصرياً على المشاريع القادرة على تحقيق تغيير تكنولوجي تحويلي، أو نقلة نوعية في أحد المجالات العلمية. مع أن المتوقَّع أن تفشل معظم البرامج في تحقيق أهدافها الطموحة، فإن البرامج التي ستنجح سيكون لها أثر عميق وإيجابي على المجتمع".
كما نستطيع ذكر أمثلة من القطاع الخاص. في الكلمة الافتتاحية لـ كين نورتون في عام 2015، الرئيس السابق لمبادرات المنتجات في شركة "جوجل"، طرح السؤال الآتي على الشركات: "هل أنتم من فئة 10 أضعاف (10x) أو 10 بالمئة (10%)؟". وقال إنك حتى تتمكن من التوسع بنسبة 10 أضعاف "يجب أن يكون الفشل أحد الخيارات المطروحة لديك، فتحقيق النجاح على نطاق واسع يقتضي ألا تمانع حدوث الفشل الذريع". وفكر كيفما شئت في جيف بيزوس، لكن وجهات نظره عن المجازفة يمكن أن تنطبق على مجال المحافظة على البيئة. جاء في رسالة المساهمين في "أمازون" لعام 2015 ما يلي: "غالباً ما تنتج الإيرادات الضخمة من المراهنة ضد الفكر السائد، مع أن الفكر السائد يكون صحيحاً عادةً. إذا مُنِحت فرصة 10% في الحصول على مكافأة أكثر بمئة ضعف، فعليك أن تقبل هذا الرهان في كل مرة. لكن ستجد نفسك مخطئاً 9 مرات من أصل 10".
تبلغ الميزانية السنوية لأكبر عشر مؤسسات للمحافظة على البيئة مجتمعةً 3.4 مليارات دولار. على غرار معظم المؤسسات الكبرى، الربحية أو غير الربحية، سيكون العائد على الاستثمار بنسبة 10% أمراً مشوقاً. لكن في العالم الطبيعي، يوجد الكثير من الأمور المهدَّدة أكبر من نجاح أو فشل العمل التجاري. لملء الثغرة المقدرة بمبلغ 824 مليار دولار اللازم لعكس مسار تناقص أنواع الفصائل، وحرائق الغابات، وفقدان البنية التحتية الطبيعية، يجب أن يتحلى قادة مؤسسات المحافظة على البيئة الأكثر نفوذاً بعقلية المئة ضعف.
بعبارة أخرى، يجب أن يكون "الفشل الذريع" جزءاً من معادلتنا. بنفس الأسلوب الذي اقترح المؤلف مارك مانسون أن نجيب فيه عن السؤال: "ما الذي ننوي أن نناضل لأجله؟"، لتساعدنا الإجابة على تحديد مسار حياتنا، يجب أن يطرح السؤال التالي في مجال المحافظة على البيئة: "إلى أي مدى ننوي المجازفة في سبيل الأرض؟"، لتساعدها على تحديد ما إذا كان ينبغي لها أن تبتكر.
مسودة إطار عمل المجازفة
عادة ما تفكر معظم المؤسسات في الأسئلة المطروحة حول المجازفة ضمنياً أو بشكل مبطن فقط، فهي غالباً لا تكون جزءاً صريحاً من صنع القرارات المتعلقة بالابتكار أو تخصيص الموارد. لكن كحال وكالة (ARIA)، يجب أن يكون كذلك. أنشأ فريقنا إطار عمل بسيط للمجازفة مبني جزئياً على أعمال أليسون كاتالانو وشركة "فيشر" (Fisher) و"كريتسر" (Kretser)، للمساعدة على إبراز المخاوف ومساعدة المؤسسات في أن يكونوا واقعيين حول الأمور التي ينوون المجازفة بها. إننا نوصيك حرفياً أن تكتب إجاباتك على ورقة أو على السبورة أو في رسالة بريد إلكتروني، سواءً كان الموضوع تقييم تمويل مشروع فردي أو تطوير استراتيجية مؤسسية لمدة 10 سنوات. سيساعدك هذا على نقل تقييم المخاطر من تقييم ضمني إلى محادثة صريحة، والمواءمة بين الفرق وتحفيزهم لتحقيق هدف مشترك.
على سبيل المثال، لنفترض أن مانحاً ضخماً في مجال المحافظة على البيئة يدعى "جمعية حماية الطبيعة" (Nature Protection Society) أو (NPS) اختصاراً، كان يقرر هل سيدخل في شراكة مع شركة استخراج الأخشاب المثيرة للجدل (NRE)، لإنشاء مناطق محمية جديدة في حوض الكونغو. لننطلق منذ البداية، ستحدد جمعية (NPS) ما إذا كانت تريد تحقيق نتيجة ملموسة، أو إثبات أو دحض فرضية ما، أو تعلم أمر مجهول، بغض النظر عن مدى قيمة "المئة ضعف" بالنسبة للمؤسسة. ثم انطلاقاً من ذلك، ستخوض في كل فئة من فئات المخاطر الستة، وخلال هذه العملية، سترسم الحدود التي ستضعها لتحقيق النتيجة المصرح عنها وهل تكفي التضحيات المحتملة التي ستقدمها لتحقيقها. قد تملأ (NPS) إطار العمل بهذه الطريقة:
الغاية: حماية 20 ألف ميل مربع إضافي من الغابات المطيرة البكر في حوض الكونغو من الصيد الجائر وإزالة الغابات وغيرها من عمليات الاقتلاع المدمرة.
مالياً (تمويل مشروع حالي أو مستقبلي تكون المؤسسة على استعداد "لشطبه" إذا لم تحقق هدفها): خسارة 500 مليون دولار كان من الممكن تخصيصها لأغراض أخرى
العلامة التجارية/المصداقية (مقدار الضرر الذي تنوي المؤسسة المجازفة إلحاقه في علامتها التجارية إذا فشلت في نظر المانحين والحكومات والشركاء والعامة): ما يصل إلى 20 ألف انطباع صحفي سلبي وانخفاض ترتيبها بنسبة 15% في تقرير "أكثر العلامات التجارية الموثوقة" (Most Trusted Brands)، بسبب عقدها شراكة مع شركة "استخراج الأخشاب" (NRE).
الوظائف/سبل العيش (التهيؤ لجعل الوظائف في المؤسسة في حالة خطر): خسارة ما يصل إلى 50 وظيفة مأجورة نتيجة التخفيضات في التمويل المتوقعة في المستقبل.
الشراكة (الشراكات الحالية أو المستقبلية التي تكون المؤسسة على استعداد للتخلي عنها إذا كان الفشل غير مقبول بالنسبة لها أو إذا كان مسعى المؤسسة سيضر بسمعتها في نظر هذه الشراكات): فقدان ممول واحد مهم بسبب الشراكة مع شركة "استخراج الأخشاب".
بيئياً (فقدان الحياة البرية أو المواطن الطبيعية أو غيرها من الأصول البيئية التي تكون المؤسسة على استعداد لتقبل حدوثها إذا ساءت الأمور): خسارة ما يصل إلى 1,000 ميل مربع من الغابات المطيرة بسبب التداعيات غير المعروفة والطويلة الأمد للبرنامج.
ثقافياً (سبل العيش الفردية أو المجتمعية التي قد يعرضها عمل المؤسسة للخطر): ترحيل ما يصل إلى 10 آلاف شخص من الأراضي التي ربما سكنوها لمئات السنين.
قد يبدو هذا التمرين مبسطاً، وستختلف الأسئلة والمقاييس من مؤسسة إلى أخرى، ولكن كما هو الحال مع أي أمر قد تكتبه على مسودة، يكون نقطة انطلاق للتعمق في التفاصيل، وإشراك موظفي المؤسسة وشركائها في الحوار، وإبلاغهم بالوضع. كما أنه يمهد الطريق لإنشاء إطار عمل لإدارة المخاطر يسهم في توجيه عملية صناعة القرار والإشراف على المشروع.
مع سعي منظمات المحافظة على البيئة إلى تحقيق نتائج بيئية إيجابية، فإنها تواجه صراعاً يومياً لتحافظ على وجودها ومصداقيتها. لكن مع أن التجارب الفاشلة قد تؤدي إلى حدوث انتكاسات حقيقية للمؤسسات، فإننا لا نستطيع إحراز التقدم الذي نحتاج إليه في مواجهة التحديات البيئية الطويلة المدى التي تتطلب مجازفةً كبيرةً دونها، وحتى دون الكثير منها. وإن الخطوة الأولى لزيادة استعداد هذا القطاع للابتكار هي أن نكون صادقين ومنفتحين عما نحن مستعدين لنجازف به حقاً في سبيل كوكبنا.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.