كيف نساعد المتعلمين الكبار على إتمام دراستهم الجامعية؟

6 دقائق
نظام التعليم العالي
shutterstock.com/Leremy

لا يلبي نظام التعليم العالي في الولايات المتحدة تطلعات الطلاب، ويواصل الابتعاد أكثر فأكثر عن رسالته الثقافية والأخلاقية والعملية المتمثلة في مساعدة الطلاب على اكتساب المعرفة والمهارات واكتشاف إمكاناتهم والتفاعل مع مجتمعاتهم والنهوض بها.

يبلغ معدل إتمام الدراسة الجامعية للطلاب على مستوى الولايات المتحدة 62.3% فحسب، وذلك وفقاً لمركز أبحاث تبادل معلومات الطلاب الوطني (National Student Clearinghouse Research Center). وقد أثبت نظام التعليم العالي عدم جدواه بالنسبة إلى المتعلمين الكبار، إذ التحق 39 مليون أميركي بالدراسة الجامعية لكنهم لم يحصلوا على شهادة علمية أو أي تحصيل علمي، ما يشكل ارتفاعاً عن 36 مليوناً في عام 2019. وبلغ معدل إتمامهم لدراستهم الجامعية51.1% فقط، ما يعد وحده مؤشراً منخفضاً للفعالية.

هل بمقدورنا تغيير نظام التعليم العالي ليغدو أكثر جدوى وملاءمة للمتعلمين الكبار؟ وما نموذج الدراسة الجامعية المنشود؟ وكيف يمكن لهذا النموذج أن يعزز التغيير الشامل في التعليم العالي على مستوى الولايات المتحدة؟

دفعت هذه الأسئلة فريقنا على مدار العقد الماضي إلى إنشاء كلية أنباوند (College Unbound (CU)) عبر عملية متكاملة من التصميم والتجريب والتطوير، وهي كلية معتمدة وغير ربحية تركز على المتعلمين الكبار الذين واجهوا عقبات كبيرة في الالتحاق بدراستهم الجامعية وإتمامها. تهدف المناهج في كلية أنباوند التي تركز على حاجات الطلاب إلى تعزيز مهاراتهم القيادية وقدرتهم على الالتحاق بسوق العمل. حيث يصمم الطلاب المشاريع ويحصلون على الدرجات عبر التعلم في المجالات المهنية وتنفيذ المهام ذات الصلة المباشرة بالمجتمع والعمل. وتتناول هذه المناهج التحديات العملية الواقعية التي تصقل مهارات الطلاب وتساعدهم على تجاوز الصعاب. كما تمنح كلية أنباوند الدرجات لكل من مهارات التعلم والخبرة الفعلية المسبقة، لذلك يكون مسار نيل شهادة البكالوريوس عادة أقصر مدة.

لا تهدف رسالتنا والفلسفة التي نتبناها إلى خدمة طلابنا ومجتمعاتهم فحسب، بل تهدف أيضاً إلى إحداث تغيير شامل في التعليم العالي والأنظمة التي تشمله، بحيث يستفيد الخريجون ومجتمعاتهم وأصحاب عملهم والنظام الاجتماعي بأكمله. لكننا بحاجة إلى المزيد من دعم الحلفاء والممولين وصانعي السياسات لتحقيق النجاح.

الطريق إلى التوسع وتغيير الأنظمة

نقدم خدماتنا حالياً لأكثر من 250 طالباً في غريتر بروفيدنس، رود آيلاند، شيكاغو، وفيلادلفيا. ودائماً ما يحمل المتعلمون الكبار معهم في كلية أنباوند روابط عميقة والتزامات تجاه المجتمع وعادة ما يصممون مع زملائهم المشاريع التي تركز على حاجات المجتمع. فعلى سبيل المثال، صمم أحد الطلاب مؤخراً مؤسسة غير ربحية للتصدي للعنف المسلح في فيلادلفيا؛ وأطلق آخر برنامجاً للحد من التلوث بمادة الرصاص في المجتمعات المحرومة. ويشمل فريق دعم الطلاب لدينا عاملين اجتماعيين من نفس المجتمعات، وبالتالي يتمتعون بخبرة خاصة في التعامل مع العقبات في مجتمعاتهم. ونعتقد أن مشاركة المجتمع تشكل دعامة لطلاب كلية أنباوند ومكوناً أساسياً لنموذج عملنا.

يؤدي نجاح الطلاب إلى تغييرات جذرية في حياتهم وحياة عائلاتهم ومجتمعاتهم وأماكن عملهم. وغالباً ما يبدأ التغيير عبر المشاريع المجتمعية التي تتطلب من الطلاب إحداث تغيير ذي أهمية على أرض الواقع. وكما قالت طالبة في كلية أنباوند، وهي أم تبلغ من العمر 38 عاماً تدرس في سنتها الأخيرة: "النجاح يخلق إحساساً بالأمل لمجتمعي، وإحساساً بالمسؤولية والانتماء، ويمهد الطريق لمستقبل أطفالي".

يفضي نهج التعلم المتخصص والدقيق إلى نتائج فعالة. ويعد معدل التخرج الذي يبلغ ستة أعوام أعلى بكثير من معدلات التخرج في المرحلة بعد الثانوية في المؤسسات التعليمية الأخرى، حيث بلغت نسبة المستجدين المسجلين في عام 2016 الحاصلين على شهادتهم 94%، و75% منهم حصلوا على شهاداتهم في غضون 3.5 أعوام. ويسجل الخريجون عادةً قدراً أكبر من الأمان المالي (76%)، ومن التقدم المهني (65%)، ومن تولي الأدوار القيادية في المجتمع (60%). ويقرُّ ما نسبته 100% من الطلاب بأن تجربتهم في كلية أنباوند غيّرت نظرتهم إلى العالم.

تؤكد أدبيات الابتكار أن مبادرات التغيير تكون أكثر فعالية عندما تأتي من خارج المنظومة القديمة لأنها تزعزع البيروقراطيات الراسخة. فعلى سبيل المثال، مارست مؤسسة علّم من أجل أميركا (Teach For America) ضغوطاً على النظام التعليمي عبر إدخال مواهب جديدة من خارج مدارس التعليم التقليدية.

وتقول فكرة مضادة أخرى لا تقلّ منطقية عن التي سبقتها أنه لا يمكن أن يحدث التغيير الجوهري إلا من داخل النظام التعليمي. حيث يمكننا توفير الوقت بالاستفادة من البنية التحتية والأنظمة وقنوات العمل الحالية، وبالتالي الوصول إلى الانتشار والتأثير المطلوبين بسرعة أكبر. ويمكن لهذا الابتكار التدريجي من داخل النظام أن يسمح لبرامج مثل برامج جامعة أريزونا ستيت (Arizona State University) وجامعة ساذرن نيو هامبشاير (Southern New Hampshire) باكتساب الزخم، فهي تستفيد من الأطر والتمويل والنماذج التقليدية وفي الوقت نفسه تستحوذ على حصتها من السوق عبر إدخال التعديلات إلى القواعد القائمة، وتطويع النظام للوصول إلى أفضل نتائج.

لكن في كلية أنباوند نتخذ مساراً وسطاً حيث نعمل من داخل نظام التعليم ومن خارجه على حد سواء. فمن ناحية نحن نعمل من داخل النظام الفيدرالي بصفتنا مؤسسة معتمدة، ما يمكّن طلابنا من الاستفادة من برنامج المنح فيدرال بيل غرانتس (Federal Pell Grants) الذي يغطي ما يصل إلى 68% من رسومهم الدراسية. ونمنح الطلاب شهادة البكالوريوس، وهي شهادة تقليدية تعد دليلاً مُعترفاً به على النجاح الأكاديمي والفكري وتحظى بالتقدير في سوق العمل.

كما تتبنى كلية أنباوند نموذج التعليم العالي الذي يعمل من خارج النظام التعليمي، فبالإضافة إلى فرص التعلم المباشر عبر المشاريع المجتمعية، نقدم للطلاب درجات مقابل خبراتهم الحياتية التي تكافئ الخبرات التي يمكن أن يكتسبوها عبر التعلم في الكلية، التي غالباً ما تقلل من الدرجات التي يحتاجون إليها لنيل شهادة البكالوريوس وتخفف من وطأة ضغط الوقت اللازم للتخرج. كما يؤكد هذا النهج قيمة تجاربهم الحياتية وأهليتها، ويعزز ثقتهم وإسهاماتهم في المجتمعات التي يعيشون فيها. وأخيراً، نسعى إلى إزالة العقبات التي تَحول دون إكمال الطالب لدراسته عن طريق خفض تكلفة التعليم إلى 10,000 دولاراً فقط في السنة، وتنظيم دروس مسائية ودروس في عطلة نهاية الأسبوع، وتقديم خدمات رعاية الأطفال والدعم الاجتماعي، وحتى وجبات عشاء منتظمة، وذلك كله عبر تجربة جماعية شخصية عميقة تهدف إلى التغيير الجذري في حياة الطلاب ومنحهم شهادة البكالوريوس.

شركاء في التحول المجتمعي

كان أملنا في البداية التأثير في التعليم العالي وتغييره على نحو مثالي بإثبات القدرة على النجاح مع المتعلمين الكبار. وتوقعنا أن يقدّر القادة الآخرون في قطاع التعليم العالي قيمة رؤيتنا ونهجنا اللذين يركزان على الطلاب والمجتمع المحلي وأن يعتمدوا بعضاً من أدواتنا وملامح من نموذج عملنا لتقديم أفضل خدمات لكل من المتعلمين الكبار والطلاب في العمر التقليدي للدراسة الجامعية. كما اعتقدنا أنهم سيشاركوننا التركيز على المتعلمين الكبار الموهوبين، وسيسهمون في إتاحة طرق ومصادر دخل جديدة للتأثير في المجتمع. لكن تجربتنا أثبتت لنا أن قطاع التعليم العالي غير راغب في التغيير ويخشى الشراكة، ولن يحظى بفرصة للتوسع والابتكار ما دام يحارب الكفاءات.

وفي التوسع الذي نشهده، أنتجنا نظاماً آخر يمكّن كلية أنباوند من التأثير ونحن على ثقة من ذلك، ويتمثل هذا النظام بتنمية القوى العاملة ونظام التوظيف، الذي يشمل أصحاب العمل في القطاع الخاص والعام وغير الربحي. ونؤمن بقدرة كلية أنباوند على إحداث تغيير شامل وهادف من خلال التأثير في طريقة استقطاب أصحاب العمل لأصحاب المواهب وتوظيفهم وتنميتهم وتعزيز قدراتهم عبر توجيه اهتمامهم نحو المتعلمين الكبار ذوي الإمكانات الكبيرة.

ويعد برنامجنا الرائع الذي أطلقنا عليه "البكالوريوس للمدرسين المساعدين" (TA:BA)، الساري حالياً في بروفيدنس وفيلادلفيا، مثالاً على ذلك. إذ يعد المدرسون المساعدون مصدراً غنياً للمواهب، فهم الذين يظهرون القدرات الكامنة لدى طلابهم عبر خبرتهم الطويلة مع الطلاب والفصول الدراسية وزملائهم المدرسين والثقافة والمجتمع. ويفتقر الكثير منهم إلى شهادة البكالوريوس المطلوبة ليصبحوا مدرسين. ولا يهدف هذا البرنامج إلى مجرد تغيير حياة بعض الأشخاص، فهذا التغيير يؤدي على إحداث تأثيرات إيجابية متشابكة داخل أسرهم ومجتمعاتهم والمدارس التي يعملون بها.

ومنطقنا في التوسع ليس معقداً، فهو يتمثل في استقطاب متعلمين كبار ذوي إمكانات كبيرة، وتذليل العقبات أمام التعلم الفعال والحصول على شهادة البكالوريوس، وتهيئة الظروف لتجربة تعليمية غنية ترتكز على حاجات الطلاب، وتشجيع أصحاب العمل والجهات الراعية الخيرية على دعم هذا الاستثمار والاستفادة منه في المجتمع وتحفيز تغيير الأنظمة على المستوى الإقليمي. وتكرار التجربة والتوسع والاستمرارية.

ما الذي تحتاج إليه النماذج المبتكرة مثل نموذجنا لتحقيق النجاح؟ تحتاج إلى شركاء يدعمون التوسع لإثبات الفعالية، كخطوة مرحلية نحو تغيير الأنظمة على نطاق أوسع. ولمزيد من التوضيح سنقدم ثلاث توصيات.

أولاً، يجب على أصحاب العمل في الشركات أو المؤسسات ذات الرؤية المستقبلية اتباع نهج مختلف للتطوير المهني والتوظيف، مع التركيز المسبق على المتعلمين الكبار. فعلى سبيل المثال، تقدم هيئة الإسكان الحكومية في فيلادلفيا منحاً دراسية لكل من المقيمين والموظفين لنيل شهادة البكالوريوس في كلية أنباوند لتحسين أماكن عملهم وإثراء مجتمعاتهم. كما يقدم اتحاد المعلمين ومنطقة فيلادلفيا التعليمية منحاً دراسية للمدرسين المساعدين لتعزيز روافد المدرسين. حيث سيفضي هذا النوع من الاستثمار الاستباقي إلى تذليل العقبات أمام المواهب ومساعدة الشركات والمؤسسات على تحسين حياة الأطراف المعنية في جميع القطاعات وليس فقط المساهمين، والوفاء بمسؤولياتها الاجتماعية.

ثانياً، يجب أن تسهم المؤسسات الخيرية على المستوى الإقليمي والوطني في دعم نماذج التعليم العالي المبتكرة على نطاق واسع في جميع أنحاء البلاد. فنحن بحاجة إلى حماس كبير للمخاطرة، ورأس مال صبور يتيح التجريب ويحفز شراكات جديدة، بالإضافة إلى الاستثمار في البنية التحتية المطلوبة للتوسع. كما يجب أن تستمر المؤسسات الخيرية في دعم جمع الأدلة التي تثبت الفعالية ونشرها واستخدام قدرتها على عقد الاجتماعات لتحفيز التعاون، وإشراك أصحاب المصالح المتنوعين لإنشاءبرامج تُعنى بالمجتمع.

ثالثاً، نحتاج إلى تغييرات واضحة وبنّاءة في سياسات القطاع على المستوى المحلي ومستوى الولاية والمستوى الفيدرالي لتسهيل وصول المتعلمين الكبار إلى برامج مثل برنامج كلية أنباوند وتسهيل دفع رسومها. ويمكن أن تتضمن آليات محددة منحاً دراسية دائمة للمتعلمين الكبار المؤهلين (على سبيل المثال، برامج بروميس (Promise Programs) وهي منح دراسية موجهة لسكان منطقة معينة برسوم دراسية مجانية لكلية محلية واحدة على الأقل)، وبرامج إقراض وإعفاء من القروض أقل كلفة، وحوافز لأصحاب العمل للاستثمار في التطوير المهني والتوظيف واعتماد واسع لشهادات التعلم السابق للطلاب في الجامعات الحكومية.

يمكننا تمهيد الطريق لإطلاق إمكانات الملايين من المتعلمين الكبار. وبالتخلي عن الكبرياء والأنانية يمكننا البدء بالتغيير. هكذا يكون الابتكار ذو التأثير، والمجتمع محور هذا الابتكار. ويدنا ممدودة إلى الجميع.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي