أبرز 7 مبادرات بيئية في البلدان العربية

6 دقائق
المبادرات البيئية
shutterstock.com/ Black Salmon

يفرِض التطور الاقتصادي تحديات بيئية ناجمة عن تزايد النمو السكاني، وارتفاع الطلب على الطاقة والمياه، والتطور العمراني، وتسارع حركة الإنتاج والتصنيع، ما يجعل الحفاظ على الموارد وأمن السكان وتحقيق الاستدامة البيئية ضمن أولويات الدول في خططها المستقبلية.

تتمثّل التحديات البيئية التي تواجه الدول العربية على وجه الخصوص، في المخاطر ذات الصلة بارتفاع منسوب مياه البحر وتضاؤل التنوع الحيوي، وحرائق الغابات وحدّة الجفاف وشُح مصادر المياه العذبة وما ينجم عنها من كوارث صحية وغذائية. 

وتشير التوقعات إلى ارتفاع متوسط درجات الحرارة خلال الأعوام المقبلة؛ ما سيخلق ضغوطاً على الموارد المائية، ويهدد الأمن الغذائي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبحسب تقرير بعنوان: اخفضوا الحرارة: مواجهة الواقع المناخي الجديد أجراه معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ (Potsdam Institute for Climate Impact Research) لصالح البنك الدولي عام 2014، قد تنخفض غلة المحاصيل في الأردن ومصر وليبيا  نحو 30% بحلول عام  2050 مع ارتفاع الحرارة ما بين 1.5 درجة ودرجتين، ويمكن أن يتراجع إنتاج القمح في سورية بنسبة 60% مع ارتفاع درجة الحرارة عالمياً بين 3 و4 درجات.

سيكون للتحديات البيئية تأثيرات اقتصادية أيضاً، فبحسب تقرير منظمة العمل الدولية الصادر في مايو/أيار عام 2018 بعنوان: الاستخدام والآفاق الاجتماعية في العالم 2018: التخضير مع فرص العمل، فإن استمرار الاعتماد على الوقود الأحفوري والتعدين سيؤدي إلى فقدان الوظائف في منطقة الشرق الأوسط بنسبة 0.48% وإفريقيا بنسبة 0.04%، وسيسبب الإجهاد الحراري خسارة عالمية في ساعات العمل بنسبة 2% بحلول 2030 جراء تزايد الإصابة بالمرض، لكن في المقابل ستتوفر 24 مليون فرصة عمل حال اعتماد سياسات اقتصادية صديقة للبيئة، أو ما يُعرف باسم الاقتصاد الأخضر.

تزايد اهتمام العديد من الدول العربية مثل الإمارات والسعودية ومصر بالاقتصاد الأخضر، ورصد تحليل أجراه مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة عام 2021 بعنوان كيف تصاعد الاهتمام بالاقتصاد الأخضر في المنطقة العربية؟ الرؤى الاستراتيجية لتلك الدول وبرامجها للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي، وأوضح استعدادها للتحول إلى عصر جديد يعتمد على الطاقة المتجددة.

كما أصبحت حماية البيئة عنصراً مهماً في السياسات الاجتماعية والاقتصادية للدول العربية، وأُطلق العديد من البرامج والمشاريع والمبادرات البيئية التي ترسخ أسس الحياة المستدامة، بما يتوافق مع تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

مبادرات بيئية لسلوكيات مستدامة 

خلال السنوات الأخيرة، زادت المبادرات البيئية التي تستهدف رفع مستوى الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة وإيجاد حلول مبتكرة للمشكلات البيئية، وفيما يلي أبرزها:

1- معالجة النفايات الصناعية السائلة

أَطلقت بلدية دبي عام 2019 محطة ذكية صديقة للبيئة؛ من أجل معالجة النفايات الصناعية السائلة الخطرة بمنطقة جبل علي.

جُهزت المحطة بنظام الذكاء الاصطناعي المُكوّن من حسّاسات ذكية قادرة على قراءة جودة المياه الداخلة إلى الوحدات المختلفة للمحطة، ما يمكِنها من تنفيذ عمليات المعالجة دون أي تدخل بشري، بدءاً من عمليات استلام النفايات وحتى الانتهاء من عمليات توجيه النفايات المُعالَجة إلى وحدات تخزينها.

تستطيع المحطة معالجة 600 متر مكعب من النفايات الصناعية السائلة يومياً، والتي تشمل النفايات الحمضية، والقاعدية، والنفايات البترولية، والنفايات السائلة التي تحتوي على الزيوت والدهون والشحوم، والنفايات السائلة المحتوية على نسب عالية من المعادن الثقيلة أو المكونات السامة، وتحويل 75% من النفايات إلى مياه صالحة للري الزراعي.

تأتي هذه المحطة، استكمالاً لجهود حكومة دبي في الحفاظ على البيئة وتحويل الإمارة إلى مركز عالمي للطاقة النظيفة، إذ تستهدف استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050 أن تشكل مصادر الطاقة النظيفة 25% من احتياجات دبي من الطاقة بحلول عام 2050، وتعمل على تحفيز الاستثمارات الصديقة للبيئة من خلال صندوق دبى الأخضر.

2- مبادرة السعودية الخضراء ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر

في عام 2021، أعلن الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء السعودي، عن مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر لتحديد توجهات وخطط السعودية والمنطقة لحماية البيئة والتحول إلى الطاقة النظيفة.

تُعزز مبادرة الشرق الأخضر جهود مبادرة السعودية الخضراء على المستوى الدولي، وذلك بالتنسيق مع دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وغيرها من الجهات الدولية.

وتعمل المبادرة على تحقيق أربعة أهداف:

  • حماية المناطق البرية والبحرية: تستهدف المبادرة زيادة نسبة المناطق المحمية إلى ما يزيد عن  30% من مساحة أراضي المملكة، والتي تقدر بـ600 ألف كيلومتر مربع، إضافة إلى تنفيذ عدد من المبادرات لحماية البيئة البحرية والساحلية.
  •  التشجير: تستهدف المبادرة زراعة 10 مليارات شجرة داخل السعودية خلال العقود المقبلة، وإعادة تأهيل نحو 40 مليون هكتار من الأراضي، وتسعى بالشراكة مع دول الشرق الأوسط لزراعة 50 مليار شجرة إضافية في المنطقة، واستعادة 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، ما يعادل 5% من الهدف العالمي لزراعة تريليون شجرة.
  •  تقليل الانبعاثات الكربونية: تستهدف المبادرة تقليل الانبعاثات الكربونية بأكثر من 4%، وذلك من خلال مشاريع الطاقة المتجددة، والتكنولوجيات الهيدروكربونية النظيفة، إضافة إلى رفع نسبة تحويل مسار النفايات عن المَرادِم إلى 94%، وتسعى المبادرة أيضاً إلى خفض انبعاثات الكربون الناتجة عن إنتاج النفط في المنطقة بما يزيد عن 60%.
  • التحّول نحو الطاقة النظيفة: تستهدف المبادرة زيادة حصة المملكة من الطاقة المتجددة إلى 50% بحلول عام 2030.

3- معالجة التربة المُلوَّثة بالنفط

عانت دولة الكويت خلال العقود الأخيرة من معضلة التلوث النفطي البيئي، وفي عام 1990، أدى التسرب النفطي الناجم عن احتراق 727 بئراً نفطياً إلى تشكُل نحو 246 بحيرة نفطية تحتوي على 11 مليون برميل نفطي، وغطت مساحة وصلت إلى نحو 50 كيلومتراً مربعاً، مسببةً أضراراً للحياة البرية والبحرية في الكويت والمنطقة.

وعليه، ابتكر الباحث الكويتي الدكتور مشاري سعد المطيري عام 2018 طريقة صديقة للبيئة لمعالجة التربة من المشتقات النفطية والمواد الهيدروكربونية البترولية، وتسمح الطريقة المُبتكرة بفصل العناصر المُلوثة للتربة من خلال غسلها بالمياه بدلاً من المواد الكيماوية العضوية وغير العضوية، وتصلُح لمختلف أنواع الأتربة الملوثة نفطياً في الكويت وخارجها.

يشمل هذا الابتكار الذي أشرفت عليه كلٍ من شركة البترول الوطنية الكويتية وشركة نفط الكويت، ثلاثة أجهزة، الأول لفصل الجزيئات الكبيرة التي يتجاوز حجمها 25 ميليمتراً، والثاني لغسيل التربة وفصل الملوِثات باستخدام المياه، والثالث يعمل على إعادة تدوير المياه وتنقيتها.

4- سلع غذائية مقابل المخلفات

تطلع رائد الأعمال المصري علاء عفيفي إلى بدء عمل ذي أثر بيئي ومجتمعي؛ فأطلق عام 2017 بيكيا (Bekia) أول منصة تجارية إلكترونية في مصر والشرق الأوسط لمبادلة المخلفات من البلاستيك والمجلدات والأوراق وغيرها بعد فصلها، مقابل الحصول على الاحتياجات الأساسية والسلع الغذائية كالأرز والزيت والسكر.

تقوم فكرة المنصة على جمع المخلفات بعد فصلها إلى ورق، ومعدن، وبلاستيك، وإلكترونيات، وتحوِل بيكيا هذه الكميات إلى نقاط يمكن استبدالها بأكثر من 65 سلعة موجودة على المنصة، لتقوم بعدها شركات إعادة التدوير المتخصصة بمعالجة المخلفات المُجمّعة.

تشجع المنصة الأفراد على الممارسات الصديقة للبيئة من خلال توفير واجهة سهلة الاستخدام؛ إذ يقوم المستخدم بتسجيل الدخول إلى الموقع الإلكتروني، وتحديد نوع المخلفات التي يريد التخلص منها، ليحصل على نقاط يتم احتسابها تلقائياً استناداً إلى نوعية المخلفات، ويمكن استخدام هذه النقاط بإحدى ثلاثة طرق هي: التبرع بها للمحتاجين، أو حفظها لاحقاً، أو استبدالها بمنتجات.

تتلقى بيكيا 13 ألف طلب شهرياً، وتجمع نحو 15 طناً من المخلفات شهرياً، يستبدلها أكثر من 7 آلاف عميل بين أفراد وشركات، وتتطلع إلى تغطية كل مناطق القاهرة والتوسع في محافظة الإسكندرية.

5- حماية السلاحف البحرية والتنوع الحيوي

في منتصف عام 2019، أطلقت الغرفة الفتية الدولية في اللاذقية (JCI Lattakia)، مشروع غرين إت (Green It) لحماية السلاحف البحرية والحد من خطر النفايات على التنوع البيئي في الشواطئ السورية، وتحقيق التنمية المستدامة للبيئة الساحلية.

تضمَن المشروع حملة لتنظيف شاطئ محمية الشقيفات البحرية، إحدى أهم محميات حماية السلاحف البحرية وتكاثرها في البحر الأبيض المتوسط، وعمل نحو 150 متطوعاً بالتعاون مع مؤسسات وجمعيات أهلية وفرق شبابية تطوعية على تخليص الشاطئ من النفايات التي تمنع وصول السلاحف البحرية إلى البحر، وجمع المتطوعون ما يزيد عن طنَّين من المخلفات الصلبة.

جاءت حملة غرين إت في إطار حملة لنفعلها (Let's Do It) العالمية، التي تهدف إلى توحيد الجهود العالمية وزيادة الوعي بأهمية الوصول إلى كوكب نظيف وصحي، وبدأت الحملة من إستونيا عام 2008 عندما اتحد 50 شخص لتنظيف البلاد بأكملها خلال خمس ساعات فقط، ثم تحوّلت إلى حملة عالمية.

6- إعادة تدوير مخلفات البناء

أطلقت الشركة السعودية الاستثمارية لإعادة التدوير، سرك، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي عام 2020، أول منشأة متخصصة في إعادة تدوير النفايات في الرياض، في إطار خطة تستهدف بناء شركات إعادة تدوير نفايات في جميع مدن السعودية.

وتمتد المنشأة على مساحة 1.3 مليون متر مربع من الأراضي المخصصة من قِبل أمانة الرياض، وتعالج نحو 600 طن من نفايات البناء والهدم بالرياض في الساعة، بهدف الوصول إلى معدلات إعادة تدوير تتجاوز  90%. كما تتطلع سرك إلى تطوير المنشأة لتتمكن من إعادة تدوير 47% من حجم الإنتاج السنوي لمخلفات البناء والهدم في الرياض البالغة نحو 5 ملايين طن سنوياً، ورفع وإزالة نحو 20 مليون طن من مخلفات البناء والهدم وإعادة تدويرها بحلول العام 2035.

7- بنك معرفي بيئي

انطلقت إكو مينا (EcoMENA) عام 2012، بهدف زيادة الوعي البيئي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتتركز أنشطتها في كل من  قطر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عُمان، والأردن، ومصر، والمغرب.

وتتخصص المؤسسة  في نشر المعرفة وإنشاء المحتوى والترجمة وإشراك الشباب في مبادرات الحفاظ على البيئة؛ إذ تعمل على سد الفجوة المعرفية لدى المهتمين بالقطاع البيئي من خلال توفير بنك معرفة مجاني عبر الإنترنت يضم أكثر من 470 تقريراً وتحليلاً ومقالاً باللغتين الإنجليزية والعربية، يلبي جميع جوانب القطاع البيئي، بما في ذلك حماية البيئة، والطاقة المتجددة، وتغيُر المناخ، والحفاظ على الموارد، وإدارة النفايات، وغيرها من المواضيع ذات الصلة.

تركز إكو مينا على توفير معلومات عالية الجودة وحلول مهنية لمشاكل البيئة عبر فريق مكون من نحو 150 خبيراً ومتطوعاً ومترجماً من جميع أنحاء الدول العربية وخارجها، وتقديراً لدورها في تعزيز الوعي البيئي؛ فازت بجائزة ناشونال إنرجي غلوب (National Energy Globe Award) لعام 2017. 

ختاماً، تعد هذه المبادرات البيئية مهمة لأنها جزء من خطط التنمية المستدامة للحفاظ على الموارد واتباع سياسات أكثر صرامة لمواجهة التغيرات المناخية؛ إذ تساعد العلماء وصانعي القرار على ابتكار حلول فعالة وإحداث تأثير حقيقي في الحفاظ على التنوع البيولوجي أو تحسينه.

المحتوى محمي