تعرف إلى 4 مبادرات اجتماعية عربية ناجحة

7 دقائق
المؤسسات الاجتماعية
shutterstock.com/ Party people studio

تمثل المؤسسات الاجتماعية مزيجاً بين المؤسسات غير الربحية وقطاع الأعمال الربحي التقليدي، ما يعني أنها تطبق استراتيجيات الأعمال لتحقيق الربح، لكن مهمتها الرئيسية تركز على تحسين الرفاهية الاجتماعية أو البيئية وإحداث التأثير الإيجابي، وفي كثير من الأحيان، تعيد المؤسسات الاجتماعية استثمار الأرباح في نموذج أعمالها للحفاظ على الاستدامة.

ويسعى رواد الأعمال الاجتماعيون إلى معالجة قضايا التهميش في المجتمع، والوصول المُنصف إلى الموارد بغية تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتقليل التفاوتات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية التي تتجاهلها الشركات الربحية عادةً.

وتزايدت أهمية المشاريع الاجتماعية في ظل انتشار جائحة كوفيد-19 وما خلفته من تحديات وآثار اجتماعية واقتصادية في معظم بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والمنطقة العربية، وبات من الضروري توفير الحماية الاجتماعية الشاملة للأفراد من أجل القضاء على الفقر، وتعزيز النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، والحد من عدم المساواة، إذ لفت تقرير منظمة العمل الدولية بعنوان: التقرير العالمي للحماية الاجتماعية 2017/2019: حماية اجتماعية شاملة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة (World Social Protection Report: Universal Social Protection to Achieve The Sustainable Development Goals) إلى أن منطقة شمال إفريقيا والدول العربية أنفقت خلال 2017 - 2019، نحو 7.6% و2.5% على التوالي من ناتجها المحلي الإجمالي على الحماية الاجتماعية باستثناء الرعاية الصحية؛ بما في ذلك المساعدة الاجتماعية  والتأمينات الاجتماعية على حد سواء.

المشاريع الاجتماعية المؤثرة في المنطقة العربية

دفعت الصعاب والتحديات التي تعيشها المنطقة بعض الأشخاص إلى أخذ زمام المبادرة والعزم على التغيير لتأمين ظروف حياة أفضل، فأصبحوا من رواد الأعمال الاجتماعيين ممن لديهم مشاريع ناجحة، هي:

1- فابريك إيد

يضم لبنان نحو865,531 لاجئاً سورياً مسجلاً رسمياً لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، ووصل عدد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين من الدول الأخرى إلى 15,896 فرداً بحلول نهاية 2020، وبسبب الأزمة الاقتصادية والضائقة المالية التي تمر بها البلاد، تعيش 89% من أسر اللاجئين السوريين في لبنان تحت خط الفقر المدقع.

ويعاني اللاجئون في لبنان وذوو الدخل المنخفض من عدة صعوبات معيشية منها عدم الحصول على ملابس كافية بأسعار معقولة، وبدلاً من إعادة تدوير الملابس، ينتهي الأمر بالملابس المستعملة إلى مكب النفايات، وبهدف إعادة تدوير الملابس لتخفيض التكلفة؛ أسس رائد الأعمال اللبناني عمر عيتاني بالتعاون مع شريكيه حسام حنوني ولين أبي عاد فابريك ايد (FabricAID) عام 2016، وهي مؤسسة اجتماعية توفر الملابس المستعملة للفئات المهمشة من اللاجئين وذوي الدخل المحدود، وتساهم في معالجة أزمة مكب النفايات في لبنان وخلق فرص عمل للاجئين.

وتعمل المؤسسة على جمع الملابس المستعملة من الأفراد والمؤسسات غير الحكومية، ثم فرزها وترقيعها وإصلاحها وبيعها بأسعار تتراوح بين 500 إلى 3 آلاف ليرة لبنانية، ما يعادل 0.30 دولار، ودولارين للقطعة في متاجر تسمى سوق الخلنج، أو عن طريق أكشاك بيع مؤقتة في الأسواق المحلية ليستفيد منها مجتمعات اللاجئين وذوي الدخل المحدود، وتجمع المؤسسة الألبسة من خلال 100 صندوق تبرع في بيروت، وشراء الملابس المستعملة من المؤسسات الخيرية المحلية، فضلاً عن تلقي التبرعات من العلامات التجارية الكبرى للأزياء.

وتساهم فابريك إيد في إتاحة فرص عمل للنساء المحتاجات عبر إرسال التصاميم إلى سيدات لاجئات مدربات على حياكة الملابس، ويعاد تدوير جزء من الملابس بمساعدة طلاب معهد إسمود (ESMOD) ومعمل خياطة في منطقة البقاع. ونظراً لجهوده في تقليل نفايات الملابس وخفض البصمة الكربونية، نال عمر عيتاني في عام 2019 جائزة أبطال الأرض الشباب التي يقدمها برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP).

كأي مؤسسة تواجه صعوبات في بداية عملها، عانت  فابريك إيد من تحديات تمويلية عند انطلاقها، لكن تمكن عمر عيتاني وفريقه من جمع 130 ألف دولار بعد المشاركة بنحو 20 مسابقة تمويلية مختلفة، وحصلوا على المركز الأول في مسابقة جامعة بيركلي الأميركية للمشاريع الاجتماعية العالمية عام 2018، وفي العام ذاته، استثمرت شركة الفنار للمشاريع الاجتماعية في فابريك إيد ما ساعد في  توسيع أعمال المؤسسة وعقد شراكات جديدة.

واستطاعت فابريك إيد منذ تأسيسها جمع 400 ألف قطعة ملابس، وبيع 310 آلاف قطعة ليستفيد منها نحو 100 ألف شخص معظمهم من اللاجئين والمجتمعات المحرومة، وتمكنت من إعادة تدوير 33 ألف كيس بلاستيك، ونجحت في سد الفجوة بين من لديهم ملابس زائدة عن حاجتهم والمجتمعات المحرومة، وخلق بيئة تسوق كريمة للمحتاجين.

وتتطلع  فابريك إيد إلى نشر فكرة إعادة تدوير الملابس المستعملة في الشرق الأوسط انطلاقاً من الأردن، وتخطط للتوسع للاستفادة من الطلب المتزايد على الملابس المستعملة، وبحسب تقرير إعادة البيع لعام 2021 الصادر عن شركة ثريد آب (ThredUP) يُتوقع ارتفاع قيمة سوق السلع المستعملة من 24 مليار دولار في 2018، إلى 51 مليار دولار بحلول عام 2023، وأظهر التقرير أن هذا السوق يقوده جيل الألفية ممن تتراوح أعمارهم بين 25 و37 عاماً، والجيل زد (Z)، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً.

2- يمي

يتزايد عدد الشركات التي تديرها النساء في أميركا، ومثال ذلك إيميلي ويس (Emily Weiss) الرئيسة التنفيذية لشركة غلوسير (Glossier)، وإندرا نويي (Indra Nooyi) الرئيسة التنفيذية لشركة بيبسيكو (PepsiCo)، وإيلين لاثام (Ellen Latham) المؤسسة المشاركة في أورانج ثيوري فيتنس (Orangetheory Fitness)، لكن هذا التوجه يسير ببطء للوصول إلى الدول العربية ، ولا سيما ليبيا.

تعاني ليبيا من حالة عدم الاستقرار واستمرار الصراع السياسي، الأمر الذي شكل عائقاً أمام تقدم النساء في المجتمع دون مواجهة التهديدات والعنف، فضلاً عن الأعراف والتقاليد التي تحظر على العديد من النساء الليبيات مغادرة منازلهن للعمل منعاً للاختلاط بالرجال، وهذا ما يفسر سبب توظيف امرأة واحدة فقط من بين كل أربع ليبيات، بحسب بيانات البنك الدولي.

أدركت رائدة الأعمال الليبية فاطمة ناصر واقع المرأة في سوق العمل بليبيا، وأسست مع شريكتها عزيزة آدم عام 2017 تطبيق توصيل الطعام يمي (Yummy)، الذي يساعد النساء في  بيع وجبات الطعام التي يعدونها في المنزل، وتلقي الطلبات من العملاء دون الحاجة للكشف عن هويتهن، ما يعد وسيلة مناسبة للسيدات في الحصول على مصدر للعيش ضمن المجتمع الليبي المحافظ، وطريقة آمنة لحمايتهن من المشاكل الأمنية في الخارج.

واعتمد يمي في بدايته على التمويل الذاتي، ثم فاز في عام 2017 بمسابقة إنجازي لريادة الأعمال في لبيبا، وهي مشروع تتعاون فيه شركة تطوير للأبحاث الليبية مع منتدى إم.آي.تي لريادة الأعمال في العالم العربي (MIT Enterprise Forum Pan-Arab Region) لتمكين رواد الأعمال الليبيين ودعم تنويع الاقتصاد في البلاد بعيداً عن النفط، وبفضل الجائزة البالغة قيمتها 90 ألف دينار ليبي، ما يعادل 65 ألف دولار، خرج مشروع يمي إلى النور.

بدأ يمي خدمة توصيل الطعام في مدينة سبها، جنوب غرب ليبيا، بمشاركة 300 طباخة، لكنه توسع بعدها شمالاً إلى بنغازي وطرابلس، ويعد ارتفاع معدل سرقة السيارات في المناطق غير الآمنة أحد العوائق الرئيسية التي واجهت المشروع في البداية، لكن تغلبت فاطمة على هذا العائق بإنشاء نقاط لقاء محايدة داخل المدينة تسمح بتسليم الطلب في أقرب مكان ممكن إلى العميل دون تعريض السائق للخطر، فضلاً عن حل مشكلة انقطاع الكهرباء من خلال توفير رقم هاتف يمكن من خلاله التواصل مع العميل وتسليم الطلب يدوياً.

لم تكن غاية فكرة يمي الربح بقدر ما كانت مدفوعة بالتأثير الاجتماعي المحتمل للمشروع، وانعكس ذلك من خلال قصة إخلاص أكرم، البالغة من العمر 26 عاماً، التي دفعتها الظروف الاقتصادية إلى العمل طاهية من المنزل للمساعدة في إعالة والديها وأخواتها الخمسة، لكنها واجهت مشاكل في التوصيل والتعامل مع العملاء ومصداقية الطلبات، حتى تمكن يمي من معالجة هذه المشاكل وأصبح وسيطاً بينها وبين عملائها.

3- سبيتار

أثرت الاضطرابات الأمنية والنزاعات السياسية على منظومة القطاع الصحي في ليبيا مع تكرر الاعتداء على المرافق والأطقم الطبية خلال الأعوام الماضية، وحسب تقييم منظمة الصحة العالمية، شهد عام 2017 تضرراً كبيراً في الخدمات الصحية، إذ تعرضت 20% من مرافق الرعاية الصحية الأولية، و17.5% من المستشفيات، و18 مستشفى متخصص للتدمير الجزئي أو التام، وأبلغت المنظمة عن أكثر من 41 هجوم خلال عامي 2018 و2019 استهدف العاملين في مجال الصحة والمرافق الصحية.

دفع تداعي نظام الرعاية الصحية في ليبيا الدكتور محمد أبوراوي إلى إنشاء منظومة خدمات صحية جديدة عبر الإنترنت خلال 2016 باسم سبيتار، وتعني مستشفى باللهجة المحلية، وهي عبارة عن منصة رقمية لتقديم الاستشارات الطبية عن بعد لسكان ليبيا خصوصاً من ذوي الدخل المحدود. انطلقت بمشاركة نحو 100 طبيب لتضم اليوم ما يزيد عن ألف طبيب يقدمون الخدمات الصحية إلى نحو 50 ألف شخص في ليبيا، وأصبحت شبكة واسعة تقدم المشورة الصحية في عدة اختصاصات منها صحة الأسرة، وطب الأطفال، والصحة العقلية، وطب الأورام، وفي بعض الحالات يُحال المريض إلى عيادات أو مختبرات معينة لمتابعة العلاج وإجراء الفحوصات.

وتتيح المنصة أيضاً الوصفات الطبية إلكترونياً، وتوجه المرضى نحو الصيدليات المحلية التي توجد فيها الأدوية المطلوبة، وتعمل سبيتار على تنظيم سجلات المرضى ضمن ملفات إلكترونية تساعد على تقديم الخدمات بأقل وقت وجهد.

لدعم مشروعه؛ شارك أبوراوي وفريقه فكرة سبيتار في مسابقة هاكاثون للطب نظمها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (Massachusetts Institute of Technology) عام 2015 وفاز بجائزة مالية قدرها 25 ألف دولار ساعدته على تطوير المنصة، تبع ذلك تمويل بقيمة 80 ألف دولار من مبادرة الابتكار والتغيير الاجتماعي (The Social Innovation and Change Initiative. SICI) التابعة لـكلية كينيدي في جامعة هارفارد (Harvard Kennedy School)، لتنطلق بعدها منصة سبيتار رسمياً في مايو/أيار عام 2016.

نجح محمد أبوراوي، الطبيب الليبي الذي تحول إلى رئيس تنفيذي في مجال التكنولوجيا، في تطوير منصة للرعاية الصحية عن بُعد حتى يتمكن الأطباء الذين غادروا بلدانهم من علاج المرضى داخل الوطن، وفي معركة ليبيا ضد جائحة  كوفيد-19 أثبت تطبيق سبيتار كفاءته خلال فترة الجائحة وسجل 5 آلاف مشترك في أقل من شهر منذ إطلاقه. 

ويساعد تطبيق سبيتار بالتعاون مع المركز الوطني لمكافحة الأمراض، في تحديد الحالة الصحية للمشتبه بإصابتهم بفيروس كوفيد-19 أو ممن تظهر عليهم أعراض الوباء، ويتيح للمستخدمين ميزة التواصل المباشر والدائم مع أطباء المركز لتحديد الإصابة من عدمها، وتحديد نسبة خطورة الحالة، إضافة إلى تقديم المشورة للمستخدمين وتوجيههم إلى أقرب مركز أخذ العينات ومراكز الحجر الصحي عند الحاجة.

واعتمدت الحكومة الليبية منصة سبيتار رسمياً خلال الجائحة، وتعمل على تنظيم أنشطتها والتعاون معها بما يسهل الربط الرقمي الفعال بين الجهات المعنية من مستشفيات ومراكز صحية وعيادات وصيدليات وشركات الاتصالات.

4- مبرمج

توارت بعض القطاعات والتخصصات بعيداً عن الأنظار، وأذنت التكنولوجيا بولادة تخصصات جديدة فتحت أفاقاً واعدة في عالم الأعمال، وتعد البرمجة قطاع المستقبل بالنسبة للشباب، إذ رصد تقرير وظائف المستقبل 2040 الصادر عن مؤسسة استشراف المستقبل أبوظبي الوظائف التي ستخلقها التكنولوجيا بعد نحو عقدين من الزمن، وتتطلب جميعها امتلاك مهارة البرمجة.

ولاحظت رائدة الأعمال اللبنانية ليال جبران، أن الأشخاص المتحدثين باللغة العربية يرغبون بتعلم تكنولوجيات البرمجة لكنهم يواجهون صعوبات كبيرة في فهم اللغة الإنجليزية أو تعلمها، على سبيل المثال، هناك سوريون ومصريون وأردنيون وغيرهم يعيشون في بلدان مثل فرنسا وألمانيا وروسيا، ويتحدثون فقط اللغة العربية ولغة البلد الذي يعيشون فيه، لذا قررت بالشراكة مع زميلها محمود زلط  إطلاق مبرمج في عام 2014، والتي تعد أول منصة في العالم العربي والعالم تقدم خدمات تعليم البرمجة باللغة العربية ومجاناً.

وتساعد المنصة مستخدميها على تعلم تكنولوجيات البرمجة عن طريق فيديوهات باللغة العربية تتاح لهم مجاناً، لكن بعض الدروس ستصبح مقابل مبلغ رمزي مستقبلاً لأنها ستكون نتاج تعاون مع مدرسين أو خبراء يقدمون فيديوهات تعليمية عن البرمجة، وفي البداية واجهت مبرمج عدة تحديات، منها تفسير المفاهيم والمصطلحات التكنولوجية الخاصة بالبرمجة، لكن استطاعت ليال جبران وفريقها التغلب على هذه المشكلة من خلال البدء بالمعلومات الأساسية في عالم البرمجة، وتعمل المنصة حالياً مع مؤسسات تُعنى بشؤون اللاجئين السوريين في ألمانيا وهولندا لتجهيز فيديوهات باللغة العربية للأطفال لتعليمهم أسس البرمجة.

وتساهم مبرمج في تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بمكافحة البطالة، وخلق فرص عمل للشباب، فاليوم اختيار الشركات للمبرمجين لا يعتمد على الشهادات التعليمية، وإنما على مدى امتلاك الشخص المهارات والأدوات اللازمة للعمل في هذا المجال، وعليه، فازت المنصة بعدة جوائز، منها تحدي شباب 2030 لعام 2017، والذي تقيمه "إم بي سي الأمل" بهدف دعم عملية التنمية المستدامة والمشاريع الشبابية الإبداعية وريادة الأعمال على مستوى المنطقة العربية.

إذن، من خدمة إعادة تدوير الملابس والحفاظ على الاستدامة البيئية، وصولاً إلى التمكين المالي للسيدات والتطبيب عن بعد وتعليم البرمجة باللغة العربية مجاناً، انطلقت هذه المشاريع الاجتماعية لمواجهة التحديات التي تعيشها المنطقة، واستطاعت إحداث تغيير إيجابي في المجتمعات التي تستهدفها.

المحتوى محمي