ما الذي يمكن أن يقدمه القطاع الخاص للتعليم الحكومي؟

رفع مستوى التعليم
shutterstock.com/ImageFlow
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يقتضي رفع مستوى التعليم الابتدائي الابتعاد عن الأساليب التقليدية، ويتمثل أحد الأساليب الواعدة والمهمشة إلى حد كبير في الاستفادة بشكل منهجي من برامج القطاع الخاص.

وقد أوضحت أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة وجدول أعمالها لعام 2030 بما لا يدعو للشك ما يلي: إذا أردنا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة أن تصبح حقيقة واقعة لجميع شعوب العالم، فنحن بحاجة إلى تضافر الجهود الحثيثة من كل أنحاء المعمورة، من الجنوب إلى الشمال، والتي تشمل المؤسسات العامة والخاصة على حد سواء. ولكن ما الذي يمكن أن يقدمه القطاع الخاص على وجه التحديد؟ وضمن قطاع العمل الخيري بالتحديد، ما الذي يمكن أن يقدمه العمل الخيري لتعزيز المواءمة الاستراتيجية؟

ذلك هو أحد الأسئلة المهمة التي نحاول حالياً الإجابة عنها في مؤسسة جاكوبس (Jacobs Foundation)، حيث أشغل منصب المدير الإداري. وقد وصف زملاؤنا في قطاع العمل الخيري هذه الأولوية الجديدة لمؤسستنا بأوصاف عدة بدءاً من “رائدة وشجاعة” إلى “ساذجة وضارة”، ما يعكس عدم وجود اتفاق في قطاعنا حول الدور المناسب للعمل الخيري. اسمحوا لي أن أشارككم بعض الأفكار من منظور مؤسسي، في محاولة لإثارة نقاش ذي حاجة ملحة.

تدين غالبية المؤسسات الخيرية بوجودها إلى أرباح القطاع الخاص، وبالتالي فهي مرتبطة بهذا القطاع، ولدى هذه المؤسسات مجموعة أساسية من المبادئ التي تنبع من صميم جوهرها كمؤسسة والتي تحدد مهامها، ونموذج أعمالها، ومجالات عملها وحيّزها، بالإضافة إلى أسلوب عملها. ومع وضع هذه المبادئ والارتباطات بالاعتبار، يجب على المؤسسات أن تخصص المزيد من الطاقة لإيجاد “نقطة الاتصال” التي توائم مصالحها مع مصالح القطاع المرتبطة به، ومن ثم تنمية مجالات الاهتمام المشترك وتوسيعها. وتحتاج هذه المهمة إلى كثير من الحكمة، كما تعدّ طريقة واعدة لزيادة فعالية العمل الخيري.

ماذا يعني ذلك عملياً؟ للتوضيح، اسمحوا لي أن أشرح لكم مساعينا في مؤسسة جاكوبس. العناصر الرئيسية في صميم جوهرنا كمؤسسة هي التركيز على رفع مستوى التعليم للأطفال والشباب، وتطلعنا إلى تعزيز الأدلة العلمية مع تحقيق تأثير اجتماعي، وتركيزنا القوي على الأولويات من حيث مجالات ومناطق عملنا المحددة بوضوح بهدف أن نصبح رواد فكر ضمن المجالات ذات الصلة. ونظراً لأن الكاكاو والشوكولاتة مصدرا أصولنا المالية، فلدينا فهم قوي للتحديات الرئيسية التي تواجه هذا القطاع.

لذا قررنا منذ عامين أن نركز كل عملنا الدولي للسنوات الخمس المقبلة على دولة واحدة (بالإضافة إلى تمويل بحثنا العالمي). قدمت ساحل العاج، وهي من دون منازع أكبر منتج للكاكاو في العالم حيث يمثل إنتاجها ما يقرب من 40% من الإمداد العالمي وأحد المحركات الاقتصادية الرئيسية في غرب إفريقيا، أفضل الظروف الواعدة لتحقيق هدفنا المتمثل في التوافق الاستراتيجي مع القطاع الخاص والاستفادة منه.

والعامل الحاسم في اتخاذ ذلك القرار هو إدراك قطاع الكاكاو والشوكولاتة أن عمالة الأطفال وانخفاض الإنتاجية يشكلان تهديداً خطِراً للنمو المستدام لهذا القطاع. وقد أدى ذلك إلى إنشاء مبادرة تنافسية على مستوى القطاع، وهي مبادرة (CocoaAction)، من قبل أكبر عشر شركات في قطاع الكاكاو والشوكولاتة، والتي تسعى إلى تعزيز الاستدامة في أجندة هذا القطاع. وبسبب علاقاتنا بهذه القطاع، وصلتنا معلومات حول هذه المبادرة في مرحلة مبكرة ودُعينا للمشاركة في عملية التصميم. وكانت لخبرتنا علاقة مباشرة بالمبادرة، نظراً إلى دور التعليم الأساسي في معالجة جذور المشكلة.

ورأينا أن التعامل مع الشركات عبر وحدات عملها سيكون أكثر جدوى من اتباع نهج المسؤولية الاجتماعية للشركات التقليدي. وتحقيقاً لهذه الغاية، كان علينا التوصل إلى دراسة جدوى مقنعة للاستثمار في تعليم عالي الجودة. وذلك يعني إثباتاً علمياً أن التعليم لن يؤدي إلى النمو الاقتصادي ما لم يكن هناك تركيز قوي على جودته، وأن التعليم العالي الجودة هو وسيلة منطقية لمكافحة عمالة الأطفال، وأن الأمية بين المزارعين ذات تأثير سلبي جسيم على نماذج أعمال الشركات.

وحددنا أربع عقبات أمام زيادة الاستثمار في التعليم العالي الجودة، وهي الفشل في فهم أجندة الحكومة، والافتقار إلى معرفة آلية العمل الناجعة، والاعتقاد الخاطئ أن الفائدة لن تعم إلا في المستقبل البعيد، والعجز عن إدراك القيمة المحققة عبر التعليم العالي الجودة.

وتماشياً مع هدفنا المتمثل في زيادة الوعي بأهمية التعليم، فضلاً عن زيادة القدرات والاستثمارات في التعليم العالي الجودة، اخترنا نموذجاً قائماً على التعاون تتولى فيه الشركات نفسها زمام المبادرة في تصميم الإجراءات التدخلية وتنفيذها. ويتمثل دورنا في العمل مع الحكومة والمجتمع المدني لإنشاء منصة صلبة، واقتراح نماذج تعليمية مسندة بالأدلة ومتوافقة مع الحكومة، وتقديم الدعم في بناء القدرات، وتوفير التمويل المشترك لمرحلتي التوسع الأولي والتجريبي للإجراءات التدخلية التعليمية. نحن حالياً في المرحلة النهائية من المفاوضات مع العشر شركات، ونأمل أن يكون نهجاً ناجحاً.

وعلى الرغم من التحديات المستقبلية وصعوبة ضمان النجاح، فإننا مقتنعون أكثر من أي وقت مضى بأن التأثير المحتمل لهذا النهج يستحق المخاطرة. ذلك ما يمكن أن تفعله المؤسسات، وذلك ما تدّعي دائماً فعله، وما يجب أن تفعله على نحو واسع في المستقبل. لذلك، لنشرع في العمل وننشئ منظومة للتعليم بجهودنا المشتركة، من أجل إضفاء الطابع الاحترافي على هذا التيار الجديد في العمل الخيري.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.