إعادة تصميم نظام القطاع الغذائي

4 دقائق
نظام القطاع الغذائي
Shutterstock.com/Jacob_09

كان نظام القطاع الغذائي وكيفية إصلاحه أو إعادة بنائه من أكثر مواضيع النقاش إثارةً للجدل خلال مؤتمر أسواق رأس المال الاجتماعي الأخير (SOCAP)، وذلك لسبب وجيه؛ إذ يرى الكثير منا في قطاع المؤسسات الاجتماعية؛ سواء المستثمرون أو الرواد الاجتماعيون أو المؤسسات الخيرية، الحاجة إلى إحداث نظام غذائي بديل يُوسّع بصورة كبيرة إمكانية الوصول إلى الطعام الطازج، ويدعم الإنتاج الغذائي المحلي والمستدام، ويساعد في النهاية على خلق مجتمعات أكثر مرونة. ومن أجل تحقيق ذلك، نحن بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد والعمل معاً، إذ يُعَدّ التعاون بين المؤسسات الخيرية والمستثمرين على وجه الخصوص أمراً ضرورياً لبناء نظام غذائي بديل.

إعادة بناء نظام القطاع الغذائي

تُعَدّ وجهة النظر تلك صحيحة، لأن التحدي ليس سهلاً على الإطلاق، ولأن المؤسسات البديلة تتطلب بطبيعتها نهجاً جديداً للتمويل. إنّ إعادة بناء النظام الغذائي تتطلب إعادة بناء سلسلة التوريد، بما في ذلك الإنتاج والمعالجة والتوزيع، لا سيما أننا بحاجة إلى دعم صغار المزارعين من خلال إتاحة وصولهم إلى الأراضي بكلفة معقولة، وبحيث تكون تلك الأراضي قريبة من المناطق الحَضَريّة. بالإضافة إلى تدريب المزيد من الناس على إدارة المزارع بفاعلية- تماماً كالأعمال الخاصة- وتهيئة بنية تحتية تُمكّن المزارعين من بيع المزيد من المواد الغذائية مباشرة وتسهّل على المؤسسات الكبيرة شراء المنتجات محلياً، ذلك إلى جانب تطوير قنوات توزيع تجعل الطعام الطازج خياراً مناسباً وميسور التكلفة للجميع. ورغم أن معرفتنا هذه مرتبطة بالولايات المتحدة الأميركية، هنالك احتياجات مماثلة في جميع أنحاء العالم وينبغي السعي لتلبيتها.

من المفيد أن تكون المواد الغذائية مجال استثمار جذاب في وادي السيليكون، خاصة في مرحلة التوزيع، حيث تجذب مؤسسات التوزيع عبر الإنترنت والقابلة للتطوير رؤوس المال القوية. لكنّ العديد من المؤسسات التي تحتاج إلى الدعم ؛المُتمثّل بوجود نظام غذائي بديل، لا تتناسب مع نموذج رأس المال المغامر التقليدي. إذا غالباً ما يكون لديها تكاليف أولية مرتفعة وهوامش ربح منخفضة نسبياً، ولا تمتلك آفاق نمو كبيرة. قد تكون أيضاَ نماذج أعمالها هجينة وغير مُثبتة.

الاستثمار المؤثر قي نظام القطاع الغذائي

يمتلك المهتمون بالاستثمار المؤثر (والذي يهدف إلى خلق أثر اجتماعي وبيئي) إمكانات كبيرة في هذا المجال، ولكنهم لا يمتلكون القدرة الرأسمالية للقيام بذلك بمفردهم. تحتاج المؤسسات؛ التي لديها إمكانات حقيقية لتكوين روابط في سلسلة التوريد البديلة، إلى خلق مزيج من أشكال التمويل للانتقال بالفعل من التمويل غير القابل للاسترداد إلى المِنَح القابلة للاسترداد، وضمانات القروض، والسندات القابلة للتحويل، وقروض منخفضة التكلفة للاستثمارات المتعلقة بالبرامج، واتفاقيات مشاركة الإيرادات. يمكن أن تكون أموال المؤسسات الخيرية بمثابة رأس المال الأكثر تحفيزاً في هذا المجال، لأنها يمكن أن تُحدث فرقاً في مؤسسة تتطور إلى الحد الذي يمكنها فيه أن تجذب الاستثمار التقليدي وتمويل الدّيون.

نُطلِق في مؤسستنا، «آر إس إف سوشل فايننس» (RSF Social Finance) على هذا اسم نهج رأس المال المتكامل؛ أي استخدام الاستثمارات المنظمة والقروض والتمويل غير القابل للاسترداد لمعالجة مشكلات اجتماعية وبيئية معينة. في ظل الدعم الحكومي الضخم الذي يفيد مؤسسات الأعمال التجارية الزراعية متعددة الجنسيات، أعتقد أن هذا شكل مقنع وتشتد الحاجة إليه في مواجهة اختلالات السوق.

العقبات الثقافية تكبح نهج الاستثمار المطلوب

غالباً ما يكون كل ما هو مطلوب هو استثمار خيري صغير. على سبيل المثال، تمكَّن صندوق المبادرات المحلية التابع لمؤسستنا؛ وهو مشروع تجريبي يوفر مجموعة من أشكال رؤوس الأموال الخيرية الموضحة أعلاه، من دعم نمو هادف باستثمارات منخفضة بقدر 50 ألف دولار.

بالنظر إلى الاحتياجات الواضحة، ووجود الفرصة لإحداث أثر جوهري، وقدرات التمويل المرنة، لماذا لا تبذل المؤسسات الخيرية المزيد من الجهد في قطاع المواد الغذائية؟

هناك عدد من العوائق، لكنّ أبرزها ثقافة الأعمال الخيرية لدينا. هذا النوع من الاستثمار لا يندرج ضمن الفئة التي اعتادت عليها معظم المؤسسات الخيرية، فهي تركّز فقط على العمل الأساسي لمساعدة أشد الناس احتياجاً من خلال تقديم المنح التقليدية، أو قد يخصصون أموالاً للاستثمار وأخرى للمنح. لكن تجدر الملاحظة إلى أنّ التركيز على التغيير المنهجي وتوظيف هذه الأشكال المختلفة لرأس المال يمكن أن يُقدّم فوائد كبيرة ترتبط بمهمة المؤسسة.

أحد الأمثلة على ذلك مؤسسة «كومن ماركت» (Common Market)؛ وومَقرُّها مدينة فيلادلفيا، حيث توفر خدمات التوزيع بين مزارع وادي ديلاوير؛ االمُهدَّدة بحدوث أضرار فيها، والمجتمعات الحَضَريّة التي تفتقر إلى الوصول إلى الأطعمة الطازجة، وغالباً من خلال تقديم الخدمات لعملائها من المؤسسات مثل المدارس والمستشفيات. عندما بدأت المؤسسة (وهي مؤسسة غير ربحية تدير عملها على نهج المؤسسات التجارية) في رفض الطلبات بسبب ضعف القدرة على التخزين والتعبئة، أدرك المؤسسون أنهم بحاجة إلى وسيلة جديدة بسرعة قبل أن يخسروا الفرص المتاحة، لكنّ المؤسسة كانت لا تزال صغيرة جداً، بحيث لا يمكن منحها قرضاً برهن عقاري بقيمة 1.3 مليون دولار. تَمثَّل الحل في تشكيل مزيج من المِنَح والضمانات وتمويل ديون الاستثمارات المتعلقة بالبرامج. وكانت النتيجة مزيداً من العمل في المزارع المَحلّيّة التي تتّبع النهج المستدام، وتوفير طعام أفضل لعدد أكبر من الناس.

ترتبط العقبات الأخرى غالباً بالمقاومة من قبل مجالس إدارة المؤسسات والموظفين والمتعاقدين الذين لا يرون سوى المكاسب في النهج التقليدي، وبأنّ المخاطر لا تتمثل سوى في الخروج من الوضع الراهن. وعادةً ما يردع المفوضون؛ غير المعتادين على هذه الأنواع من هياكل التمويل، المؤسسات الخيرية عن اتباع نهج آخر (وفي معظم الحالات، لأنهم ببساطة لا يمتلكون الخبرة المطلوبة). وغالباً ما تصدّ اللجان المالية أي اقتراح بضرورة الاستثمار لغاية تعزيز أهداف المؤسسة بدلاً من مجرد تنمية عائدها المالي. وقد يتعرض المسؤولون عن البرامج للتهديد إذا تقلصت قوائم المنح الخاصة بهم بسبب هذه الاستخدامات البديلة للأموال.

اتخاذ خطوة يسيرة للمضي قُدماً

تعدّ ضمانات القروض من أسهل الطرق التي تستخدمها المؤسسات الخيرية للبدء في تمويل نظام غذائي بديل. ويمكن أن يفتح الضمان الجزئي الباب لتدفق مصادر تمويل أخرى للمؤسسات المتعطشة لرأس المال، كما يمكن للجهات الضامنة الحد من المخاطر من خلال عقد شراكات مع مؤسسات أخرى، وفي الحالة المثالية، لا يتعين على تلك الجهات أبداً إنفاق الأموال، حتى تتمكن من إعادة تدويرها.

إليك هذا المثال حول كيفية تحقيق ذلك. أتاح ضمان قرض بقيمة 200 ألف دولار أميركي من مؤسسة «بارك فونديشن» (Park Foundation) إمكانية حصول مؤسسة «آر إس إف سوشل فايننس» على قرض برهن عقاري بقيمة 950 ألف دولار لصالح مؤسسة «ريدجنال آكسس» (Regional Access)؛ وهي موزع أغذية بالجملة تركز على إنشاء نظام غذائي محلي ومستدام في نيويورك، وتوسع نطاق الوصول إلى الغذاء ذي الجودة العالية للسكان المحرومين في المناطق الحضرية والريفية. سمح القرض والتسهيلات الائتمانية؛ بقيمة 200 ألف دولار، مدعومة بضمان بقيمة 50 ألف دولار من صندوق المبادرات المحلية، للمؤسسة بدمج الديون وتوسيع نطاق وصولها وعملياتها. يُترجَم ذلك إلى إنتاج مواد غذائية صديقة للبيئة أكثر، ومزروعة محلياً لخدمة عدد أكبر من الناس، حيث توفر مؤسسة «ريدجنال آكسس» خدماتها لأكثر من 600 متجر ومطعم ومؤسسة، بالإضافة إلى تحسين الجدوى الاقتصادية للمَزارع المحلية لإمكانية إقامة استثمارات صغيرة ومنخفضة المخاطر.

إذا تمكنت مئات المؤسسات الاجتماعية ذات الصلة بقطاع الأغذية في جميع أنحاء الولايات المتحدة من الاستفادة من نهج رأس المال المتكامل هذا، فإننا سوف نحقق نتائج مبشّرة.


اقرأ أيضاً:
كيف يمكن للمؤسسات توفير نظام غذائي يخدم العالم؟

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أن المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي