ما العوامل الطبيعية المؤثرة في انتشار الفقر؟

3 دقيقة
shutterstock.com/avijit bouri
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا يعد الفقر نتاجاً لتقلبات الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية حصراً وإنما أيضاً نتاج تقلبّات الطبيعة، فهناك مجموعة من العوامل الطبيعية المؤثرة في انتشار الفقر يجب أخذها في عين الاعتبار عند التخطيط للحد منه.

وتمثل العوامل الطبيعية، مثل الجفاف والفيضانات والزلازل، عقبات أمام القضاء على الفقر، ما يتطلب تحقيق التكامل بين الجهود الرامية لمواجهة المخاطر الطبيعية وخطط الحد من الفقر.

وبيّن تقرير صادر عن البنك الدولي عام 2016 بعنوان جدار منيع: بناء قدرة الفقراء على مواجهة الكوارث الطبيعية، أن العوامل الطبيعية تدفع بنحو 26 مليون شخص إلى براثن الفقر سنوياً، مؤكداً الحاجة الملحة لوضع سياسات تراعي الظروف الطبيعية والمناخ المحيط وتحمي الفئات المستضعفة على نحوٍ أفضل.

كيف تؤثر العوامل الطبيعية في انتشار الفقر؟

تتسبب العوامل الطبيعية مثل التغير المناخي والكوارث الطبيعية كالفيضانات بعواقب إنسانية واقتصادية أكبر على الفقراء نستعرضها فيما يلي:

التغيرات المناخية

بحسب تقديرات البنك الدولي، قد يدفع التغير المناخي أكثر من 100 مليون شخص إلى الفقر بحلول عام 2030.

وتهيئ التغيرات المناخية الأسباب المؤدية إلى انتشار الفقر، مثل الصراعات والجوع وعدم المساواة ونقص التعليم، ومن الآثار الناجمة عن هذه التغيرات:

  • الجفاف: يمكن أن يسبب استمرار الجفاف لفترة طويلة إلى نقص الموارد الغذائية ومصادر المياه، وبينت دراسة أميركية بعنوان: الاقتصاد السياسي للمناخ في المنطقة العربية (The Political Economy of Climate in The Arab Region)، أن موجات الجفاف التي تعرضت لها المنطقة قبل عام 2011 أدت إلى تدمير الأراضي الزراعية في شرق سوريا التي تمثل مصدر رزق وغذاء لأكثر من 800 ألف شخص، وكذلك الوضع في السودان مع ارتفاع متوسط درجات الحرارة السنوي بمعدل 1.5 درجة، وتراجع الإنتاج الزراعي بنسبة 70%، وانخفاض معدل سقوط الأمطار بنسبة 30%.
  • نقص المحاصيل وشح المياه: نظراً لأن 76% من فقراء العالم يعيشون في مناطق ريفية ويعتمد مصدر دخلهم على الموارد الطبيعية والمنتجات التي يزرعونها؛ فتغير المناخ يرتبط بشكل وثيق بالفقر والجوع. يعكس تقرير نقاط الجوع الساخنة (Hunger Hotspots) الصادر عن برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة في مايو/أيار عام 2022، صورة قاتمة حول مستقبل الأمن الغذائي في المنطقة العربية، إذ تحتاج 20 بؤرة جوع ساخنة منها سوريا ولبنان والسودان والصومال واليمن، إلى مساعدات إنسانية عاجلة.

من جهة أخرى، سيخلق الارتفاع المتوقع لمتوسط درجات الحرارة خلال الأعوام المقبلة؛ ضغوطاً على الموارد المائية والغذائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ رجح تقرير البنك الدولي الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014 بعنوان اخفضوا الحرارة: مواجهة الواقع المناخي الجديد أن تشهد المنطقة العربية تبخراً للموارد المائية الشحيحة خاصةً في نهري دجلة والفرات ونهر الأردن وبحيرة طبرية، ما يؤدي إلى انخفاض غلة المحاصيل في الأردن ومصر وليبيا بنحو 30% بحلول عام 2050 مع ارتفاع الحرارة ما بين 1.5 درجة ودرجتين، وتراجع إنتاج القمح في سورية بنسبة 60% مع ارتفاع درجة الحرارة عالمياً بين 3 و4 درجات.

الفيضانات

تعد الفيضانات أيضاً أحد العوامل الطبيعية المؤثرة في انتشار الفقر، إذ تُلحق أضراراً بالبنى التحتية من طرق وجسور، ويتوقف معها أي نشاط اقتصادي، ما يؤدي بالعديد من الأسر إلى فقدان مصدر دخلها لفترة طويلة، والانتقال إلى المناطق الحضرية للحصول على فرص عمل أفضل.

توصلت دراسة حديثة نشرتها مجلة نيتشر كوميونيكيشنز (Nature Communications) بعنوان التعرض للفيضانات والفقر في 188 دولة (Flood exposure and poverty in 188 countries) إلى أن 1.81 مليار شخص يُمثلون نحو 23% من سكان العالم يعيشون في مناطق فيضانات شديدة الخطورة، من بينهم 1.24 مليار شخص يستوطنون جنوب وشرق آسيا، و89 مليون شخص يعيشون في منطقة الشرق الأوسط، منهم نحو 17 مليون شخص في مصر.

وتسببت السيول في اليمن عام 2008 بأضرار قيمتها 1.6 مليار دولار، ما يعادل 6% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، فيما أدت فيضانات جدة في السعودية عام 2009 إلى خسائر بنحو 1.4 مليار دولار، بحسب تقرير سابق للبنك الدولي.

إجراءات استباقية لإدارة الكوارث

وعلى الرغم من التوقعات باستمرار انخفاض الموارد المائية الطبيعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحلول عام 2050 لتصبح أقل 11 ضعفاً من المتوسط العالمي لابد من استمرار اتخاذ إجراءات استباقية لمواجهة هذه المخاطر الطبيعية.

وفي هذا الإطار، اتخذت دول مثل مصر واليمن ولبنان والجزائر والمغرب وجيبوتي إجراءات فعالة لمواجهة مثل هذه الكوارث الطبيعية، إذ وضعت سياسات وأنشأت وحدات حكومية لإدارة مخاطر الكوارث وتقييمها باستمرار، وأرست أنظمة إنذار مبكر، ومراكز معرفية، وغرف عمليات لإدارة المخاطر.

الحاجة لاعتماد ممارسات مسؤولة بيئياً

هذا الواقع يجعل من بناء الصمود أمام العوامل الطبيعية للحد من تأثيرها في انتشار الفقر واجباً أخلاقياً يفرض على الشركات والحكومات اعتماد الممارسات المسؤولة اجتماعياً وبيئياً مثل التحول إلى الطاقة المتجددة لخفض انبعاثات الكربون، فبحسب تقرير منظمة العمل الدولية الصادر في مايو/أيار عام 2018 بعنوان: الاستخدام والآفاق الاجتماعية في العالم 2018: التخضير مع فرص العمل (World Employment and Social Outlook 2018: Greening with jobs)، سيؤدي استمرار الاعتماد على الوقود الأحفوري والتعدين إلى فقدان أكثر من 300 ألف وظيفة في منطقة الشرق الأوسط.