لماذا لا يعتبر البعض تغير المناخ “حالة طارئة”؟

shutterstock.com/Tony Skerl
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل التفكير في نهاية العالم كافياً لإثارة مخاوفنا؟ في الواقع عندما يتعلق الأمر بخسارة الكوكب فإن البشر يميلون إلى استبعاد المخاطر لاعتقادهم أن العواقب ستحدث في المستقبل البعيد، وبالتالي لن ينظروا إلى التغير المناخي على أنه حالة طارئة تتطلب اتخاذ تدابير عاجلة وحاسمة، بل قد يعتبرونه مجرد تحذيرات علمية من الأفضل عدم تداولها.

العلم يحذر من الطوارئ المناخية

ترتفع أصوات العلماء التي تتحدث عن الطوارئ المناخية بصورة متزايدة، فقد ذكر مقال منشور في صحيفة واشنطن بوست أن عدد الأوراق البحثية التي تشير إلى “حالة الطوارئ المناخية” في قاعدة بيانات أبحاث شبكة العلوم قفز من 32 في عام 2015 إلى 862 في عام 2022.

يحذّر العلم من أن شبح تغير المناخ على الأبواب ويضرب بقوة، وأن المستقبل سيحمل ما هو أسوأ إذا واصلنا فعل الأشياء بالطريقة نفسها، فبحسب تقرير تحذير علماء العالم من حالة طوارئ مناخية 2022، المنشور في مجلة بايو ساينس (BioScience)، وصلت 16 علامة من أصل 35 علامة حيوية للكوكب إلى مستويات قياسية، ومنها: زيادة الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، وارتفاع مستويات سطح البحر، وذوبان الجليد والأنهار الجليدية، والزيادة السكانية. على سبيل المثال، ارتفع مستوى انبعاثات الغازات الدفيئة عالمياً بنحو 40% على مدى العقود الثلاثة الماضية، على الرغم من تحذير عام 1992 الذي وقّع عليه أكثر من 1,700 عالم.

أصبحت بعض الظواهر المناخية المتطرفة الآن أكثر شدة أو تحدث في بعض الأحيان بصورة متقاربة زمانياً ومكانياً، ما قد يؤدي إلى تفاقم الضرر وتقليل وقت التعافي، وبحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) “العلم واضح. العالم في حالة طوارئ مناخية، ونحن بحاجة إلى التحول إلى تجهيزات الطوارئ”.

تغير المناخ لا يمثل ضرورة مُلحة

على الرغم من تحذيرات المجتمع العلمي بشأن عواقب تغير المناخ، فبعض الأشخاص لا ينظرون إلى تغير المناخ باعتباره حالة طارئة بحاجة إلى معالجة فورية. في عام 2021 أجرى كل من مجلة ذي إيكونومست (The Economist) ويوغوف (YouGov) استطلاعاً للرأي للبالغين في الولايات المتحدة، وأفاد نحو 10% من المشاركين بأنه لا يوجد دليل على ظاهرة الاحتباس الحراري على الإطلاق، ويرى ربع المشاركين أن سبب تغير المناخ لا يعود إلى النشاط البشري، وعبّر 14% عن حالة عدم اليقين فيما يخص أزمة المناخ.

قد لا ينشغل الناس بالتوقعات المناخية الطويلة المدى بل يركزون على حالة الطقس اليومية في المكان الذي يعيشون فيه ومدى تأثيرها عليهم. فما الذي يدفعهم لذلك؟

أُجرِيت بعض الدراسات من أجل فهم أفضل لوجهات نظر مَن يرون ضرورة أقل إلحاحاً لمعالجة تغير المناخ، وتوصلت إلى مجموعة من الأسباب أبرزها، إيمان هؤلاء الأشخاص بأن تغير المناخ ناتج عن العوامل الطبيعية وليس عن النشاط البشري، واستياؤهم من الخطاب العام حول تغير المناخ والتدابير المتخذة بشأنه.

  • يميل الأشخاص إلى ربط الواقع بالتجارب الشخصية، لذا فإن مواقفنا بشأن تغير المناخ تتعلق بتجاربنا مع موجات الحر والفيضانات غير المسبوقة وغيرها من الظواهر المتطرفة. فالأمر أشبه بـ “متلازمة الضفدع المغلي“، فنحن نميل إلى أن نكون أقل وعياً بالتغيرات الصغيرة التي تحدث تدريجياً مع مرور الوقت، على سبيل المثال، عندما يتجه الإعصار نحو المناطق الساحلية وتُصدر الحكومة أمراً بالإخلاء فقد لا يستجيب بعض السكان لمجرد أن منزلهم يقع على أرضية مرتفعة قليلاً أو لاعتقادهم أن نوافذ المنزل قادرة على مواجهة العاصفة. أيضاً إذا كنا نشهد تغيراً بسيطاً في درجات الحرارة اليومية، فقد يكون من الصعب على البعض تقبّل تحذير علماء المناخ من الكارثة التي تسببها الزيادة المتوقعة للحرارة بمقدار بضع درجات فقط.
  • على الرغم من اعتقاد البشر على نحوٍ متزايد أن تغير المناخ أصبح حقيقة واقعية، لا يقبلون فكرة أنه “ظاهرة من صنع الإنسان”. بحسب مقابلات معمقة أجراها مركز بيو للأبحاث (Pwe) مع 32 شخصاً بالغاً في الولايات المتحدة، فإن أقل من نصف الأميركيين يرفضون اعتبار البشر مسهمين رئيسيين في تغير المناخ، أو يرون أن معالجة هذه القضية ليست مهمة جداً، وتفسيرهم لذلك بأن تغير المناخ جزء طبيعي من دورة حياة الكوكب ولا يستطيع البشر السيطرة عليها. فمسألة التغير المناخي الناتج عن النشاط البشري لم تُحسم علمياً، ما جعلها استراتيجية تضليل متعمدة تموّلها صناعة الوقود الأحفوري منذ عقود مضت.
  • يمثل تغير المناخ مشكلة معقدة، بل يمكن القول إنها أكبر المشاكل على الإطلاق، ما يجعل العمل الفردي يبدو دون جدوى على الإطلاق، ففي حين يمكننا أداء دور صغير بوصفنا مستهلكين مثل تقليل استهلاك الطاقة، والحد من النفايات؛ فإن التغيير الجوهري يجب أن يأتي من الصناعات التي تعتمد على الوقود الأحفوري.
  • إن اللغة التي تصف المناخ بأزمة أو حالة طارئة تثير الشكوك لدى العديد من الأشخاص في حقيقة الواقع المناخي، إذ رفض الأشخاص المشاركين في مقابلات مركز بيو للأبحاث اعتبار وسائل الإعلام الإخبارية الوطنية مصدراً موثوقاً للمعلومات المناخية لأنها تقدم معلومات تخدم أجنداتهم الخاصة، في المقابل كانوا منفتحين أكثر على آراء العلماء التي تستند إلى بيانات واقعية بشأن تغير المناخ.

ومن جهة أخرى، قد لا يتعدى شعور بعض الأشخاص تجاه تغير المناخ مستوى القلق، نظراً للأولويات الأخرى التي تشغلهم، مثل الاقتصاد والصحة والشؤون المالية الشخصية. هذه الفجوة بين خطاب المناخ ومعتقدات الأشخاص وتجاربهم وأولوياتهم أدت إلى إثارة الشك حول دوافع منح تغير المناخ صفة أزمة أو حالة طارئة.

إذاً ما الحل؟ يمكن البحث عن سرد بديل مختلف وواضح يساعد على الحد من خطورة المناخ وضمان التصدي له بفعالية، ويدفع الأشخاص إلى الانخراط في ممارسات جادة وأنماط حياة تساعد على إبقاء الحرارة ضمن معدل 1.5 درجة مئوية، ومواءمة الحلول المناخية مع القضايا ذات الأولوية للناس وفي مقدمتها الاستقرار المالي، والرفاهية الشخصية.