يعد التصحر وتدهور الأراضي من القضايا البيئية الملحة في الشرق الأوسط، إذ أديا إلى فقدان مساحة كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة، وعرقلة الإنتاج الزراعي، وزيادة التأثيرات السلبية للظروف الجوية القاسية. ويمثل اعتماد الطاقة المتجددة حلاً محتملاً لهذه التحديات، وقد نما بصورة ملحوظة في السنوات الأخيرة، فوفقاً لشركة موردور إنتليجانس (Mordor Intelligence)، من المتوقع أن يبلغ معدل النمو السنوي المركب لسوق الطاقة المتجددة نحو 14% خلال الفترة بين عامي 2025 و2030 .
تتعمق هذه المقالة في إمكانات مشروعات الطاقة المتجددة للحد من التصحر وتدهور الأراضي في الشرق الأوسط، وتناقش دور الطاقة الشمسية في تشغيل أنظمة الري، ونستكشف حلول الطاقة المتجددة الأخرى التي يمكن أن تسهم في الحفاظ على البيئة في المنطقة.
الطاقة الشمسية وأنظمة الري
يمثل تشغيل أنظمة الري واحداً من أهم تطبيقات الطاقة الشمسية في مكافحة التصحر وأكثرها موثوقية، إذ لا غنى عن إدارة المياه بكفاءة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة للحفاظ على رطوبة التربة وتعزيز نمو النباتات. وتقدم أنظمة الري التي تعمل بالطاقة الشمسية حلاً عملياً وفعالاً، حيث تعزز كفاءة استخدام المياه بدرجة كبيرة وتؤمن إمدادات مياه موثوقة للزراعة. يمكن للمضخات التي تعمل بالطاقة الشمسية سحب المياه من مخازنها الجوفية، ما يدعم نمو النباتات في المناطق القاحلة، ويشكل هذا التطبيق الملموس للطاقة الشمسية مثالاً واضحاً على دور الطاقة المتجددة المباشر في الحفاظ على البيئة، ما يطمئننا بشأن جدوى هذه الحلول وفعاليتها.
ولنتأمل على سبيل المثال مشروع نور للطاقة الشمسية في المغرب، فهذا المشروع لا يمثل بارقة أمل فحسب، بل إنه يبرز التكامل الناجح للطاقة الشمسية مع الممارسات الزراعية، وهو أيضاً شهادة على القوة التحويلية للطاقة المتجددة. يعد هذا المجمع الشمسي الضخم واحداً من أكبر المجمعات الشمسية في العالم، وهو يولد قدراً كبيراً من الطاقة المتجددة ويعزز الزراعة المحلية، وقد حال إدراج المضخات التي تعمل بالطاقة الشمسية وتوفر الري للأراضي الزراعية المحيطة دون تدهور الأراضي، وأدى أيضاً إلى تحسين سبل عيش المزارعين المحليين. وهناك مشروع آخر في الأردن يسمى مشروع غابة الصحراء يستخدم الطاقة الشمسية لتحلية مياه البحر، التي تستخدم بعد ذلك لري المحاصيل وإعادة تشجير المناطق الصحراوية. ومن خلال هذا المشروع، نرى كيف يسمح لنا الجمع بين الطاقة المتجددة والتقنيات الزراعية المبتكرة باستصلاح الأراضي المتدهورة، ويوضح هذا المثال الواقعي تماماً إمكانات الطاقة المتجددة في مكافحة التصحر وتدهور الأراضي.
تحسين خصوبة الأراضي
لا تساعد الطاقة المتجددة على منع تدهور الأراضي فحسب، بل إنها تعمل أيضاً على تحسين خصوبتها. ويمكن لمشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أن تخلق ظروفاً تساعد على نمو النباتات وإعادة تأهيل التربة. تعمل مشاريع الطاقة المتجددة على إثراء المادة العضوية في التربة وتحسين جودة الأراضي من خلال توفير مصادر طاقة موثوقة للممارسات الزراعية المستدامة وقد استثمرت دولة الإمارات العربية المتحدة بصورة كبيرة في مبادرات الزراعة المستدامة التي تعمل بالطاقة المتجددة، ويستخدم المركز الدولي للزراعة الملحية في دبي الطاقة الشمسية لتشغيل عملياته البحثية والزراعية، وهو يركز على تطوير المحاصيل المقاومة للملوحة وتقنيات الري المبتكرة التي تعزز خصوبة التربة وتكافح التصحر.
دعم مشاريع إعادة التحريج
تعد إعادة التحريج استراتيجية أخرى بالغة الأهمية في مكافحة التصحر، وثمة دور حيوي للطاقة المتجددة في دعمها. يمكن للطاقة الشمسية تشغيل محطات تحلية المياه، وتوفير المياه العذبة لزراعة الأشجار وصيانتها في المناطق القاحلة. تعمل محطة نور أبو ظبي للطاقة الشمسية في الإمارات العربية المتحدة، وهي أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم، على تشغيل عمليات تحلية المياه، ما يضمن إمدادات موثوقة من المياه للزراعة ويساعد على استصلاح الأراضي المتدهورة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للطاقة المتجددة توفير الطاقة اللازمة للمشاتل وأنظمة الري المستخدمة في مشاريع إعادة التحريج. على سبيل المثال، أطلقت مدينة نيوم في المملكة العربية السعودية أيضاً مبادرة خضراء جديدة لزراعة 100 مليون شجرة وشجيرة وحشائش محلية، وتخطط المدينة لتعزيز الغطاء النباتي في جميع أنحاء منطقتها من خلال استصلاح ما لا يقل عن 1.5 مليون هكتار من الأراضي بالشراكة مع المركز الوطني للغطاء النباتي ومكافحة التصحر، وبالتالي دعم مبادرة السعودية الخضراء. وعلى نحو مماثل، تعد مبادرة الجدار الأخضر العظيم مشروعاً طموحاً لاستصلاح 100 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة في مختلف أنحاء إفريقيا، بما فيها أجزاء من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
استصلاح الأراضي باستخدام طاقة الرياح
تعد طاقة الرياح من مصادر الطاقة المتجددة الوفيرة في الشرق الأوسط، ويمكن أن تسهم في جهود استصلاح الأراضي. تشغل مزارع الرياح مساحة صغيرة نسبياً من الأراضي، ما يسمح بإنتاج الطاقة وممارسة الأنشطة الزراعية في آن معاً. وعلاوة على ذلك، يمكن للبنية التحتية لمزارع الرياح أن تدعم تقنيات الحفاظ على التربة. توضح مزرعة الرياح في الطفيلة في الأردن، وهي أول مشروع تجاري لطاقة الرياح على نطاق المرافق في البلاد، كيف يمكن للطاقة المتجددة دعم استصلاح الأراضي، إذ ساعد المشروع على تثبيت التربة والحد من التآكل في المناطق المحيطة. بالإضافة إلى ذلك، أدى وجود توربينات الرياح إلى خلق مناطق مناخية مصغرة يمكن أن تفيد الزراعة المحلية من خلال توفير الظل وتقليل شدة الرياح على مستوى الأرض.
إنتاج الأسمدة المستدامة
يمكن استخدام الطاقة المتجددة لإنتاج الأمونيا الخضراء، وهو سماد مستدام يحسّن خصوبة التربة دون أن يكون له الأثر البيئي السلبي للأسمدة التقليدية. على سبيل المثال، تستثمر دولة الإمارات العربية المتحدة في مرافق إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، التي يمكن أن توفر أسمدة مستدامة لتحسين صحة التربة في المناطق الزراعية. دخلت شركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر) وشركة الوقود والمواد الكيميائية النمساوية، أو إم في (OMV)، في اتفاقية أولية للتعاون في إنتاج الهيدروجين الأخضر لإزالة الكربون من العمليات الصناعية في مصافي أو إم في، وتهدف الشراكة إلى تطوير منشأة لإنتاج الهيدروجين الأخضر قادرة على المنافسة عالمياً من حيث التكلفة في دولة الإمارات العربية المتحدة، بسعة تصل إلى 200 ميغا واط لدعم إنتاج الأمونيا الخضراء.
تؤدي الطاقة المتجددة دوراً محورياً في مكافحة التصحر وتدهور الأراضي في الشرق الأوسط، إذ توفر مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح حلول الطاقة المستدامة، وتدعم مبادرات استصلاح الأراضي، وتحسّن خصوبة التربة وتسهل تنفيذ تقنيات الحفاظ عليها. ومع استثمار المنطقة في الطاقة المتجددة، سيستمر نمو الآثار الإيجابية على البيئة والمجتمعات المحلية، ما يمهد الطريق لمستقبل أكثر استدامة ومرونة.