كفاءة الطاقة في مباني دول الخليج: مفتاح لتحقيق أهداف المناخ

4 دقيقة
كفاءة الطاقة في قطاع البناء
shutterstock.com/Andrii Yalanskyi

تشكل درجات الحرارة المرتفعة والنمو السريع في دول الخليج تحدياً حقيقياً للجهود الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ووفقاً للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، ارتفعت درجات الحرارة في الخليج بمعدل 1.5 إلى 2 درجة مئوية خلال آخر 50 عاماً، أي أعلى من المتوسط العالمي البالغ 1.1 درجة.

ويظهر تقرير إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة أن نسبة السكان الذين يعيشون في المناطق الحضرية في جميع دول الخليج تتجاوز 85 - 90%، مع تسجيل الإمارات وقطر أعلى نسبة. وعليه، يتوقع تقرير صادر عن البنك الدولي أن تصل الزيادة في درجات الحرارة بالخليج إلى 4 درجات بحلول عام 2100 إذا لم تتخذ إجراءات لخفض الانبعاثات.

تؤدي هذه الظروف المناخية الحارة إلى زيادة الاعتماد على أنظمة التبريد والإضاءة، ما يجعل كفاءة الطاقة في المباني أولوية قصوى.

واستعرض تقرير حديث بعنوان "كفاءة الطاقة في البيئة العمرانية بدول مجلس التعاون الخليجي لعام 2024"، أعده مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية "كابسارك" بمشاركة جامعة قطر، الفرص والتحديات التي تواجه الدول الأعضاء في سعيها لتحقيق التنمية المستدامة، وقدم توصيات عملية لتعزيز كفاءة استخدام الطاقة، بما يسهم في الحد من الانبعاثات الكربونية وتحقيق الاستدامة البيئية.

اتجاهات الاستهلاك والطلب على التبريد

على الصعيد العالمي، تسهم المباني بنحو 40% من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناتجة عن استهلاك الطاقة. لذلك، فإن تقليل الهدر في المنازل والمكاتب أمر ضروري لتحقيق أهداف المناخ، وتعزيز الأمن الطاقي، ودعم التنمية المستدامة.

وفي دول الخليج، يعد قطاع المباني من أكبر مستهلكي الطاقة، إذ يشير تقرير "كابسارك" إلى أن استهلاك الطاقة السكنية في دول الخليج قد تضاعف خلال العقود الماضية. على سبيل المثال، تضاعف استهلاك المنازل للطاقة في الكويت أكثر من ثلاث مرات، ويرجع ذلك إلى الاعتماد الكبير على أجهزة التكييف. في بعض الدول، تصل نسبة استهلاك الكهرباء إلى 90% من إجمالي استهلاك المنازل. وقد ساعدت بعض السياسات على خفض كثافة الطاقة (أي الطاقة المستخدمة لكل وحدة من الناتج الاقتصادي)، لكن الاستهلاك الكلي لا يزال في ارتفاع.

يظل التبريد هو العامل الأساسي، إذ تظهر الدراسات أن أجهزة تكييف الهواء تستهلك ما يصل إلى 70% من الاستهلاك السنوي للكهرباء في دول الخليج، ما يعني أن تحسين كفاءة التبريد في المباني يمكن أن يحقق وفورات كبيرة في الطاقة والانبعاثات.

تمثل كفاءة الطاقة، كما يذكر تقرير "كابسارك"، محفزاً رئيسياً للتنمية المستدامة، لأنها تقلل الانبعاثات وتخفض التكاليف. بعبارة أخرى، تساعد المباني الخضراء دول الخليج على تحقيق التزاماتها المناخية وبناء مستقبل مستدام.

تعمل دول الخليج على تطوير السياسات الوطنية الداعمة لكفاءة الطاقة، وتحفيز الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز البحوث والابتكار في مجال إدارة الطاقة.

ممارسات نحو كفاءة أعلى

بدأت دول الخليج بالفعل بتجربة حلول مبتكرة. على سبيل المثال، طورت دولة قطر كود البناء الأخضر الذي يفرض معايير صارمة على عمليات الإنشاء والتصميم الهندسي، لضمان تحقيق أعلى مستويات الكفاءة في استهلاك المياه والطاقة، كما تعتمد على البحث العلمي والابتكار في تطوير تقنيات جديدة لتحسين كفاءة الطاقة، حيث تؤدي الجامعات والمراكز البحثية في الدولة دوراً محورياً في هذا المجال، إذ تعمل جامعة قطر على أبحاث متقدمة في مجالات إدارة الطاقة، والتبريد المستدام وتقنيات العزل الحراري، لتحقيق الاستدامة البيئية بما يتماشى مع رؤية قطر الوطنية 2030.

وفي البحرين، جرى تزويد مركز التجارة العالمي بثلاث توربينات رياح مثبتة بين برجيه، تولد ما بين 11% و15% من استهلاك المبنى من الكهرباء. واعتمدت الإمارات النهج اللولبي الثلاثي للبناء المستدام الذي يتضمن التفاعل بين الحكومة والقطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية، واستفادت من هذا النهج في تنفيذ برنامج وطني لتحديث المباني الحكومية باستخدام تقنيات عالية الكفاءة، فضلاً عن تنظيم حملات توعوية شاملة في المدارس والمجتمعات لنشر ثقافة ترشيد الطاقة.

أما السعودية، فقد ركزت على معايير الاستدامة البيئية في مشاريعها الكبرى مثل نيوم، وتقود مبادرات خضراء تشجع على التشجير في منطقة الشرق الأوسط ككل. تؤكد هذه التجارب أن لكل دولة طريقها الخاص، لكنها تشترك في هدف مشترك: مبان أكثر كفاءة.

فوائد للمناخ والصحة والاقتصاد

يسهم تحسين كفاءة المباني إسهاماً مباشراً في تقليل الانبعاثات، خصوصاً أن التبريد يعتمد على الكهرباء، وكل كيلوواط يوفر يعني انبعاثاً أقل من محطات الكهرباء. كما يعزز أمن الطاقة، إذ يمكن للدول تصدير المزيد من النفط بدلاً من استخدامه محلياً. أما على مستوى الأفراد، فتخلق المنازل العالية الكفاءة بيئة مريحة وصحية، وتقلل من فواتير الكهرباء. وتوفر أعمال الكفاءة وظائف جديدة في مجالات البناء والهندسة والتكنولوجيا. باختصار، فإن كفاءة الطاقة تمثل استراتيجية ذكية توفر بيئة أنظف، واقتصاداً أقوى، ومدناً أكثر استدامة.

خطوات عملية لتحقيق أقصى استفادة من فرص كفاءة الطاقة

تمثل كفاءة الطاقة مساراً ذكياً يربط بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية وجودة الحياة، وللاستفادة من هذه الفرص، يمكن لحكومات الخليج اتخاذ خطوات عملية، منها:

  • تشديد كودات البناء من خلال وضع معايير أعلى للعزل والنوافذ وأنظمة التبريد في المباني الجديدة، وإلزام المباني القديمة بالتحديث. وتشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن معايير الأداء الدنيا ضرورية لتحقيق أهداف المناخ.
  • توفير التمويل والحوافز، مثل القروض المنخفضة الفائدة، أو الدعم من خلال شراكات حكومية وخاصة كما في الإمارات، بحيث يتمكن الأفراد والشركات من تحسين منازلهم ومبانيهم بسهولة.
  • رفع الوعي وبناء القدرات، من خلال إطلاق برامج تعليمية وحملات إعلامية لزيادة الوعي بأهمية ترشيد استهلاك الطاقة، وتشجيع الأفراد والمؤسسات على تبني ممارسات أكثر استدامة. كما يجب تدريب المهندسين والبنائين على أفضل الممارسات والمعايير.
  • اتباع أنظمة القياس الذكي، والتقنيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، التي تتيح تحسين إدارة الطاقة على نحو أكثر كفاءة ودقة، إذ يؤدي تطبيق تكنولوجيا المدن الذكية إلى تحسين مستويات السلامة وفرص العمل وتكلفة المعيشة والصحة، بنسبة تتراوح بين 10% و30%، وفقاً لتقرير صادر عن معهد ماكنزي العالمي.
  • تشجيع الاستثمار في البحث والتطوير لاستخدام تقنيات التبريد المناسبة للبيئة الخليجية.

كفاءة الطاقة في المباني من أكثر الطرق فعالية وأقلها تكلفة لتحقيق مستقبل أنظف لدول الخليج. كل منزل أو مكتب أكثر كفاءة يسهم في خفض الانبعاثات وتحسين جودة الحياة. وقد بدأت دول الخليج هذا المسار لكن الفرص لا تزال كبيرة. وكل كيلوواط يوفر يقرب المنطقة أكثر من أهدافها المناخية، ويضمن مستقبلاً أكثر استدامة وأماناً.

المحتوى محمي