الوجه الإنساني للتحول الطاقي: تحديات العدالة والإنصاف وحلولهما

4 دقيقة
الانتقال إلى الطاقة النظيفة
shutterstock.com/Teacher Photo

الانتقال إلى الطاقة النظيفة ضروري لمواجهة تغير المناخ، لكنه قد يؤدي إلى فقدان الوظائف وزيادة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية ما لم يدر بعدالة. ويعد نقص المهارات المرتبطة بالوظائف الخضراء، وقصور السياسات الاقتصادية التقليدية وإصلاحاتها، وأوضاع العمالة غير الرسمية وتحديات …

يعد ضمان العدالة والإنصاف للعمال والمجتمعات خلال مرحلة الانتقال إلى الطاقة النظيفة أحد أكثر تحديات القرن الحادي والعشرين إلحاحاً وتعقيداً. وعلى الرغم من أن التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة أمر ضروري للتخفيف من آثار تغير المناخ، يجب إدارته بطريقة تحمي سبل عيش العاملين في صناعات الوقود الأحفوري، وتعزز الوصول العادل إلى فوائد الطاقة النظيفة للجميع. ودون سياسات مدروسة وشاملة، قد يؤدي هذا الانتقال إلى تفاقم التفاوتات الاجتماعية والاضطرابات الاقتصادية. تستعرض هذه المقالة التحديات الرئيسية لضمان العدالة والمساواة في مرحلة الانتقال إلى الطاقة النظيفة، وتوضح الحلول الواعدة المستندة إلى أطر بحثية وسياسية حديثة.

تحول الطاقة بين الفرص والمخاطر

قد يحدث التحول السريع نحو اقتصاد عالمي منخفض الانبعاثات اضطراباً حاداً في سبل عيش العاملين ومجتمعاتهم، ما يفاقم أوجه عدم المساواة. فالتخلي عن قطاعات الفحم والنفط والغاز يهدد الوظائف في التعدين والحفر والصناعات الأخرى ذات الصلة، ما يعرض ملايين الأشخاص لخطر البطالة والتهميش الاقتصادي. وتقدر الوكالة الدولية للطاقة، فقدان نحو 5 ملايين وظيفة في مجال إنتاج الوقود الأحفوري بحلول عام 2030.

وعمل الباحثون شوفيك شاكرابورتي، وريزا دانيالز، وآلان شابيرو، ورافال هيفرون، وماورو بوشيتا، وأليسيو تيرزي من جامعات أبوظبي، وماساتشوستس، وكيب تاون، وتفتس، وكينت، وكامبردج، على دراسة بعنوان: "التغلب على 5 تحديات رئيسة لجعل التحول نحو الطاقة النظيفة تحولاً منصفاً للعمال"، تناولت أطر العدالة والإنصاف الخاصة بالعمال والمجتمعات خلال فترة الانتقال إلى الطاقة النظيفة. وبناءً على هذه الدراسة، يمكن تحديد مجموعة من التحديات لتحقيق الانتقال العادل في سوق العمل:

عدم توافق المهارات: في الوقت الذي يمكن أن يؤدي فيه التحول إلى خلق ما يزيد على 30 مليون وظيفة في مجالات الطاقة النظيفة والكفاءة والتكنولوجيات القليلة الانبعاثات بحلول عام 2030، تشير التحليلات الحديثة إلى أن العاملين في هذه القطاعات غالباً ما يواجهون فجوات في المهارات عند التحول إلى وظائف خضراء جديدة، وقد تتأثر مجتمعاتهم بانكماش الاقتصادات المحلية إذا لم تتطور الصناعات البديلة بسرعة كافية أو إذا كانت غير متاحة لهم.

تعميق الفجوة بين الدول: يمكن أن يؤدي تسارع وتيرة الانتقال في الطاقة على نطاق واسع إلى تعميق الفوارق بين الدول. إذ تواجه الدول ذات الدخل المنخفض التي تعتمد على الوقود الأحفوري مخاطر أعلى من الاضطرابات الاقتصادية بموارد أقل لمواجهة التحديات. وبالتالي، قد لا تجدي سياسات سوق العمل في الدول ذات الدخل المرتفع نفعاً في الاقتصادات النامية نظراً للاختلافات الاجتماعية والاقتصادية والتنظيمية.

ومن جهة أخرى، يمثل موضوع القدرة على تحمل تكلفة الطاقة والوصول إلى الطاقة النظيفة تحدياً محورياً للعدالة. وقد أظهرت الدراسات أن 75 مليون شخص ممن حصلوا حديثاً على الكهرباء معرضون لخطر فقدانها بسبب مشاكل القدرة على تحمل التكلفة، ما قد يجبرهم على العودة إلى مصادر طاقة أقل صحة وأكثر تلويثاً مثل الحطب. وهذا يهدد اعتبار الطاقة حقاً إنسانياً أساسياً، ويجعل الفئات المهمشة تتحمل العبء الأكبر.

إهمال القوى العاملة غير الرسمية: يواجه العمال غير الرسميين، الذين يشكلون أكثر من 60% من القوى العاملة العالمية -90% منها في البلدان المنخفضة الدخل- تحديات مثل نقص الحماية الاجتماعية وانخفاض الأجور، وسوء ظروف العمل، ومحدودية فرص الحصول على التعليم والتدريب، وتعرضهم للاستغلال.

عدم فعالية سياسات الإصلاح: تبين الدراسات أن العديد من سياسات الإصلاح تفشل في خلق فرص عمل دائمة أو تحفيز النمو الاقتصادي الطويل الأجل في المناطق المتعثرة، وفي الوقت نفسه، لم يبد معظم العمال رغبة في الانتقال. يبرز ذلك الحاجة إلى مناهج متعددة الأبعاد لإعطاء الأولوية لخلق فرص العمل المحلية من خلال سياسات صناعية استراتيجية، وتهيئة ظروف مواتية للصناعات الجديدة.

قيود الموارد المالية: تتطلب السياسات اللازمة لتأهيل العمال، وتعزيز الحماية الاجتماعية، والتنويع الاقتصادي، وتطوير البنية التحتية، تمويلات كبيرة. وعلى الرغم من أن الدول النامية غنية بالموارد الطبيعية، والقوة العاملة الشابة، فإن هذه الإمكانات لا تستثمر بالكامل، إذ تحتاج إلى أكثر من 300 مليار دولار سنوياً للتكيف مع تغير المناخ بحلول عام 2030. يتطلب ذلك تطبيق آليات التمويل المبتكرة، مثل أسواق الكربون، والشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتعزيز التعاون الدولي.

عدالة الانتقال الطاقي: من الشعار إلى التنفيذ

يعد الانتقال العادل والمنصف إلى الطاقة النظيفة واجباً أخلاقياً وضرورة عملية من أجل التنمية المستدامة، وفيما يلي خطوات تساعد الحكومات وصناع السياسات على تحقيق هذا الانتقال بفعالية:

  • وضع سياسات تعزز العمل اللائق، وتبني أطر الانتقال العادل التي تهدف صراحة إلى حماية العمال والمجتمعات المتأثرة بحلول مواجهة تغير المناخ.
  • تنظيم برامج إعادة التدريب وتطوير المهارات التي تستهدف العاملين في قطاعات الوقود الأحفوري، لتجهيزهم للوظائف في مجالات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والصناعات الخضراء الأخرى. ويجب أن تكون هذه البرامج متاحة ومخصصة لسد فجوات المهارات وتجاوز الحواجز الثقافية أمام الدخول.
  • تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي، بما في ذلك دعم الدخل والرعاية الصحية، لتجنب الهشاشة الاقتصادية خلال فترات فقدان الوظائف.
  • التركيز على المشاركة المجتمعية من خلال منح المجتمعات المحلية أدواراً فاعلة في التخطيط وإدارة مشروعات الطاقة. ويمكن أن تشمل آليات المشاركة إنشاء مجالس استشارية مجتمعية.
  • تعزيز التعاون الدولي في مجال تقديم الدعم المالي المستدام ونقل التكنولوجيا من الدول الغنية إلى الدول الضعيفة، إذ يمكن للتعاون المتعدد الأطراف أن يساعد في مواءمة الطموحات المناخية مع أهداف التنمية العادلة، وضمان توافر الموارد اللازمة للجميع للانتقال دون تفاقم الفقر أو البطالة.

يمكن تحقيق مستقبل للطاقة النظيفة لا يترك وراءه أي عامل أو مجتمع خلف الركب من خلال جهود منسقة ومتعمدة تجمع بين الحماية الاجتماعية، وتنويع الاقتصاد، وبناء القدرات. يسهم هذا الانتقال في بناء اقتصادات مرنة، وتمكين الفئات الضعيفة، وتسريع العمل المناخي العالمي لصالح الأجيال الحالية والمقبلة.

المحتوى محمي