تكافح العديد من الحركات للتخلي عن القصص الموقَّرة التي ترويها مراراً وتكراراً لتكسب مؤيدين لها، لكن التغيير يتطلب غالباً روايةً جديدةً. فمثلاً في عام 2012، استبدلت حركة المساواة في حقوق الزواج الأميركية رسائل "حقوق الإنسان الأساسية" المستخدمة منذ فترة طويلة برسائل تركز على الحب والأسرة، ما سمح للحركة بالتغلب على الانتكاسات وتغيير الأعراف والسلوكيات والتوقعات تغييراً جذرياً باتباع استراتيجيات الحملات الذكية. منذ ذلك الحين، تزايدت نسبة التأييد العام للمساواة في حقوق الزواج على نحو مطرد، من 37% في عام 2009 إلى 62% في عام 2017. ومنذ أن حكمت المحكمة العليا في عام 2015 لصالح المساواة في حقوق الزواج، أصبح القانون ساري المفعول بكل أنحاء البلاد.
يتطلب تغيير التوجهات والآراء، وبناء الإرادة العامة، وبالتالي التأثير في الإرادة السياسية والمشاركة القضائية في أية قضية، أن يتواصل المناصرون أولاً مع الناس من خلال اللغة والقصص المتجذرة في القيم التي نتشاركها بصدق. لكن في العموم، لطالما تمحورت الدعوة إلى الحد من التغير المناخي حول أهمية استقرار المناخ والتوجهات التي تتحدث عن ارتفاع درجات الحرارة (التي تكون مصحوبةً غالباً بصور الغطاء الجليدي والدب القطبي). تكرر الحركة عادةً فكرة أننا نواجه أزمة، وأن علينا التصرف بسرعة لتخفيض انبعاثات غاز ثنائي أوكسيد الكربون وغيره من الغازات الدفيئة. لكن مع أن كل هذه الحجج صحيحة، إلا أنها فشلت فشلاً ذريعاً في التحفيز على اتخاذ خطوات فردية أو إحداث تغيير واسع النطاق في الولايات المتحدة.
على سبيل المثال، بدأ بعض القادة والمجموعات بتطوير الروايات التقليدية التي تتناول التغير المناخي لتشمل الآثار الصحية ("التغير المناخي يضر بصحتنا")، لكن الرسائل الجديدة ما زالت تعتمد في كثير من الأحيان على تغيير مواقف الناس تجاه التغير المناخي بحد ذاته، أي بناء الإرادة العامة لدعم هذه القضية تمهيداً لتوجيه السياسات والقوانين لمعالجتها، وهذا لا يفلح. تظهر الاستطلاعات أنه على الرغم من تزايد عدد الأميركيين الذين يدركون أن التغير المناخي حقيقي، وأن الإنسان هو سببه، وأنه يؤثر في المجتمعات مباشرةً، فإننا لم نعط بعد الأولوية الكافية لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بمعالجة هذه القضية. استثمرنا لأكثر من عقد خلال فترة صعود التقدميين والمحافظين، في المناصرة والتسويق لدق ناقوس الخطر في مسألة التغير المناخي، لكن ذلك يفلح بعد في حشد الإرادة السياسية أو العامة في هذا الخصوص في الولايات المتحدة. في الواقع، لا يزال الخوض في هذه القضية موضوعاً سياسياً شائكاً، حتى بالنسبة للأشخاص الذين يعتقدون أن علينا التحرك الآن.
يجدر بنا أن نسأل إذاً: هل نرتكب خطأً فادحاً في الحديث عن التغير المناخي؟ هل حان وقت التخلي عن النهج التقليدي في تناول التغير المناخي وابتكار آخر يركز على القيم المشتركة؟ نعتقد أن الإجابة على كلا السؤالين هي نعم، ونقطة الانطلاق الطبيعية هي التركيز على منافع الموارد النظيفة من الهواء والماء والأرض على الصحة.
التغيير يلوح في الأفق
الآثار الصحية للتغير المناخي واضحة وجلية، فمع تدني جودة الهواء والماء، وحدوث الكوارث الطبيعية، واشتداد الحرارة، واندلاع حرائق الغابات يصير البشر معرضين أكثر للأمراض والأوبئة والموت. أعلنت مجلة "لانسيت" (Lancet) الطبية في عام 2009 أن التغير المناخي هو أكبر تهديد صحي عالمي في القرن الحادي والعشرين، وأصدرت تقريراً في نوفمبر/تشرين الثاني يبين كيف يمتد تأثير التغير المناخي في صحة الشعوب لعدة قرون مقبلة. وقد أكد هذه النتائج على الصعيد المحلي تقرير "تقييم المناخ الوطني الأميركي" لعام 2018، الذي أشار إلى الآثار المترابطة للتغير المناخي على الاقتصاد والموارد الطبيعية وصحة الناس في الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، تُولي المنظمة الأميركية للصحة العامة (American Public Health Association) الأولوية لهذه القضية نيابةً عن قطاع الصحة العامة في البلاد، وقد أعلنت مؤخراً عن إطلاق مركز جديد معني بالمناخ والصحة والإنصاف.
في القطاع الصحي، تسهم الأدبيات الطبية وجهود منظمة الصحة العالمية المثيرة للاهتمام وغيرها في توجيه التركيز نحو الهواء النظيف تحديداً. على سبيل المثال، خلال منتدى المناخ والصحة العالمي (Global Climate and Health Forum) الذي أقيم العام الماضي، ردد الجميع يرددون مصطلح "تلوث الهواء"، ومن ضمنهم هوارد فرومكين ممثل صندوق ويلكم (Wellcome Trust)، الذي قال: "قبل خمس سنوات في اجتماع حول المناخ والصحة، لم نكن نسمع كثيراً أحاديث عن تلوث الهواء، أما اليوم فقد صار قضية بارزةً جداً تعزز حواراتنا حول التغير المناخي". وقد لاحظ هو وآخرون أن تلوث الهواء جليّ لصناع السياسات والناس، لأنه ملموس ويحدث في الوقت الحالي، وآثاره على صحة الإنسان مباشرة ويمكن تمييزها.
كما يمثل تلوث الهواء أيضا قضية بارزة للعاملين في مجال الصحة، إذ تشدد الأدبيات الطبية المستقلة على الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات بشأنه الأمر الذي قد يعزز التركيز المستجد على هذه المسألة. عزت دراسة أجريت عام 2013 في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (بناءً على بيانات جُمعَت عام 2005) 200 ألف حالة وفاة مبكرة في الولايات المتحدة سنوياً إلى تدني جودة الهواء. كما تكشف الدراسات عن آثار ضارة أخرى، مثل التهاب الشعب الهوائية المزمن والربو، وأمراض القلب والشرايين، والالتهابات الجهازية، وضعف التطور المعرفي ووظيفة الذاكرة، والفشل الكلوي، بالإضافة إلى سرطانات الجهاز الهضمي والكبد والرئة والكلية. (اطلع على موجز منظمة الصحة العالمية هنا). قد تؤدي هذه الظروف أيضاً إلى التغيب عن المدارس وأماكن العمل، وتفاقم احتياجات الرعاية الصحية وتكاليفها، وتؤثر في رفاهتنا ومرونتنا النفسية، على المستوى الفردي والمجتمعي والوطني. آثار تلوق الهواء أسوأ بكثير على من يعيشون قرب مصادره التي تتوزع على نحو غير متناسب قرب المجتمعات التي تعاني تفاوتات أصلاً، ومن ثم، تعمل منظمة الصحة العالمية على توحيد الجهود وتغيير سلوكياتها وسياساتها عالمياً ومحلياً ببراعة، لمعالجة أوجه الظلم الصحي التي يفرضها تلوث الهواء.
يمثل التركيز على جودة الهواء هو أحد نماذج التركيز على الصحة التي قد تكون حافزاً مقنعاً لمعالجة التغير المناخي دون الاضطرار إلى ذكر مصطلحات "المناخ". على سبيل المثال، قد تستلزم طريقة التعريف بقضية جودة الهواء إطلاق دعوات لاتخاذ إجراءات تسهم في إنهاء مشاريع الوقود الأحفوري الجديدة وتبعد النظم الاقتصادية عن الفحم والنفط والغاز الطبيعي. محلياً، يمكن للاستراتيجيات والرسائل المصممة للحث على السياسات والإجراءات التي تهدف إلى تنظيف الهواء أن تساعد من خلال ما يلي: مراعاة اللوائح الشاملة في "قانون الهواء النظيف" ومعايير تخفيض الجسيمات التي يقل قطرها عن 2.5 ميكرون، وإلزام الدولة بتوفير طاقة نظيفة ومتجددة بنسبة 100% للجميع، وخلق الفرص ورأس المال السياسي لتطوير خطة جديدة لتوليد لطاقة النظيفة، وتصحيح معايير الانبعاثات، وتحفيز السياسات الأخرى العالية التأثير التي تبدو مستحيلةً اليوم، لكن بإمكانها أن تحشد الإرادة العامة خلفها في غضون عامين.
أدلة مبدئية واعدة
يَعِد هذا النهج بمستقبل مشرق بوصفه آلية لتحفيز اتخاذ خطوات عبر بوابة الطاقة النظيفة. لطالما ركزت رسائل الطاقة النظيفة على التغير المناخي فكانت كما يلي: "درجة حرارة الأرض ترتفع ونحتاج إلى التصرف حيال ذلك، ويمكن للطاقة النظيفة أن تساعد في هذا الخصوص"، أما الآن فقد جاءت حملة "جاهزون لمائة حملة" (Ready for 100 Campaign) التابعة لمؤسسة سييرا كلوب (Sierra Club) بالولايات المتحدة، لتقدم رسالة بديلة مفادها أن تلوث الهواء الناتج عن الوقود الأحفوري يهدد صحتنا، وتوضح كيف يمكن للطاقة النظيفة أن تساعدنا على تحسينها وتهيئة عالم أفضل لأطفالنا، وإنقاذ أرواح الناس.
استندت الحملة إلى استقصاء وطني مسجل الملكية أجري في عام 2015، أشار إلى أن قيم الأميركيين حول الصحة وجودة الحياة، خاصةً للأجيال القادمة، تحفز دعم الطاقة النظيفة. منح المستجيبون عموماً حماية جودة الهواء والماء أولوية أعلى من مكافحة التغير المناخي، ومثلت الرسائل الصحية حول الحد من التلوث أفضل سبب بالنسبة إليهم لدعم أهداف الطاقة النظيفة. سلط بحث مؤسسة سييرا كلوب الضوء على فرصة لضم مؤيدين جدد للطاقة النظيفة (غير النشطاء في إطار التغير المناخي) من خلال رسائل مرتبطة مباشرة بقيمهم، وتحديداً قيمهم الصحية.
خلال عامين فقط، ألهمت الحملة بالفعل 100 مدينة، و10 مقاطعات وولايتين (هاواي وكاليفورنيا) لتتعهد بالتحول إلى طاقة نظيفة ومتجددة بنسبة 100%.
فرص ينبغي اغتنامها
بالنظر إلى ما ذكرناه، هل حان الوقت لأن يؤلف مناصرو التغير المناخي سردية مشتركةً تلامس قيم الناس أكثر وترتقي بالصحة العامة، وبأسلوب ينجح في جميع المجالات؟ كيف يمكننا ربط الصحة ربطاً كاملاً بقيم أخرى، مثل الأمن الاقتصادي، والتنمية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، والبيئة والاستدامة، والاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، وخلق فرص العمل، والانتقالات العادلة لأولئك الذين تعتمد سبل عيشهم على قطاع الوقود الأحفوري؟
خلال سعينا للإجابة عن هذه الأسئلة، علينا أن نبحث عن طريقة لتعزيز تعاون فعال أكثر، وتقليل تكرار المساعي، وتعزيز المفاهيم المحورية، ومشاركة الموارد (من خلال توحيد التمويل والموارد والأدوات) والحشد والتنسيق بين مختلف المجالات والحركات، وإعادة تصور المشاركة المجتمعية من خلال القيادة مع حب الاستطلاع ودعوة الناس للتحدث عن هذه القضايا ضمن إطار تجاربهم وتجارب أحبائهم. معاً، يمكننا تشجيع تطبيق السياسات والإجراءات التي نسعى إليها،
وإذا اتحد الذين يعملون من أجل الحد من التغير المناخي لتحويل الصحة إلى أولوية وطنية، وتوقفوا عن النظر إلى التغير المناخي بوصفه موضوعاً شائكاً، سيصبح لدينا نموذج توجيهي لكيفية تحقيق تغييرات أوسع في السرديات والإجراءات، وقوة هائلة محتملة تحقق التغيير الإيجابي في مجتمعاتنا.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.