عندما رُزق الزوجان "سعيد" و"حياة" ابنتهما "أمل"، كانا على أهبة الاستعداد للتضحية بكل نفيس، على الرغم من عدم امتلاكهما الكثير، من أجل الحفاظ على ابتسامتها مشرقة يومياً؛ وبعد يوم دراسي ليس شاقاً، وقعت "أمل" طريحة الفراش. لم يكن قلبها الصغير الذي يكاد يبلغ حجم قبضة يدها ينبض بطريقة صحيحة. ودون النقود الكافية، تجردت حياة والديها من السعادة والبهجة.
لا تعتبر "أمل" الحالة الوحيدة التي تعاني من مشاكل في القلب وأحوال مادية غير عادلة تهدد حياتها، ففي الوقت الذي عانى العالم بأسره من فيروس "كوفيد-19"، لم يكن الفيروس هو التهديد الأبرز لحياة البشر، بل اعتبرت "الصحة العالمية" في تقرير لها أُصدر في يونيو/ حزيران عام 2021، أن أمراض القلب والأوعية الدموية تعد السبب الرئيس للوفاة على مستوى العالم، حيث توفي ما يقدر بنحو 17.9 مليون شخص بسبب الأمراض القلبية الوعائية في عام 2019، وهو ما يمثل 32% من إجمالي الوفيات العالمية، علماً أن 85% من هذه الوفيات كانت بسبب النوبات القلبية والسكتات الدماغية. وتحدث أكثر من ثلاثة أرباع وفيات الأمراض القلبية الوعائية في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
الجمعيات المعنية بدعم مرضى القلب
تعكف العديد من المؤسسات غير الربحية والجمعيات الخيرية على النهوض بالرعاية الصحية لمرضى القلب على وجه الخصوص، فهناك من يقدم تمويل الأبحاث الحيوية في أمراض القلب، أو يعملة على التأكد من وصول الرعاية الطبية للقلب إلى كل طفل مصاب بالمرض، أو توفير الدعم العاطفي للمرضى، فهذه الجمعيات باتت تعمل على مكافحة المرض ووضع خطة للعمل، واستقطاب المساهمات من أجل الحفاظ على صحة كل إنسان؛ لأن الدواء من حقوقه الأساسية.
لم تظهر الجمعيات الخيرية المعنية بدعم مرضى القلب على مستوى العالم، خلال السنوات الماضية فقط، بل هناك الكثير منها الذي أُسس خلال الفترة من عشرينيات إلى تسعينيات القرن الماضي، على سبيل المثال، تعمل "جمعية القلب الأميركية" (American Heart Association)، وهي أكبر مؤسسة تطوعية في الولايات المتحدة مكرسة لمكافحة أمراض القلب والسكتة الدماغية، منذ تأسيسها في عام 1924، على البحث العلمي لإيجاد علاج لأمراض القلب والأوعية الدموية. كما أنها تزود العلماء بتكنولوجيات الحوسبة السحابية ومساحات عمل مجهزة بأحدث الأدوات التحليلية. وبالفعل أثمرت جهودها في الاستثمار بنحو 5 مليارات دولار في أبحاث أمراض القلب والسكتة الدماغية. وقد أدى ذلك إلى انخفاض الوفيات الناجمة عن السكتات الدماغية بنسبة 13.6%، وبنسبة 15.1% في الوفيات الناجمة عن أمراض القلب. كما تدرب المؤسسة الخيرية 22 مليون شخص على تكنولوجيات الإنعاش القلبي الرئوي كل عام.
وأنشأت مؤسسة "شبكة وصول المرضى" (The Patient Access Network) صندوقاً لمساعدة مرضى الرعاية الطبية الذين يعالجون من قصور القلب، إذ تساعدهم في تلقي ما يصل إلى 1,500 دولار سنوياً؛ للمساعدة في تغطية التكاليف الشخصية المرتبطة بأدوية قصور القلب الموصوفة لهم.
لكن، تعتمد العديد من المؤسسات الخيرية الطبية على التبرعات كسائر المؤسسات غير الربحية، لذلك فإن الأمر يحتاج إلى خطة مدروسة للنهوض بالرعاية الطبية الخيرية.
مؤسسة مجدي يعقوب للقلب
"الأطفال تستحق الحياة"، هذه الجملة التي يشير إليها فريق مؤسسة "مجدي يعقوب للقلب" دائماً، عند تقديم العلاج إلى طفل يعاني من المرض، ولا يستطيع التعبير عن القصور في قلبه. فرحلة الطبيب "مجدي يعقوب"، لم تبدأ من الشغف المهني، بل من المعاناة أيضاً، بعدما فقد عمته بسبب المرض.
تعد مصر في صدارة دول العالم التي تعاني من أمراض القلب، وذلك في الوقت الذي تصيب المصريين في سن مبكرة، حيث شملت دراسة نُشرت في "المجلة الأوروبية للقلب" بعنوان: "انتشار عوامل خطر تصلب الشرايين عند المصريين المصابين بمتلازمة الشريان التاجي الحادة" (Prevalence of atherosclerosis risk factors in Egyptian patients with acute coronary syndromes; final data of the nationwide cross-sectional CardioRisk project)، نحو 3244 من مرضى القلب، وأظهرت أن الغالبية العظمى من المصابين بالنوبات القلبية من الذكور بنسبة 74%، وكانت الفئة العمرية الأكثر انتشاراً للنوبات القلبية فيها بنسبة 37% من إجمالي المشاركين في الدراسة.
لهذا، تعمل المؤسسات الخيرية للقلب على دعم المرضى، خاصة صغار السن من أجل توفير العلاج لهم. كما أسس الطبيب "مجدي يعقوب" بالتعاون مع "أحمد زويل" والسفير "محمد شاكر"، مؤسسة أمراض وأبحاث القلب، وهي مؤسسة خيرية غير حكومية مسجلة في مصر، عام 2008، حيث تدير حالياً "مركز أسوان للقلب"، الذي يعتمد بالكامل على التبرعات. ونظراً للضغط القائم على المركز، فقد تقرر البدء في إنشاء مركز مجدي يعقوب العالمي للقلب في القاهرة؛ وذلك لتلبية احتياج الفئات الأكثر احتياجاً الشديد والمتزايد لعلاج الأمراض القلبية.
الالتزام بتوفير العلاج المجاني
التزمت مؤسسة مجدي يعقوب لأمراض وأبحاث القلب بتوفير علاج متطور وعالي الجودة للفئات المحرومة والأقل حظاً، وتواصل العمل على الالتزام بهدفها عن طريق مركز مجدي يعقوب العالمي للقلب بالقاهرة، الذي يؤسس من أجل تقديم نموذج مميز عالمياً في علاج القلب بالمجان بالكامل، وبالتالي تحسين مستوى الرعاية الطبية المقدمة للأطفال والشباب والكبار في المنطقة بأكملها، على أمل إنقاذ أكبر عدد ممكن من القلوب المريضة وعلاج أكبر عدد من الحالات المعقدة، إلى جانب تقديم التدريب وإجراء البحوث الرائدة التي ستفيد الأجيال المقبلة.
ومن المقرر أن تصل طاقة المركز الاستيعابية إلى 120 ألف مريض على يخصص 60% من أصل 12 ألف عملية جراحية سنوياً للأطفال، كما يوفر التدريب الطبي العملي لآلاف الأطباء والجراحين.
دعم للرؤية
لاقت فكرة المركز، استحساناً كبيراً بين الشركات المسؤولة اجتماعياً والمبادرات الخيرية، فقد عقدت شركة "هايد بارك" (Hyde Park) للتطوير العقاري، شراكة مع مؤسسة مجدي يعقوب لأمراض وأبحاث القلب، من خلال التبرع بنحو 1.56 مليون جنيه لدعم تقديم العلاج المجاني للفئات المحرومة، إلى جانب تطوير الأبحاث في مجال العلوم الأساسية والتطبيقية والعلوم الطبية الحيوية، كما تستفاد المؤسسة من هذه الشراكة في تدريب كوادر علمية وطبية وتمريضية شابة على أعلى المستويات الطبية الدولية.
وللعام الثاني على التوالي، جددت المؤسسة شراكتها مع شركة "كارفور مصر"، إحدى شركات "ماجد الفطيم"، فيما ساهمت مؤسسة "القلب الكبير" المعنية بدعم ودعم اللاجئين والمحتاجين حول العالم، والتي تتخذ من الشارقة مقراً لها، بأربعة ملايين دولار أمريكي في مركز مجدي يعقوب العالمى للقلب، وذلك في عام 2020. أما شركة "طلبات" لتوصيل الطعام والتجارة الإلكترونية السريعة في مصر، فقد وقعت شراكة مع مؤسسة مجدي يعقوب لأمراض وأبحاث القلب، في إبريل، آيار عام 2022، لدعم صحة أطفال وشباب المجتمع المصري؛ حيث تتيح هذه الشراكة تسهيل عملية التبرع للمؤسسة من خلال منصتها.
سواء عن طريق التبرع المباشر، أو الشراكات مع مجموعة من المؤسسات الخيرية أو الشركات التي تؤمن بأهمية توفير العلاج المجاني لمرضى القلب، تسعى مؤسسة "مجدي يعقوب" إلى علاج أكثر من 100 ألف مريض.
نشير إلى قلوبنا عندما نتحدث عن الحب والاهتمام. لكن في الحياة اليومية، غالباً لا نفكر في قلوبنا حتى ندرك أنها قد تكون هناك مشكلة بالفعل. الحقيقة هي أن الآن هو الوقت المناسب لمعرفة المزيد حول كيفية الحفاظ على صحة القلوب من حولك، ومنع المشاكل في المستقبل، وهناك العديد من المؤسسات الخيرية العربية الفاعلة التي تلتزم بمواجهة تحدي أمراض القلب والدم من خلال التطوع والتبرعات التي تقود الطريق نحو مستقبل أكثر صحة للقلب للجميع.