كيف بالإمكان دمج رفاه الفرد مع الأنظمة البيئية؟

البيئة المتكاملة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كيف لغرس رؤية عالمية بيئية مبنية على القيم المساعدة في إرساء أسس العمل الجماعي لتحقيق رفاه أكبر للأفراد والمجتمعات والأنظمة التي نعيش فيها.

في إطار الجوانب الاقتصادية للسوق والمجتمعات المفككة التي تنتج عنه غالباً، قد يبدو الرفاه مسعىً فردياً. ومع ذلك، كما توضح المقالات في سلسلة “مَحوَرة الذات: الرابط بين الرفاه الداخلي والتغيير الاجتماعي“، بدأنا ندرك أن الأمر ليس كذلك. يؤدي دعم الرفاه الداخلي لصناع التغيير إلى تعزيز قدرتهم على الابتكار والتعاون. ويشجع الرفاه المؤسسي على تعزيز مرونة الموظفين ويفضي إلى حلول أكثر فعالية للتحديات الاجتماعية والبيئية. ويعزز تحديد الصدمات المتناقلة بين الأجيال ومعالجتها صحة الفرد والمجتمع. ويدعم توسيع مفهومنا للنمو الاقتصادي ليشمل الرفاه الجماعي والاستدامة البيئية، التغيير الواسع النطاق على مستوى الأنظمة. في الواقع، لا يمكننا عزل أنفسنا بسهولة عن هذا العالم المتشابك، ولا يمكننا فصل أنظمتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية عن البيئات الأعم التي توجد فيها.

تلخص تعاليم صانعي السلام هذا المفهوم، مثل مارتن لوثر كينغ جونيور، الذي اشتهر بمقولته: “الظلم في أي مكان يهدد العدالة في كل مكان”. بالتعمق في هذه الرؤية أكثر، نرى أنها تعبر عن حساسية بيئية، وفقاً لما استشفه الكاتب والمتحدث درو ديلينجر من فلسفة “مارتن”. يسأل درو: “هل من الممكن أن يساعد استرجاع الأبعاد البيئية والكونية لرؤية “مارتن” في إلهام مساعينا الحالية لربط القضايا، والجمع بين البيئة والعدالة الاجتماعية، وبناء ثقافة مستقبل زاهر؟”.

هنا تكمن فائدة مفهوم “البيئة المتكاملة”. وكما لاحظ أستاذ الرياضيات ديف بروت، فإننا نواجه مشاكل اجتماعية عميقة بعضها مرتبط ببعض:

يبدأ مفهوم البيئة المتكاملة بإدراكنا أن البشرية تواجه الآن أزمات وجودية على جبهات متعددة: التفاوت الاقتصادي الشديد، وزيادة المنافسة على الموارد مثل الأرض والمياه، والتدهور الشديد للطبيعة، وضعف دول قومية، ومناخ على وشك الخروج عن نطاق السيطرة. إن أقدار كل الناس بعضها مرتبط ببعض، وهي مرتبطة في النهاية بمصير الأرض، فما يصيب الأرض يصيبنا جميعاً.

تعكس هذه الملاحظة الإدراك المتزايد بأننا بحاجة إلى بنية تنظيمية لمزج وجهات النظر الشخصية والمجتمعية والبيئية عند تصورنا لاستراتيجيات التغيير الاجتماعي وتطبيقنا لها. إذا كانت كل الأشياء مرتبطة ببعضها، فهذا يعني أن مساعينا لمعالجة ظروف أي جزء من النظام مرتبطة أيضاً.

تنذر البيئة المتكاملة في أوسع مستوياتها وربما أكثرها تأثيراً، بعالم ندرك فيه أن رفاهنا مرتبط ارتباطاً معقداً برفاه الآخرين، وبالبنى التنظيمية والأنظمة التي تجمع ثقافاتنا ومجتمعاتنا، وبالاستدامة والسلامة العامة للنظم البيئية التي نعتمد عليها (ونشكل جزءاً منها) على المستويين المحلي والعالمي. باختصار، اسم البيئة المتكاملة يدل على جوهرها، فهي التكامل العميق للمساعي البشرية مع النظم البيئية على جميع المستويات.

بالنسبة لأولئك الذين يعملون لتحقيق تغيير اجتماعي، توفر البيئة المتكاملة وسيلةً للتفكير والتصرف منهجياً وليس عرضياً. وتساعد في تركيز مساعي التغيير الاجتماعي على الأسباب الجذرية والظروف البنيوية. كما تساعد البيئة المتكاملة على مواءمة العمل الأساسي في معالجة الظروف الاجتماعية الخطِرة مع المشروع الأعم لتخفيف وتحويل العوامل الأساسية المحركة لتلك الظروف. على سبيل المثال، تقتضي مساعدة حي على مكافحة معدلات الإصابة بالربو المرتفعة أن نقدم إغاثةً فوريةً (مثل دعم الرعاية الصحية)، ونعالج جذر المشكلة (مثل التوزع غير المتناسب للملوثات).

التجذر والتبرعم: أسس وتوسعات البيئة المتكاملة

للبيئة المتكاملة جذورها في القيم التقليدية ووجهات النظر العالمية، فالارتباط بين رفاه الفرد والبيئة أمر أساسي في العديد من التقاليد الدينية والنظريات والممارسات البيئية، وذلك يشمل مؤلفات المؤرخ والكاهن توماس بيري في منتصف التسعينيات التي سعى فيها إلى دمج العلم والجوانب الروحية، والأفكار الجوهرية في “نظرية التكامل” للفيلسوف كين ويلبر، وعمل اللاهوتي ليوناردو بوف، كما هو مفصّل في مقال نشِر عام 2013 يتتبع أصول مفهوم البيئة المتكاملة وتطوره. استند الباحث شون إسبيورن-هارغنز والفيلسوف البيئي مايكل زيمرمان على هذه الجذور وصاغا لمحةً عامةً عمليةً للبيئة المتكاملة، إذ وصفاها بأنها “طريقة لدمج عدة نهج في علم البيئة والدراسات البيئية في نهج معقد متعدد التخصصات والأبعاد للطبيعة وضلوعنا فيها”. توسع شون ومايكل في هذه المنهجية في كتابهما الذي أصدراه في عام 2009 “البيئة المتكاملة: توحيد وجهات النظر المختلفة حول الطبيعة”، الذي دعَوَا فيه إلى توجه موسَّع “يضم في سياقه الحقائق الجزئية من جميع التقاليد” ليكون آليةً لمعالجة القضايا البيئية.

في الآونة الأخيرة، عززت رسالة البابا فرانسيس البابوية البارزة “لوداتو سي” (Laudato Si)، التي تعني التمجيد (Praise Be)، هذه المفاهيم عن الترابط المتأصل. تدعونا الرسالة إلى تبني “رؤية أوسع” نرى فيها أنفسنا مرتبطين بعمق ببعضنا و”بموطننا المشترك”، والتركيز على المصاعب الملموسة المتعلقة بالرعاية الصحية والإسكان والتكنولوجيا والتغير المناخي. وبالإشارة إلى اقتباس قول مارتن الذي ذكرناه، تحث الرسالة البابوية على تنمية إطار عمل بيئي متكامل وتذكرنا بأننا “لا نستطيع أن نعد الطبيعة أمراً منفصلاً عن أنفسنا”، وأن “ما يحدث في أي منطقة يمكن أن يكون له تأثير مباشر أو غير مباشر على مناطق أخرى”.

بناءً على هذه المفاهيم، يطبق قادة التغيير في جميع أنحاء القطاع هذه النظرية عملياً ويتخذون إجراءات لمعالجة زعزعة الأنظمة البيئية والآثار التي تسببت بها الممارسات البشرية. قد يكون نطاق بعض القضايا مثل التغير المناخي عالمياً، لكن نقاط الارتكاز في معالجتها تكمن غالباً في أسلوب غذائنا وسكننا وتنقلنا وتعلمنا وإدارة أمورنا يومياً. فمثلاً يمكننا مواجهة القلق العام حول فقدان المياه العذبة للزراعة، بصياغة استراتيجيات مثل تجميع مياه الأمطار والري بالتنقيط في مناطق معينة.

ليس الهدف الرئيسي للبيئة المتكاملة دمج الإنسان مع الطبيعة والمحلي مع العالمي فحسب، بل هو دمج الأزمات مع الإمكانات أيضاً. يؤكد تقرير اللجنة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي التابعة للأمم المتحدة الصادر في عام 2021، أن النشاط البشري يواصل تسريع التغير المناخي، والجفاف والفيضانات وحرائق الغابات تهدد الناس والنظم البيئية بأكملها. منذ عام 2010، أجبرت حالات الطوارئ الناتجة عن الطقس 21.5 مليون شخص سنوياً تقريباً على الانتقال، وتوثق البيانات الواردة عن “مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين” أن الكوارث المرتبطة بالتغير المناخي تؤدي إلى تفاقم الفقر والجوع والحصول على الموارد الطبيعية، إضافةً إلى زيادة الاضطراب والعنف. يسهم ربط التأثيرات الاجتماعية والبيئية في استخلاص تحليلات وسياسات أدق لتحسين الإجراءات الاجتماعية الفعالة.

التفرع والازدهار: من الإدراك إلى العمل

من خلال استيعاب التقاء الفقر بالحماية، والتكافؤ بالاستدامة، والاستهلاك بالتغير المناخي، تؤسس الهيئات الدولية مثل “القمة العالمية للعمل الإنساني” في عام 2016 وأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في عام 2015، استراتيجياتها وإجراءاتها مباشرةً ضمن إطار عمل البيئة المتكاملة. في الواقع، إن ظهور مجالات جديدة يسلط الضوء على هذه الروابط، إذ تبدأ الأفكار التي تجذرت بمد فروعها إلى مجالات أخرى.

فمثلاً تركز “العدالة المناخية”، على حل مشكلة انبعاثات الكربون العامة (والآثار البيئية المرتبطة بها) مع معالجة آثارها المجحفة على المجتمعات الملونة والمنخفضة الدخل. وبالمثل، فقد أدرك مجال العدالة البيئية منذ فترة طويلة أن الفرص والنتائج المتعلقة بالتعليم والعمل والصحة في مجتمع ما مرتبطة مباشرةً بعوامل مثل انتشار المواد السامة والملوثة فيه، والوصول إلى المساحات الخضراء، وتوافر الموارد. يتضح أكثر أن السياسات والممارسات الاجتماعية والسياسية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالاستدامة البيئية.

ومن هذا المنطلق، تستطيع البنية التحتية والتنمية الاقتصادية أن تمثل تحدياً للرفاه البيئي ما لم ننميها بوعي واستدامة. ولكي تكون التنمية مستدامة، يجب أن تراعي التوزيع المتكافئ ولا تقتصر على المبالغ الإجمالية فقط. في الواقع، لاحظ نقاد مثل جوف أغواس أن التنمية غير المتكافئة وغير المضبوطة يمكن أن “تؤدي إلى الانهيار الكامل لبيئتنا الطبيعية والنظم البيئية الأساسية”. فكما تؤثر خيارات الإنسان التي تتنوع بين رمي القمامة على جانب الطريق أو الحرب على النظم البيئية، فإن السياسات والعمليات الملموسة (مثل الافتقار إلى وجود ضوابط على المواد السامة وإيلاء الأولوية للأرباح القصيرة الأمد) تؤثر على التكافؤ، في كل من الحاضر وعبر الأجيال. لذلك يجب علينا أن نقيّم أية خطوات نتخذها نحو ربط الممارسات الفردية بالنتائج البيئية في عالم ألحقنا به الضرر. تستلزم معالجة هذا الأمر اتخاذ خطوات عملية على جميع الأصعدة.

إن النهج التعاوني لـ “الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة” المتبَّع لتعافي البيئة يستعين بحلول مبنية على الطبيعة (مثل االترميم البيئي، والإدارة المتكاملة للموارد المائية، والتكيف القائم على النظام البيئي) لمعالجة قضايا الأمن الغذائي والمائي، والتغير المناخي، والحد من الفقر. يعزز نهجها المستدام وغير المكلف في الزراعة التواصل الإنساني والمرونة البيئية. يعد محو الأمية البيئية عامل مهم في هذه المساعي، ويمكننا أن نستهدي ببرامج مثل “أكاديمية حامي الكوكب” (Planet Protector Academy). تستعين الأكاديمية برواية القصص والموسيقى والوسائط التفاعلية والمسرح لتعليم محو الأمية البيئية في الفصل الدراسي، وتذكير الناس بارتباطنا بالطبيعية واعتمادنا عليها، ومساعدة العائلات على إعادة النظر بعاداتهم في استهلاك الطاقة والتنقل.

قد تفيدنا مراعاة مفهوم “إعادة الاستيطان” في أثناء وضعنا للاستراتيجيات واتخاذ الإجراءات. ظهر المفهوم رداً على الأشكال الكلاسيكية لحماية البيئة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، التي مجدت المناظر الطبيعية البكر وحرضت في كثير من الأحيان الناس على الطبيعة تحت مسمى “حمايتها”. مع أن التجارب المتعلقة بالطبيعة البكر يمكن أن تدعونا للتفكير وإعادة الإرتباط، فإننا أيضاً نعي تماماً التأثير التاريخي والمعاصر لما تصفه الباحثة إيرما ألين بأنه “الرابط المقلق بين حماية الطبيعة والمحاولات الاستعمارية للسيطرة على السكان”. قد تمثل إعادة الاستيطان آلية لمقاومة التشريد والتهجير، كما تلاحظ أليكسا سكَلي، مما يعزز الجهود المبذولة لتقويم الآثار المتواصلة للاستعمار من خلال دعم جعل “الأشخاص والأرض أكثر سلامةً بطريقة تقدّر العلاقات المتبادلة وتحترمها”. تعد وجهات النظر هذه تحديداً مهمةً لأن العديد من مجتمعات السكان الأصليين تجسد قيماً وممارسات تتوافق مع مفهوم البيئة المتكاملة، فتوفر فرصاً “لبناء روابط” بين المجتمعات الدينية والعلم والحكمة المكتسبة من الروابط العميقة بالمكان أو بالمعرفة البيئية التقليدية.

يتمثل جوهر إعادة الاستيطان في إعادة الارتباط بالخليقة بأكملها من خلال الاحتضان غير المشروط للأجزاء المكونة لها، وليس الأجزاء التي تبدو إبداعية أو بكراً فقط. في بدايات الحركة البيئية المعاصرة (حوالي السبعينيات)، كتب الشاعر وكاتب المقالات والناشط غاري سنايدر عن الدروس العملية والروحية التي نتعلمها من قضاء الوقت في الطبيعة، وكيف تساعدنا في إعادة الارتباط بإحساسنا بالمكان -وبجميع الأماكن. يمكن لعملية إعادة الارتباط بالطبيعة أن تعزز الرفاه النفسي والجسدي والروحي، مما يساعد الناس على تنمية أساليب للوجود تكون ملائمة ومناسبة للنظم البيئية المحلية.

يمكن أن يساعد الانغماس في مكان ما على تعزيز قيم التعاون والتواصل فتكون مقدمةً لاتخاذ إجراءات بناءة. إن الرابط المتين بين أنماط التفكير والممارسات الوجودية هو الركيزة الأساسية في مفهوم البيئة المتكاملة، منذ جذورها الأولى التي تسعى إلى ربط العلم بالجوانب الروحية وربط مجالات البحث المختلفة. مرتكزةً على الاهتمامات العامة والأصول المشتركة، فإن تعدد وجهات النظر (التاريخية والمعاصرة) التي تشكل “تنوعاً في مفهوم البيئة المتكاملة” تصبح أساس الرفاه وإحسان التصرف في عالم معقد ومتشابك، وهذا ما وضحه المحررون في مقدمة كتاب “تعددية مفهوم البيئة المتكاملة”.

الحصاد والتعافي: ربط القيم والرؤى

من هذه الجذور العميقة وأزهارها المتنوعة، يمكننا استخلاص العديد من الملاحظات لتوجيه مساعينا إلى تعزيز رفاه الأفراد والبيئة. إن نقاط التفكير هذه هي مجرد محاولة واحدة لجمع الدروس المستخلصة من البيئة المتكاملة بطريقة تسهم في تسهيل إدراجها ضمن ممارسات الحياة اليومية.

  1. نجد الرفاه في سلسلة متصلة تتضمن المرض والأزمة.
  2. لا يمكننا فصل الازدهار الإنساني (أن نكون بأفضل حالاتنا ضمن مجتمع سليم) عن الاستدامة البيئية.
  3. ترتبط العدالة الاجتماعية والاقتصادية بطبيعتها بالعدالة البيئية.
  4. يعد التعافي على كل من المستويين الفردي والبيئي أمراً أساسياً.
  5. يوفر مفهوم البيئة المتكاملة إطار عمل لمعالجة الأسباب الجذرية للضرر البيئي والعدالة الاجتماعية.

يمكن أن تسهم هذه التصريحات المبنية على القيم في الربط بين النظرية والتطبيق. فهي تعكس جوهر “الانتماء البيئي”، الذي يؤكد أن القيم والأعراف الراسخة في مجتمع أو مكان ما (مثل الفصل الدراسي أو مكان العمل) تؤثر ضمنياً أو علناً على الوصول إلى تلك الأماكن والنتائج التي يحققها الأفراد ضمنها. يمكن للبيئات المبنية (البيئات التي شيدها البشر للعيش والعمل والأنشطة الأخرى)، مثل نظيراتها الطبيعية، أن تعالج أوجه عدم المساواة الاجتماعية وتسهم في رفاه المجتمع وقدرته على الصمود وتجارب الانتماء. على سبيل المثال، تتبع مؤسسة “ديزاينينغ جَستيس + ديزاينينغ سبيسيز” (Designing Justice + Designing Spaces) عملية تصميم معماري مستهدية بالصدمات النفسية لمساعدة المجتمعات على تطوير مشاريع تجريبية يمكنها تحويل أنظمة العدالة من أنظمة عقابية إلى إصلاحية.

قد تصبح المبادئ والممارسات التي تركز على الارتباط والانتماء أساساً للتكافؤ والاستدامة على حد سواء. فمثلاً أنشأت “جمعية ديكان الإنمائية” (Deccan Development Society) نموذج عمل ناجح لتنمية المجتمع التعاوني من خلال دمج المحافظة على التنوع البيولوجي مع سبل العيش الزراعية، وهو نموذج يوفر للمزارعين السيادة الغذائية والأمن الاقتصادي لأنه يعمل على عكس التدهور البيئي. تدرس هذه المساعي الجوانب الاقتصادية البديلة بصفتها أدوات مجدية وضرورية لبناء مجتمع سلمي وبناء عالم عادل ومستدام.

تبين هذه المساعي وما يماثلها أهمية معالجة الأسباب الجذرية للظروف المجتمعية بدلاً من مجرد معالجة الأعراض، من خلال منظور مفهوم البيئة المتكاملة، تفكر المجتمعات وتتصرف على نحو شامل، مع المراعاة المتكافئة للقضايا الاجتماعية والسياسية والبيئية. تمثل مشكلة اجتماعية مثل التشرد فرصةً للمجتمع لإظهار التعاطف وتوفير أماكن عامة شاملة ومتاحة للجميع توازن بين حقوق جميع المستخدمين، على النحو الذي حثت عليه مؤسَّسات مثل “الائتلاف الوطني للمشردين” (National Coalition for the Homeless).

نثر البذور: الدروس المستخلصة والاستمرارية

تذكرنا الجائحة العالمية والزعزعة المتواصلة الناجمة عن التغير المناخي بأن عمل التغيير الاجتماعي والتعافي الجماعي يتضمن في كثير من الأحيان الاستجابة للأزمات. توفر البيئة المتكاملة إطار عمل لتصور وتطبيق إجراءات تعاونية فعالة لتعزيز رفاه الإنسان والمرونة البيئية. إنه يشجعنا على التعاون لبناء رؤية بنّاءة لعالم يرى فيه كل منا نفسه مرتبط بالآخر وجميعاً مرتبطون بالمحيط الحيوي، عالم ترتبط فيه المساعي الفردية والمجتمعية ارتباطاً وثيقاً بالبيئية.

إن التفكّر في مفهوم الرفاه على المستوى البيئي قد يعيد إلى الأذهان المناطق المتضررة والمصاعب البيئية المتفشية التي تؤثر على سلامة الإنسان والبيئة. توفر الأزمات البيئية فرصاً لمعالجة الأسباب الجذرية للجوانب المجحفة البيئية القائمة والخطرة، مثل تلوث مياه البلدية في مدينة فلينت في ولاية ميشيغان، ولتطوير سياسات استباقية تعزز الرفاه. في مجالات مثل التخطيط الحضري وصناعة السياسات الدولية، نستطيع إيجاد تطورات واعدة فيها جميعاً عبر مجموعة واسعة من وجهات النظر والممارسات والمؤسسات.

وفي المستقبل، ستواصل جامعة “جورج تاون” (Georgetown University) و”مشروع الرفاه” (The Wellbeing Project) – بالتعاون مع لجنة عالمية من الخبراء من مختلف التخصصات – البحث عمّا يربط كل منا بالآخر وما يربطنا جميعاً بالبيئة الأعم. هذا هو المعنى الكامل والمتكامل للبيئة، الذي يكون كل مكون من مكونات نظام ما أساسي لرفاه أي جزء منه. مفهوم البيئة المتكاملة ليس وصفةً، بل إدراك يطلق العنان لإمكانات التعافي على جميع المستويات، ويذكرنا أنه في عالم مترابط، يرتبط رفاهنا الفردي برفاه جميع ما حولنا.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.