ربما سمعت بمصطلحيّ السياحة البيئية والسياحة المستدامة وتعتقد أن أحدهما رديف للآخر، إلا أنه توجد فروق أساسية بينهما، ففي حين أن السياحة المستدامة تتمحور حول خلق تجربة سفر بأقل قدر من التأثير البيئي مع مزيد من الفوائد الإيجابية للوجهات والمجتمعات المحلية، فإن السياحة البيئية تركز أكثر على تثقيف السياح حول الطبيعة والبيئة، ومشاركة المسافرين في أنشطة الحفاظ على البيئة.
صناعة السياحة وارتباطها بالاستدامة والبيئة
تُمثل السياحة فرصة لاستكشاف العالم، والتعرف إلى أشخاص من ثقافات متنوعة، وتجربة تقاليد وأنشطة جديدة، وتجلب العديد من الفوائد لكل من المسافرين والمجتمعات المضيفة، إذ تشكل 10.3% من القوى العاملة حول العالم، ومن المتوقع أن تسهم بنسبة 10.8% في الناتج المحلي الإجمالي العالمي في نهاية عام 2026.
لكن الصناعة تتغير، وباتت تأثيراتها السلبية على البيئة أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، على سبيل المثال، ما يقدّر بنحو 11% من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية يرجع إلى السياحة، ومن المتوقع أن تتضاعف هذه النسبة بحلول عام 2050، وتصل انبعاثات الطيران العالمي إلى نحو مليار طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً، وهو أكثر من انبعاثات معظم البلدان، منها ألمانيا، ومن المرجح أن ترتفع انبعاثات النقل المرتبط بالسياحة إلى نحو ملياري طن من ثاني أوكسيد الكربون بحلول عام 2030، وسط توقعات بوصول عدد السياح إلى 1.8 مليار سائح بحلول العام نفسه، كما يتراوح متوسط استهلاك المياه للسائح الواحد بين 84 إلى 2,000 لتر من الماء يومياً، مقارنةً بـ 127 لتراً في اليوم للفرد العادي.
ومع مرور الوقت أصبحنا أكثر وعياً بالتهديد الذي يشكله تغير المناخ ودورنا في تصعيده في جميع الصناعات، واتجهنا للبحث عن الطرق التي يمكننا من خلالها تقليل تأثيرنا على البيئة والطبيعة، ومن هنا بدأ الاهتمام بالسياحة المستدامة والسياحة البيئية.
الاختلاف في المعنى والهدف
إن السياحة البيئية والسياحة المستدامة نوعان من السياحة الواعية بيئياً واجتماعياً، ولكن السياحة المستدامة تُعد نهجاً سياحياً شاملاً يأخذ في الاعتبار الآثار البيئية والاجتماعية والاقتصادية للسفر ويسعى إلى تحقيق التوازن بينها، في حين أن السياحة البيئية هي أحد أشكال السياحة المستدامة التي تركز على الحفاظ على المناطق الطبيعية وتعزيز الممارسات المستدامة.
تصف منظمة السياحة العالمية؛ السياحة المستدامة بأنها "السياحة التي تأخذ في الاعتبار التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الحالية والمستقبلية، وتلبي احتياجات الزوّار والصناعة والبيئة والمجتمعات المضيفة"، وبذلك تركز على الأبعاد البيئية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للتنمية السياحية وتحقيق التوازن بينها جميعاً، وتدعم رفاه السكان المحليين وتسهم في التنوع البيولوجي والحفاظ على البيئة.
أما السياحة البيئية، فهي أحد أنواع السياحة التي تركز بشكل أساسي على المناطق الطبيعية وتعزيز الوعي البيئي والثقافي للمسافرين حول المجتمعات المحلية المضيفة واحترام مواردها وعاداتها وتقاليدها.
وظهر مفهوم السياحة البيئية في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، نتيجة الاهتمام بالرحلات السياحية التي تسهم في تسليط الضوء على ضرورة المحافظة على البيئة قدر الإمكان، وانتشر المفهوم على نطاق واسع ليستحوذ على أكثر من 20% من إجمالي حركة السياحة العالمية.
بينما يمثل السفر المستدام أكثر من مجرد تأثير بيئي ليشمل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للسياحة، فإن السياحة البيئية أيضاً لا تقتصر فقط على السياحة المرتبطة بالطبيعة، بل يجب أن تقوم على علاقة وعي واحترام بين المسافرين والطبيعة، بهذا المعنى إذا قمنا برحلة إلى الجبال مثلاً، فإن خط سير الرحلة الذي لا يخلق تأثيراً سلبياً على الجبل والبيئة المحيطة هو ما يجعل الرحلة نموذجاً للسياحة البيئية، أي يجب ألّا نُلقي بالنفايات، ولا نضر بالنباتات والحيوانات، ونتجنب الاستخدام غير المستدام للتراث الطبيعي.
في حين أن السياحة البيئية يجب أن تكون مستدامة دائماً، فليس كل سياحة مستدامة هي سياحة بيئية، على سبيل المثال، يمكنك ركوب القطار لقضاء الوقت في فندق يعمل بالطاقة المستدامة، وعلى الرغم من أن هذا خيار مستدام، فإنك لا تتعلم بالضرورة عن الطبيعة والمناطق المحلية المحيطة بك.
السياحة المستدامة: تجربة سفر أكثر مسؤولية ومتعة
تساعد السياحة المستدامة على تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة، وضمان استفادة المجتمعات المحلية من الأنشطة السياحية، وتسهم في حماية الموارد الطبيعية والثقافية، وتعزيز كل من التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات المحلية، ما يزيد من استدامة الوجهات السياحية ويخلق تجربة سفر أكثر مسؤولية ومتعة، وبحسب استطلاع أجراه موقع الحجوزات العالمي بوكينغ دوت كوم (Booking.com) في يونيو/حزيران 2021، شمل أكثر من 29 ألف مشارك من 30 دولة، يعتقد 83% من المسافرين أن السفر المستدام أمر حيوي، بينما قال 61% منهم إن جائحة كوفيد-19 دفعتهم إلى الرغبة في السفر بشكل أكثر استدامة في المستقبل.
وعليه، تشمل مسؤوليات السياحة المستدامة:
- تحقيق فوائد اجتماعية واقتصادية للمجتمعات المضيفة
- الحفاظ على التراث الثقافي وخلق تجارب سياحية أصيلة
- حماية البيئة والموارد الطبيعية والحياة البرية
- تحقيق منفعة متبادلة للسياح والمجتمعات المحلية معاً
وتحقيق هذه المسؤوليات يتطلب أن يكون التخطيط للسياحة وتنميتها وإدارتها جزءاً من استراتيجيات التنمية المستدامة للمنطقة أو الدولة، وتشجيع الأشخاص المحليين على المشاركة في خطط التنمية إلى جانب القطاعات الحكومية والخاصة وغيرها من الجهات المعنية، والتوزيع المتكافئ للمنافع بين مُروجيّ السياحة وأفراد المجتمع المضيف والمنطقة.
السياحة البيئية: رحلة تعلّم مع الطبيعة
ترتبط السياحة البيئية بعملية تثقيف السياح وتعريفهم بمكونات البيئة والانخراط بها، وتستهدف احترام حياة السكان المحليين وتحسينها، وتحقيق فوائد بيئية وثقافية واقتصادية لهم من خلال تطوير مشاريع سياحية مستدامة.
كما تشجع السياح على السلوك المسؤول بيئياً والممارسات المستدامة مثل إعادة التدوير واستخدام الطاقة المتجددة، والمشاركة في أنشطة المؤسسات المحلية للحفاظ على البيئة.
ويجب التأكيد أن تحقيق الفائدة من السياحة البيئية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بإدارتها والتخطيط لها على نحو مستدام دون الإضرار بالمجتمعات المحلية، كما أنها تتطلب مشاركة المسافرين وتعلّمهم ومساهمتهم في الحفاظ على المناطق الطبيعية.
ويمكن تلخيص خصائص السياحة البيئية بالنقاط الآتية:
- تقليل الآثار السلبية على كل من البيئة الطبيعية والاجتماعية والثقافية
- توليد الاحترام والوعي البيئي والثقافي
- تطوير تجارب إيجابية للسياح والسكان المحليين
- تحقيق فوائد اقتصادية تُستخدم مباشرة لحماية المواقع الطبيعية
- تعزيز المشاركة في الأنشطة البيئية وصنع القرار المجتمعي
وتعود أهمية تبنّي الدول لمفهوم السياحة البيئية، ومنها دولة الإمارات التي تضم 43 محمية طبيعية تستحوذ على 14% من إجمالي مساحة الدولة، إلى دوره في تعزيز عمليات التحول نحو الاقتصاد الأخضر وخلق روافد جديدة وفرص عمل نوعية إلى جانب نشر المعرفة بالتراث الطبيعي والتاريخي والثقافي.
إن فهم الفرق بين السياحة المستدامة والسياحة البيئية يعمل على تثقيف المسافرين حول تأثير رحلتهم على البيئة والاقتصاد والمجتمعات المحلية، وإن المشاركة في السياحة المستدامة، أو بشكل أكثر تحديداً السياحة البيئية، تعني الاستمتاع بالرحلة وفي الوقت نفسه المساهمة في جهود التنمية والحفاظ على الموارد الطبيعية.