تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم فرص واعدة بحاجة إلى المساواة والشمول

تطبيقات الذكاء الاصطناعي
shutterstock.com/Chinnapong
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تحمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي الكثير من الفرص الواعدة والتحديات الصعبة التي يجب مواجهتها لتعزيز جودة التعليم واستدامته، فيمكن للذكاء الاصطناعي الحد من العوائق التي تعترض سبل التعليم وإتاحة أفضل الأدوات لتحسين نتائجه، لكن توظيفه في قطاع التعليم دون الالتزام بمبادئ الإدماج والإنصاف والشمول سيزيد من أوجه عدم المساواة ويوسّع الفجوة التكنولوجية بين البلدان وداخلها.

حل مشاكل التعليم بيد الذكاء الاصطناعي

لم تعد الفصول الدراسية وقاعات المحاضرات في الجامعات تعمل بإطارها التقليدي، فالروبوتات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي المصممة بحسب الحاجة باتت تتصدر المشهد، إذ من المتوقع أن تتجاوز قيمة قطاع التعليم المعتمد على أدوات الذكاء الاصطناعي 20 مليار دولار بحلول عام 2027، لما لهذه الأدوات من قدرة على تحسين تجربة التعليم وتخصيصها لكل طالب وتحليل أدائه في الوقت الفعلي، وتقديم محتوى تعليمي متطور وفعال.

كما أنها تساعد المعلمين على تطوير قدراتهم في التدريس من خلال تقليل مهامهم الإدارية وتخصيص المزيد من الوقت للطلاب، إذ يقضي المعلمون ما بين 20 إلى 40% من وقتهم في التحضير للدروس وتصحيح الاختبارات والقيام بالأعمال الإدارية، وبالتالي يمكن أن يوفر الذكاء الاصطناعي 13 ساعة أسبوعياً من وقت المعلمين، بحسب دراسة ماكنزي آند كومباني.

إذا فكرنا في فوائد التعليم القائم على الذكاء الاصطناعي، فسنجد أن له أثراً مضاعفاً على البلدان النامية التي لا تتمتع بمكانة أكاديمية جيدة نتيجة نقص الموارد وضعف جودة التعليم، فنحو 70% من الأطفال في البلدان النامية لا يمكنهم الحصول على التعليم الأساسي، ولا يزال يتعين على العديد من الطلاب السير مسافات طويلة للوصول إلى أقرب مدرسة، ما أدى إلى خلق فجوات تعليمية، خاصة في المناطق الريفية.

كما أن التعليم الجيد للأطفال لا يرتبط بمهارات الحساب والقراءة والكتابة فقط، بل يتعلق أيضاً بالمهارات التكنولوجية والحياتية التي تساعدهم على النمو والتطور خارج إطار الدراسة، فالمجتمعات المتقدمة مثل كوريا والصين أصبحت تركز على تعليم المهارات اللغوية والرقمية والإبداع والابتكار، في حين تفتقر غالبية المجتمعات النامية إلى هذه المهارات، ما يؤثر مستقبلاً على فرص الأطفال في الدخول إلى سوق العمل المتغيرة باستمرار، ووفقاً لـ “تقرير مستقبل الوظائف 2020” (The Future of Jobs Report 2020) الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن 65% من الأطفال الذين يدخلون المدرسة الابتدائية اليوم، سينتهي بهم المطاف للعمل في وظائف لم تُخلق بعد.

لكن يمكن للشركات والحكومات والمؤسسات الخيرية والمنظمات غير الحكومية الاستفادة من قوة الذكاء الاصطناعي لحل مشاكل التعليم في مجتمعات العالم النامي، إذ يمكن توظيفه لتقديم مساعدي تعلم متخصصين في التعامل مع الطلاب في المناطق النائية التي تعاني نقصاً في المدرسين، أو استخدامه لخدمة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.

على الرغم من هذه الفوائد فإن استخدام التطبيقات الذكية في التعليم يواجه تحديات تتعلق بالخصوصية والأخلاق وتدريب المعلمين للاستفادة الكاملة من إمكانات الذكاء الاصطناعي، إذ يبين تقرير “إعادة تصور مستقبلنا معاً: عقد اجتماعي جديد للتعليم يدعو إلى إعادة تعريف العلاقة بين البشر والتكنولوجيا” (Reimagining our futures Together: A New Social Contract for Education) أن توظيف التكنولوجيا في التعليم يجب أن يسترشد بمبادئ الشمول والإنصاف والجودة وإمكانية الوصول.

تحدٍ مزدوج للوصول إلى تعليم شامل ومُنصف

إن التطور السريع للذكاء الاصطناعي يوفر إمكانات هائلة للصالح الاجتماعي ويسرّع التقدّم نحو الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة الذي ينص على “ضمان التعليم الجيد المنصِف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع”، لكن ذلك لن يتحقق إلا بإجراء تعديلات في سياسات النظام التعليمي والتأكيد على الجانب الأخلاقي ومساهمة الممارسين والباحثين لضمان الوصول العادل والشامل إلى أدوات الذكاء الاصطناعي مع التركيز على تمكين المجتمعات الفقيرة والمحرومة.

لا شك في أن التعليم من أهم محركات صناعة المستقبل في المجتمع، إذ يمثل فرصة لبناء شخصية الطفل وصقل مهاراته وتمكينه فكرياً وعلمياً وثقافياً ليصبح قادراً على المساهمة في التغيير الاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي، إلا أن البلدان النامية تفتقر إلى الموارد التي تساعدها على تنمية رأس مالها البشري.

وعلى الرغم من أن يمكن للذكاء الاصطناعي تعويض هذا النقص، فإننا عند استخدامنا له نواجه تحدياً مزدوجاً يتمثل في ضمان حق الجميع في التعليم الجيد، والاستفادة الكاملة من الإمكانات التكنولوجية في التعليم، لذا نحتاج إلى نهج جديد قادر على إنهاء التحيز وأوجه عدم المساواة ليصبّ التعليم في الصالح العام.

كيف نقلل التحيز في أنظمة الذكاء الاصطناعي؟

سلّط أحدث تقرير عالمي لرصد التعليم بعنوان: “التكنولوجيا في التعليم: أداة بشروط مَن؟” (Global education monitoring report, 2023: technology in education: a tool on whose terms) الضوء على الافتقار إلى الحوكمة والتنظيم المناسبين حتى تصل أي تكنولوجيا في التعليم إلى إمكاناتها الكاملة.

الأمر الذي يتطلب رؤية نهج إنساني للتعلم الرقمي والذكاء الاصطناعي يعزز الفاعلية البشرية والشمول والإنصاف والمساواة بين الجنسين والتنوع الثقافي واللغوي، فبدلاً من تطوير روبوتات دردشة متخصصة في التدريس كي تستفيد منها المدارس في البلدان المتقدمة والغنية، يمكن إدخال تعديلات على تلك الأدوات لتصبح قادرة على العمل في المناطق التي تعاني ضعفاً في الاتصال بشبكة الإنترنت، ونقصاً في عدد المعلمين نسبةً إلى عدد الطلاب.

ويمكن تقليل التحيز في أنظمة الذكاء الاصطناعي من خلال عدة طرائق، أبرزها:

  • ضمان تنوع البيانات: تتعلم أنظمة الذكاء الاصطناعي من البيانات التي تم تدريبها عليها، فإذا كانت تمثل مجموعة محددة من الأشخاص فقط، فستكون خيارات النظام متحيزة، لذا يجب التأكد من أن البيانات التي يتعلم منها الذكاء الاصطناعي متنوعة وممثلة لجميع الفئات.
  • تطبيق مقاييس العدالة: يمكن للمطورين استخدام مقاييس لقياس عدالة نظام الذكاء الاصطناعي، وتحديد المصادر المحتملة للتحيز، من أجل التوصل إلى حلول فعّالة في تحسين عدالة نظام الذكاء الاصطناعي.
  • دمج أصحاب المصلحة: من الضروري أن يشارك أصحاب المصلحة في عملية تطوير الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الأفراد من خلفيات اجتماعية واقتصادية وعرقية وإثنية مختلفة، لضمان عدالة نظام الذكاء الاصطناعي.
  • مراقبة أداء نظام الذكاء الاصطناعي: يجب إجراء تقييم مستمر لأداء نظام الذكاء الاصطناعي للكشف عن أوجه عدم المساواة والتمييز، والعمل على معالجتها بشكل فوري لتجنب إلحاق الضرر بالأفراد أو الجماعات.

نحن بحاجة إلى رؤية تتمحور حول الإنسان عند وضع سياسات التعلم الرقمي وإعطاء الأولوية للعدالة والشمولية عند تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي لضمان استفادة الجميع من الإمكانات الكاملة للتكنولوجيا في التعليم.