من اشتداد تغيّر المناخ إلى تراجع التنوع البيولوجي، يواجه كوكب الأرض أزمات حقيقية تهدد وجودنا، وفي يوم الأرض العالمي 2024، كان التلوث البلاستيكي محور الاهتمام والجهود الدولية للحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية بما يضمن بقاء الأجيال الحالية ويمهد للأجيال المقبلة مستقبلاً أفضل وأكثر صحة واستدامة.
الكوكب مقابل البلاستيك
في عام 1970، أطلق السيناتور الأميركي المدافع عن البيئة، غايلورد نيلسون، يوم الأرض لأول مرة، وذلك رداً على تسرب النفط قبالة سواحل كاليفورنيا عام 1969، الذي أدى إلى فقدان نحو 3,700 من الطيور والثدييات البحرية مثل الدلافين وأسود البحر، وكان هدف نيلسون من هذه الاحتفالية هو إشراك السكان بقضايا البيئة والإسهام في حلها، وفي عام 1990، تحوّل يوم الأرض إلى حدث عالمي غطى العديد من القضايا البيئية مثل تغير المناخ والطاقة النظيفة وحماية الكائنات الحية وفوائد التشجير.
هذا العام، وجّهت منظمة يوم الأرض أنظارها نحو كارثة بيئية عالمية أكثر انتشاراً ترتبط بكلمة واحدة: "البلاستيك"، ويأتي ذلك بالتزامن مع توقعات بأن يشهد 2024 إقراراً لمعاهدة أممية تنص على إنهاء التلوث البلاستيكي.
على الرغم من أن أكثر من 50 دولة دعت إلى إنهاء التلوث البلاستيكي بحلول عام 2040، فإن منظّمي يوم الأرض يطالبون بخفض إنتاج البلاستيك العالمي بنسبة 60% بحلول عام 2040، والتخلص التدريجي من البلاستيك الذي يُستخدم لمرة واحدة بحلول عام 2030، بهدف قيادة الطريق نحو مستقبل خالٍ من النفايات البلاستيكية.
قلق متزايد من الأضرار البيئية والصحية
أصبح التلوث البلاستيكي مصدر قلق عالمي، إذ وصل الإنتاج العالمي من البلاستيك إلى 400.3 مليون طن متري في عام 2022، ووفقاً لتحليل جديد أجراه مختبر لورانس بيركلي الوطني الأميركي؛ من المتوقع أن يتضاعف إنتاج صناعة البلاستيك إلى ثلاثة أمثاله بحلول عام 2050، وحتى لو ظل معدل إنتاج البلاستيك ثابتاً، فقد تمثل الانبعاثات الصادرة عن قطاع البلاستيك خمس ميزانية الكربون المتبقية بحلول منتصف القرن.
للأسف، يُظهر تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2022، أن 72% من البلاستيك الذي ننتجه ينتهي به الأمر في مدافن النفايات أو البيئة، ويعاد تدوير 9% فقط منه، في حين تشير تقديرات الأكاديمية الوطنية للعلوم (NAP)، إلى أن ما بين 8 ملايين و11 مليون طن من النفايات البلاستيكية يُلقى في المحيط كل عام.
وتصل تكلفة التلوث البلاستيكي إلى 13 مليار دولار سنوياً؛ وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط التي تمثل نحو 8% من كمية البلاستيك المُنتجة عالمياً، فإنها تخسر نحو 29 مليون دولار من الإيرادات السنوية بسبب التلوث البلاستيكي البحري.
وأمام زيادة معدلات إنتاج البلاستيك والتخلص منه وعدم إعادة تدويره؛ تتفاقم الأضرار البيئية والمشاكل الصحية للأفراد، فقد كشف تقرير حديث لمنظمة يوم الأرض، أن المواد البلاستيكية الدقيقة موجودة في المياه والغذاء، وعُثر عليها في المشروبات المعبأة ومياه الصنبور والمأكولات البحرية وغيرها من المواد الغذائية الأخرى، وبالتالي فإن الأفراد معرضون لتناول ما يزيد على 100 ألف جزيئة بلاستيكية دقيقة يومياً، لكن الضرر الأكبر يقع على الأطفال وذلك بسبب مرحلة التسنين التي يمرون بها وتفاعلهم مع الألعاب البلاستيكية عن طريق الفم، إضافةً إلى أن المواد البلاستيكية الدقيقة أكثر انتشاراً في الهواء الموجود داخل المباني وليس خارجها، ما يجعل الأطفال أكثر عرضة للخطر إذ يقضون في المتوسط 90% من حياتهم داخل المباني.
خطوات نحو بيئة خالية من البلاستيك
استجابة لأزمة التلوث البلاستيكي؛ عملت الحكومات والشركات والمؤسسات غير الربحية على تنفيذ سياسات وبرامج وحملات توعية وابتكار حلول فعّالة، فقد فرض العديد من الدول حظراً أو قيوداً على المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، إذ أقر المجلس التنفيذي لإمارة دبي في عام 2022 رسوماً بقيمة 25 فلساً على الأكياس البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، بهدف الحد من الاستخدام المفرط للمواد البلاستيكية، وتشجيع الأفراد على اعتماد سلوكيات استهلاك الأكثر استدامة.
وفي إطار ذلك، بدأت شركة بترول الإمارات الوطنية "إينوك" حظراً تدريجياً للمواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد منذ مارس/آذار عام 2022، حتى أعلنت عن الحظر الكلي في يونيو/حزيران من العام نفسه، أما شركة ماجد الفطيم فأعلنت التزامها بالتخلص من الأكياس البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد في عملياتها كلها بحلول عام 2025.
وظهر العديد من الابتكارات لحل مشكلة النفايات البلاستيكية، منها الأكياس البلاستيكية القابلة للتحلل في المياه التي طورتها شركة سولوباغ التشيلية، والبرنامج التعليمي القائم على الدفع بإعادة التدوير في نيجيريا الذي قدّمته مؤسسة "المبادرة الإفريقية للتنظيف" بهدف مساعدة الآباء غير القادرين على دفع رسوم مدارس أبنائهم.
من جهة أخرى، تنطوي صناعة الملابس على مفاقمة قضية تلوث البيئة، إذ يسهم القطاع بما يتراوح بين 20 و35% من إجمالي تدفق حبيبات البلاستيك في المحيطات، ويُعاد استخدام أقل من 1% من النسيج المُنتَج سنوياً، ما دفع بعض شركات الأزياء للبحث عن بدائل دائرية، إذ تجرّب شركة كروكس (Crocs) برنامجاً لاسترجاع الأحذية البالية لمعرفة كيفية إعادة استخدام المواد المستعملة.
حرارة مشتعلة وتنوع بيولوجي مُهدد بالخسارة
تأتي أهمية معالجة مشكلة التلوث البلاستيكي من تفاقُم أزمة تغير المناخ التي يمكن أن تقضي على نحو خُمس الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2050، فبحسب الدراسة التي أجراها معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ (PIK)، من المتوقع أن تصل التكلفة السنوية لتغير المناخ إلى 38 تريليون دولار بحلول عام 2050؛ أي أكبر ستة أضعاف من التكلفة المقدرة بنحو 6 تريليونات دولار لتنفيذ تدابير الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.
كما سيؤثر ارتفاع درجات الحرارة سلباً على التنوع البيولوجي، فعند ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية؛ ستفقد 4% من الثدييات نصف موطنها؛ ومع ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 3 درجات سيخسر أكثر من 40% من الثدييات نصف موطنها.
إنقاذ الكوكب من التلوث البلاستيكي خطوة مهمة وضرورية تحتاج إلى استمرارية العمل الجماعي من أجل توفير البنية التحتية اللازمة لإعادة التدوير والإدارة السليمة للنفايات، وإطلاق المزيد من حملات التوعية بأضرار المواد البلاستيكية على البيئة والإنسان، لتشجيع الأفراد على اختيار البدائل الأكثر استدامة.