التعليم حق للجميع، وتكلفته لن ترقى إلى حجم الأثار السلبية الناجمة عن انتشار الأمية. وفي إطار الجهود لتحقيق التنمية المستدامة، أصبح لزاماً على الدول البحث عن وسائل فعالة من أجل محاربة الأمية مع التركيز على الفئات المهمشة، وتوسيع نطاق برامج محو الأمية ليشمل المهارات التكنولوجية والحياتية والمهنية، بما يلائم متطلبات العالم الرقمي اليوم.
لماذا وسائل محو الأمية مهمة؟
يتمثل محو الأمية في تنمية القدرة على القراءة والكتابة، وتعزيز مهارات التواصل باستخدام اللغة والعلامات أو الرموز المكتوبة والإلكترونية، ما يخلق فرصاً لتطوير قدرة الأفراد على إعالة أنفسهم وأسرهم، وإخراجهم من دائرة الفقر.
وتنطوي محو الأمية على استمرارية التعلم في تمكين الأفراد من المشاركة الفعّالة في مجتمعهم وتحسين الوضع الاقتصادي، وكذلك دعم الوالدين في رحلة تربية أبنائهم، فالنساء المتعلمات يصبحن أكثر وعياً بالرعاية الصحية اللازمة لأطفالهن، إذ تشير إحدى الدراسات إلى أن معدل وفيات الرُضع يتراجع بنسبة 9% عن كل سنة تعليمية تبلغها الأم.
مع وجود 69.4 مليون شخص في المنطقة العربية يعانون من الأمية، وتراجع نسبة الأمية بين الفئة العمرية 15 عاماً فما فوق بنحو 1.8% فقط في عام 2019؛ يبقى التقدم المحرز في محو الأمية غير كافٍ، إذ ترشح بعض الدراسات زيادة انتشار الأمية خلال العامين المقبلين.
وعلى الصعيد العالمي؛ يفتقر 773 مليون شخص إلى المهارات الأساسية في القراءة والكتابة، ولا تزال أوجه عدم المساواة في الوصول إلى برامج محو الأمية مستمرة ومتعددة الأبعاد، بالإضافة إلى ضعف مشاركة الفئات المهمشة. فما الوسائل التي تساعد في محاربة الأمية؟
1. منظور مختلف لمحو الأمية
لا يرتبط مفهوم محو الأمية باكتساب مهارات القراءة والكتابة فحسب، بل بالثقافة واللغة والمهارات الرقمية أيضاً، لذا يجب إخراج مفهوم الأمية من هذا الإطار الضيق ليشمل الأبعاد الحضارية والاجتماعية المنبثقة عنها، وتوظيف المهارات المكتسبة في سياق التنمية والتقدم لتحقيق المشاركة الإيجابية في بناء المجتمع.
2. التركيز على الطفولة المبكرة
أثبتت الدراسات أن الخبرات المبكرة التي يكتسبها الإنسان خلال أعوامه الأولى هي المؤثر الأساسي في النمو الدماغي، وبالتالي هناك ارتباط وثيق بين إتقان القراءة للصفوف الابتدائية والتفوق الدراسي في وقت لاحق، والتعرف إلى صعوبات التعلم سيُمكن المعلمين والإداريين من مساعدة الأطفال الذين قد يعانون من معرفة القراءة والكتابة، وكلما قدمت المدرسة هذا الدعم في مرحلة مبكرة؛ زادت فرص تخلُص الأطفال من هذه المشكلات.
قد يكون لبرامج الطفولة المبكرة عالية الجودة معدل عائد على الاستثمار يبلغ 13% سنوياً ناتج عن تحسين الأوضاع الصحية والاجتماعية والتعليمية.
3. كسر دائرة الأمية
تنتقل ظاهرة الأمية من جيل إلى آخر، ويتأثر الأبناء بنهج آبائهم البعيد عن التعليم، إذ تشير الأبحاث إلى أن إنجازات الطفل تتأثر بمشاركة الوالدين في التعلم معه، وخاصةً لأولئك الذين يكرهون المدرسة ويخشون التفكير في التعلّم مجدداً. بالتالي سيكون لمهارات القراءة والكتابة القوية بين الآباء دوراً إيجابياً في حياة أطفالهم، لأن تعريضهم للكلمات والقصص منذ سن مبكرة سيساعد على بناء قاعدة لغوية قوية ويعزز تطورهم المعرفي.
في هذا الإطار، تعد استراتيجيات التعلم الأسري القائم على المجتمع إحدى الوسائل الفعّالة لمحاربة الأمية، وتجمع هذه الاستراتيجية بين عناصر تعليم الكبار، وتعليم الوالدين، والتعليم الابتدائي لمساعدة الآباء في حماية الأطفال من مشكلة التسرب المدرسي.
تسهم برامج محو الأمية الأسرية في تعليم الأشخاص ممن يصعُب الوصول إليهم أو لا تشملهم أنظمة التعليم التقليدية على نحوٍ كاف، كما تعزز الاعتراف بكافة أشكال التعلم في بيئات مختلفة ودعم جميع الفئات العمرية للتفاعل في نطاق الأسرة والمجتمع والتعلم معاً، إذ نجحت مؤسسة برامج الطفولة والعمل الجماهيري (Trust) لبرامج تعليم الطفولة المبكرة في فلسطين في تنفيذ مجموعة من البرامج في مجالات تعليم الطفولة المبكرة والتثقيف الصحي، وتمكين المرأة ومحاربة الزواج المبكر، وتدريب المعلمين، مثل برنامج الأم الدليل، وبرنامج العب وتعلم.
4. دعم برامج محو الأمية
تتطلب محاربة الأمية والحد من آثارها السلبية جهود مشتركة من جميع المؤسسات والقطاعات الموجودة بالدولة، إذ يمكن للحكومات تخصيص بعض الموارد لحل مشكلة الأمية، وفرض إلزامية التعليم مع خفض رسومه، والاستفادة من تقنيات المعلومات والاتصالات الجديدة.
كما يمكن للأفراد المتعلمين المشاركة في فصول محو الأمية مجاناً، أو تنظيم دورات تعليمية لأطفال الحي أو حتى تقديم برامج تعليمية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
وشهدت المنطقة العربية إطلاق مبادرات تساعد في محو الأمية والتعلم مدى الحياة، إلى جانب تنويع برامج تعليم الكبار وتوظيف التكنولوجيا فيها، ففي عام 2017، انطلقت مبادرة تحدي محو الأمية بالتعاون بين مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، ومنظمة اليونسكو، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لتستهدف 30 مليون شاب وطفل عربي حتى العام 2030، إضافة إلى مساعدة الشباب والكبار في تنمية معارفهم ومهاراتهم، والمساهمة في رفاهيتهم الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز مستويات ثقافتهم.
وفي مصر، أطلقت وزارة التضامن الاجتماعي، مبادرة حياة كريمة بلا أمية في يوليو/تموز عام 2020، بهدف تعليم الكبار في 143 قرية فقيرة ضمن 11 محافظة، ونجحت في محو أمية 410 آلاف شخص، وساهمت الجامعات في جهود محاربة الأمية في مصر، وتمكنت خلال العام الجامعي 2021/2022، في محو أمية 395.5 ألف شخص.
5. تحسين الوصول إلى التعليم
يمكن اتخاذ عدة خطوات لتسهيل حصول الجميع على التعليم، منها وضع سياسيات تعليمية شاملة تركز على تطوير المناهج والمواد الدراسية لمساعدة الأجيال المقبلة في مواجهة التحديات المتغيرة، والاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في التعليم، وتشجيع الطلاب على التعليم من خلال تقوية علاقتهم بالمعلمين وتحسين البنية التحتية للمدارس، بالإضافة إلى إتاحة فصول تعليم الكبار في كل المدن والقرى لتمكين كبار السن من القدرة على القراءة والكتابة وتعلم مهارات جديدة.
6. حملات توعية
تساعد وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في محاربة الأمية، من خلال تنظيم حملات توعوية للتأكيد على أهمية التعلم، وعرض نماذج عن الدور الفعال للمتعلمين في تنمية المجتمع وتقدمه، فافتقار الأطفال والشباب إلى أساسيات القراءة والكتابة والمهارات الرقمية يؤدي إلى الأمية المعلوماتية وانتشار المزيد الأخبار الخاطئة والمزيفة.