بناء القدرات الجامعية على تفعيل مشاركة السكن بين الأجيال

6 دقائق
مشاركة السكن بين الأجيال

تعدّ تكلفة التعليم العالي في الولايات المتحدة عقبة رئيسية أمام من يريد متابعة مساره العلمي، لا سيما بالنسبة لأبناء الأقليات العرقية والإثنية وطلاب الجيل الأول (أول جيل يلتحق بالجامعة من أبناء العائلة)، ونتيجة لذلك بلغت ديون القروض الطلابية الوطنية ما يزيد على 1.6 تريليونات دولار، وتجاوز عدد المقترضين 45 مليون مقترض. إضافة إلى أن العديد من طلاب الدراسات العليا الذين يحملون عبء الديون الجامعية في أثناء سعيهم للحصول على شهادات عليا يواجهون صعوبة في العثور على مساكن بأسعار معقولة، وأحد أسباب ذلك هو عدم توفر شواغر لهم في معظم مساكن الطلاب الجامعية.

وفي نفس الوقت، تتراكم الديون على كبار السن الذين يعيش كثير منهم بالقرب من الجامعات ويحتاجون إلى مساكن ميسورة التكلفة، إذ ارتفع متوسط ديون البالغين الذين تجاوزوا سن 60 عاماً في الولايات المتحدة إلى 31,050 دولاراً في عام 2016، وهي قفزة بنسبة 23% مقارنة بعام 1989. توضح البيانات الفيدرالية التي حللها المعهد الحضري (Urban Institute)، أنه في عام 2019 كانت لدى نحو 9.18 مليون مواطن أميركي من أصحاب المنازل الذين تجاوزت أعمارهم 65 عاماً ديون مضمونة بالعقارات، أي أن عددهم ازداد بنسبة 60% بعد أن كان 5.82 مليون شخص قبل 10 أعوام. كما تشير مقالات أخرى في هذه السلسلة إلى أن كثيراً من كبار السن الذين لا يرغبون في الانتقال إلى دور العجزة لا يمكنهم تأمين تكاليف السكن، ويستفيدون من تأجير الغرف الشاغرة في منازلهم للبالغين الأصغر سناً.

التغلب على انعدام الأمن السكني

من أجل معالجة هذه التحديات، أطلق فريقنا في مركز الابتكار للصحة والشيخوخة التابع لجامعة نيويورك برنامج الإسكان المشترك بين الأجيال في 2018، من أجل تأمين السكن وتحقيق الأمن الاقتصادي لطلاب الدراسات العليا وكبار السن، والحد من عزلتهم الاجتماعية ودعم التلاحم بين الأجيال. يعكس هذا البرنامج جهود الجامعة المستمرة منذ 5 أعوام لتعزيز قدرة الطلاب على دفع التكاليف الجامعية، ومنح الأولوية للإنصاف ورعاية المسنين، ويتبع نهجاً مدروساً لإشراك طلاب الجيل الأول والأقليات العرقية والإثنية والنساء والأشخاص الذين يعيشون بمفردهم من أجل مشاركة السكن.

أفاد كبار السن بأنهم واثقون من رغبتهم في فتح منازلهم لاستقبال الطلاب الذين ينتمون إلى مؤسسة أكاديمية راسخة في المجتمع وأنهم مرتاحون لهذه الفكرة ويشعرون بالأمان لمجرد إدراك أنهم قادرون على التواصل مع أحد موظفي في الجامعة والتحدث معه مباشرة، لا سيما موظفي قسم العمل الاجتماعي. تمكن البرنامج حتى الآن من تحويل نحو 12 طالباً في الدراسات العليا إلى مؤسسة نيويورك للمواطنين المسنين، وهي شريكة مجتمعية راسخة تمكنت من التغلب على المخاطر القانونية، وتقديم خوارزمية مثبتة تجمع الطلاب والمسنين بحسب تفضيلات معينة مثل التدخين والحيوانات الأليفة والموقع الجغرافي والتكلفة، وبذلك يستطيع الطلاب ادخار مئات الدولارات شهرياً من تكاليف السكن ويستفيد كلا الطرفان من علاقات الصداقة الجديدة.

تضم الكليات والجامعات الأخرى التي أطلقت برامج الإسكان بين الأجيال في الولايات المتحدة جامعة واشنطن في مدينة سانت لويس التي تتيح لطلاب فرع الخدمة الاجتماعية الإقامة في شقق مستقلة ضمن منشآت الرعاية الدائمة للعجزة، وبذلك يتخلص الطلاب من دفع أجرة السكن بمقابل تنظيم أنشطة اجتماعية للمسنين. خذ مثلاً آخر مركز بروكديل للشيخوخة في كلية هانتر (Brookdale Center for Aging at Hunter College)، الذي لم يبدأ نشاطه بالكامل بعد بسبب جائحة كوفيد-19، ولكنه يطمح إلى تحديد كبار السن ذوي الدخل المنخفض في حي هارلم بمدينة نيويورك الذين قد يرغبون في تأجير غرف من منازلهم لطلاب الدراسات العليا.

نظراً للاهتمام الجديد المتزايد لدى الجامعات بمشاركة السكن بين الأجيال، قادت مؤسسة جينيريشنز يونايتد (Generations United) مبادرة لجمع أعضاء هيئة التدريس والممارسين معاً من أجل تبادل الأدوات الفعالة والدروس المستقاة من خبراتهم، حيث يساهم أكثر من 20 جامعة ومؤسسة مجتمعية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، من هاواي إلى مدينة نيويورك، في إنشاء هذا النوع من البرامج وتوسيعها. أثبتت هذه المبادرة أن تطبيق الأفكار الثلاثة التالية يعود بفائدة كبيرة:

1. المواءمة بين توقعات الطرفين

يرغب كثير من المسنين الذين يختارون تأجير جزء من منازلهم لطلاب الدراسات العليا بتقديم الإرشاد والرعاية لهم وبناء علاقات صداقة معهم، وينتقون عادة الطلاب الذين سيستقبلونهم في منازلهم بعناية ويحرصون على الاستفادة من كل لحظة. وفي المقابل يكون الدافع الرئيس لدى طالب الدراسات العليا هو الحصول على سكن منخفض الأجرة يضمن له مساحة معيشة خاصة به في موقع قريب من مقر الجامعة، ويشارك في البرنامج عموماً من باب التجربة؛ لذلك لا بُد من أن توائم هذه البرامج بين توقعات الطرفين منذ البداية.

تعلمنا من برنامجنا في جامعة نيويورك أنه من الضروري أن تراعي عملية المطابقة بين المسنين والطلاب الأهمية البالغة التي يوليها الشباب لتنمية هوياتهم واستقلاليتهم وشغفهم، وأنه لا بد من أن يحترم المسنون الحدود الواضحة. مثلاً، عندما قررت امرأة ذات بشرة ملونة في السبعينيات من عمرها الانضمام إلى برنامجنا، بحثت عن طالبة دراسات عليا ذات بشرة ملونة أيضاً كي تتمكن من تقديم الإرشاد لها، وعلى الرغم من أن الطالبة التي اخترناها بدت مناسبة جداً في البداية، فقد كانت ترغب بشدة في الاستقلالية واعتبرت رغبة صاحبة المنزل في تقديم الإرشاد لها تطفلاً وتقمصاً لدور الأم. لذلك أنهت اشتراكها في البرنامج بعد فصل دراسي واحد وانتقلت إلى سكن مشترك مع شابات في مثل سنها على الرغم من بعده عن الحرم الجامعي وارتفاع أجرته.

لذا عدّلنا أسلوب المطابقة بين الشباب والمسنين في البرنامج منذ ذلك الحين ليركز على أهداف بناء علاقات الصداقة والروابط المجتمعية بدلاً من التركيز على الجوانب التبادلية، وبالنتيجة أصبحنا نختار الطلاب الذين يبحثون عن سكن بأجرة مقبولة ويرغبون في بناء علاقات مع أصحاب المنازل المسنين في آن معاً. مثلاً، نشأت صداقة بين طالب دراسات عليا مغترب وشريكه المسن في السكن الذي جمعه برنامجنا به، بعد أن حققا توازناً بين احترام حاجة كل منهما للاستقلالية وتقاسم مسؤولية الأعمال المنزلية.

2. فهم معنى "البيت"

ينشأ في معظم الأحيان توتر واضح بين كبار السن واليافعين حول المكان المشترك، ففي كثير من الأحيان يبدي المسنون تعلقاً شديداً بالأماكن والعائلة والأصدقاء والجيران الذين كان لهم دور مهم في حياتهم، وترتبط أشياء كثيرة في منازلهم بالذكريات والعواطف والهوية وتحمل معان رمزية، وفي المقابل يشتكي أغلب الطلاب من حرمانهم فرصة إضفاء طابعهم الشخصي على الحيز الذي يشغلونه من المنزل. يقتضي التخفيف من حدة هذا التوتر أن تجري هذه البرامج تدريبات على إجراء مقابلات مع الطلاب المتقدمين وتقييمهم، وتقييم المنازل بدقة وتنظيم لقاءات دورية مع أصحاب المنازل والطلاب المستأجرين لمتابعة تطور العلاقات بينهم؛ مثلاً، قد تكون بعض غرف النوم مجهزة بأسرّة أطفال لا تلائم الطلاب الجامعيين، كما أنه من المفيد التحدث إلى كبار السن مسبقاً حول طريقة إفساح المجال لإقامة الطلاب في منازلهم نظرياً وفعلياً.

يستدعي ذلك أحياناً التحدث مع صاحب المنزل المسن حول ما يعنيه إخلاء غرفة نوم، قد تكون غرفة كانت الزوجة المتوفاة تستخدمها مكتباً للعمل، أو غرفة الابن الذي انتقل من المنزل ليعيش بمفرده. في كثير من الأحيان تكون صاحبة المنزل امرأة أرملة، فنتحدث إليها عن وفاة زوجها وأثرها في تغيير معنى "البيت" في نظرها، وعما ستمر به في المرحلة المقبلة من حياتها، يدور هذا الحوار حول تجاوز مرحلة مميزة من حياتها، والاعتراف بميزات شريكها الراحل واحترام ذكرياتها معه وحفظ ذكراه، وفهم ضرورة إفساح المجال لدخول شخص جديد إلى حياتها.

ولدعم الطلاب، نقدم لهم إعانة بسيطة قدرها 500 دولار لشراء الأثاث الذي يعتبرونه ضرورياً للتعبير عن هويتهم ولدعم أدائهم الأكاديمي، مثل سرير أكبر أو منضدة ملائمة أو لوحة جدارية، حتى أن أحد الطلاب اشترى ثلاجة صغيرة ليضعها في غرفة نومه، كي لا يتناول شريكه في السكن أطعمته ومشروباته المفضلة خطأً.

3. تجاوز العقبات التي تفرضها السياسات

أخيراً، تشكل خطورة خسارة الامتيازات الصحية والامتيازات العامة الأخرى مصدر قلق كبير بين المسنين ذوي الدخل المتدني الذين يعيشون في السكن الشعبي، كما أن تبادل الخدمات أو الحصول على الدخل يهدد أهليتهم للانضمام إلى برامج مثل برنامج دخل الضمان الاجتماعي الإضافي (Supplementary Security Income - SSI)، وبرنامج المساعدة الغذائية الإضافي (Supplemental Nutrition Assistance Program - SNAP)، وبرنامج المساعدة الطبية (مديكيد) (Medicaid)، وبرنامج إعفاء المسنين من زيادة الإيجار (Senior Citizen Rent Increase Exemption)، إلى جانب أن الكثير منهم يواجهون قيوداً مفروضة على بنية المنازل وسياسات البلدية الأخرى التي تمنعهم من تأجير الغرف لطلاب الدراسات العليا. نتيجة لهذه العقبات سيكون من الحكمة في كثير من الحالات استهداف المسنين غير المؤهلين لمعظم هذه البرامج الحكومية ممن يواجهون صعوبات مالية ويحتاجون إلى دخل إضافي، ومع ذلك ينبغي لبرامج الجامعات لمشاركة السكن أن تسعى لإزالة حواجز السياسات عند الإمكان.

بدأنا مؤخراً مناقشة هذه القضايا مع واضعي السياسات في مديرية شؤون المسنين في مدينة نيويورك ولجنة إيج سترونغ (Age Strong Commission ) في بوسطن، إلى جانب رؤساء بلديات المدن آملين أن تعفى المشاركة في برامج مشاركة السكن وخدماتها من ضريبة الدخل. وقد أعرب السيناتور الأميركي رون وايدن مؤخراً عن اهتمامه بتعديل السياسات الفيدرالية من أجل دعم مشاركة السكن بين الأجيال. من الضروري أن تستمر مساعي التعاون مع واضعي السياسات، ونحن بحاجة إلى مزيد من الأدلة على النتائج الإيجابية التي تحققها مشاركة السكن للأجيال المختلفة كي نتمكن من تعديل القوانين الحالية.

تحديات فريدة وفوائد جمّة

لم تحقق مشاركة السكن بين مختلف الأجيال كل الفوائد التي تعد بها بعد، وعلى الرغم من أنها تُظهر تحديات فريدة مرتبطة بالاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية المختلفة لدى السكان الشباب والمسنين، فبإمكاننا الاستفادة من بعض الحلول الواعدة مثل تحسين عملية مطابقة الطلاب مع المسنين أصحاب المنازل ورسم حدود واضحة بينهم ومشاركة الأدلة مع واضعي السياسات حول عقبات هذه البرامج وفوائدها. كانت حالات مشاركة السكن الناجحة في برنامجنا مصدر إلهام لنا، ونحن عازمون على التوصل إلى طرق لتوسيع نطاق هذه التجارب بهدف تعزيز التعليم والسكن ميسورَي التكلفة، وتوطيد شعور أبناء مختلف الأجيال بالانتماء إلى المجتمع.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي