تعزيز التنوع في القطاع التكنولوجي بالاستثمار المدروس في التعليم العالي

7 دقائق
مؤسسات التعليم العالي

كشفت جائحة كوفيد-19 عن أوجه التفاوت الاجتماعي في الولايات المتحدة، وأطلق مقتل جورج فلويد شرارة الاحتجاجات التي تطالب بتحقيق العدالة العرقية على مستوى البلاد، كما أن شركات التكنولوجيا التي ارتفعت إيراداتها خلال هذه الفترة التاريخية واجهت ضغوطاً شعبية متصاعدة لتعزيز التنوع والمساواة والشمول في قطاعها. وعلى الرغم من أن شركات أمازون وآبل وجوجل وفيسبوك وغيرها أعلنت عن أنها تتبع طرقاً مختلفة للتقدم باتجاه تحقيق العدالة العرقية، فقد برز نهج يستحق أن نوليه اهتماماً أكبر يتمثل في دعم المؤسسات التعليمية التي تلي مرحلة الدراسة الثانوية لزيادة أعداد الموظفين من أصحاب البشرة الملونة في مجال التكنولوجيا.

في عام 2017، تم تخصيص 3% فقط من أموال التبرعات الخيرية التي يقدمها قطاع التكنولوجيا لدعم برامج علوم الكمبيوتر في المرحلة الجامعية، بمقابل تخصيص نسبة 66% للبرامج الموجهة لمدارس المراحل التعليمية من رياض الأطفال وحتى نهاية المرحلة الثانوية، والتي تسمى اختصاراً "كيه 12" (K-12). هذا التوزيع مختل، فهو قائم على افتراض أن الاستثمار في المراحل التعليمية من رياض الأطفال وحتى نهاية المرحلة الثانوية فقط يكفي لدفع عجلة التغيير بسرعة وكفاءة، لكن الوضع الحالي في مجال تعليم الحوسبة يثبت العكس؛ أقل من نصف المدارس الثانوية العامة تدرّس طلابها مقررات علوم الكمبيوتر الأساسية، ويقدّم عدد أقل بعدُ البرامج المتقدمة والمتخصصة أكثر من أجل تحديد مجال الدراسة الجامعية الذي سيختاره الطالب. ففي كاليفورنيا مثلاً نرى أن احتمالات تقديم برامج تعليمية متقدمة في علوم الكمبيوتر في مدارس المناطق الفقيرة أقل بأربع مرات مقارنة بمدارس المناطق الأخرى، واحتمالات تقديمها في مدارس الأرياف أقلّ بسبع مرات. لذلك لم يتمكن الاستثمار المركّز في مراحل التعليم من رياض الأطفال وحتى التعليم الثانوي المستمر منذ عقود طويلة بعدُ من تحقيق التنوع المنشود في قطاع التكنولوجيا.

لكن ثمة جوانب مشرقة؛ فقد تمكن برنامج تعليمي متقدم جديد لتحديد مجال الدراسة الجامعية من جذب عدد أكبر من طلاب المدارس الثانوية من الإناث وأصحاب البشرة السمراء واللاتينيين إلى قطاع التكنولوجيا. لكن هذه البرامج وغيرها لا تنهي مشكلة عدم توفر البرامج التعليمية الأساسية التي تثير اهتمام الطلاب غالباً بدراسة علوم الكمبيوتر في المرحلة الجامعية، ونتيجة لذلك نرى أن قطاع التكنولوجيا عاجز عن تحسين مستوى التنوع بين الموظفين الحاصلين على التدريب الكافي للعمل في هذا القطاع؛ خذ مثلاً النساء ذوات البشرة السمراء واللاتينيات ومن سكان أميركا الأصليين، إذ حصلن جميعهنّ على 4% فقط من شهادات علوم الكمبيوتر في عام 2017 علماً أن هذه النسبة بلغت 7% في عام 2003.

نحن لا نحطّ من شأن الاستثمار في مدارس المراحل التعليمية من رياض الأطفال وحتى التعليم الثانوي، ولكن لدينا أسباباً وجيهة تؤكد أن بذل المزيد من الجهد لدعم مؤسسات التعليم العالي سيؤدي إلى رفع مستوى التنوع والمساواة والشمول في قطاع التكنولوجيا، ولكن يجب القيام بذلك على نحو مدروس كي نتمكن من تصحيح عيوب النهج الحالي ومعالجة المشكلات التي تعانيها هذه الجامعات. تستند ملاحظاتنا إلى خبراتنا التي يصل مجموعها إلى عدة عقود عملنا فيها ضمن الوسط الأكاديمي وفي مناصرة الشركات، إذ شهدنا عن كثب أن قطاع التعليم العالي والقطاع الخاص قادرَين على دفع عجلة التغيير نحو تحقيق التنوع، أو الحفاظ على الوضع الراهن بالامتناع عن اتخاذ أي خطوة.

تتمثل إحدى ميزات الجامعات في سعة نطاق المقررات التعليمية التي تقدمها، والتي تبدأ بدروس تمهيدية وتنتقل إلى دروس متقدمة أكثر، وعلى عكس كثير من مدارس المراحل التعليمية من رياض الأطفال وحتى نهاية المرحلة الثانوية، تستطيع الجامعات تعريف الطلاب على علوم الكمبيوتر وتنمية اهتمامهم بهذا المجال. كما أن مؤسسات التعليم العالي تستطيع المساعدة على تلبية الحاجة إلى تحقيق التنوع والمساواة والشمول على اعتبارها حاجة ملحة، وأبناء الفئات المهمشة الذين يحملون شهادات في علوم الكمبيوتر لديهم فرص ممتازة لشغل وظائف في قطاع التكنولوجيا على الفور، وهذا يساعد في تقدمنا نحو تحقيق المساواة من خلال تغيير ظروفهم بطريقتين رئيستين؛ تتمثل الأولى في أنهم سيشغلون وظائف بأجور مجزية تساعد في تعزيز ترقيهم الاقتصادي، أما الثانية فهي أنهم سيعملون على تحسين المعايير والروايات والثقافات من داخل القطاع نظراً لحصولهم على وظائف لدى شركات التكنولوجيا بفضل حصولهم على الدرجات الجامعية.

وعلى الرغم من أننا نعتقد أن قيام قطاع التكنولوجيا بمزيد من الاستثمارات في قطاع التعليم العالي سيصحح المسار الحالي، فمن الضروري أن يقوم بهذه الاستثمارات على نحو استراتيجي، إذ إن الأمر ليس بسيطاً بساطة اختيار جامعة وتحديد مبلغ مالي معين. ومن أجل اعتبار التنوع قيمة أساسية في الجهود المبذولة، يجب اتباع 3 قواعد.

1. الخروج عن المألوف

تنتقي الشركات كثيرة موظفيها من نفس المؤسسات التعليمية مرة تلو الأخرى، ومع ذلك تتساءل عن سبب عدم تنوع قوتها العاملة، الجواب واضح وضوح الشمس؛ إذا رغبت الشركات في تحقيق نتائج أفضل فعليها أن تبحث عن موظفين جدد في المؤسسات التعليمية المتاحة بدرجة أكبر للطلاب أصحاب البشرة السمراء والملونة، ومنها الكليات المجتمعية والجامعات الحكومية والجامعات المعروفة تاريخياً بأنها مخصصة لأصحاب البشرة السمراء والمؤسسات التي تخدم ذوي الأصول الإسبانية والكليات المخصصة لأبناء قبائل الشعوب الأصلية.

سنتمكن من توضيح حجم المشكلة إذا ألقينا نظرة على بيانات النساء ذوات البشرة السمراء وذوات الأصول اللاتينية والمنتميات إلى الشعوب الأميركية الأصلية، إذ سنلاحظ نقصاً كبيراً في تمثيلهن ضمن هذا القطاع، وبما أنهن نساء وذوات بشرة ملونة في آن معاً فهنّ يعانين القمع المنهجي والإقصاء على الجبهتين؛ من بين نحو 93 ألف خريج من فرع علوم الكمبيوتر بالولايات المتحدة في عام 2019، كان عدد النساء ذوات البشرة السمراء واللاتينيات والمنتميات إلى الشعوب الأميركية الأصلية 3,968 امرأة فقط، ارتادت 225 خريجة منهنّ فقط (5.7% من المجموعة) واحدة من أفضل 20 كلية وفق تصنيف أفضل كليات علوم الكمبيوتر في عام 2018 الذي وضعته الشبكة الإعلامية يو إس نيوز آند وورلد ريبورت (US News & World Report). وارتادت 382 منهن فقط (9.6% من المجموعة) واحدة من أفضل 40 كلية. ولذلك يكون تبني استراتيجيات توظيف تمنح الأولوية لأفضل الكليات بمثابة تجاهل لنحو 90% من المرشحات للوظائف من النساء ذوات البشرة السمراء والأصول اللاتينية والمنتميات إلى الشعوب الأميركية الأصلية الحاصلات على شهادات في علوم الكمبيوتر.

يجب على شركات التكنولوجيا التي تعتزم تحقيق التنوع أن تعيد النظر في اختيار المؤسسات التعليمية التي تعين موظفيها منها، وإلا فستجازف باستبعاد معظم أصحاب المواهب.

2. لا تفترض أنك تعرف ما تحتاج إليه الجامعات

تختلف ثقافة التعليم العالي بدرجة كبيرة عن ثقافة قطاع التكنولوجيا، وتقديم التبرعات مع الكثير من الشروط سيكون محبطاً وغير مفيد. لذلك تتشكل أنجح الاستثمارات في مجال التعليم العالي من إجراءات تعاونية حيث تعمل المؤسسة التعليمية بالتعاون مع شركة التكنولوجيا المتبرعة على تصميم النهج الذي يعود بالفائدة عليهما معاً.

تتمثل الخطوة الأولى لبناء التعاون ببساطة في أن تصغي شركات التكنولوجيا إلى مؤسسات التعليم العالي. يجب أن تحرص على التواصل المباشر مع أساتذة علوم الكمبيوتر وعمداء الكليات، إذ من الممكن أن تتوصل بذلك مثلاً إلى أن التبرع بمنتجاتها لن يكون مجدياً إذا كان مدرسو الكلية يفتقرون إلى موارد الوقت والمال الأساسية لتعلّم طرق استخدام هذه المنتجات ودمجها في المناهج التعليمية، وأنه من الأفضل القيام باستثمارات من نوع آخر مثل الاستثمار في مِنح الأستاذية. ثم يمكن أن تعين المؤسسة التعليمية عضواً في الهيئة التدريسية قادراً على تكريس وقته لتحقيق أقصى استفادة من المنتجات التي تبرعت بها الشركة.

خذ مثلاً الدورة التعليمية في هندسة المبيعات التي أقامتها شركة ديل تكنولوجيز (Dell Technologies) في جامعة كلارك أتلانتا (Clark Atlanta University) وكلية مورهاوس (Morehouse College) وكلية سبيلمان (Spelman College) في مدينة أتلانتا. بدأت القصة عندما أدرك موظفو شركة ديل تكنولوجيز أن الطلاب الذين يتخرجون في الكلية لا يتقدمون لشغل شواغر في هندسة المبيعات لأنهم لا يعرفون ما يقتضيه هذا الدور، فأخذوا يتساءلون عن الطرق الممكنة للتعاون مع مؤسسات التعليم العالي، لا سيما جامعات ذوي البشرة السمراء وكلياتهم التاريخية، لإعداد الطلاب الذين يستهان بقدراتهم ولا تستثمَر للعمل في الوظائف التقنية التي تنتظرهم في قطاع التكنولوجيا، وأقاموا دورة تدريبية على مدى 16 أسبوعاً يدرّس فيها بصورة أساسية المسؤولون التنفيذيون في شركة ديل الذين وضعوا المنهج الدراسي لها بالتعاون مع الهيئات التدريسية في مجال علوم الكمبيوتر. قال أكثر من 90% من الطلاب الذين التحقوا بهذه الدورة إنهم ينصحون زملاءهم بها، كما أنها صنفت بين أفضل 10% من المقررات التعليمية التي نالت استحسان الطلاب في كلية مورهاوس، ووظفت شركة ديل نسبة تزيد على 15% من الأشخاص الذين درسوا هذا المقرر في وظائف بدوام كامل.

3. احرص على تدريب الطلاب لضمان نجاحهم

في الأعوام الخمسة عشر الماضية، ازداد الاهتمام بتخصصات علوم الكمبيوتر بدرجة هائلة في جميع أنحاء الولايات المتحدة. لكن لطالما شكلت محاولة استبقاء الطلاب ذوي البشرة السمراء واللاتينيين وأبناء الشعوب الأميركية الأصلية والنساء لمتابعة دراستهم الجامعية وتحصيل شهادتها تحدياً دائماً. تشمل أسباب انسحاب هؤلاء الطلاب من الجامعة قبل التخرج افتقارهم إلى الدعم وقلة أعداد الأشخاص الذين يمكنهم الاقتداء بهم، وانعدام شعورهم بالانتماء وعوامل أخرى، وحتى من يحصلون على وظائف في مجال الكمبيوتر يفضي بهم الأمر إلى الشعور بأن ثقافة مكان العمل تستبعدهم ولا تتطابق مع البيئات التي ينتمون إليها وتجاربهم السابقة.

لذلك يجب أن ينطوي الحلّ على الاستثمار في البرامج التي تدرب الطلاب على اكتساب المهارات الشخصية التي تساعدهم على التعامل مع التحديات غير التقنية التي تواجههم نظراً لانتمائهم إلى الفئات ناقصة التمثيل في قطاع تملؤه التحديات. يمثل تطوير المهارات الشخصية عقبات غير متوقعة يمكن أن تواجه الأشخاص الذين يحاولون الانضمام إلى القوة العاملة، لا سيما أنه من النادر أن يتعلموا هذه السلوكيات بالأساليب الرسمية، ولكنهم يتعلمونها بصورة عملية من خلال ما يتعرضون له على أرض الواقع. تلبي الاستثمارات الخيرية هذه الحاجة بعدة أساليب مختلفة تشمل برامج لإنشاء جسور بين الثقافات وتوفير فرص التوجيه وفرص التدريب الداخلي وإقامة الفعاليات ضمن القطاع على سبيل المثال لا الحصر.

خذ مثلاً برنامج التوجيه الذي صممته شركة مايكروسوفت بالتعاون مع كلية ماونت هوليوك (Mt.Holyoke College)؛ فهو يعزز نوعين من التوجيه: توجيه الأقران الذي يتعاون فيه عدد أكبر من طلاب السنوات المتقدمة مع الطلاب المسجلين حديثاً في الكلية، وتوجيه القطاع الذي يتعاون فيه طلاب علوم الكمبيوتر مع موظفي شركة مايكروسوفت. يتمثل الهدف من هذه البرنامج في غرس ثقافة علوم الكمبيوتر الشاملة التي تخفض نسب استنزاف الطلاب وتعلمهم الممارسات التي تعزز قدرتهم على التحمل، مثل طريقة تبني عقلية النمو، وشارك فيه حتى الآن 1,062 طالباً تشكل النساء وأصحاب البشرة الملونة 40% منهم، إلى جانب نحو 200 موظف من شركة مايكروسوفت. قال أحد الطلاب: " ساعدني البرنامج على بناء المرونة المعرفية اللازمة للنهوض بعد الفشل وتجربة أساليب جديدة، كنت أفكر في الانسحاب من هذا التخصص قبل المشاركة في البرنامج، لكني واثق الآن من انتمائي إليه وقدرتي على النجاح فيه".

سد الفجوات

لا يمكن إنكار أن قطاع التكنولوجيا يملك المال والموارد اللازمة لتحويله إلى قطاع متنوع يمثل كافة أطياف المجتمع، ومع أن التعليم العالي هو واحد فقط من مجالات الاستثمار في تعزيز التنوع والمساواة والشمول، إلا أنه يستحق أن ينال اهتماماً جدياً واستراتيجياً. ونحن بحاجة إلى التبرعات الموجهة والشراكات التي تستهدف مجموعة واسعة من المدارس وتفهم الاحتياجات الخاصة لدى الجامعات، وتدرب الطلاب على المهارات المهنية والشخصية. وإن لم نتبع هذا النهج الشامل فلن يتمكن قطاع التكنولوجيا من سد فجوات التفاوت العرقي والقائم على النوع الاجتماعي التي تشوه سمعته وأصبحت جزءاً من هويته.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي