5 مهارات يمكن لكليات إدارة الأعمال أن تنميها لدى طلابها

كليات الأعمال
(الصورة: آيستوك/فونغليون356)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

نعلم أن التفاوت الاقتصادي في الولايات المتحدة يزداد على نحو مطّرد منذ ثمانينيات القرن الماضي، وأدت جائحة كوفيد-19 واستجابة العالم لها على مدى العامين الماضيين إلى زيادة هذا التفاوت وإبرازه بصورة أوضح. خذ مثلاً الموظفين “الأساسيين” في المجالات المختلفة، إذ ازدادت أعباء عملهم وانخفضت أجورهم بدرجة كبيرة وباتوا يعملون ضمن شروط خطِرة غالباً، في حين يعمل موظفو المعرفة بأمان من منازلهم ويحققون في كثير من الأحيان مستوى أعلى من الأمان المالي.

على اعتباري عالمة اجتماعية، أهتم بتأثير هذا النوع من التفاوت وطرق انضمام الأفراد إلى فريق النخبة الاقتصادية وتصوراتهم لمراكزهم الاجتماعية وتفسيرهم لها. إحدى أهم الطرق التي يتبعها الأميركيون لبناء هوياتهم وتشكيلها هي المؤسسات الأكاديمية، مثل المدارس والجامعات، ومع تنامي التفاوت في الدخل وفي توزيع الثروات أصبح دور هذه المؤسسات كبيراً في تحديد المرجّح أو غير المرجّح وصوله إلى شريحة أصحاب الدخل الأعلى.

من غير المفاجئ أن تحرص صفوة كليات الأعمال على تدريب كثير من أفراد النخبة الاقتصادية في بلادنا، فكثير ممن يشغلون المناصب التنفيذية العليا يحملون درجات ماجستير إدارة الأعمال من هذه الكليات، وكذلك الأمر بالنسبة للمصرفيين الاستثماريين وخبراء الخدمات المالية والمستشارين الإداريين والعاملين في التكنولوجيا ومدراء الشركات وخبراء التسويق الذين يؤثرون بشدة في طرق عمل القطاع الخاص. تساعد الدراسة في برامج درجة ماجستير إدارة الأعمال التي تقدمها هذه الكليات الخريجين في الحصول على وظائف بأجور عالية ومراكز رفيعة المستوى، فضلاً عن أنها تصقل فهمهم لدور رجال وسيدات الأعمال أو القادة بطرق معينة.

أجريت بحثاً بين عامي 2017 و2019 على الثقافة والمناهج الدراسية في صفوة كليات الأعمال، حيث أجريت مقابلات شخصية مع الطلاب والخريجين وتحدثت إلى الأساتذة وحضرت بعض المحاضرات وراجعت مواد المقررات التعليمية وغيرها من الوثائق، ونما لدي اعتقاد من خلال هذا البحث أنه في حين تهيئ هذه الكليات خريجيها لقيادة الشركات وتحقيق الأرباح لها وتعدّهم لتسلم هذه الأدوار، فهي لا تطور رجال وسيدات أعمال مزودين بما يكفي من المهارات لوضع الشركات الخاصة في خدمة الصالح العام.

الفجوة المتنامية بين الأغنياء والفقراء في المجتمع غير مقبولة، ويدل ركود الأجور المستمر منذ عقود على أن العمل لم يعد وسيلة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي بالنسبة لمعظم الأميركيين. لذلك يجب على المؤسسات التعليمية وكليات الأعمال على وجه التحديد المساعدة في تقليص هذه الفجوة عن طريق تطوير القادة الذين يسهمون في تحقيق الصالح العام، ويمكنها تحقيق ذلك باتباع 5 طرق مهمة.

1. التوقف عن معاملة الطلاب على أنهم عملاء

تنتشر في صفوة كليات الأعمال ثقافة قوية تتعامل مع الطلاب على أنهم عملاء يدفعون المال في المقام الأول لا طلاب يجب تعليمهم وتحدّيهم، وهي كما قال الكاتب والباحث ويليام ديريزيويتز تسبب تغييراً جوهرياً في العلاقة التعليمية بين الطلاب وأساتذتهم، ولكن ليس للأفضل. تظهر هذه الثقافة في صفوة كليات الأعمال من خلال كل من سياسات عدم الإفصاح عن الدرجات الشديدة الانتشار التي تعتبر أن الأعمال المرتبطة بالمقررات الدراسية أقل أهمية من الأنشطة الاجتماعية خارج إطار المنهاج الدراسي، وتقليص المنهاج الدراسي الأساسي المطلوب حيث يمكن للطلاب التحكم بدرجة كبيرة فيما يأخذونه من المواد الدراسية المقررة، وتزايد أهمية التقييمات التي يمنحها الطلاب للأساتذة في مراجعات أداء الهيئة التدريسية.

تحفز هذه الشروط الأساتذة لتلبية احتياجات الطلاب على المدى المنظور، كما أنها تدفع المدرسين لتفادي المواضيع الصعبة وتقوض قدرتهم على إخراج الطلاب من منطقة راحتهم. يقول الأستاذ السابق في كلية هارفارد للأعمال، مايكل أنتيبي، إن الأساتذة الذين يحصلون على درجات عالية في تقييم الطلاب هم الذين يلقون محاضرات شبيهة بالأداء المسرحي ومعدّة بعناية وبتوقيت مدروس، ويستخدمون فيها أدوات مثل الألعاب، وليس على الطلاب القيام بكثير من التحضير لأجلها.

تزامنت شعبية هذا الأسلوب في التدريس مع فرض الجامعات سياسات رسمية وغير رسمية تولي أهمية كبيرة لأبحاث الأساتذة على حساب عملهم في التدريس، ما يؤدي إلى تحفيز الأساتذة بدرجة أكبر لتفادي اتباع أسلوب تعليمي يقوم على دفع الطلاب أو تحديهم للقيام بأعمال أصعب ومتطلبة أكثر لأن ذلك يتطلب من الأساتذة عادة تكريس وقت أكبر. يدرك الأساتذة الذين تحدثت إليهم هذه الديناميكية بوضوح، ويشعر بعضهم بالاستياء منها، كما عبر عدد منهم عن انسحاب بعض طلاب برنامج ماجستير إدارة الأعمال الذين لا يميلون بدرجة كبيرة نحو الأعمال الأكاديمية مقارنة بطلاب الدراسات العليا الآخرين ولا يفضلون المحاضرات الدراسية بقدر تفضيل الطلاب الجامعيين لها. وصف أحد الأساتذة طلاب درجة الدكتوراة بأنهم “فئة الاستهلاك الفاخرة” بالنسبة للأساتذة، ووصفوا طلاب درجة ماجستير إدارة الأعمال بأنهم يستهلكون قيمة الهيئة التدريسية على صعيد التدريس (لاحظ اللغة المليئة بالاعتبارات الاقتصادية).

وإذا عادت المؤسسات التعليمية إلى اعتبار الطلاب طلاباً فستتمكن من الارتقاء بمستوى جودة التعليم الذي تقدمه لهم وتجربة الأساتذة الذين يستمتعون بتدريس الطلاب الأكثر تفاعلاً. لذلك يمكن لبرامج درجة ماجستير إدارة الأعمال التي تقدمها صفوة كليات الأعمال أن تلغي سياسات عدم الإفصاح عن الدرجات والتفكير في وضع سياسات أكثر صرامة للتقييم وتحديد الدرجات مع التقليل من أهمية تقييم الطلاب للأساتذة في مراجعات تثبيتهم وترقيتهم. كما يساعد تقليص عدد الطلاب في القاعة الدراسية على الرغم من تكلفته في إتاحة المجال لتفاعل الأستاذ مع الطلاب عن قرب أكثر وتوجيههم لخوض تحليلات ومناقشات أعمق. وأخيراً، يمكن أن تزيد كليات الأعمال عدد المقررات الدراسية المطلوبة لتتضمن مجموعة أوسع من المواضيع التي تتعدى المواد الأساسية مثل قواعد المحاسبة وعلم الاقتصاد والتمويل وتشمل مواضيع مثل تاريخ الشركات والرأسمالية، أو علاقات العمل في الولايات المتحدة، أو السياق الاجتماعي للأعمال.

2. استخدام دراسات الحالة بطرق إبداعية أكثر

تنقل برامج ماجستير إدارة الأعمال التي تقدمها صفوة كليات الأعمال نظرتها للعالم إلى طلابها عبر الاستخدام الكبير لنهج دراسة الحالة؛ وهو أسلوب تعليمي طورته كلية هارفارد للأعمال يقوم على استخدام دراسات الحالة لتحفيز النقاش حول مواقف واقعية مر بها رجال وسيدات أعمال حقيقيون، ولكن الطرق المعتادة لكتابة دراسات الحالة وتدريسها تثير إشكالية لسببين.

السبب الأول هو أن الأشخاص الذين تتحدث دراسة الحالة عنهم هم من يقومون بفحصها وتدقيقها، وبالتالي فهي تروى من منظور قائد شركة لا يلقى ممن حوله سوى المديح وربما التمجيد أيضاً. يسبب اتباع هذا الأسلوب في كتابة دراسة الحالة صعوبة فهم وجهات النظر الناقدة والمختلفة، ولا أظن أن ثمة مدرسة أو نظاماً آخر يقدم المعلومات بهذه الطريقة. على الرغم من أن بعض خبراء علم النفس وعلم الأنثروبولوجيا يطلبون من القائد الذي تدور دراسة الحالة حوله تأكيد ملاءمة الصورة التي يقدمونه بها في كتاباتهم وتحليلاتهم، فإن هذا بعيد كل البعد عن السماح له بالموافقة أو عدم الموافقة على الصورة التي تقدمها دراسة الحالة عنه.

والسبب الثاني هو أن الأساتذة لا يشجعون الطلاب على التفكير في المعلومات الخارجية أو يمنعونهم من السعي للحصول عليها، خذ مثلاً مخطط أحد المقررات الدراسية التي أجريت دراسة عليها في مادة القيادة، إذ ذُكرت فيه عبارة صريحة تقول: “رجاءً عدم إجراء أي بحث إضافي على الحالة المذكورة فيما يتعدى الوثائق التي يقدمها قائد المقرر”. أكد معظم الطلاب الذين قابلتهم أنه لم يكن من الشائع إدخال حقائق أو معلومات من خارج دراسة الحالة، ولكن على الرغم من أن أحد أسباب صعوبة دراسات الحالة هو الاضطرار إلى بناء الأجوبة حسب المعلومات التي تعرضها فقط، فهي تفتقر إلى السياق المهم غالباً. قد يمتلك الطلاب معلومات حول عدد الموظفين في شركة ما مثلاً وبيانات الأرباح والخسائر فيها، ولكنهم لا يملكون معلومات عن مستويات البطالة في المجتمع الذي يعمل المصنع ضمنه أو عن شروط العمل، هذا الأسلوب يعلّم الطلاب الاستجابة لأوجه معينة من الحالة فقط وبطرق محدودة للغاية.

خذ مثلاً دراسات الحالة المتعلقة بشركة إنرون (Enron) التي تنطبق عليها هذه المشكلة، لأنه من الشائع الاستشهاد بفضيحتها لتأكيد ضرورة تعليم الأخلاقيات في كليات الأعمال. في مخطط المقرر الدراسي الذي أجريت عليه دراستي لاحظت 3 حالات مستخدمة في تدريس حالة شركة إنرون للطلاب، وكلها تدور حول المنظور نفسه نسبياً (انظر هنا وهنا وهنا). توضح جميعها كيف جنى مسؤولو شركة إنرون التنفيذيون أرباحاً من الاحتيال على المساهمين باتباع أساليب محاسبية خادعة للغاية وتقديم تقارير مضللة، ولكنها لا تتعمق في مناقشة ما فعلوه حين دفعوا الموظفين لاستثمار مدخرات تقاعدهم في أسهم الشركة التي باعوها لهم ثم منعوهم من بيعها في الأسابيع الثلاثة التي انهارت فيها أسعارها إلى حدود الصفر، كما أنها لم تناقش أن الشركة قدمت إلى حكومة ولاية كاليفورنيا معلومات زائفة حول إمدادات الطاقة، وأنها بحسب تلخيص صحيفة الغارديان “أوقفت محطة توليد واحدة على الأقل بذرائع كاذبة، وتعمدت تصعيد مشكلة انقطاع التيار الكهربائي في ولاية كاليفورنيا في عام 2001 بهدف رفع الأسعار”.

بعبارة أخرى، عندما يدرس الطلاب قضية إنرون لا يدرسون المخالفات التي ارتكبتها ومنها انقطاع التيار الكهربائي المتعمد في فصل الصيف ورفع أسعار خدمات الكهرباء بدرجة كبيرة دون مراعاة أن دافعي الضرائب هم الذين يدفعونها في نهاية المطاف، والكذب على نحو صارخ على حكومة ولاية كاليفورنيا وتضليل الموظفين عمداً وسحب مدخرات تقاعد غالبيتهم بالخداع. بل يتعلمون أن فضيحة شركة إنرون كان لها سبب أساسي واحد يتمثل في أنها تسببت بخسارة مستثمريها لأموالهم وعجزت عن تحقيق غايتها الأولى والأهم في تحقيق الإيرادات للمساهمين.

يجب على أساتذة كليات الأعمال أن يستخدموا هذا النوع من الحالات على اعتبارها نقطة بدء لتعليم الطلاب عن مشكلات الأعمال والمآزق الأخلاقية وحثّهم على قراءة النص بأسلوب نقدي، وإلا فمن الأفضل ألا يستخدموها على الإطلاق.

3. التخلي عن الحيادية تجاه القيم

المشكلة الأخرى في دراسات الحالة هي أنه في كثير من الحالات يكون أي جواب مدعوم بحجة قوية مقبولاً في الفصل الدراسي، والتعليل الذي تكرر كثيراً في دراستي هو أن طلاب برنامج ماجستير إدارة الأعمال بالغين لذلك يتمثل دور الأستاذ في تطوير مجموعة محددة من مهارات حل المشكلات لديهم وليس الانحياز إلى طرف دون الآخر في النقاشات، أي إن عليه البقاء على الحياد تجاه القيم بصورة أساسية. بهذا الأسلوب، يحفز الأستاذ طلابه لتقديم عدة إجابات عن مسائل متعلقة بالأعمال ويتفادى توجيههم نحو التفكير في تداعيات قراراتهم، مثل تأثيرها في حياة الموظفين وأسرهم ورزقهم أو العوامل الخارجية التي قد تؤثر في المجتمع.

ولكن في الواقع ليست جميع طرق حل المشكلات متساوية من حيث صحتها، ولا يمكن الإشادة بها كلها بنفس الدرجة. يؤدي التقليد المتمثل في الحياد تجاه القيم والقرار الشائع بتجاهل مناقشة النتائج التي تترتب على قرارات الأعمال على البيئة والمجتمع أو إحالتها إلى مقررات تعليمية اختيارية إلى تدريب الطلاب على إدارة الشركات بطرق توقِع آثاراً سلبية على المجتمعات وأصحاب المصالح الآخرين.

كما يمثل الحياد تجاه القيم تحديات خاصة بالطلاب الأميركيين من أصول إفريقية ولاتينية والطلاب المنتمين إلى المجتمعات ذات الدخل المتدني الذين يقلّ تمثيلهم عادة في صفوة كليات الأعمال. يألف هؤلاء الطلاب غالباً تبعات ممارسات الأعمال الاستغلالية؛ أخبرني الخريجون من جيل الطلاب الأول أو الذين نشؤوا في أحياء طبقات المجتمع المتوسطة والدنيا أنهم شعروا بانعدام الأمان وعدم الانتماء وحتى الغضب في أثناء دراستهم ببرامج ماجستير إدارة الأعمال، وكانوا يعيشون هذه التجارب السلبية ضمن الفصل الدراسي وخارجه على حد سواء، وإصرار الأساتذة على الحياد تجاه القيم زادها سوءاً. خذ مثلاً خريجاً أميركياً من أصول إفريقية نشأ في مجتمع متدني الدخل في جنوب أميركا، ولنسمه جيسون، إذ يتذكر نقاشاً دار ضمن الفصل الدراسي حول تسويغ تقاضي مقدمي القروض التي تسدد يوم قبض الراتب أسعار فائدة باهظة للغاية، يقول:

أحد أسباب ارتيابي بعد ذلك هو أني لا أعتقد أنه بالإمكان احترام جميع النقاشات بنفس القدر، والأمر المحبط جداً بالنسبة لي على الأقل هو أن النقاشات التي أيدت فرض نسبة 400% أو أي رقم فلكي آخر علينا لاقت مصادقة ضمنية وصريحة في حين كان بإمكان أي مشرف تعليمي يلتزم الآداب والأخلاقيات المهنية السليمة معارضتها بوضوح أكبر أو إنكارها بطريقة تحترم الحوار وتشجع استمراره مع الإشارة في نفس الوقت إلى أنه ينطوي على أمر خاطئ بطبيعته.

بالنسبة للطلاب أمثال جيسون، توقع هذه النقاشات التي تدور على أرض الواقع وليس ضمن الفصل الدراسي آثاراً هائلة على أسرهم ومجتمعاتهم، يسلط هذا المثال الضوء على أن هذا أسلوب الحياد تجاه القيم في التعليم يحدّ من قدرة الطالب على وضع قرارات الأعمال ضمن سياقاتها الواقعية ووضع تصورات شمولية عنها، إلى جانب أنه يزيد من صعوبة نجاح الطلاب المنتمين إلى الفئات المهمشة في مقررات برامج ماجستير إدارة الأعمال وإدخال وجهات نظرهم الفريدة والمهمة إلى الحوار.

لهذه الأسباب يجب أن تعيد برامج ماجستير إدارة الأعمال النظر في أسلوب الحياد تجاه القيم والتفكير في أهدافهم ضمن سياق مؤسسات التعليم العالي الأوسع. ماذا لو كانت كلية وارتن مثلاً تتطلع إلى تحقيق نفس أهداف كلية الفنون والعلوم بجامعة بنسلفانيا التي تتمثل في “مساعدة الطلاب على اكتساب الخبرة المتعلقة بالعالم وتعقيدات مجتمعنا الحالي، وإدراك المشكلات الأدبية والأخلاقية والاجتماعية والاستعداد لممارسة القيادة الفكرية والاعتماد في حياتهم على إعمال عقولهم”.

4. تعليم الطلاب حلّ المشكلات المعقدة لا مشكلات الأعمال

على الرغم من أن المناهج التعليمية في كليات الأعمال تتقن تدريب الطلاب على استخدام عدة أطر عمل للتفكير في مشكلات الحصة السوقية وهوامش الربح وتمييز العلامة التجارية، فهي تعجز غالباً في معالجة التبعات التي تنشأ خارج نطاق الميزانية العمومية،

وهذا النقص له بعض الأسباب. أولاً، كما ناقشنا آنفاً، لا تتضمن قائمة المقررات التعليمية المطلوبة في معظم صفوة برامج ماجستير إدارة الأعمال عادة مقررات تضع عالم الشركات الأميركية ضمن السياق الملائم أو تستكشف توجهات الرأسمالية ونظرياتها أو تتناول تاريخ العمل في الولايات المتحدة (وذلك يشمل النقابات والعبودية والنساء في القوة العاملة)، علماً أن هذه المواضيع تكمل تفكير الطلاب وتوسعه وتنوعه حول المواضيع الأساسية مثل التمويل وعلوم الاقتصاد والتسويق. بل تؤكد بتركيزها على الربحية وقابلية التسويق أن مناقشة القضايا التي تؤثر في الموظفين والعملاء والمجتمعات نادرة في فصول برامج ماجستير إدارة الأعمال الدراسية ولا تعتبر مركزية في حل مشكلات الأعمال.

ثانياً، تكون المصطلحات غالباً أقصر بكثير مما يتيح استكشافها بتعمق أكبر، إذ يقوم كثير من برامج ماجستير إدارة الأعمال على نظام السنة الدراسية المقسمة بحسب فصول السنة الأربعة، أي أن الطلاب يدرسون أي موضوع على مدى بضعة أسابيع فقط، وقد عبر بعض الأساتذة الذين تحدثت إليهم عن مخاوفهم لا سيما فيما يتعلق بالمقررات التعليمية الأساسية، إذ لا يتاح وقت كبير للبحث في أسباب اتباع طرق معينة في العمل بسبب ضيق الجدول الزمني.

ثالثاً، المشكلات التي تعرّفها كليات الأعمال بأنها “مشكلات أعمال” لها نطاق ضيق جداً، ويفهم الطلاب من الاعتماد على مشكلات الأعمال على اعتبارها مجموعة صغيرة من الاعتبارات المحددة أن وظيفتهم بوصفهم رجال وسيدات أعمال تتمثل فقط في معالجة هذه المشكلات. في حين أنه فعلياً يعمل قادة الشركات الخاصة على تحديد قدر كبير من طرق حياتنا وعملنا وما نوليه القيمة، ويحملون قدراً كبيراً من مسؤولية التفكير في نتائج قراراتهم على الموظفين والمجتمعات، وتأكيد أنهم مدينون للشركات التي يعملون لديها والمساهمين الذين يستفيدون منها فقط يعفيهم من هذا الالتزام. وإن لم يفهم الطلاب بصورة أوسع ما يشكل مشكلة أعمال وبالتالي يحدد مسؤوليات رجل وسيدة الأعمال، فسيواجهون صعوبة في تطوير ممارسات صنع القرار القادرة على معالجة المشكلات المعقدة التي يتعين على القادة معالجتها بفعالية.

يجب على كليات الأعمال مراجعة اختياراتها للمقررات التعليمية التي تشكل أساس برامج ماجستير إدارة الأعمال والوقت المخصص لكل مقرر. بالإضافة إلى أنه يتعين على الأساتذة توسيع نطاق المشكلات أو المعضلات التي يتولونها فما يعلمونه لطلابهم، ويجب أن تتعدى النقاشات آثار القرارات في الربحية، ويجب أن يوجه الأساتذة طلابهم لخوض عملية تفكير منهجية في تبعات قراراتهم على جميع أصحاب المصالح. والأمر الأخير ولعله الأهم هو أنه ينبغي للأساتذة والممارسين أصحاب الخبرة في الأعمال التفكير في وضع تعريف جديد كلياً لما يعتبر “مشكلة أعمال” أو التخلي عن الفكرة والتركيز على المشكلات المعقدة فقط.

5. تعليم النظرية الاقتصادية وتقديم بدائل

العائق الأخير في تطوير قادة شركات يتمتعون بالحكمة ويبدون اهتماماً اجتماعياً هو الاعتماد الفائق في كليات الأعمال على النظرية الاقتصادية. علم الاقتصاد هو اللغة السائدة في كليات الأعمال التي تتيح التواصل السهل بين أقسامها المختلفة، ولكن الأطر الاقتصادية أيضاً تدفع الناس لمنح الأهمية للكفاءة والفعالية من حيث التكلفة على حساب القيم الأخرى في تعاملهم مع العالم.

لم يكن أكثر ما أثار اهتمامي في النظرية الاقتصادية في المنهاج الدراسي لبرامج ماجستير إدارة الأعمال هو انتشارها، وإنما طريقة استخدامها؛ يقول كل من الباحثة ماريانا مازوكاتو والصحفي داف مكدونالد إن كليات الأعمال تدرّس طلابها جزءاً ضئيلاً جداً مما نعرفه من علم الاقتصاد، كما أنه بدلاً من تعليم علم الاقتصاد على اعتباره نظرية، فهي تدرّسه على أنه واقع وتطالب الطلاب باستخدام أطر عمل علم الاقتصاد في استجاباتهم المدروسة للقضايا التي تظهر في المنهاج الدراسي، ليس فيما يتعلق بالماليات بل وفي الآداب المهنية والقيادة أيضاً.

هذه الممارسة غريبة جداً لأنه عموماً، في المجال الأكاديمي ولا سيما على مستوى الدراسات العليا يحرص الأساتذة على تمييز النظريات عن الأدلة العملية، ويتعرّض طلاب علم الاجتماع أو علم الأنثروبولوجيا أو العلوم السياسية عادة لكثير من النظريات وتتاح لهم فرصة اكتشاف فوائدها وأوجه القصور فيها وتعلم الطرق والأسباب والأوقات المناسبة لاستخدامها بفعالية. وفي المقابل نرى أن النظرية الاقتصادية الكلاسيكية الجديدة هي غالباً النظرية الوحيدة التي تدرّس لطلاب برامج ماجستير إدارة الأعمال، ولا يقدم الأساتذة غالباً أي انتقادات مهمة باستثناء الهجوم على الاقتصاد السلوكي الذي لا يتعارض في جوهره مع العلوم الاقتصادية الكلاسيكية الجديدة.

العلوم الاقتصادية هي جزء من ثقافة كلية الأعمال، وأحد أسباب استخدامها بكثرة وعلوّ شأنها هو أنها تعتبر علماً كمياً “صعباً”. قال لي خريج يحمل درجة الماجستير في إدارة الأعمال ودرجة الدكتوراة في الهندسية: “إن لم تتحدث عن علم الاقتصاد فسيقول الناس إن ما تقوله هش أو غير دقيق”. ولكن هذا الميل تجاه العلوم “الصعبة” يحرم الطلاب من مجالات التفكير الأخرى التي قد تفسر بوضوح أكبر ظواهر يواجهونها في ما يدرسونه.

يمكن لكليات الأعمال تحسين الطرق التي يتبعونها في تدريس النظرية من خلال تعريض الطلاب بمجموعة أوسع من الأفكار الاقتصادية إلى جانب النظريات ذات الصلة من العلوم الاجتماعية والسلوكية، وهذا سيساعد الطلاب في فهم وتحليل مشكلات في سلوكيات الموظف أو العميل وتفضيلاته مثلاً، إلى جانب دور الشركات في المجتمع وتأثير أعمالها فيه. في مجال علوم الاقتصاد، قدمت باحثات مثل ميريان فيربر وجولي نلسون نظريات اقتصادية أعادت صياغة مفاهيم كيانات مثل العائلة والشركة، في حين أن الخبيرة الاقتصادية الإيطالية، مازوكاتو تقدم في نظرياتها حول القيمة طريقة مختلفة للتفكير في الأنشطة الاقتصادية المختلفة. كما يدرس خبراء علم الاجتماع وغيرهم من العلماء الأعمال والمؤسسات من زوايا مختلفة قادرة على منح الطلاب فهماً أوسع وأدق لعالم الأعمال ودورهم فيه.

تؤدي صفوة كليات الأعمال في الولايات المتحدة دوراً مهماً في تطوير أفراد النخبة الاقتصادية وتساعد في تشكيل الثقافة المؤسسية، وبالتالي فهي تؤثر في طرق تفكير المجتمع وحديثه عن التفاوت وفهمنا لأنواع العمل المختلفة وتحديد أجورها وتحديد الإجراءات التي نسمح للشركات باتخاذها أو تفاديها. واليوم، تتقن هذه المؤسسات وضع خريجيها على المسار الذي يؤدي بهم إلى أعلى درجات السلم الوظيفي بالشركة، ولكنها لا تتقن تخريج قادة شركات حكماء يساهمون بقوة في تحقيق الصالح العام. عن طريق إعادة النظر في الأساليب المنهجية والتعليمية المتبعة في عملية التعليم، والدعوة لتغيير الثقافة المؤسسية، يمكن أن تتاح لهذه المؤسسات فرصة لإحداث تغيير بدلاً من زيادة التفاوت الاقتصادي سوءاً في الولايات المتحدة وخارجها.

اقرأ المزيد من القصص التي تؤلفها ريبيكا شاماش.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.