3 رؤى لدعم الأهداف العاجلة والطويلة الأجل المتعلقة بتعليم الأطفال

معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر
معلمة تقيِّم مستويات التعليم الأساسي لطفل في بيمبا بزامبيا. (تصوير: أنطون شولتز/تارل أفريكا)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تُظهر بحوث أجراها “معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر” (Abdul Latif Jameel Poverty Action Lab)، أو (J-PAL)، وشركاؤه كيفية مساعدة الأطفال على التعلم في ظل الحضور غير المنتظم إلى المدارس بسبب تفشي جائحة، وكيف يمكن أن تؤدي هذه الحلول إلى إحراز تقدم نحو تحقيق هدف التنمية المستدامة المتمثل في كفالة حصول الجميع على تعليم جيد بحلول عام 2030.

بعد مرور 5 سنوات على وضع أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، لم يقترب العالم من كفالة توفير تعليم جيد للجميع بحلول عام 2030. ولم تُترجم المكاسب الرائعة المتحققة في عدد الملتحقين بالمدارس ونسبة الحضور خلال العقود الأخيرة إلى مكاسب مماثلة في التعلم. وقد سجل مقياس “البنك الدولي” لـ “فقر التعلم”، الذي يحدد نسبة الأطفال الذين لا يستطيعون قراءة نص بسيط وفهمه بحلول سن العاشرة، نسبة مذهلة بلغت 80% في البلدان المنخفضة الدخل.

أدت أزمة “كوفيد-19” إلى تفاقم أزمة التعلم هذه، إذ إن ما يصل إلى 94% من الأطفال في جميع أنحاء العالم لم يتعلموا في المدارس بسبب حالات الإغلاق. ويتضاعف الفاقد التعلمي الناجم عن إغلاق المدارس بسبب عدم المساواة، خاصة بالنسبة إلى الطلاب الذين تخلت عنهم أنظمة التعليم بالفعل. انتقل العديد من البلدان والمدارس إلى التعلم عبر الإنترنت في أثناء فترة إغلاق المدارس كحل مؤقت. ولكن لم يكن من الممكن القيام بذلك في العديد من الأماكن، إذ إن أقل من نصف الأسر في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطته لديها إمكانية الوصول إلى الإنترنت.

يُعاد الآن فتح العديد من أنظمة التعليم حول العالم كلياً أو جزئياً أو بشكل هجين، ما يجعل ملايين الأطفال يواجهون تجربة تعليمية تغيرت تغييراً جذرياً. ومع ارتفاع حالات الإصابة بـ “كوفيد-19” وانخفاضها خلال الأشهر القادمة، من المرجح أن تستمر الفوضى، نظراً إلى إغلاق المدارس وإعادة فتحها حسب الحاجة لتحقيق التوازن بين الاحتياجات التعليمية وحماية صحة الطلاب والمعلمين والأسر. سيحتاج أولياء الأمور والمدارس وأنظمة التعليم بأكملها، لا سيما في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، إلى الاضطلاع بأدوار جديدة لدعم تعلم الطلاب، نظراً إلى أن الوضع لا يزال في حالة تغير مستمر، وربما سيظل هكذا دائماً. وبينما يتكيفون مع هذا الواقع الجديد، تقدم البحوث التي أجراها أكثر من 220 أستاذاً منتسباً في “معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر” والابتكارات التي توصل إليها شركاء المعمل 3 رؤى لدعم الأهداف العاجلة والطويلة الأجل المتعلقة بتعليم الأطفال.

1. دعم مقدمي الرعاية في المنزل لمساعدة الأطفال على التعلم في أثناء إغلاق المدارس

مع عدم إمكانية ذهاب ما يقرب من 1.6 مليار طفل إلى المدارس في ذروة الجائحة، تولى العديد من الآباء والأمهات أو مقدمي الرعاية، وخاصة الذين لديهم أطفال صغار، أدواراً جديدة للمساعدة على تعلم الأبناء في المنزل. ولدعمهم ودعم جهود التعليم عن بُعد، استخدم العديد من البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطته الرسائل القصيرة والمكالمات الهاتفية وأساليب أخرى يسهل استخدامها على نطاق واسع وذات تكلفة معقولة وتعتمد على تكنولوجيات بسيطة لتوصيل المعلومات. في حين أن مثل هذه الأساليب ليست بدائل مثالية للتعليم، تشير البحوث إلى أنها يمكن أن تساعد على مشاركة الآباء والأمهات في تعليم أطفالهم وأن تسهم في عملية التعلم، ربما حتى بعد إعادة فتح المدارس.

وتُظهر النتائج الأولية الواردة من برنامج مستمر وتقييم عشوائي في بوتسوانا بشائر دعم الوالدين المقترن بتدريس مناهج تعتمد على تكنولوجيات بسيطة. عندما تفشت الجائحة، عملت المنظمة غير الحكومية “يونغ لوف” (Young 1ove) بالتعاون مع وزارة التعليم في بوتسوانا على نشر نهج “التدريس على المستوى الصحيح” (Teaching at the Right Level) على نطاق واسع في المدارس الابتدائية في مناطق متعددة. وبعد جمع أرقام هواتف الطلاب وأولياء الأمور والمعلمين، وضعت المنظمة استراتيجيتين لتقديم الدعم التعليمي. تمثلت الاستراتيجية الأولى في إرسال رسائل نصية قصيرة إلى الأسر التي واجهتها مجموعة من المشكلات في العمليات الحسابية خلال الأسبوع. وتضمنت الاستراتيجية الثانية إرسال الرسائل نفسها إلى جانب إجراء مكالمات هاتفية لمدة 20 دقيقة مع موظفي “يونغ لوف” الذين أرشدوا أولياء الأمور والطلاب لحل المسائل. وعلى مدار 4 إلى 5 أسابيع، أدت كلتا الاستراتيجيتين إلى تحسين التعلم بشكل ملحوظ، وخفض عدد الأطفال الذين لا يستطيعون إجراء العمليات الحسابية الأساسية مثل الطرح والقسمة. وأصبح الآباء والأمهات أكثر مشاركة في تعليم أبنائهم وأصبح لديهم فهم أفضل لمستويات تعلمهم. وتُقيِّم “يونغ لوف” الآن تأثير نصوص الرسائل القصيرة والمكالمات الهاتفية المصممة خصيصاً لتلائم مستويات مهارات الطلاب الحسابية.

وفي مثال آخر، أعادت المنظمة غير الحكومية “إديوكيت!” (Educate!) بناء نموذجها الخاص بمهارات الشباب داخل المدرسة ليتم تقديمه من خلال الإذاعة والرسائل القصيرة والمكالمات الهاتفية، لمواجهة إغلاق المدارس في شرق إفريقيا. ولتشجيع مقدمي الرعاية للطلاب على المشاركة، أجرت “إديوكيت!” مكالمات هاتفية معهم لإخبارهم عن البرنامج. ويشير التحليل الداخلي الذي أجرته المنظمة إلى أن الأسر التي تلقت مثل هذه المكالمات التشجيعية شهدت زيادة بنسبة 29% في مشاركة الشباب مقارنة بتلك التي لم تتلقَّ مكالمات.

في العديد من دول أميركا اللاتينية، يقيّم الباحثون تأثير إرسال رسائل نصية قصيرة إلى أولياء الأمور حول كيفية دعم أطفالهم الصغار الذين انتقلوا إلى برامج التعلم عن بُعد. وتُبذل جهود مماثلة لدعم أولياء الأمور وتقييم الآثار في بيرو حالياً. وستسهم كل من هذه الجهود في تحسين فهم كيفية مساعدة مقدمي الرعاية على دعم تعليم أطفالهم باستخدام تكنولوجيات بتكلفة معقولة وسهلة الاستخدام.

علاوة على ذلك، تجرب الحكومات والمؤسسات الأخرى في المناطق ذات الوصول المحدود إلى الإنترنت استخدام الإذاعة والتلفزيون لدعم أولياء الأمور وتعزيز تعلم الطلاب. فقد صممت حكومة كوت ديفوار برنامجاً إذاعياً حول الرياضيات واللغة الفرنسية للأطفال في الصفوف الدراسية من الأول إلى الخامس. وتضمن البرنامج مئات الدروس القصيرة. وتعاونت المنظمة الهندية غير الحكومية “براتام” (Pratham) مع حكومة ولاية بيهار وإحدى القنوات التلفزيونية لإنتاج 10 ساعات من البرامج التعليمية أسبوعياً، وقد تم إعداد أكثر من 100 حلقة حتى الآن. وتشير التقييمات العشوائية السابقة للبرامج “التعليمية الترفيهية” في قطاعات أخرى في نيجيريا ورواندا وأوغندا إلى إمكانية تقديم محتوى والتأثير على السلوكيات من خلال وسائل الإعلام، على الرغم من أن السياق مهم وأن هناك حاجة إلى إجراء بحوث أكثر دقة لفهم تأثير مثل هذه البرامج على التعلم.

2. مع إعادة فتح المدارس، ينبغي للمعلمين استخدام تقييمات منخفضة المخاطر لتحديد الفجوات في التعلم

في 1 سبتمبر/أيلول فُتحت المدارس في أكثر من 75 دولة بدرجة معينة. ويجب على العديد من الحكومات الاستعداد لأن الغالبية العظمى من الأطفال سيكونون متأخرين بشكل كبير في تعليمهم عند عودتهم، وهو عامل تفاقم بسبب انخفاض مستويات التعلم قبل تفشي الجائحة، لا سيما في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطته. بدلاً من التوجه مباشرة إلى المناهج الدراسية على مستوى الصف، يجب على المدارس الابتدائية في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطته تقييم مستويات التعلم بسرعة لتحديد ما يعرفه الأطفال (أو ما لا يعرفونه) واستنباط استجابات استراتيجية. ويمكن لهذه المدارس القيام بذلك باستخدام أدوات بسيطة لتقييم الطلاب بشكل متكرر، بدلاً من التركيز فقط على الاختبارات ذات المخاطر العالية التي قد تؤثر بشكل كبير على مستقبل الطفل، على سبيل المثال، لأنها تحدد ما إذا كان سينتقل إلى الصف التالي.

تتسم التقييمات التي تُدار شفهياً، مثل “التقرير السنوي عن حالة التعليم” (ASER) و“التقييم الدولي المشترك للمهارات الحسابية” (ICAN) و“أويزو” (Uwezo)، بأنها بسيطة وسريعة وغير مكلفة وفعالة. على سبيل المثال، تحتوي أداة الرياضيات “التقرير السنوي عن حالة التعليم” على 4 عناصر فقط: التعرف على الأعداد المكونة من رقم واحد والأعداد المكونة من رقمين، وطرح أعداد مكونة من رقمين ومسائل قسمة بسيطة. وتوجد أداة مماثلة لتقييم قدرات القراءة الأساسية. لا تؤثر مثل هذه الاختبارات على درجات الطفل أو انتقاله إلى الصف التالي، وتساعد المعلمين على تحديد مستويات التعلم بشكل واضح ومتكرر، ويمكن أن تمكّن المدارس من وضع خطط لمساعدة الأطفال على إتقان الأساسيات.

3. تكييف التعليم للأطفال لمساعدتهم على إتقان المهارات الأساسية بمجرد تحديد الفجوات التعليمية

نظراً إلى انخفاض مستويات التعلم قبل الجائحة والفاقد التعلمي الذي حدث مؤخراً بسبب تعطيل الدراسة، من المهم التركيز على المهارات الأساسية مع إعادة فتح المدارس لضمان أن يبني الأطفال أساساً للتعلم مدى الحياة والحفاظ عليه. أظهرت بحوث أجريت على مدى عقود في تشيلي والهند وكينيا وغانا والولايات المتحدة أن تكييف التعليم ليناسب مستويات تعليم الأطفال يؤدي إلى زيادة التعلم. على سبيل المثال، يركز نهج “التدريس على المستوى الصحيح”، الذي ابتكرته منظمة “براتام” وتم تقييمه بالتعاون مع باحثي “معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر” من خلال إجراء 6 تقييمات عشوائية على مدار العشرين عاماً الماضية، على مهارات القراءة والكتابة والمهارات الحسابية الأساسية من خلال القيام بأنشطة تفاعلية في جزء من اليوم، وليس على المناهج الدراسية فقط. ويتضمن إجراء تقييمات منتظمة للتقدم الذي أحرزه الطلاب، ويُستخدم مع أكثر من 60 مليون طفل في الهند والعديد من البلدان الإفريقية.

السبيل إلى كفالة حصول الجميع على تعليم جيد

بينما تعيد الدول بناء وتطوير نفسها لمواجهة “كوفيد-19″، هناك فرصة للتفكير بوتيرة أسرع في أفضل السبل لدعم حصول الجميع على تعليم جيد. في الأشهر والسنوات المقبلة، يجب أن تستفيد ائتلافات المؤسسات التي تضع السياسات بالاستناد إلى الأدلة والشركاء في التنفيذ والباحثون والجهات المانحة والحكومات من خبراتهم لتطوير استراتيجيات التعليم للجميع التي تعتمد على البحوث المستفيضة التي يجريها “معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر” والمنظمات المماثلة. وعلى المدى الطويل يمكن أن تساعد القرارات والبرامج القائمة على الأدلة التي تراعي ظروف كل بلد على تحسين منهجية التعليم ودعم المعلمين وتحفيز الطلاب وتحسين إدارة المدارس ومعالجة العديد من الجوانب الأخرى للتجربة التعليمية. قد تكون إحدى النتائج الإيجابية للجائحة هي أنها ستدفعنا إلى التغلب على العديد من التحديات التعليمية العالمية المتبقية في وقت أقرب مما يتوقعه أي منا، ونأمل أن نفعل ذلك

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.