يملك الباحثون من فئات الأقلية والنساء أفكاراً جديدة أكثر من غيرهم ولكن احتمالات أن يتبناها التيار العلمي السائد أقل.
لاحظ الباحثون منذ عقد تقريباً ظاهرة خبيثة في عالم الشركات الأميركية؛ على الرغم من وفرة البيانات التي تثبت أن التنوع الاجتماعي يعزز الابتكار ويحفز نمو السوق، فالموظفون من الفئات التي تعاني منذ القدم نقصاً في تمثيلها والتي تضمن تنوع سوق العمل، مثل ذوي البشرة الملونة والنساء، لا يحصلون بمقابل مساهماتهم على نفس فرص التقدم المهني والترقيات التي يحصل عليها الرجال البيض.
في عام 2017، أجرى فريق متعدد التخصصات في مختبر جامعة ستانفورد لإنشاء المعارف (Stanford University’s Knowledge Creation Lab) دراسة حول التفاوت في المهن العلمية، وكشف عن مفارقة مماثلة؛ ففوائد التنوع معروفة للجميع في قطاع العلوم وقد أعلن عنها الباحثون، ومع ذلك يعاني العلماء من فئات الأقلية والنساء صعوبة بالغة في الارتقاء على السلم الأكاديمي وتحقيق الثبات الوظيفي وغيره من الإنجازات البارزة.
عمل كل من زميل أبحاث ما بعد الدكتوراة في جامعة ستانفورد للدراسات العليا في التعليم، باس هوفسترا، وأستاذ مادة التعليم بجامعة ستانفورد، دانييل مكفارلند الذي يركز على علم الاجتماع القائم على البيانات، على قيادة فريق من الباحثين في تحليل مسارات نحو 1.2 مليون شخص حاصل على درجة الدكتوراة في مجالات العلوم الفيزيائية والعلوم الاجتماعية والسلوكية والهندسة وعلم الأحياء وعلوم الأرض والعلوم الإنسانية بين عامي 1977 و2015. وبالاعتماد على البيانات التي حصل عليها الفريق من مكتب تعداد الولايات المتحدة وإدارة الضمان الاجتماعي وقاعدة بيانات الرسائل العلمية والأطروحات في شركة بروكويست (ProQuest)، عمل على تحديد الأنماط عن طريق التدقيق في البيانات الوصفية (أي الأسماء والمستشارين والجامعات والدرجات) وتحليل نصوص مثل ملخصات الأطروحات، وعن طريق تتبع هذه "البصمات الهيكلية والدلالية" تمكن الباحثون من تحديد معدلات الابتكار لدى طلاب درجة الدكتوراة وما إذا أدت مساهماتهم في إنشاء المعارف إلى تمتعهم بمسيرات مهنية أكاديمية ناجحة.
كانت النتائج التي توصل إليها فريق الباحثين مثيرة للقلق؛ إذ يملك الباحثون من فئات الأقلية والنساء أفكاراً جديدة أكثر من غيرهم، ولكن احتمالات أن يتبناها التيار العلمي السائد أقل، أدى ذلك إلى تقليص أثر هذه الأفكار، وبالتالي لم يحصل هؤلاء الباحثون من النساء وذوي البشرة الملونة على المناصب الأكاديمية التي يرغبون فيها.
يقول هوفسترا: "عندما يدخل أحد ما إلى بيئة معينة حاملاً آراءً غريبة عنها يكون قادراً على النظر إلى الأمور من زاوية مختلفة وإنشاء روابط غير مألوفة بين الأفكار القديمة والجديدة. نعلم أن زيادة التنوع في الفرق تزيد قدرتها على الابتكار، ولكننا نرى في مجال العلوم أن أصحاب المسيرات المهنية العلمية المنتمين إلى فئات الأقلية هم أقل غالباً ممن ينتمون إلى فئات الأكثرية. إن كان التنوع يولّد الابتكار، فلماذا نرى عدداً قليلاً جداً ممن يحققون هذا التنوع في قطاع العلوم بين الأساتذة الجامعيين وأعضاء الهيئات التدريسية؟".
وقد استخدم فريق جامعة ستانفورد أساليب تحليل النصوص، وتحديداً النمذجة الهيكلية للمواضيع، وتمكن من إجراء بحث في ملايين الوثائق حول المستوى الكامن للمحتوى الدلالي (الذي تجاوز التحليل الموضوعي) بهدف التعرف على وحدات تعلم أو مفاهيم علمية جوهرية وهامة ضمن هذه النصوص، وقد أتاح له أسلوب التصفية هذا تمييز طلاب درجة الدكتوراة الذين أنشؤوا روابط جديدة بين هذه المفاهيم.
يقول هوفسترا: "ينطوي بحثنا في صميمه على طلاب جمعوا المفاهيم العلمية بأساليب جديدة كلياً، هكذا ينشأ الابتكار العلمي، وهذا مفهوم بديهي جداً في فلسفة العلوم واجتماعياتها التي تعرّف المعرفة بأنها شبكة أفكار أو مفاهيم".
يقول الأستاذ في جامعة كاليفورنيا وكلية هاس للأعمال بجامعة بيركلي، سمير سريفاستافا: "إدخال أسلوب يعمل على الفصل التحليلي بين الحداثة التي يتم قياسها بناء على الروابط الجديدة بين المفاهيم الواردة في أطروحة الطالب المرشح للدكتوراة، والأثر الذي يتم قياسه بناء على تكرار تبني تركيبة المفاهيم الجديدة هذه في الأعمال العلمية اللاحقة، يعني التفوق على أساليب قياس الابتكار التقليدية مثل أنماط الاستشهاد، والتي يمكن أن تتأثر أحياناً بالديناميات الاجتماعية غير المرتبطة بناتج العمل الفعلي". يشير سريفاستافا إلى أن أهمية هذه الدراسة تتمثل في أنها "تساعد على تفسير استمرار التفاوت في المهن العلمية".
ومع دراسة التفاوتات في تعيين أعضاء الهيئات التدريسية والترقيات، كانت النتائج مخالفة للافتراضات الأساسية عن طبيعة الابتكار العلمي. يقول هوفسترا: "إذا نظرنا إلى الاكتشافات العلمية فسنرى أن تحيز الإسناد يوجه قسماً كبيراً منها؛ أي ما يعتبر ابتكاراً مفيداً مرتبط بطريقة ما بمن يقدّم هذا الابتكار". يعتبر العمل وفق مبدأ الإجماع في قطاع العلوم موطن قوة غالباً، ولكن حسب قول هوفسترا: "تبين أنه نقطة ضعف أيضاً، فالأكثرية هي التي تحدد ما يعتبر ابتكاراً علمياً مفيداً، وهذا يتعاكس مع حقيقة العلم المفيد".
يجري هوفسترا وفريقه بحث متابعة للتحقق من دور الموجهين ومما يعتبر ابتكاراً جيداً، ودراسة وقت تدخل التحيز في عملية تعيين أعضاء الهيئات التدريسية ومكانه.
باس هوفسترا وفيفيك كلكارني وسيباستيان مونوز-نجار غالفيز وبرايان هي ودان جورافسكي ودانييل مكفارلند، "مفارقة التنوع والابتكار في قطاع العلوم" (The Diversity-Innovation Paradox in Science)، مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم، العدد 117، رقم 17، 2020، الصفحات 9284-9291.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.