كيف يمكن تعزيز فرص التعليم من خلال قيادة شبكة العلاقات؟

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كيف لعقلية شبكة العلاقات أن تحطم العزلة بين الوكالات العامة والمؤسسات غير الربحية، للنجاح في تعزيز فرص التعليم المتكافئة والمتاحة للجميع؟

تشكل برامج الخدمة العامة غالباً متاهة مربكة للأشخاص التي تنوي خدمتهم. تعمل الوكالات غالباً بمعزل عن غيرها، فتجدها إما تدور في حلقات مفرغة أو تسير في طرق مسدودة. هذا الانقسام يبني حواجز تحول دون وصول المستفيدين الذين تستهدفهم إلى خدماتها، عن غير قصد. تشتري أنظمة الصحة العامة اللقاحات، لكنها تعاني في الوصول إلى كبار السن والفئات السكانية المحرومة. تخزن بنوك الطعام الوجبات في الصيف، لكنها لا تستطيع الوصول إلى الأطفال الجياع عندما لا يكونون في المدرسة.

تعد فترة التعلم بعد دوام المدرسة وفي فصل الصيف مجالاً تعليمياً مهماً يعاني من هذا الانقسام. تضيع فرص تلقي تعليم تحفيزي وممتع على الطلاب ذوي الدخل المنخفض، التي ينالها أقرانهم الأثرى. يترتب على هذا تداعيات مهمة: وجدت دراسة أجرتها جامعة “جونز هوبكنز” أن ثلثي فجوة التحصيل الأكاديمي تعزى إلى الآثار التراكمية لتوقف التحصيل العلمي في الصيف. في الآونة الأخيرة، وجدت أبحاث لشركة “ماكنزي” (McKinsey) أن الفاقد التعليمي الناتج عن إغلاق المدارس بسبب انتشار “كوفيد-19” سيوسع فجوة التحصيل الأكاديمي أكثر، فالطلاب ملونو البشرة كانوا متأخرين بحوالي ثلاثة إلى خمسة أشهر في الرياضيات مقارنةً بتأخر الطلاب البيض من شهر إلى ثلاثة أشهر فيها.

الآن أكثر من أي وقت مضى، تزداد الحاجة الماسّة إلى التخلي عن الأساليب التقليدية للعمل على تحقيق نتائج تعليمية أكبر بأسلوب أكثر كفاءةً وفعاليةً واستدامةً. تتطلب زيادة أثر التعليم وشبكات تقديم الخدمات الأخرى منا أن نعتمد نهجاً جديدةً، ونحتاج إلى اتباع نموذج جديد في القيادة لتحقيق ذلك. إن الحل هو “قادة شبكة العلاقات” الذين يمنحون هذه المهمة الطموحة أولويةً على مصالحهم الشخصية المؤسسية. يركز هؤلاء القادة على إقامة علاقات مبنية على الثقة تبدأ من القاعدة إلى الأعلى بدلاً من القيادة التنازلية. هم يسعون إلى تنمية قدرة الآخرين وإمكانات المجال التعليمي على نطاق أوسع، ومن خلال تعزيز ثقافة مبنية على الثقة والنزاهة والتواضع، هم يعززون القيادة الموزعة لتحقيق المهمة المشتركة بين شبكة العلاقات.

لقد حفز قادة شبكة العلاقات بهدوء تحقيق الأثر الضخم في مجموعة واسعة من المجالات، ومنها التعليم. في الواقع، إن شراكة حديثة عقِدَت بين “إن بلاي” (InPlay) -وهي مؤسسة غير ربحية صغيرة مقرها في سان ماتيو بكاليفورنيا، مهمتها تعزيز بيئات التعليم خارج المدرسة في المدن- و“منطقة أوكلاند التعليمية الموحدة” (OUSD) تبرز كيف يحسّن النهج الحصول على الفرص التعليمية تحسيناً ملحوظاً. وتحديداً، تهدف هذه الشراكة إلى ربط الطلاب المحرومين ببرامج صيفية وبرامج فترة ما بعد المدرسة عالية الجودة. يمثل هذا التعاون دروساً للمؤسسات غير الربحية الأخرى التي تسعى إلى تحقيق أثر منهجي أوسع من خلال إقامة شراكة مع المؤسسات الحكومية والتعليمية.

بدايات مؤسسة “إن بلاي”

تأسست “إن بلاي” في عام 2014 بهدف ربط الطلاب المحرومين ببرامج فترة ما بعد المدرسة والفترة الصيفية التي تساعدهم على تنمية اهتماماتهم ومواهبهم الفريدة، إلى جانب تركيزها على سد فجوة التحصيل العلمي. رأى المؤسِّسان المشاركان “رود هسياو” (المشارك في كتابة هذه المقالة) و”وودي بيترسون” أن مقاعد برامج التعليم خارج المدرسة لا يشغلها دوماً الطلاب الذين هم في أمس الحاجة إليها، وغالباً تصبح مقاعد المنح الدراسية غير مستخدمة. عانى مقدمو الخدمات المجتمعية مع المدارس المحلية لتقديم الطلاب المحرومين وتسجيلهم في برامجها. علم المعلمون والمدراء أن الطلاب الذين لديهم الأولوية الأعلى للحصول على الخدمات كان الوصول إليهم غالباً الأصعب، لكن لم تكن لديهم القدرة على المساعدة.

احتاجت المقاطعات وشركاؤها المجتمعيون إلى أساليب جديدة للتعاون وربط العائلات ذات الأولوية الأعلى ببرامج التعليم خارج المدرسة. تعاون “رود” و”وودي” لإنشاء دليل أنشطة على الهاتف المحمول مشابه لتطبيق “يلب” (Yelp) لمساعدة العائلات في العثور على برامج التعليم خارج المدرسة. يخدم محتوى الدليل المترجم والبرامج المدرجة الأسر ذات الدخل المنخفض والأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ومتعلمي اللغة الإنجليزية.

أطلقا في عام 2016 “دليل أنشطة أوكلاند” بالتعاون مع المنطقة التعليمية والقادة في “شبكة التعليم الصيفي في أوكلاند” (Oakland Summer Learning Network)، التي سعت إلى إقامة شبكة على مستوى المدينة من فرص التعليم الصيفي عالية الجودة. أدرج الدليل 889 برنامجاً مجتمعياً، وزاد مستخدمي الموقع من 25 إلى 84% من عائلات المقاطعة خلال السنوات الخمس التالية. لكن مع أن هذا النجاح مكّن جميع من في الشبكة من مواصلة تركيزهم على برامجهم وأساليب تعاونهم القديمة، فإن الدليل لا يساعد العائلات المحرومة في التغلب على الحواجز التراكمية التي تحول دون وصولها إلى الخدمات، التي تشمل الفجوة الرقمية، واستمارات التسجيل الطويلة، وأوراق المساعدة المالية المهينة.

نوع جديد من الشراكة

أتاح إغلاق المدارس نتيجة انتشار “كوفيد-19” فرصة جديدة للوصول حصراً إلى الطلاب الأشد حرماناً. رأت “منطقة أوكلاند التعليمية الموحدة” أن طلابها المحرومين كانت نسبة تغيبهم عالية وكانوا متأخرين أكثر من الطلاب الآخرين، وأنها بحاجة إلى تسجيلهم في برنامجها الصيفي لتعزيز تحصيلهم التعليمي. نظمت “جولي مكالمونت”، منسقة برامج التعليم الموسَّعة في المقاطعة، برامج صيفية عالية الجودة قبل انتشار الجائحة، لكنهم كانوا يكافحون كل عام لملء مقاعد البرنامج بالطلاب الذين هم في أمس الحاجة إلى حضورها. على الرغم من أن المقاطعة أرادت منح الأولوية للطلاب المحرومين الذين يواجهون عدة عوامل خطورة (مثل دعم الشباب، والطلاب الذين يكثرون التغيب أو المشردين، والوافدين الجدد، والذين يعد أداؤهم الأكاديمي دون المستوى المطلوب)، كان من الصعب الوصول إلى عائلاتهم، والتواصل معهم استغرق قدراً هائلاً من وقت الموظفين. يتطلب التواصل والتسجيل أيضاً تنسيقاً معقداً ومشاركة البيانات بين مواقع المدارس والشركاء المجتمعيين. لخصت “جولي” المصاعب بقولها: “مع أن معظم الطلاب الذين يلتحقون ببرنامج مقاطعتنا يمكن أن يستفيدوا من برنامج التعليم الصيفي عالي الجودة، كنا بحاجة إلى طريقة لضم الطلاب الذين هم في أشد الحاجة إليها”.

بدأت مؤسسة “إن بلاي” العمل مباشرةً مع “جولي” لصياغة عملية جديدة تسهم في تسجيل 4,200 طالب من ذوي الأولوية الأعلى. كان التحدي كبيراً؛ فقد خدمت “منطقة أوكلاند التعليمية الموحدة” 34,000 طالب، وكان 76% منهم من ذوي الدخل المنخفض، ويافعين، ومتعلمي اللغة الإنجليزية. كما احتاجت “جولي” أيضاً إلى التنسيق مع مدراء وموظفي 74 مدرسة مختلفة، إضافةً إلى 10 شركاء مجتمعيين.

يتطلب تولي المشروع أيضاً أن تجري مؤسسة “إن بلاي” تحولاً كبيراً في أهدافها البرامجية والمؤسسية السنوية. يعني ذلك التعاون من كثب مع “جولي” وفريقها لفهم سير العمل الداخلي للمنطقة التعليمية ودعمه، وجعل احتياجات شركائهم وتحدياتهم أولويةً لها. وعلى الرغم من أن “منطقة أوكلاند التعليمية الموحدة” عرضت أن تدفع مقابل الخدمة، اضطرت مؤسسة “إن بلاي” إلى إجراء استثمار إضافي ضخم في وقت موظفيها وتصميم البرامج وهيكلة البيانات.

لكن مؤسسة “إن بلاي” رأت أيضاً إمكانية تحقيق تقدم بمهمتها، إضافةً إلى فرصة الحصول على بيانات الطلاب التي ستتيح لها خدمة بيئة عمل البرامج المجتمعية الأوسع. بدلاً من اتباع تسويق “الجذب” الذي يجذب المستخدمين إلى دليل الأنشطة الذي طرحته، تستطيع “إن بلاي” الانخراط في تسويق “الدفع” وتقديم البرامج ذات الصلة مباشرةً إلى العائلات المستهدفة. الخدمة الجديدة التي تصورتها ستكون بمثابة تحسن كبير مقارنةً بالأساليب القديمة المتبعة في التسويق وتقديم الخدمات والتسجيل، وتحقيق قدر أكبر من التكافؤ من خلال تسجيل الطلاب الذين سيحصدون الاستفادة الأكبر من البرامج، ومكملة لنقاط قوة وأصول أصحاب المصلحة الآخرين في بيئة التعليم في الصيف وبعد المدرسة، وجعل سير العمل الحالي أكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة للجميع.

إطلاق الخدمة الجديدة

صمم أعضاء فريق “إن بلاي” في عام 2020 خدمة جديدة تسمى “التواصل والتسجيل خارج المدرسة” (OSCAR) أسسوها واختبروها. أرسلت الخدمة رسائل نصية إلى العائلات ذات الأولوية على هواتفها المحمولة، وعرضت البرامج الصيفية بأسلوب بسيط وواضح، وملأت استمارات تسجيلهم مسبقاً بدلاً منهم مستعينةً ببيانات المنطقة التعليمية. يستطيع الوالدان ومقدمو الرعاية قراءة المعلومات باللغة التي يفضلونها والتسجيل من خلال هواتفهم المحمولة في أقل من أربع دقائق.

عندما أطلقَت الخدمة الجديدة في ربيع عام 2021، كان 90% من الطلاب الذين سجلوا طلاباً لهم أفضلية التسجيل، وتمكن 88% منهم من التسجيل دون الحاجة إلى أي تذكير أو مساعدة خارجية. منحت العائلات عملية التسجيل تقييمات رائعة لبساطتها وسرعتها. أدار موظفو المدرسة عمليات التسجيل وقوائم الانتظار مركزياً ولاحظوا انخفاض أعباء أعمالهم الإدارية. بعد انتهاء التسجيل، على الرغم من الصعوبات والعراقيل التي واجهت عملية التنفيذ الأولي، استنتج مدراء المدرسة أن الخدمة وفرت تحكماً إدارياً أكبر وكانت تحسناً كبيراً مقارنةً بالأساليب السابقة.

كما لاحظ ذلك أصحاب المصلحة الآخرون في أوكلاند. أدركت مدينة أوكلاند بأن المستفيدين من المنح كافحوا لشغل المقاعد في برامج التعليم في فترة ما بعد المدرسة، التي استثمرت 18 مليون دولار سنوياً في برامج اليافعين، فتعاونت مع “منطقة أوكلاند التعليمية الموحدة” ومؤسسة “إن بلاي” لمنح المستفيدين حق الاستفادة من خدمة “التواصل والتسجيل خارج المدرسة” في التوظيف. إضافةً إلى ذلك، تعهدت المدينة بتقديم تمويل جديد لدليل الأنشطة الأساسي على الهواتف المحمولة لخدمة جميع العائلات. روجت “منطقة أوكلاند التعليمية الموحدة” للدليل بفعالية أكبر، فزاد مستخدموه إلى 84% من جميع عائلات “منطقة أوكلاند التعليمية الموحدة”. من خلال تكميل نقاط القوة والأصول الخاصة بالمدينة والمنطقة التعليمية والشركاء من المؤسسات غير الربحية، تمكنت “إن بلاي” من توسيع وتعزيز فعالية مجمل البيئة التعليمية خارج المدرسة مع تلبية مهمتها الخاصة بطريقة أكثر فعالية.

دور قيادة شبكة العلاقات

تمثل شراكة “إن بلاي” مع “منطقة أوكلاند التعليمية الموحدة” المبادئ الأربعة غير البديهية التي تعرّف قيادة شبكة العلاقات وتعد ضروريةً لنجاحها:

المهمة قبل المؤسسة: يسعى قادة الشبكات إلى تعظيم أثر المهمة بدلاً من الاكتفاء بتنمية مؤسساتهم. ركزت كل من “إن بلاي” و”منطقة أوكلاند التعليمية الموحدة” على مهمة مشتركة أوسع، من خلال تنحية أساليبهم المعدَّة مسبقاً للعمل والمشاركة في التعليم المشترك. ساعدت تلبية احتياجات العائلات بسرعة وأريحية “منطقة أوكلاند التعليمية الموحدة” على تخطي أهدافها في التسجيل لصيف 2021 وتحسين الفاعلية. يمكن أن ينفع هذا النهج -وتلك المواقف- مجموعة من المؤسسات، بالتحديد العدد الذي لا يحصى من المؤسسات غير الربحية التي تسعى إلى خدمة الأطفال من خلال إقامة شراكات مع المنطقة التعليمية.

الثقة لا التحكم: يستثمر أعضاء الشبكة في بناء علاقات صادقة مبنية على الثقة لتكون أساساً الشراكة والتعاون الأعمق. إن عمل “إن بلاي” ضمن الشبكة منحها مصداقية لدى “منطقة أوكلاند التعليمية الموحدة”، التي شاركت بدورها كلاً من احتياجاتها ووصولها إلى بيانات الطلاب حتى تتمكن “إن بلاي” من إيجاد حل مبسط. حالياً، أتاح تعاون طويل الأمد في التخطيط والتمويل المشترك بين “منطقة أوكلاند التعليمية الموحدة” و“صندوق مدينة أوكلاند للأطفال واليافعين” (City of Oakland Fund for Children and Youth) الفرصة للاستفادة من خدمة “التواصل والتسجيل خارج المدرسة” وبيانات الطلاب لتسجيل الطلاب ذوي الأفضلية في 70 برنامجاً للشركاء المجتمعيين تابعاً للصندوق.

روج للآخرين، وليس لنفسك: اعتاد قادة الشبكة على ترويج عمل الشبكة، وتأدية دور ثانوي عن طيب خاطر عندما يكون الآخرون مهيئين أكثر للقيادة. حققت “إن بلاي” أثراً أكبر على المهمة عند توفيرها التواصل الأساسي أو ما يسمى “البنية” للمساعدة في سير معلومات البرنامج إلى أسر الطلاب المحرومين. أدى هذا إلى توفير الوقت والموارد على كل من الآباء ومدراء المدارس، وساعد على زيادة التكافؤ بين العائلات، ودعم البرامج المجتمعية في جميع أنحاء المدينة في تنفيذ مهامها وتعزيز استدامتها المالية. تحتفظ الوكالات بالتحكم والمسؤولية المطلقَين، ولديها الآن طريقة أكثر فاعلية للترويج لبرامجها وملء مقاعدها.

بناء التجمعات النجمية وليس النجوم: يسعى قادة الشبكات إلى تحفيز الشبكات التي ستولد بمجملها الأثر المطلوب. من خلال تعزيز بيئة برنامج التعليم خارج المدرسة، تحقق “إن بلاي” مهمتها الأساسية المتمثلة في توفير فرص التعليم المُثرية للطلاب المحرومين . حالياً، مع بدء ولاية كاليفورنيا في إنفاق 4.6 مليارات دولار في صناديق جديدة للتحصيل العلمي، تجذب شبكة العلاقات التي بنتها “إن بلاي” و”منطقة أوكلاند التعليمية الموحدة” اهتمام العديد من المناطق التعليمية والمدن الأخرى التي تسعى إلى دعم شركائها في المجتمع، والاستفادة من موارد وعلاقات المدينة والمدارس، وتعزيز حصول الطلاب والأسر المحرومين المنصف على الفرص التعليمية . تساعد “إن بلاي” الآن على بناء شبكات إضافية في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

نأمل أن يلهم ذلك المؤسسات التعليمية الأخرى لضم شبكة أوسع من أصحاب المصلحة، وتحديد مجالات القوة المكملة، والتفكير بعقلية جديدة تزيد من القوة الجماعية للشبكة بأكملها لتعزيز فرص التعليم وتحقيق الصالح العام.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.