6 طرق تساعد من خلالها مؤسسات التمويل في دعم التعليم وتحسين المجتمعات

الإدارات التعليمية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

النظرية التي تؤيد قيمة المدارس المستقلة مقنعة؛ فالتنافس على الطلاب (والتمويل الذي يرافقهم) يحثّ الإدارات التعليمية على بذل جهد أكبر وتحسين جودة خدماتها. تسهم المدارس المستقلة في توصيل التمويل والمواهب إلى الأحياء الفقيرة المهمشة وتخفيض نسبة الطلاب إلى المدرسين وتطويل أيام الدراسة وإنشاء مناهج ابتكارية وحصول المدرّسين على تدريب أكثر.

ولكن المدارس المستقلة توقع آثاراً سلبية على الإدارات التعليمية المحلية التي تخسر الإيرادات الهامشية لكل طالب يسجل في المدرسة المستقلة في حين تبقى تكاليفها الثابتة المتعلقة بالمدراء والموظفين ثابتة، وبالتالي نرى أن الإدارات التعليمية التي ينتقل عدد كبير من طلابها إلى المدارس المستقلة تعمل بأقل من الحد الأدنى لكفاءة العملية التعليمية. تتفاقم هذه المشكلة في المجتمعات التي تتراجع فيها معدلات تسجيل الأطفال في المدارس وتتنافس الإدارات التعليمية والمدارس المستقلة على الطلاب الذين تتضاءل أعدادهم باستمرار، كما أنه من الممكن أن تكون الإدارات التعليمية ملزمة بإفساح المجال للمدارس المستقلة ما سيؤدي إلى زيادة نفقاتها. واستجابة لانخفاض الإيرادات وارتفاع التكاليف ستضطر الإدارات التعليمية إلى تخفيض الإنفاق على الخدمات الأساسية مثل موظفي الدعم والمستشارين والشراكات التي تساعد في تأمين الخدمات الشاملة للطفل وعائلته مثل علاج المشكلات النفسية، وتكون هذه الآثار أشدّ على الإدارات التعليمية الصغيرة. يعتبر عالم الأعمال شعار “إما النمو وإما الموت” قانوناً ثابتاً، غير أن نظرية التغيير في المدارس المستقلة تقوم على تقليص حجم إدارة المنطقة التعليمية ورفع سوية أدائها في آن معاً.

بالإضافة إلى ذلك نرى أن تحيز الأهالي لاختيار المدارس المستقلة حقيقي، وأولياء الأمور الذين يملكون الوقت للتعرف على المدارس المستقلة وتسجيل أبنائهم فيها يشاركون بدرجة أكبر من المتوسط في عملية التعليم، وتُعدّ مشاركتهم مؤشراً للنجاح أقوى من مؤشر التركيبة السكانية الأساسي. يتمتع طالب المرحلة الثانوية بحرية أكبر في اختيار المدرسة التي سيذهب إليها، وكلما ازدادت الصعوبات التي يواجهها في التعلم ازداد رفضه للتسجيل في مدرسة عامة مستقلة لأنه يعتبرها متطلبة أكثر.

ولدينا مشكلات أخرى أيضاً؛ إذ يتعين على إدارة المنطقة التعليمية عادة تحويل تركيزها في إدارتها عن تحسين أساليب التدريس وتوجيهه نحو إفساح المجال للمدارس المستقلة والتفاوض معها على الاتفاقيات التشغيلية، وتنفق مجالس الإدارة وقتها عادة في تحديد طرق تقليص أثر المدارس الجديدة فيها، ولكن غالبية مؤسسات التمويل لا تدرك أهمية هذا الأمر.

كما أنه من المهم الانتباه إلى أن العقبات الأساسية التي تؤثر في أداء إدارة المنطقة التعليمية هي التنفيذ والتمويل لا الحوافز؛ فمعظم المدرّسين متحمسون بالفعل للقيام بما في وسعهم لدعم طلابهم، ولديهم حافز لمساعدة الآخرين لا منافستهم، وإذا شكّل التنفيذ مشكلة فستتفاقم نتيجة لصرف الانتباه عن منافسة المدارس المستقلة.

وأخيراً، يمكن أن يؤدي انقسام الطلاب بين نوعي المدارس إلى تقسيم المجتمع، فمن الشائع أن يحطّ كل فريق من قدر الآخر. تملك المدارس المستقلة ميزانيات تسويق لا يمكن للإدارات التعليمية مضاهاتها، وتحشد مؤسسات المناصرة الآراء بمقارنة درجات الاختبارات بين المدارس المستقلة والإدارات التعليمية من دون الاعتراف بتحيز الاختيار الفطري لدى الأهالي لصالح المدارس المستقلة والموارد الإضافية التي تنفقها. تتمثل رسالة المدارس المستقلة فيما يلي: “إن كنتم تحبون أبناءكم فلا تدخلوهم إلى مدارس إدارة المنطقة التعليمية”.

يدفع كل ذلك أصحاب الأعمال الخيرية إلى التساؤل: ما هي أفضل طريقة لدعم جميع الطلاب؟ كيف يمكننا إنشاء مجتمعات عظيمة، وليس مدارس ممتازة فحسب؟

يمكن أن تبدأ مؤسسات التمويل من تحديد طرق إنشاء شراكات تعاونية تضمن الفائدة لجميع الأطراف بين الإدارات التعليمية والمدارس المستقلة كي يستفيد جميع الطلاب والمجتمع بأكمله. على سبيل المثال، يمكنهم فعل ما يلي:

  1. الحصول على تأييد الإدارات التعليمية من أجل إنشاء مدارس عامة مستقلة ضمنها. في بعض الحالات، ترفض مجالس إدارة المدارس المحلية الموافقة على عمل المدارس المستقلة، ما يدفع إدارة المنطقة التعليمية لمنحها الموافقة، ويؤدي ذلك إلى نشوء علاقة عداء بين المسؤولين. يمكن أن تبحث المؤسسة عن دائرة تعليمية تتعامل مع المدرسة المستقلة على اعتبارها شريكاً استراتيجياً وتلتزمان كلاهما مشاركة الموارد وتبادل المعارف، ثم تمول هذه الشراكة التعاونية، هذا ما تفعله مؤسسة غيتس فاونديشن (Gates Foundation) في مبادرتها “ميثاق التعاون بين الإدارات التعليمية والمدارس المستقلة” (District-Charter Collaboration Compact). إن لم توافق المؤسسة الممولة على موقف إدارة المنطقة التعليمية فستضغط عليها لتغيير قيادتها، وبالتالي تحصل على عائد أكبر على الاستثمار، يمكن أن يكون إطلاق هجمة تنافسية مفيداً لبعض الطلاب ولكن على حساب الغالبية.
  2. أخذ السياق في الحسبان. قبل الموافقة على مدرسة جديدة أو معارضتها يجب أن تأخذ مؤسسات التمويل الوقت الكافي لفهم ديناميات المجتمع من خلال حضور أحد المنتديات الاجتماعية أو أحد اجتماعات مجلس إدارة المدرسة. مثلاً، من الأفضل تفادي إنشاء مدارس عامة مستقلة في إدارات تعليمية صغيرة تشهد تراجعاً في معدلات تسجيل الطلاب، لأن ذلك سيولّد عقلية الربح أو الخسارة، فهذه الإدارات التعليمية تعمل بأقلّ من الحد الأدنى لكفاءة الإنتاج وكلما خسرت طالباً آخر سيزداد وضعها الاقتصادي سوءاً، وبالتالي سوف تتنافس الإدارات التعليمية والمدارس المستقلة على طلاب يتناقص عددهم وإيرادات تتضاءل باستمرار، وكأنها تلعب لعبة الكراسي. أما عندما تعمل المدرسة المستقلة في ظروف أفضل فستهدف إلى خدمة أقل من نسبة 10% من طلاب إدارة المنطقة التعليمية.
  3. تحدي المدارس المستقلة كي تحل محلّ جميع المدارس القائمة. بدلاً من إنشاء مدارس جديدة من أجل تقليص الأثر المالي السلبي الذي توقعه على الإدارات التعليمية، إذ ستحتفظ المدرسة المستقلة بطلاب المدرسة التي حلت محلها وبالتالي سيضعف تأثير تحيّز الاختيار، ومن الممكن استخدام القرعة من أجل ملء الشواغر التي تخلفها العائلات التي ترفض البقاء فحسب. إذا حلت المدارس المستقلة محلّ المدارس الحالية القائمة فستوفر الوقت الكبير الذي يستغرقه بناء المنشآت وتضمن أن يستمر عمل الإدارات التعليمية المتبقية بالحجم الأمثل، كما ستحتفظ المدارس بشعور الألفة بينها وبين أهالي المنطقة وستتمكن من احتضان جهود أكبر لبناء المجتمع.من الممكن ألا توافق المدارس المستقلة على أخذ مكان المدارس القائمة بالفعل لأنها لا تتطابق مع نموذجها، كما أنها تفضل بناء المدرسة على نحو تدريجي، وهذه رفاهية لا تتمتع بها الإدارات التعليمية، في حين قد تعترض الإدارات التعليمية والنقابات لأنها لا تريد السماح للمدارس المستقلة بتسريح المدراء والمدرّسين. ولكن إذا اكتمل عدد الطلاب المسجلين في المدرسة المستقلة ووصلت إلى طاقتها الاستيعابية الكاملة في أي موقع كان فستضطر إدارة المنطقة التعليمية بطبيعة الحال إلى تخفيض عدد المدرّسين وتسريح أحد المدراء. وعلى الرغم من احتمال اعتراض بعض العائلات لأنها لا ترغب في خسارة المدرسة التي اعتادت عليها لأجل مدرسة عامة مستقلة، فهي قادرة على اختيار البقاء أو الانتقال إلى دائرة تعليمية أخرى.
  4. الاستثمار في بناء قدرات الإدارات التعليمية. يجب أن تعمل مؤسسات التمويل على تحليل الخدمات التي تقدمها المدارس المستقلة وتسهم في نجاحها وتمويل نفس هذه الخدمات في الإدارات التعليمية، أي يمكنها مثلاً أن تمنح بمقابل كل دولار تمنحه لمدرسة عامة مستقلة لتطوير الموظفين دولاراً مثله للدائرة التعليمية. بالنظر إلى التمويل الخاص الإضافي الذي تحصل عليه المدارس المستقلة، ستتمكن من توفير موظفين إضافيين مثل خبراء تدريب المدرسين الجدد واختصاصيي القراءة مع الحفاظ على انخفاض نسبة الطلاب إلى المدرسين. يمكن أن تفكر مؤسسات التمويل بالاستثمار في الإدارات التعليمية أيضاً كي تصبح النسب التي تحققها قابلة للمقارنة بالنسب التي تحققها المدارس المستقلة.
  5. تشجيع المدارس المستقلة والمؤسسات المناصِرة لها على تقديم البيانات الموضوعية. لا تأخذ نتائج درجات الاختبارات الموحدة في حسبانها تحيز الاختيار أو الموارد المالية الخاصة بالمدارس، ما يجعل مقارنة نتائج المدارس المستقلة والإدارات التعليمية غير ممكنة، والتمويل بناءً على نتائج الاختبارات وحدها يولّد نزعة لدى المدارس المستقلة لتفادي المخاطر فيما يتعلق بقبول الطلاب الأشد حاجة والأكثر انفصالاً ذهنياً، والأسوأ هو أن هجوم المؤسسات المناصِرة للمدارس المستقلة على الإدارات التعليمية يقوض الثقة ويولّد العداوة ولا يقدم حلولاً إلا لفئة قليلة من العائلات؛ لذا يجب على مؤسسات التمويل الإلحاح على وضع معايير تتعدى تحصيل الطلاب المجرد في الاختبارات الموحدة.
  6. المساعدة في بناء مجالس إدارة فعالة للمدارس. يعمل أعضاء مجلس الإدارة على اختيار المدرسة المستقلة التي ستتشارك مدرستهم معها وتحديد طريقة تنفيذ هذه الشراكة، ويمكن أن تدعم مؤسسات التمويل المدارس المرشحة التي تقدّر القيمة التي ستولدها الشراكة وتسعى لحماية الطلاب الذين سيبقون في إدارة المنطقة التعليمية.

قال لنا مسؤولون في مؤسسات التمويل إنهم تخلوا عن تمويل الإدارات التعليمية الحكومية ونقلوا تركيزهم إلى إنقاذ ما يمكن من الطلاب القلائل المتبقين في المدارس المستقلة، لكننا لا نتفق مع هذه الفكرة لأنها تؤثر سلباً في المؤسسات التي تخدم معظم أبنائنا الذين يعانون أعلى درجات التهميش والحرمان.

فلننشئ مدارس عامة مستقلة ممتازة تتعاون مع الإدارات التعليمية ولا تتنافس معها، وتسعى في نفس الوقت لإنشاء مجتمعات عظيمة كي تعود الفائدة على الجميع.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.