تعتبر بطالة الشباب لا سيما في الأرياف قضية سياسية شائكة في الهند، إذ يفتقر ما يربو على 56% من طلاب المرحلة الثانوية إلى المهارات الرقمية الأساسية. صحيح أن النظام الاقتصادي الهندي ينمو بسرعة كبيرة، إلا أن 30% فقط من الشباب قادرون على استخدام جهاز الكمبيوتر، ونسبة النساء القادرات على استخدامه أقل، وفي حين تزداد نسبة الشباب الذين يكملون دراستهم بعد إنهاء المرحلة الثانوية فالكثير منهم ينهون المرحلة الجامعية من دون اكتساب الكثير من المهارات المطلوبة في السوق. وعلى الرغم من مشاركة نحو 8 ملايين شاب في الهند في برامج التدريب على المهارات في كل عام، فهذه البرامج لا تؤدي إلى الحصول على وظائف إلا لواحد من كل 3 شبان.
وبما أن الخصائص السكانية للتنمية تتغير باستمرار مع تزايد نسبة المجتمعات الحضرية واعتماد المجتمعات الريفية على الحوالات المالية بدرجة أكبر، عمدت بعض المؤسسات غير الربحية إلى تحويل تركيزها عن معالجة سبل العيش في الأرياف وتوجيهه نحو دعم أبناء الريف الذين ينتقلون إلى المدن وتعزيز ارتباطهم بمواطنهم الأصلية. ولهذا السبب، وبما أن واحدة من وكالات شبكة آغا خان للتطوير (Aga Khan Development Network) تخصص جهودها لدعم الأرياف؛ برنامج آغا خان لدعم الأرياف (Aga Khan Rural Support Programme)، فقد شهدت طلباً كبيراً على خدماتها في الهند وغيرها حيث ينتقل الشباب إلى المدن للعمل، إذ إنهم بحاجة إلى اكتساب مهارات العمل والدعم للحصول على الوظائف وتعلّم مهارات الحياة التي تعينهم على التكيف مع الحياة في المدينة في آن معاً.
على الرغم من أن رئيس برنامج آغا خان لدعم الأرياف في الهند، أبورفا أوزا، يعمل مع الوكالة منذ ثمانينيات القرن الماضي، فهو يصف أنه في أحد الأيام حين ركب في حافلة نقل عام في عام 2006 ذهل بعدد الشبان الذين يستقلون الحافلة واحتياجاتهم المختلفة، يقول:
"كانوا جميعهم يحملون ملفاتهم ويبدو عليهم الحماس الشديد، وكان واضحاً أنهم ذاهبون للتقدم إلى وظائف (في مدن مثل فادودارا وأحمد أباد وسورات). هم نفس الأطفال الذين تراهم في القرى، أبناء المزارعين الذين نعمل معهم، ولكنهم يصابون غالباً بخيبة أمل شديدة".
وعندما سألهم أوزا عن وضعهم قالوا: "نكتشف أننا نفتقر إلى شيء ما دائماً، في البداية قالوا لنا إن علينا الحصول على شهادات جامعية من أجل الحصول على وظائف، فاستثمرنا المال ودرسنا وحصلنا على هذه الشهادات، ثم يقولون إنها لا تكفي، وإنه لن يكون من الممكن توظيفنا إذا لم نتعلم مهارات استخدام الكمبيوتر".
كان هذا الحديث سبباً في إطلاق برنامج التدريب الذي سمي يوفا جنكشن (Yuva Junction) أو (Youth Junction) بمعنى "إلحاق الشباب"، الذي قدم التدريب على استخدام الكمبيوتر والمهارات الوظيفية ومهارات الحياة لأكثر من 37 ألف شاب وشابة على مدى العقد الأخير (Yuva هي المقابل الهندي لكلمة Youth الإنجليزية، وهي تعني الشباب). يستفيد البرنامج من خبرات برنامج آغا خان لدعم الأرياف وسمعته من أجل تقديم الخدمات للأرياف عبر شراكات جديدة تساعد الشباب الريفيين على الانتقال إلى حياة المدن. ومع مرور الوقت أدت الخبرة في هذه البرامج إلى إحداث تغيير في نظام الوكالة؛ إذ كان تدريب الشباب على الوظائف في البداية يمثل نحو 10% من عملها مع المجتمعات الريفية، ولكنه ازداد اليوم بنسبة تزيد على 3 أضعاف.
جَسر الشرخ
كانت ميرا فاسافا فتاة تبلغ من العمر 20 عاماً عاطلة عن العمل وتعيش مع والديها في أرياف ولاية غوجارات حين تعرفت على برنامج إلحاق الشباب. تنتمي عائلتها إلى واحدة من مجموعات البدو شبه الرحل التي تعاني أكبر درجات التهميش في الهند (والتي كان من غير الممكن التعامل معها فيما سبق). لم يكن لدى ميرا أي معارف ولم تحصل على تعليم المرحلة الثانوية، لذلك لم تحصل على فرص عمل، ويعمل والداها في زراعة القطن في أرض تبلغ مساحتها 4 فدادين. تقول: "أتمتع بمهارات في الخياطة ولكني رغبت بشدة في استكشاف مهارات استخدام الكمبيوتر لأني أعرف أن التكنولوجيا الرقمية ستصبح في غاية الأهمية".
سمعت عائلة ميرا أن برنامج إلحاق الشباب يتمتع بسجل إنجازات مثبت وتمكن من توظيف أكثر من ثلثي الشباب الذين يخرّجهم، كما أن برنامج آغا خان لدعم الأرياف يتمتع بسمعة طيبة. لم يتوفر لدى العائلة أي مدخرات، لكنها تمكنت من دفع تكاليف تعليم ميرا التي تبلغ 1,600 روبية (تعادل 22 دولاراً).
كانت ميرا تقطع رحلة مدتها نصف ساعة يومياً إلى مركز التدريب، انضمت صديقتها ميتال أيضاً إلى برنامج إلحاق الشباب الذي كان نحو 40% من طلابه إناثاً، ولم تكن قد استخدمت الكمبيوتر من قبل. تقول ميتال: "كنت مترددة وظننت أني لن أتعلم، ولكن أصدقائي شجعوني". ساعدها البرنامج على تعلم استخدام الكمبيوتر، ويقول كثير من الطلاب إن أفضل جزء منه هو دروس مهارات الحياة. تقول ميتال: "علموني طرق التعامل مع الزبائن وبعض المهارات المفيدة الأخرى".
كان المدرسون أنفسهم من شباب الأرياف الذين قدِموا من قرى صغيرة وواجهوا صعوبات في الحصول على الوظائف، وكوسوم فاسافا (هذا اللقب شائع في تلك المنطقة) واحدة منهم، وكانت قد عملت في أول وظيفة لها خارج الوكالة وعانت فيها التأخير المتكرر في دفع الأجور والتغيير المستمر في شروط العمل، نتيجة لتجربتها هذه أدركت قيمة التدريب والدعم اللذين تقدمهما برامج مثل برنامج إلحاق الشباب، وشكلت أساساً تعتمد عليه في عملها على تعليم الشباب مهارات الحياة، لذلك اهتمت بنمو ميرا وتحقيق هدفها في الحصول على وظيفة في المدينة.
الانتقال بعد التدريب إلى التعيين في الوظائف
في العام الماضي، بعد إنهاء الدورة التعليمية، ساعدت كوسوم ميرا على البحث عن عمل والحصول على وظيفة في شركة لصنع البيتزا، كما ساعدتها هي واثنتين من خريجات البرنامج على الحصول على سكن في المدينة. منذ عام 2014، أضاف برنامج آغا خان لدعم الأرياف تعليم المهارات الوظيفية ودعم التعيين في الوظائف إلى دوراته التعليمية، ويقول القائمون عليه إن 62% من 7,700 مشارك في هذه الدورات التعليمية حصلوا على وظائف بالفعل.
حصلت ميرا على دعم والديها في قرارها بالعمل لدى شركة البيتزا في المدينة، وحاولت والدتها طمأنتها بالاتصال بها هاتفياً بصورة يومية في مرحلة انتقالها إلى حياة المدينة. تقول ميرا: "في البداية، اتصلت بوالديّ وقلت لهما إني لست مرتاحة، ولكن كوسوم قالت إن عليّ البقاء، وإني لم أعتد الوضع الجديد بعد، وشجعتني على البقاء شهرين آخرين ورؤية ما سيحدث".
ساعدت هذه النصيحة ميرا على تجاوز الشهور الأولى الصعبة، وسمح لها راتبها بادخار المال لشراء دراجة السكوتر التي يستخدمها أخوها في القرية.
معالجة المشكلات الريفية بالوظائف الحضرية
بدلاً من انتزاع شباب الأرياف من أحضان أهاليهم والتفريق بينهم، شكلت تجربة ميرا مع برنامج إلحاق الشباب دعماً لها ولوالديها على تعزيز قدرتهم على مواجهة المستقبل معاً. وعندما تأتي لزيارة أهلها بعد المرور بمكتب برنامج إلحاق الشباب لإلقاء التحية على القائمين عليه، ترى بوضوح أن عملها في المدينة له أثر واضح، فهي تقدم أكثر من نصف راتبها لوالديها وتنفق أقل من ثلثه على نفسها وتدخر ما يزيد، والقسم الذي تعطيه لوالديها يساعدهم على دفع تكاليف مضخة ري جديدة لمزرعتهم وبالتالي يساعد على الحفاظ عليها ويضمن استمرار العمل في الريف.
وفقاً لمدير برنامج إلحاق الشباب، فيفيك سينغ، تراوح متوسط مرتب أول تعيين لخريجي عام 2019 بين 96 ألف روبية و120 ألف روبية، وهو يعادل 3 أضعاف دخل الأسرة من عملها في الزراعة. قال سينغ إن البرنامج يوقع آثاره على النمو الاقتصادي في أرياف ولاية غوجارات بفضل هذه الروابط الأسرية، وفي حين أن هذا الأثر لم يخضع للقياس في البيانات الاقتصادية فالحوالات المالية المرسلة إلى الأهالي في الريف ونية الأبناء على الحفاظ على ارتباطهم بجذورهم الريفية تشكل مساراً مهماً لتقدم هذه الأسر.
التغيير الاجتماعي ومهارات الحياة
يخلق اكتساب ميرا الثقة والاستقلالية أثراً اجتماعياً أيضاً، فبفضل وظيفتها لم يعد موضوع زواجها يقلق والديها؛ عندما سألها والدها عن تخطيطها للزواج قالت: "دعني أعمل وأستقر أولاً"، فقال: "لا بأس، أتفهم الأمر وأنا أؤيدك في قرارك".
كما لاحظت الشابات الأخريات في القرية حياتها الجديدة، تقول: "في كل مرة أعود فيها لزيارة القرية تسألني الفتيات عن حياة المدينة، وعن إمكانية انتقالهن إليها".
ساعد البرنامج على حصول الشباب على وظائف في متاجر التجزئة وأدوار دعم العملاء وأدوار تلبية الطلبات في المخازن ضمن شركات كثيرة. خذ مثلاً شركة لخدمات البقالة الإلكترونية، إذ قال مدير الموارد البشرية فيها إنه تم تعيين 20 متدرباً من برنامج إلحاق الشباب في العامين الماضيين، وحصل أحدهم، راغيش فاسافا، على لقب أفضل موظف لهذا الشهر، وهو يدخر المال لبناء منزل في قريته.
فيما يتعلق بمهارات الحياة اللازمة للتأقلم مع البيئة الجديدة، يتبنى البرنامج منظوراً أوسع عن التأقلم مع المدينة؛ فهو يساعد على تأمين ترتيبات سكن الشابات، ومن الممكن أن تقيم عدة فتيات معاً في شقة أو منزل مشترك، مثلما فعلت ميرا. يقول سينغ إن القائمين على البرنامج تتبعوا معدلات الاستبقاء في الوظائف ولاحظوا أن قرابة نصف خريجي البرنامج مستمرون في عملهم بنفس الوظائف بعد مرور عام كامل.
يعمل برنامج آغا خان لدعم الأرياف على توسيع نطاق الوظائف التي يحصل عليها خريجوه، إذ يتعاون مع شركات راعية لتحسين مهارات الشباب في التعامل مع التكنولوجيا بالقرب من مراكز التدريب في الأرياف. يقول سينغ: "بالتشارك مع شركة مايكروسوفت إنديا (Microsoft India)، أنشأنا أحد المراكز الريفية للتدريب على المهارات الرقمية في قرية غادو بولاية غوجارات الساحلية".
تعمل مؤسسات غير حكومية أخرى على تكرار هذا النوع من التدريب المتخصص ودعم التعيين في الوظائف، سيا نوروجي هي مديرة برنامج ثري دي (3D Program) التابع لمؤسسة الأمم المتحدة، وهو يستهدف الفتيات والنساء ويعمل بالتشارك مع مؤسسات غير ربحية محلية من أجل دعم الشابات في الأرياف في ولاية ماهاراشترا، تقول: "لا يمكننا التوقع من برامج التدريب على المهارات الوظيفية ودعم التعيين المتمركزة في المدن أن تنجح في تهيئة شباب الأرياف من دون إضافة الاستثمارات التي تلبي احتياجاتهم الخاصة"، ويمكن أن تولد هذه الاستثمارات عائدات من خلال إطلاق العنان لطموحات الشباب وطاقاتهم.
يعتبر المدربون في برنامج إلحاق الشباب مثل كوسوم فاسافا أن عملهم على تعزيز مهارات المتدربين للتأقلم مع حياة المدينة هو غاية سامية تفتقر إليها أدوار التدريس التقليدية في المدارس والجامعات، تقول كوسوم: "عندما أنظر الآن إلى المدرسين في تلك الأماكن أرى أنه من الأفضل لي أن أبقى هنا. لقد دعمت الكثير جداً من الشباب في البرنامج ومددتهم بالثقة كي أضمن حصولهم على وظائف، وكثير منهم يعمل الآن فعلاً".
كان توقيت النقلة التي قام بها برنامج إلحاق الشباب مناسباً لبرنامج آغا خان لدعم الأرياف والريفيين المستفيدين منه على حد سواء، وتتطابق العبرة من هذه التجربة مع نصيحة والد ميرا في الزراعة: "لا تنطوي الزراعة على تحديات كبيرة، لكن يكمن سر نجاحها في اختيار التوقيت المناسب دائماً".
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.