كيف تنجح مساعي محو الأمية في مراحل الطفولة المبكرة؟

6 دقائق
برامج إعادة تأهيل التعليم

ومع خروج أنظمتنا التعليمية من المراحل الصعبة التي تطلبها التكيف مع إغلاق المدارس والتعليم عن بعد نحو مرحلة قريبة من الوضع الطبيعي، يتساءل الكثيرون حول كيفية تدارك ما فقد خلال هذا المسار. كيف تأثر الأطفال بهذه الفجوة غير المسبوقة في تعليمهم؟ هل ستنتج عنها آثار طويلة المدى؟ هل سيعانون اجتماعياً وعاطفياً من "منحدر جائحة كوفيد"؟ وما الذي يمكننا فعله لتعويض ما تمت خسارته؟

رغم صحة هذه الهواجس - وقد خُصِّصت مبالغ ضخمة من التمويل الفيدرالي لصالح هذا المسعى - فإن الفجوات في النتائج الأكاديمية ليست جديدةً بالنسبة للعديد من أطفالنا. إذ كنا نجد دائماً فجوةً في نتائج القراءة بين الأطفال ذوي البشرة الملونة، والذين ينتمون إلى المجتمعات المحرومة، وأولئك الذين يواجهون صعوبات في التعلم، وبين أقرانهم ذوي البشرة البيضاء والأثرىاء منهم، وهذا فشل منهجي يضيف إلى سجل إتقان القراءة القاتم في بلدنا: ففي عام 2019، بلغت نسبة طلاب صف الرابع والثامن الأميركيين المتقنين للقراءة 40% فقط، لكن نسبة الطلاب ذوي البشرة البيضاء المتقنين للقراءة تبلغ 45% مقارنةً بنسبة 18% فقط من الطلاب ذوي البشرة السوداء و23% من الطلاب اللاتينيين. وما لم تركز برامج إعادة تأهيل التعليم على الجودة والإنصاف على مستوى الطالب والأنظمة، فإنها تخاطر بتفاقم مثل هذه الأنماط من الفجوة في فرص التعليم، إضافةً إلى زيادة التفاوت في إمكانية ارتياد المدارس المرموقة والحصول على الموارد التي يحتاجها جميع الأطفال ليكونوا ناجحين.

قد يكون منشأ العقبات التي تعيق عملية التعلم جينية أو بيولوجية، كما هو الحال في صعوبات التعلم عصبية المنشأ مثل عسر القراءة، وعسر الكتابة، واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، لكن يمكن أن يكون منشؤها بيئياً أيضاً. فالأطفال، ولا سيما الطلاب ملونو البشرة، الذين يرتادون المدارس متدنية المستوى الموجودة في المناطق منخفضة الدخل، أو الطلاب الذين يتعلمون اللغة الإنجليزية، أو الطلاب الذين تعرضوا لصدمة، أو الطلاب الذين ينطبق عليهم ظرف أو أكثر من هذه الظروف يمكن أن يواجهوا صعوبات تعليمية شديدة ستحد من إمكاناتهم إذا لم تعالَج. تسفر الفجوات في الفرص غالباً عن نتائج متفاوتة، التي غالباً يصرَف النظر عنها باعتبارها إخفاقات في الإنجاز.

يمكن أن تؤدي المؤسَّسات غير الربحية التعليمية دوراً بارزاً في تعزيز مساعي أمتنا لدعم الطلاب المحرومين دعماً ملموساً، ودعم المعلمين بتزويدهم بنهج تعليم القراءة التي أثبت أنها أكثر فاعلية في تعليم معظم الأطفال ضمن الفصل الدراسي. يعد "مركز لي بيسكي التعليمي" (Lee Pesky Learning Center - LPLC) في مدينة بويسي في ولاية أيداهو نموذجاً لمؤسَّسة غير ربحية صغيرة تمكنت من إحداث فرق قابل للقياس ومستدام في نتائج القراءة، وحققت أثراً يتخطى نطاق تأثيرها.

على سبيل المثال، عندما انتقلت المدارس إلى التدريس عبر الإنترنت في عام 2020، كان واضحاً أن المتعلمين الصغار الذين كانوا يواجهون صعوبات أصلاً سيكونون الأكثر تضرراً. كان تعلم القراءة بالنسبة للطلاب اللاتينيين المحرومين الذين يتعلم معظمهم اللغة الإنجليزية، يعد أصلاً تحدياً لهم، ليفاقم التعليم عن بعد هذا التحدي. لذلك أطلقنا في شهر يونيو/حزيران عام 2020، أحدث برامجنا "مسارات محو الأمية" (Pathways to Literacy)، لتلبية هذه الحاجة الملحة في مجتمعنا، والموجَّه لطلاب الصف الأول اللاتينيين مجاناً. لتوفير دروس خصوصية للطلاب في مهارات القراءة التأسيسية، عيَّنا مدرسين يتحدثون الإسبانية ويستطيعون التواصل مع أسر الطلاب لتنسيق البرنامج، ويمكنهم - على الرغم أنهم يدرسون باللغة الإنجليزية - التحدث باللغة الإسبانية عند الحاجة لدعم توسيع مفردات الطلاب وتنمية فهمهم. كما زودنا العائلات بمواد تعلم القراءة والكتابة للمراحل المبكرة باللغة الإسبانية، لنمنح العائلات فرصة دعم تنمية مهارة أطفالهم في القراءة والكتابة باللغة الإسبانية، حيث تبين الأبحاث أن تنمية مهارة الفرد في قراءة وكتابة لغته الأم يسهل عملية تنمية مهارته في قراءة وكتابة لغة ثانية (مثل اللغة الإنجليزية).

يستند برنامج "مسارات محو الأمية" على مبادئ مبادرة أوسع قادها "مركز لي بيسكي التعليمي" في عام 2008 تقدم التدريب والتوجيه لمعلمي المراحل الابتدائية الأولى، التي يطلَق عليها "برنامج آيداهو لمحو الأمية في المراحل المبكرة" (Idaho Early Literacy Program - IELP). عملنا لأكثر من 10 سنوات مع المعلمين الذين يدرسون من مرحلة الحضانة حتى الصف الثالث في جميع أنحاء الولاية لتحسين تعليم القراءة المبكر ونتائج تعلم الطلاب القراءة. عندما أغلقت المدارس لأول مرة في مارس/آذار عام 2020، سارع فريق التدريب في مركزنا في التحول من نموذجنا للتدريب الشخصي إلى التركيز على دعم المعلمين الذين اضطروا فجأةً إلى تعلم طريقة التدريس عبر الإنترنت: أنشأ فريقنا للتدريب عدداً لا يحصى من المواد التعليمية ونصائح التدريس عبر الإنترنت وشاركها مصحوبةً بمقاطع فيديو قصيرة تصيغ الممارسات التي يجب اتباعها.

كانت لنتائج هذين البرنامجين الذين يركز أحدهما على بناء قدرة المعلم على دعم جميع الطلاب، والآخر على تقديم خدمات مباشرة إلى فئة سكانية مستهدفة، بالغ الأثر في تحسين قدرات الفئات المستهدفة. تُظهر تقييمات برنامج "مركز لي بيسكي التعليمي" "لبرنامج آيداهو لمحو الأمية في المراحل المبكرة" دائماً أن المناطق التعليمية التي شاركت في المشروع حققت مكاسب أكبر في الفترة الممتدة بين فصلي الخريف والربيع، وذلك في النسبة المئوية للطلاب القادرين على القراءة على مستوى المرحلة الدراسية: انتقلت إحدى المناطق من نسبة 46% من الطلاب الذين يستوفون مقياس القراءة المعياري كما يقيسه "مؤشر القراءة في أيداهو" (Idaho Reading Indicator) في سبتمبر/أيلول إلى نسبة 79% في مايو/أيار (مقارنةً بالمتوسط في ​​الولاية، الذي لم يزِد إلا من 52% إلى 69% خلال العام الدراسي ذاته). كما حقق الطلاب في برنامج "مسارات محو الأمية" مكاسب مذهلة. فضلاً عن ذلك، أنشأ البرنامج نظاماً يمكّننا من تحسين تلبية احتياجات الأطفال. على سبيل المثال، لم تحرز "ماريا" إحدى الطالبات المشاركة في برنامجنا في عام 2020 تقدماً كافياً، وتمكن فريق "مركز لي بيسكي التعليمي" من إحالتها إلى أخصائي نفسي معالِج تمكن من تحديد معاناتها من مشكلة كامنة في معالجة المعلومات أثرت على قدرتها على التعلم. بفضل المساعدة المالية السخية تمكنا بعد ذلك من تقديم تدخل مكثف لتنمية مهارات "ماريا" في القراءة مجاناً. قد يصعب جداً أن تميز هل يعاني متعلم اللغة الإنجليزية أيضاً من صعوبات تعلم محتمَلة، لكن الاعتماد على ممارسات التعليم والتقييم القائمة على الأدلة أتاح لنا تحسين جودة خدمتنا للطلاب. (لم يتمكن النظام المدرسي من ملاحظة احتياجات هذا الطالب أثناء تدريسه عن بُعد).

لقد نجحت هذه البرامج للأسباب التالية:

  1. تكمّل هذه البرامج بعضها لمعالجة المشكلة على مستوى البيئة التعليمية الأوسع. يقدم برنامج "مسارات محو الأمية" خدمات طلابية شخصية، لكن في المناطق التعليمية التي يعاني فيها العديد من الطلاب، لا يمكن تلبية احتياجاتهم الحالية من خلال البرامج الشخصية أو حتى البرامج التعليمية الجماعية الصغيرة. وهنا يأتي دور "برنامج آيداهو لمحو الأمية في المراحل المبكرة": إن بناء قدرة المعلمين على تعليم القراءة المتوافق مع علم القراءة يعني أن عدداً أكبر من الطلاب سيستفيد من التعليم عالي الجودة في الفصول الدراسية. إذا تمكن معظم الطلاب من بلوغ المستوى المحدد للمرحلة الدراسية من خلال تلقيهم تعليماً عالي الجودة في الفصل الدراسي، سنتمكن من تخصيص البرامج المكثفة مثل "مسارات محو الأمية" لمساعدة الطلاب الذين يحتاجون إلى دعم إضافي على المدى القريب.
  2. تستند البرامج على علم التعلم والتنمية. تستند جميع البرامج التي يقدمها "مركز لي بيسكي التعليمي" على ممارسات مبنية على أبحاث، وتترجم الممارسات "المجدية" المذكورة فيها إلى نهج عملية وسهلة التنفيذ يستطيع المدرسون اتباعها مباشرةً في فصولهم الدراسية. إضافةً إلى ذلك، يستثمر المركز في إجراء أبحاث على برامجه، وإجراء تقييمات بنيوية موسَّعة (مثلاً، هل تقدَّم البرامج على النحو المقرر لها؟) وتقييمات تحصيلية (مثلاً، ما هي تأثيراتها على نتائج المعلم والطلاب المهمة؟). نسخر بياناتنا البحثية للانخراط في دورة محمودة من التحسين المستمر. بهذه الحال، لا يعد "مركز لي بيسكي التعليمي" نفسه مؤسسة تعلم فقط (مؤسسة تعمل في مجال مساعدة الأطفال على التعلم)، لكنه يعد نفسه أيضاً "مؤسسة تعليمية"، لأنها تلزم طاقمها وأعضاء فريقها بأن يكونوا مهيئين لتعديل وجهات نظرهم ونهجهم وأساليبهم عند تعلمهم حقائق ومعلومات جديدة. نبحث عن وسائل جديدة لتحسين الأمور من خلال التأمل الذاتي والتغيير، ونعتقد أنه لا يمكن تقديم نموذج أقوى للأطفال من نموذج العمل مع معلمين ومتخصصين وبالغين آخرين يرون أنفسهم متعلمين أيضاً.
  3. تستفيد البرامج من الشراكات مع المدارس والمؤسسات المجتمعية الأخرى. لأن "مركز لي بيسكي التعليمي" هو مؤسسة غير ربحية خاصة، فقد كان يخصص وقتاً دائماً لبناء علاقات مع المدارس والوكالات الحكومية، وهو متلهف لمشاركة تجربته وخبراته. كما ذكر "ريتشارد أوسجوثورب"، العميد السابق "لكلية بويز للتعليم" (Boise State’s College of Education)، في مقابلة لكتابنا "جمال الحياة في بساطتها" (More to Life than More): "لقد أوجد "مركز لي بيسكي التعليمي" بيئةً رائعةً لتحسين التعليم دون أن يحاول تحطيم أي شخص آخر". يجسد "برنامج آيداهو لمحو الأمية في المراحل المبكرة" روح المتمثلة في عبارة "نحن جميعاً معاً في مواجهة هذا الأمر" وأسِّس على التعاون واسع النطاق ومتعدد المستويات الذي يشمل وزارة التعليم في ولاية أيداهو، ومعلمين وإداريين من سبع مناطق تعليمية، ومئات الأفراد المانحين وإحدى أكبر المؤسسات الخاصة في البلاد. كما يعزو برنامج "مسارات محو الأمية" نجاحه إلى الشراكات، مع مخيم "الجسر الصيفي" التابع لجمعية الشبان المسيحيين في "وود ريفر" (Wood River YMCA’s Summer Bridge) و"المنطقة التعليمية في مقاطعة بلاين" (Blaine County School District). أتاح لنا تشارك هذه البرامج مع عروض أخرى التخلص من عقبة النقل المحتملة التي قد تعيق المشاركة في برنامج القراءة الذي نقدمه. نتيجةً لذلك، تمكنا من العمل مع الطلاب أثناء ارتيادهم برنامج مخيم "الجسر الصيفي"، ووفرت لنا المنطقة التعليمية مكاناً هادئاً يمكننا التركيز فيه على القراءة.

بعد عام ونصف من انتشار الجائحة، باتت الحاجة الملحة لمساعي إعادة تأهيل التعليم ملموسةً في المجتمع التعليمي الأوسع وأصبحت موضع اهتمام على الصعيد الوطني. لكننا نعتقد أن البرامج التكميلية التي لا تعتمد على الممارسات المبنية على الأدلة، والتي لا تحظى بتأييد أصحاب المصلحة أو الشراكات الاستراتيجية، والتي لا تسعى إلى معالجة فجوة الفرص، تخاطر بتأسيس إعادة تأهيل غير منصف للتعليم.

على سبيل المثال، يمكن القول أن المساعي القائمة على التكنولوجيا هي المساعي الأسهل توسعاً، لكن التعلم غير المتزامن عبر الإنترنت يكون غالباً أقل أسلوب مشجع لتوصيل المعلومات للطلاب الذين يواجهون صعوبات تعلم. فأكثر من سيستفيد من هذا الأسلوب هم الأطفال الذين لديهم أصلاً جميع الموارد اللازمة ولا يحتاجون إلى خدمات إضافية. لا بد أيضاً من التأكيد على أن البرامج التكميلية هي حل مؤقت، إذ لا يمكنها معالجة الفجوات في الفرص الموجودة منذ زمن طويل معالجةً فعالة، فهذا يتطلب تغيير الأنظمة. يعكس "برنامج آيداهو لمحو الأمية في المراحل المبكرة" الذي نقدمه إحدى جوانب تغيير الأنظمة - ببناء قدرة المعلم على تلبية احتياجات جميع الطلاب بطريقة أفضل - لكن علينا فعل أكثر من ذلك، وهذا يشمل تنويع الهيئة التدريسية والإنصاف في تزويد المدارس بالموارد.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي