التعليم من الجذور: كيف تقود المجتمعات جهود التغلب على فقر التعلم؟

5 دقيقة
الجد من فقر التعلم
app.envato.com/by Daria_Nipot

يمكن للنهج التطوعي الذي يقوده المجتمع المحلي أن يكون حلاً فعالاً ومستداماً لأزمة التعليم العالمية، خصوصاً في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل حيث تعاني أنظمة التعليم من نقص في المعلمين وتمويل ضعيف.

  • استخدمت مبادرات مثل "من الجدور إلى النمو"  في أوغندا متطوعين من المجتمع المحلي…

عندما وصلت غلوريا البالغة من العمر 8 سنوات إلى أوغندا للمشاركة في مخيم "بناء الغد" لمحو الأمية "من الجذور إلى النمو" في منطقة إيغانغا، كانت مثل أكثر من 90% من أقرانها تكافح من أجل إتقان أساسيات القراءة والكتابة والحساب. وعلى مدار بضعة أسابيع، وبتوجيه من أحد المتطوعين في المجتمع المحلي، أصبحت غلوريا قادرة على نطق الكلمات وتكوين الجمل وحتى فهم الفقرات القصيرة. بل أكثر من ذلك: كانت تتعلم أن تكون سعيدة مرة أخرى. لم تكن غلوريا تساعد زملائها في الفصل فحسب، بل باتت تحلم بأن تصبح معلمة.

واليوم، في جميع أنحاء إفريقيا جنوب الصحراء، لا يستطيع ما يقرب من 9 من كل 10 أطفال في سن العاشرة قراءة أو كتابة نص بسيط، وهي مشكلة يسميها البنك الدولي "فقر التعلم"، والعقبات التي تحول دون التغلب عليها  كثيرة، فالمنطقة تعاني بالفعل نقصاً في عدد المعلمين يقارب 15 مليون معلم، وتراجعاً في حصة الإنفاق على التعليم من الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن اتساع الفجوات التعليمية في مرحلة ما بعد كوفيد-19، لكن الأزمة تفاقمت أكثر بسبب إلغاء الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو إس أيد)  99% من التزاماتها العالمية للتعليم الأساسي مؤخراً، والتي تقدر قيمتها بمليار دولار أميركي. وفي البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، تأتي هذه التخفيضات في الوقت الذي تستنزف فيه الوزارات ميزانياتها المحدودة في العديد من القطاعات الملحة، وغالباً ما يكون ذلك على خلفية خسائر بنسبة مئوية مضاعفة في عائدات المساعدات الثنائية.

لا تمثل غلوريا فقط الإمكانات الحقيقة لأكثر من 600 مليون متعلم في جميع أنحاء العالم ممن يفتقرون إلى مهارات التعلم الأساسية، بل إن تقدمها في هذا المجال كان نتيجة لنهج واعد لكنه غير مستغل على نحو كافٍ لتوسيع نطاق الوصول إلى التعليم، وهو النموذج المجتمعي القائم على التطوع الذي يمكن أن يكون مفتاح حل أزمة التعليم العالمية.

قوة القرب

حتى الآن، شارك أكثر من 900,000 طفل أوغندي مثل غلوريا في مخيمات "من الجذور إلى النمو"، بتوجيه من شبكة جماهيرية تضم أكثر من 20,000 متطوع في التعليم المجتمعي. يظهر هؤلاء المتطوعون، الذين تم تدريبهم من خلال نماذج لا مركزية ومتجذرة في المجتمعات المحلية، ما سبق أن علّمته قطاعات أخرى، مثل الصحة وسبل العيش، لممارسي التأثير الاجتماعي: وهو أن القرب والهدف يمكن أن يحقق نتائج قوية. وباعتبارها حلاً مستداماً وقابلاً للتوسع، تقدم نماذج التعليم التي تعتمد على المجتمع المحلي حلاً مقنعاً للأزمات المتشابكة المتمثلة في ضعف الأداء الأكاديمي للطلاب والنقص المتزايد في أعداد المعلمين في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

في حين أن الحلول التي تعتمد على المجتمع المحلي ليست رائدة، إلا أن نشرها يمكن أن يكون كذلك. في أميركا اللاتينية، على سبيل المثال، تحشد مؤسسة تيكو عشرات الآلاف من الشباب لمعالجة قضايا الإسكان وسبل العيش من خلال نموذج ثلاثي المراحل يركز على الجهات المحلية والأنشطة التي يقودها المتطوعون والشراكات لتحقيق تغيير شامل للمساكن العشوائية. ومن خلال العمل في 19 بلداً في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، قام ما يقرب من 750,000 متطوع ببناء أكثر من 100,000 منزل، ليس فقط لتوفير سقف فوق رؤوس الأسر في المساكن العشوائية، بل لتعزيز الشعور العميق بالكرامة والمشاركة المدنية.

وفي غرب إفريقيا، يقوم برنامج تمكين المجتمع المحلي الذي يحظى بإشادة من توستان على عملية مكثفة تستغرق ثلاث سنوات، حيث تنخرط المجتمعات المحلية في الحوار، وتضع رؤيتها الجماعية، وتصمم أجندة تنمية خاصة بها. وقد أدى نموذج توستان إلى تغيير سلوكي مثير للإعجاب، بما في ذلك انخفاض كبير في زواج الأطفال وختان الإناث ومؤشرات صحية أخرى. إن الالتزام الجماعي لكل مجتمع محلي هو دليل على قوة المشاركة المباشرة، فعند تزويد الأشخاص المعنيين أكثر بالتحدي بالأدوات اللازمة لقيادة تغيير شامل، يستمر التغيير.

تعد النماذج التي يقودها المتطوعون والمتجذرة في المجتمع من بين التدخلات الأكثر نجاحاً في قطاع التأثير الاجتماعي، ويتطلب الوضع الحالي للتعليم على الصعيد العالمي أن يستغل هذا القطاع نفس الخيال الجماعي لوقف هذا المد.

النماذج التطوعية في التعليم

في مؤسسة بناء الغد، وهي مؤسسة ذات أثر اجتماعي تركز على التعليم، يحفز نموذجنا للتطوع في التعليم المجتمعي عملية التعليم من خلال تشكيل شبكات متطوعين محددة محلياً، والتي تعزز الأصول المتاحة للمجتمع في مجال التعليم. ومن خلال التدريب والدعم التربوي الذي تقدمه مؤسسة "بناء الغد"، يقوم متطوعو التعليم المجتمعي بتسجيل الأطفال غير الملتحقين بالمدارس، ويدعمون الشمول الاجتماعي لفئات سكانية مثل الفتيات والأطفال ذوي الإعاقة في المناطق التعليمية، وبناء قدرات قادة المدارس، وتيسير معسكرات تعليم القراءة والكتابة والحساب المستوحاة من برنامج "بناء الغد" لمحو الأمية والحساب التي تسمى "من الجذور إلى النمو". لن يقوم أي مجتمعين بذلك بنفس الطريقة بالضبط، ولكن القاسم المشترك في تجربتنا هو أنه عندما يتاح للمجتمعات المحلية زيادة فرص الحصول على التدريب والمواد التربوية، يمكن للمشاركين المحليين الاستفادة من علاقاتهم الحالية وفهمهم القائم على المكان لبيئات الطلاب لإحداث التغيير وتغيير العقليات. والنتائج تتحدث عن نفسها، حيث وصل الحد من فقر التعلم إلى نحو  ثلثي المشاركين في أكثر من 25,000 مخيم لمحو الأمية والحساب منذ عام 2022.

وجرى التحقق من صحة تأثير برامجنا التعليمية المركزة من خلال تجربة عشوائية مضبوطة أجرتها مؤسسة يوث إمباكت، والتي أظهرت على نحو ملحوظ أن أقل من ثلاث ساعات من التعليم الفردي الذي تقدمه برامج التعليم المركزة أدت إلى مكاسب تعليمية تعادل أكثر من عام دراسي واحد داخل القاعة الدراسية. نجح المتطوعون التعليميون المجتمعيون في توجيه التعليم بدقة لتناسب مستوى قدرات المتعلمين بنسبة 81.5% من الوقت، وهي نسبة أعلى من أي منفذين آخرين (ممن تلقوا تدريباً مهنياً) شملتهم الدراسة في السياقات الخمسة المكررة للتجربة العشوائية المحكومة. وسر هذا النجاح ليس خفياً؛ فقد تمكنت مراكز التعليم المستمر من الاستفادة من الثقة التي بنتها داخل المجتمعات التي تخدمها لزيادة مشاركة المتعلمين وأولياء الأمور لتحقيق نتائج محسنة إلى حد كبير.

وفي جميع أنحاء البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، تقوم المؤسسات بالفعل بنشر نماذج تعليمية قائمة على التطوع على نحو مستقل ينذر بالأمل. إذ تستفيد مؤسسة تعليم الفتيات في الهند من المتطوعين المجتمعيين لتحديد الفتيات غير الملتحقات بالمدارس وتسجيلهم في المدارس؛ وتستفيد مؤسسة ريد في السنغال من خدمات المعلمين المجتمعيين؛ وتستفيد منظمة زيزي أفريك في كينيا ومبادرة التعليم التوليدي في السنغال من الميسرين المجتمعيين في اكتساب المهارات الأساسية. على الرغم من أن هذه الأساليب تختلف في التصميم، لكنها تشترك في إدراك قيمة الملكية المجتمعية وفعالية التكلفة والاستدامة. علاوة على ذلك، نجحت مبادرة تعليم الفتيات في تسجيل أكثر من 245,000 متعلم في المدارس في الفترة 2022-2023، وتستهدف تحسين فرص الوصول إلى التعليم وجودة التعليم لأكثر من 15 مليون فل بشكل تراكمي بحلول عام 2025؛ وبالتالي، يجب أن تنفي هذه الأرقام فكرة أن التغيير الذي يقوده المجتمع يقتصر على الإجراءات التدخلية صغيرة النطاق.

وفي حين أن الحلول التي يقودها المجتمع المحلي يمكن أن تزدهرعلى نحو مستقل، إلا أنها غالباً ما تصل إلى إمكاناتها الكاملة فقط عندما تجتمع معاً في هدف مشترك، ما يسرع من وتيرة السياسات الحكومية. ويبرز مجال الصحة العامة مثالاً عملياً على ذلك، حيث طورت تحالفات العاملين في قطاع الصحة المجتمعية، مثل تحالف التأثير الصحي المجتمعي، معايير مشتركة، وحصلت على الدعم الحكومي، ووسعت نطاق أفضل الممارسات. وبالمثل، في مجال العدالة البيئية، جمع تحالف منابع الأمازون المقدسة مجموعات محلية متنوعة معاً في نضالهم لحماية ملايين الأفدنة من الغابات المطيرة، ما عزز نفوذهم.

يجب أن يحذو التعليم حذو الصحة العامة لأن النهج الجماعي هو المستقبل. فنموذج التحالفات لا يقتصر على المواءمة فحسب، بل يتيح التعلم المشترك والتمثيل والتنسيق على مستوى الأنظمة. كما يتيح مبادئ مشتركة وأساليب مفتوحة وأدوات قابلة للتشغيل البيني. ويوفر هيكلية للنماذج القائمة على المجتمع لتشكيل أنظمة التعليم وليس فقط استكمالها.

ولبناء مثل هذا التحالف، نقترح أن نبني جهودنا على رؤية مشتركة: وهي أن كل طفل، بغض النظر عن الموقع الجغرافي أو الوضع المالي، يستحق أن يتقن القراءة والكتابة والحساب الأساسيين. وهناك أدلة كثيرة على أننا نستطيع تحقيق ذلك. فقد حققت مراكز التعليم المستمر مكاسب تعليمية مذهلة من خلال برنامج "من الجذور إلى النمو" حيث وصل نحو 80% من المتعلمين إلى الحد الأدنى من مستويات الكفاءة في القراءة والكتابة والحساب. وعلى الرغم من أن مراكز التعليم المستمر تصل الآن إلى متعلم أوغندي جديد كل 90 ثانية، إلا أنه لا يزال أمامنا المزيد من العمل. ولتسجيل مثل هذه المكاسب على نطاق واسع وبجودة عالية، ينبغي لنهج المتطوعين في التعليم المجتمعي:

  • أن ينشأ بصورة طبيعية داخل المجتمعات المحلية مع الحصول على الدعم والقيادة المحلية؛
  • الاستفادة من المهارات الموجودة لدى المعلمين والشباب والمتقاعدين وقادة المجتمع المدني؛
  • استكمال الأنظمة الرسمية وتعزيزها بدلاً من التنافس معها؛
  • تحمل المسؤولية أمام كل من المجتمعات المحلية والمتعلمين من خلال البيانات والتغذية الراجعة؛
  • أن  يكون فعالاً من حيث التكلفة وقابلاً للتكيف والتكرار.

إن اللحظة حرجة. والفرصة حقيقية. يجب علينا كمؤسسات وممولين وصانعي سياسات ومناصرين أن نقاوم الرغبة في العمل بمفردنا. إذ لا يمكن حل أزمة التعليم من خلال مشاريع تجريبية معزولة أو ابتكارات منعزلة، ولكن يمكن مواجهتها من خلال حركة جماعية ملتزمة مدعومة من المجتمع.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أن المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.  

المحتوى محمي