كيف تساعد الشركات الدولية في تعليم العالم؟

4 دقائق
التعليم العالمي
shutterstock.com/Chinnapong

القطاع الخاص ليس مصدراً كبيراً لتمويل جهود التعليم العالمي فحسب، بل تملك شركاته كنوزاً أخرى تتمثل في المواهب والموارد والأفكار الجديدة وستقدم بمشاركتها عوناً كبيراً.

ينتشر في العالم اليوم أكثر من 260 مليون طفل وشاب بسنّ الدراسة لا يحصلون على التعليم، ومن المحتمل أن يُحرم بعض الأطفال المسجلين في المدارس بالفعل من امتيازات التعليم الابتدائي؛ إذ سينسحب أكثر من نصف مليار طفل بسنّ الدراسة في العالم من المدرسة بسن مبكرة أو سيكون تعليمهم ضعيفاً جداً.

من الطبيعي أن تذهل هذه الأرقام أياً منا، وإذا استمر العالم في هذا المسار فسنصل إلى عام 2030 مع أكثر من 800 مليون شاب لا يملك المهارات الكافية للانضمام إلى القوة العاملة، ما سيؤدي إلى إعاقة النمو والتنمية الاقتصاديين في العالم.

لا يمكن اعتبار القدرة على القراءة والكتابة وربما استخدام الكمبيوتر مجرد وسيلة للراحة، فالتعليم مرتبط مباشرة بتحسين المستوى الصحي للأسر والتكافؤ بين الجنسين وتمتع المجتمعات بالاستقرار والسلام، ومع تغير التكنولوجيا والتركيبة السكانية في العالم إلى جانب تأثير العولمة في إعادة تشكيل عالمنا بسرعة كبيرة نرى أن الفجوة بين الأطفال المتعلمين الذين يتمتعون بإمكانية الحصول على المهارات والفرص والأطفال غير المتعلمين المحرومين منها تتسع وتزداد خطورة.

في مدرسة كيبيرا للبنات في مدينة نيروبي الكينية، تتعلم التلميذات طريقة تركيب جهاز الكمبيوتر واستخدامه استعداداً لوظائف المستقبل. (الصورة: آدريان أوهانيجان)

من الواضح أن الوضع الراهن ليس جيداً، وآن الأوان لعقد شراكات الجيل التالي التي ستطلق العنان للابتكارات الجريئة الضرورية لتقديم مستوى جيد من التعليم للجميع.

مدرسة جديدة

يمكن أن يقدم القطاع الخاص دعماً هائلاً لتحقيق هذا الهدف؛ أولاً، تفهم الشركات الدولية سوق العمل المتغير والاحتياجات المستقبلية للشركات الباحثة عن موظفين، ومع تزايد اعتماد التشغيل الآلي (الأتمتة) ستستفيد الشركات من الاستثمار في قوة العمل العالمية الغنية بالموارد الفكرية، كما أننا بحاجة إلى نهج قائم على حلول الشركات من أجل معالجة مشكلات التعليم.

يتشارك معنا كثير من أهم الشركات المؤثرة في العالم، مثل ديلويت توشيه توماتسو ليمتد (ديلويت) (Deloitte Touche Tohmatsu Limited) وريد سميث (Reed Smith LLP) وإنتل كوربوريشن (ntel Corporation) وويسترن يونيون (Western Union) وغيرها، في تحالف الشركات العالمي للتعليم (Global Business Coalition for Education) (GBC-Ed) وتستخدم ما تملكه من مواهب وتفكير ابتكاري وموارد لمساعدتنا على تعزيز تقديم تعليم جيد مجاني في جميع أنحاء العالم.

منذ عام 2012 استطاع هذا التحالف تحفيز مشاركة القطاع الخاص في التعليم العالمي، وصل عدد الشركات الأعضاء فيه اليوم إلى 140 شركة (ويزداد باستمرار)، وهي تسعى كلها بجدّ إلى تحديد الطرق والمجالات التي تتيح لها تحقيق الفعالية القصوى وتقديم الدعم اللازم. تملك هذه الشركات مجتمعة مئات الآلاف من الموظفين المتفانين في جميع أنحاء العالم وهم قادرون على المساعدة في حلّ أي عدد من المشكلات بالاستفادة من مهاراتهم في تكنولوجيا المعلومات وإدارة البيانات واللوجستيات والتدريب، إلى جانب خبراتهم التي تعدّ ثروة هائلة بحق.

ولكن إجراءات العمل المعيارية التي يتبعها مجتمع التنمية، لا سيما في حالات الطوارئ التي تكون احتياجات التعليم فيها ذات أهمية حاسمة، تتمثل في طلب المال من القطاع الخاص فحسب، وفي الحقيقة لن يكون لدينا وقت لتنسيق أي إجراء آخر عندما يضرب زلزال منطقة ما أو تشكل هجرة أعداد كبيرة من الناس أزمة إنسانية، ولكن هذه النظرة المحدودة البالية حول التشارك مع القطاع الخاص لن تتمكن من حلّ أزمة التعليم التي نشهدها اليوم.

إجراء فذّ

نعمل في تحالف الشركات العالمي للتعليم على تحليل المشكلة وتصميم حلّ لها؛ كيف يمكننا العمل بصورة جماعية على تنظيم شبكتنا وإتاحة مواردها الغنية للمؤسسات غير الربحية والمؤسسات الإنسانية التي تعمل على الأرض لا سيما في أثناء الكوارث أو في مناطق الصراعات؟

يمكن أن تفيدنا التكنولوجيا في ذلك. في ربيع عام 2018، أطلق تحالف الشركات العالمي للتعليم أول أداة للتنمية الدولية عبر الإنترنت في العالم تعمل على اختيار الشركات الرائدة الملائمة لاحتياجات التعليم الجديدة [شبّه بياننا الصحفي الأداة بمنصة التواصل ميت أب (Meetup)، ولكني أفضّل الاختصار الذي نستخدمه ضمن التحالف: "تطبيق تندر للتعليم والطوارئ"]. طورت شركة ليكسز نكسز ريسك سولوشنز وشركتها الأم ريلكس غروب (RELX Group)، هذا النظام الجديد الذي يسمى رابيد إديوكيشن آكشن (Rapid Education Action) (رياكت)، وهو يعمل على وصل القطاعين العام والخاص بالشبكة في الوقت الحقيقي وبالتالي يتيح للمستخدمين اختيار الموارد الملائمة للاحتياجات في غضون دقائق.

خذ مثلاً الشراكة بين شركة اللغات التي يقع مقرها في الولايات المتحدة، نتكلم (NaTakallam)، مع المؤسسة غير الحكومية ري:كودد (Re:Coded) التي تعلّم مهارات كتابة الشفرة البرمجية للأطفال السوريين والعراقيين، حيث وافقت شركة نتكلم على تعيين اللاجئين المشاركين في برنامج التدريب وقدمت لهم فرصة إعدادهم بوصفهم مدرّسين ناطقين باللغة العربية. كما كان نظام رياكت أيضاً وسيطاً لعقد شراكة بين شركة البرمجيات سيريغو (Cerego) والمؤسسة غير الحكومية ذكي (Thaki)، التي تعمل على دعم تعليم الأطفال اللاجئين ونجاحهم بواسطة أدوات إلكترونية تحفيزية للتعلم الذاتي، وستسعى الشراكة إلى إتاحة هذه الأدوات بصورة مباشرة للأطفال المهمشين في لبنان.

نأمل أن يتمكن نظام رياكت من تعزيز شراكات هادفة بين الشركات والمؤسسات غير الربحية والحكومات والوكالات الحكومية الدولية تؤدي إلى مجالات جديدة للتعاون. سيكون للتكنولوجيا أيضاً دور مهم آخر، خذ مثلاً مبادرة سحابة المدرسة التي قامت بها شركة آتش بي (HP)، فهي تتيح لطلاب المدارس التي لا يتوفر فيها اتصال بالإنترنت الوصول إلى ملايين الكتب الدراسية الإلكترونية وآلاف الدروس في مواد مثل القراءة والعلوم والرياضيات.

ولكن ليس من الممكن الاعتماد على التكنولوجيا وحدها لحلّ مشكلة التعليم العالمي، بل نحن بحاجة إلى التفكير الإبداعي أيضاً. خذ مثلاً فكرة جديدة تكتسب زخماً وأصبحت كبيرة بما يكفي لجعل المستحيل ممكناً؛ تم مؤخراً إطلاق مرفق التمويل الدولي المعني بالتعليم (International Finance Facility for Education) بدعم من دول مجموعة العشرين والأمين العالم للأمم المتحدة وأكثر من مليون ونصف المليون شخص، وهو يقدم طريقة مبتكرة لتمويل التعليم في العالم، إذ سيعتمد على الضمانات المقدمة من البلدان المانحة بقيمة مليارَي دولار ليقدم رفعاً مالياً لكثير من بنوك التنمية المتعددة الأطراف كي تتمكن من توليد تمويل جديد للتعليم بقيمة تصل إلى 8 مليارات دولار. خلاصة القول، يمكن لهذا التمويل إلى جانب التبرعات حشد ما يزيد على 10 مليارات دولار من أجل التعليم.

من دون التعليم لن يكون لدى أطفال اليوم القدرة على التعامل مع التغير المناخي أو تحسين النتائج الصحية أو مكافحة التفاوت في المستقبل، بالإضافة إلى النمو والنجاح، وبذلك تكون الأهداف التنموية الدولية كافة معرضة للخطر حالياً. آن الأوان لتتحرك الأطراف المعنية كلها، من حكومات وشركات ومجتمعات مدنية للتعاون والعمل بعزم لتعزيز الأفكار وطرق العمل الجديدة التي ستسرع التقدم وتقف في وجه هذه الأزمة الوشيكة.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي