ملخص: تكشف دراسة حديثة منشورة في مجلة لانسيت الطبية، أن ارتفاع درجات الحرارة العالمي يترك آثاراً نفسية وعاطفية سلبية في الكثير من الشباب، ويمكن للجامعات أن تواجه القلق البيئي لدى الطلاب عبر دمجهم في أنشطة مثل المشاركة في مظاهرة أو مسيرة أو التطوع أو التبرع بالمال للمؤسسات ذات الصلة، لكن هذة الأنشطة ليست الشكل الوحيد للإجراءات، بل تشكل برامج التعلّم التجريبي المستندة إلى ريادة الأعمال مثل برنامج كلايمت ويركس (ClimateWerx) في جامعة كونيتيكت فرصة فريدة للشباب لتطبيق ما تعلموه في مجال المناخ والاستدامة خارج حدود القاعات الدراسية التقليدية.
نشأ طلاب الجامعات في عالم يزداد فيه الاحتباس الحراري، ويكبرون مع تسارع وتيرة التغير المناخي الذي أصبح أزمة متفاقمة تؤثر في كل المجتمعات، وتظهر الأبحاث أن العديد من الشباب يعانون آثاراً نفسية وعاطفية سلبية نتيجة لذلك.
ما الذي يمكن أن تفعله المؤسسات التعليمية لمواجهة هذا التوجه؟ يقدّم البرنامج الجامعي الذي قدته العام الدراسي الماضي بعض الأفكار الواعدة حول دعم الطلاب من خلال مزيج من الإعداد المهني والتواصل المجتمعي والتمكين الشخصي.
القلق البيئي في قاعة الدراسة
في عام 2021، تأثر نحو 85% من سكان العالم بالتغير المناخي الذي تتسبب فيه النشاطات البشرية، ومن آثاره الأحوال الجوية القاسية والحرائق والتغيرات في الموارد المائية وارتفاع درجات الحرارة. صنّف مشاركون في دراسة استقصائية من جميع أنحاء العالم التغير المناخي باعتباره أحد أشد المخاطر المتوقعة على المجتمع على المدى الطويل.
تشغل أزمة المناخ المتفاقمة تفكير العديد من طلاب الجامعات يومياً، إذ ذكرت دراسة حديثة مهمة أن أكثر من 80% من الشباب حول العالم يشعرون بقلق متوسط على الأقل بشأن التغير المناخي. وأشارت الدراسة نفسها إلى أن أكثر من نصف المشاركين شعروا بالحزن والقلق والغضب والعجز والذنب عند التفكير فيه. وأفاد أكثر من 45% من المشاركين في الدراسة بأن مشاعرهم تجاه التغير المناخي أثرت سلباً على حياتهم اليومية وعملهم.
على الرغم من اختلاف التقديرات، فإن مئات الملايين من الناس يعانون نوعاً من الاستجابة النفسية أو الاجتماعية والعاطفية السلبية لحالة الطوارئ المناخية. يشير الخبراء إلى هذه الظاهرة عادةً بالقلق البيئي، الذي تعرّفه جمعية علم النفس الأميركية بأنه "الخوف المزمن من الهلاك البيئي"، ويمكن أن تتراوح الاستجابات هذه من التوتر الخفيف إلى الاضطرابات السريرية مثل الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة والانتحار واستراتيجيات التكيف السلبية مثل العنف الأسري واتباع سلوكيات مضرة. ويستخدم الخبراء مصطلحي "التوتر المناخي" و"الضائقة المناخية" في كثير من الأحيان في الإشارة إلى الظاهرة نفسها لتغطية طيف أوسع من الاستجابات العاطفية.
بدأت بعض الكليات والجامعات الاستجابة من خلال استحداث مقررات دراسية أو إطلاق برامج شهادات ذات صلة لمساعدة الطلاب على توثيق ما تعلموه حول الأزمة، في حين بدأت أخرى سلسلة من ورش العمل للطلاب تركز على تخفيف القلق البيئي، ويقدم بعضها الاستشارات عبر الأنظمة الأكاديمية المتوافرة.
لكن العديد من المختصين النفسيين والمستشارين غير مدربين على تقديم دعم للشباب فيما يخص المخاوف البيئية، وأحد أسباب ذلك هو نقص الأبحاث حول الضائقة المناخية بوصفها ظاهرة مستقلة. لا يدرك معظم المدرسين والإداريين في التعليم العالي القلق البيئي بين الطلاب للسبب نفسه، ما يؤدي إلى وجود ثغرة كبيرة في برامج الشريحة العمرية التي هي في أمسّ الحاجة إليها.
اتخاذ إجراءات تتجاوز حدود النشاطات
مع استمرار الباحثين في التعمق في هذا الموضوع، يشير قدر متزايد من الأدلة إلى أن اتخاذ إجراءات يمكن أن يساعد على التخفيف من الضائقة المناخية بدرجة كبيرة، قبل أن تتحول إلى اضطرابات سريرية.
قد تكون أكثر الإجراءات شيوعاً هي المشاركة في نشاطات تشمل المشاركة في مظاهرة أو مسيرة أو التطوع أو التبرع بالمال للمؤسسات ذات الصلة أو الاتصال بالمسؤولين المنتخبين لحثّهم على التصدي للتغير المناخي. يشارك الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً في هذه الأنشطة بمعدلات تقارب ضعف معدلات مشاركة الفئات العمرية الأخرى.
في عام 2019، شهد الإضراب العالمي من أجل المناخ مشاركة أكثر من 7.6 ملايين شخص في 185 دولة، وفي عام 2023، ملأ عشرات الآلاف شوارع مدينة نيويورك مطالبين بإنهاء استخدام الوقود الأحفوري قبل اجتماعات الأمم المتحدة حول هذا الموضوع. تدعم عدة مؤسسات مثل مؤسسة حركة شروق الشمس (Sunrise Movement) الشباب في البحث عن المزيد من الفرص لاتخاذ إجراءات على المستوى المحلي.
ربما تكون النشاطات أكثر الأساليب التي يعرفها الطلاب، خاصة أن الدعوات إلى المشاركة تظهر بكثرة على وسائل التواصل الاجتماعي؛ ومع ذلك، فهي ليست الشكل الوحيد للإجراءات. توفر برامج التعلّم التجريبي المستندة إلى ريادة الأعمال فرصة فريدة للشباب لرسم مسارات شخصية في مجال المناخ والاستدامة، من خلال دعم الطلاب في تطبيق ما تعلموه خارج حدود القاعات الدراسية التقليدية.
التعلم والتجربة والإبداع
على مدى السنوات العديدة الماضية، حظيت بفرصة فريدة من نوعها باعتباري شابة لأصبح صانعة تغيير ريادية في مجال التعليم ما بعد الثانوي، حيث جربتُ برامج وأنشأت مجموعة متنوعة من المناهج الأكاديمية لفئات مميزة من الطلاب. وبفضل خبرتي في علم الأوبئة الاجتماعية ورفاهة المجتمع، كتبتُ تقارير مستفيضة عن القلق البيئي، ما سمح لي بتقديم أفكار فريدة في هذا النقاش. أعتقد بشدة أن التعليم العالي يمر بمرحلة حرجة، إذ إن العديد من المنهجيات الحالية للتدريس والمشاركة لم تعد تلبي احتياجات الطلاب أو متطلبات الشركات من المواهب، ويظهر ذلك بوضوح في مجال المناخ والاستدامة.
في العام الدراسي 2023-2024، قدت برنامجاً تجريبياً للتعلم التجريبي في جامعة كونيتيكت (University of Connecticut)، اسمه كلايمت ويركس (ClimateWerx)، وهو يركز على دعم المشاركين في تحويل شغفهم بالاستدامة والتغير المناخي إلى عمل من خلال التجربة العملية. طوّر الطلاب قدرتهم على الإبداع وتفكيرهم النقدي وقابليتهم على التكيف والمرونة من خلال فرص ريادة الأعمال إلى جانب تعزيز كفاءاتهم المعرفية التي تتكامل مع مسارات شهاداتهم العلمية. أنشأتُ برنامج كلايمت ويركس عمداً خارج أي برنامج أو قسم أكاديمي محدد بحيث يوفر مساحة متعددة التخصصات للطلاب للتفاعل مع أقرانهم المتحمسين للقضايا نفسها في سياقات متنوعة. ضمت الدفعة الأولى 15 طالباً يمثلون 11 تخصصاً مختلفاً و5 كليات ومعاهد مختلفة داخل الجامعة. كان الطلاب من مختلف مراحل الدراسة الجامعية، وكان نصفهم تقريباً من الجيل الجامعي الأول في عائلاتهم.
خلال الفصل الدراسي الأول، شارك الطلاب في دورة دراسية على شكل ندوة أسبوعية لبناء المعرفة الأساسية الضرورية للمشاركة في البرنامج. وبما أن كل عضو من أفراد الدفعة يتناول القضايا من زاوية تخصصية وتجريبية مختلفة، كان من الضروري تشكيل قاعدة مشتركة من المعرفة الجماعية حول عدة قضايا مثل الطاقة المتجددة، وصحة الكوكب ونزوح السكان، والآثار الملموسة في الطبيعة والعدالة البيئية والبنية التحتية المجتمعية. كما اكتسب الطلاب في هذه الدورة فهماً عملياً لمجموعات مهارات ريادة الأعمال ذات الصلة ومسارات المشاركة في مجال الاستدامة والمناخ في الجامعة، وعملوا على تحديد الفرص وتطبيق المعرفة في سياقات واقعية.
في الفصل الدراسي الثاني، دعم البرنامج الطلاب للحصول على وظائف بدوام جزئي مدفوعة الأجر لتشجيعهم على المشاركة خارج الحدود التقليدية لبيئة القاعات الدراسية. تضمن ذلك بالنسبة لبعض الطلاب العمل على مشاريع بحثية مخبرية حول الطيران المستدام أو الحفاظ على البيئة. وتدرّب آخرون على مجموعة متنوعة من الوظائف في شركات ناشئة تهتم بالمناخ، تتراوح مجالات عملها بين الاستثمار المؤثر وصحة المحاصيل المدعومة بالذكاء الاصطناعي. فضّل بعض الطلاب استغلال الوقت والموارد لتطوير أفكارهم، حيث اختار أحدهم بناء قيادة فكرية حول ممارسات الموضة المستدامة، في حين اختار اثنان آخران العمل معاً لإنشاء مؤسسة مجتمعية. كما شاركت المجموعة في نشاط أسبوعي لتعزيز التعلم وتنمية الروابط، غالباً على شكل زيارة ميدانية أو استضافة متحدث أو مناقشة حول أحد المواضيع. تتيح لهم متابعة المشاريع المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمساراتهم المهنية المستقبلية اكتساب خبرة مهنية واسعة النطاق من خلال النشاط العملي.
بناء الجسور
يهدف برنامج كلايمت ويركس إلى غرس شعور الانتماء في الطلاب من خلال التواصل مع زملاء يشاركونهم الاهتمامات والأهداف نفسها، بالإضافة إلى مرشدين يمتلكون الخبرة والتجربة. تمثّل هذه الشبكة بنية أساسية تشجع التعلم والنمو، وتخلق قاعدة داعمة تبقى معهم بعد انتهاء دراستهم في الجامعة.
أشار العديد من الطلاب إلى أن مشاركتهم في البرنامج كانت تجربة فريدة من نوعها لم يسبق لهم تجربتها من قبل، حيث حصلوا على فرص تكوين صداقات مع أشخاص ربما لم يلتقوهم لولا البرنامج، فضلاً عن استكشاف المسارات المهنية الناشئة. كما كانت ردود فعل المشرفين والمرشدين إيجابية بالمثل، حيث أشادوا باستعداد الطلاب ورغبتهم في المشاركة. حصل معظم أفراد المجموعة على عروض لمواصلة مشاريعهم أو العودة بأدوار أخرى بعد انتهاء الفصل الدراسي الثاني.
من خلال التعاون الذي يركز على تطبيق المعرفة والموارد بين الزملاء وأعضاء الهيئة التدريسية وأصحاب المصلحة المحليين، يجد الطلاب بيئة داعمة حيث يمكنهم مشاركة الاهتمامات وتبادل الأفكار والعمل الجماعي من أجل التوصل إلى حلول للتحديات البيئية. إن هذا الشعور بالانتماء وبوجود هدف يمكّن الطلاب من تجاوز مشاعر العجز واليأس، ويسمح لهم بتسخير مشاعرهم لتحفيز العمل الهادف، وتنمية الشعور بالقدرة على الفعل والأمل في مستقبل أفضل.
يُبدي الشباب الحريصون على اكتساب المعرفة والمهارات اللازمة لمواجهة التحديات العالمية المُلحة اهتماماً كبيراً بالمشاركة في مثل هذه البرامج. وكذلك تدرك القطاعات قيمة توظيف الأفراد المزودين بالخبرة في مجال الاستدامة والحلول المناخية، ومع ذلك فهي تواجه صعوبة في العثور على موظفين حديثي التخرج من أصحاب الخبرات المناسبة نظراً لندرة الشهادات الأكاديمية المباشرة في هذا المجال. يؤكد هذا المطلب المزدوج أهمية البرامج التعليمية التجريبية المصممة خصوصاً لتلبية احتياجات الطلاب وأصحاب المصلحة في القطاع على حد سواء، ما يؤدي إلى سد الثغرة في المواهب المدربة. في غياب هذا الدعم، ثمة احتمال كبير للإصابة بالاحتراق الوظيفي وغيره من الصعوبات النفسية والاجتماعية، ما يزيد احتمال فقدان المهنيين أصحاب المهارات العالية من القوى العاملة في وقت تكون فيه خبراتهم في غاية الأهمية.
من خلال دمج الأفراد في تجارب فعلية حول مشاكل مجتمعية معقدة مثل تغير المناخ، يمكننا المساعدة في تنمية وعي أعمق بهذه القضايا وتمكين الطلاب ومنحهم القدرة والمرونة اللازمتين لتغيير مجتمعاتهم بفعالية اليوم وفي المستقبل.