تُقرر السفر خارج حدود البلد الذي تنتمي إليه، وتبدأ رحلة السعي إلى تحصيل علمي جديد، أو العمل في وظيفة لطالما حلمت بها، أو توسيع نطاق تجارتك. لا شك أنها تجربة ممتعة، لكنها صعبة أيضاً، لأنك خرجت من دائرة معارفك ومنظومة العادات والتقاليد المُتبعة في بلدك، إلى فضاء جديد تماماً يحمل معه أشخاص جدد، ومعايير وقواعد وثقافة مختلفة تتطلب منك فهمها والتكيف معها، وغالباً ما يمثل هذا الجانب تحدياً للطلاب الدوليين في الجامعات على وجه التحديد.
واقع الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة الأميركية
أظهر مسح أجراه مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center) في 17 دولة متقدمة أن 59% من البالغين يصفون الجامعات الأميركية بأنها الأفضل في العالم أو أعلى من المتوسط مقارنةً بغيرها في الدول المتقدمة الأخرى، وسجل العام الدراسي 2020-2021 التحاق 914,095 طالب أجنبي بالجامعات الأميركية شخصياً أو من خلال الفصول الدراسية عبر الإنترنت، بحسب بيانات معهد التعليم الدولي (Institute of International Education)؛ ما يمثل 4.6% من إجمالي المسجلين في مؤسسات التعليم العالي الأميركية.
وعلى الرغم من المكانة العالمية التي تكتسبها الجامعات الأميركية؛ إلا أن نقص الوصول إلى نظام الدعم، يُصعب على الطلاب الدوليين التكيف مع البيئة الأكاديمية الجديدة، خصوصاً إذا كانت سياسة البلد المُضيف لا تصب في مصلحة جنسيات معينة، على سبيل المثال، تضر العلاقات الثنائية المتوترة بين الولايات المتحدة والصين بقدرة الجامعات الأميركية على جذب المواهب الأكاديمية، لا سيما من الصين، إذ فرضت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سياسات لتقييد الطلاب الصينيين الذين يدرسون في مجالات معينة أو حتى إلغاء تأشيراتهم، وعلى الرغم أن الطلاب الصينيون دفعوا نحو 15 مليار دولار من الرسوم الدراسية في الكليات الأميركية خلال عام 2018-2019، إلا أن استطلاع حديث لمركز بيو للأبحاث (Pew Research Center) كشف أن 55% من الأميركيين يؤيدون تقييد الطلاب الصينيين الذين يدرسون في الولايات المتحدة.
اختلاف الثقافات والنجاح الأكاديمي
عانى الطالب الإماراتي زايد الذي يدرس في الولايات المتحدة، من تجاهل الطلاب الأميركيين له، وأكد الطالب السعودي خليفة أن بعض الطلاب الأميركيين لا يحبون التعرف إلى الطلاب الدوليين ويفضلون التواصل مع أقرانهم الأميركيين، ومع ذلك، يحاول الطلاب الإماراتيون والسعوديون التشارك مع الطلاب الأميركيين للحصول على المساعدة.
يمكن أن يؤثر اختلاف مهارات الاتصال في علاقات الطلاب، خاصةً إذا كانوا ينتمون إلى ثقافات مختلفة، وفي دراسة أجرتها الباحثة الإماراتية، غادة حسن المرشدي بعنوان: تأثير الطلاب والمعلمين الأميركيين في النجاح الأكاديمي لطلبة الخليج؛ لاستكشاف تأثير دعم الطلاب والمعلمين في الطلاب الإماراتيين والسعوديين بجامعات الولايات المتحدة، تبيّن أن التكيف الثقافي للطلاب الدوليين قضية مهمة للمعلمين ومدراء الكليات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بسبب التأثير السلبي للتكيف غير الناجح في البيئة الجديدة، فالاختلافات الثقافية للطلاب الدوليين تؤدي إلى إعاقة عملية تكيفهم أو تأخيرها وزيادة مشاعر القلق والارتباك والحنين للوطن ومخاوف أخرى.
تقول الباحثة المرشدي: "علمت أن الطلاب العرب يواجهون تحديات وصراعات في عامهم الأول مقارنةً بسنوات الدراسة اللاحقة بسبب افتقارهم إلى الرصيد الثقافي واللغوي الضروري للنجاح في تخصصاتهم، وأخبرني بعضهم كيف أصيبوا بالصدمة والضياع لعدم حصولهم على الدعم من الأكاديمية والزملاء في الفصل أو المدربين أو الأصدقاء".
وتوصلت الدراسة الإماراتية التي حلّلت إجابة 219 شخص شاركوا في الاستبيان، إلى أن دعم الطلاب الإماراتيين والسعوديين في تخصصاتهم يُسهِل تنشئتهم الاجتماعية في محيطهم الأكاديمي، وأكد الطلاب أهمية الدعم الذي قدمه المعلمون مثل المساعدة في إعداد الأوراق البحثية وكيفية استخدام قواعد البيانات والبرامج المختلفة، والتواجد في أثناء الاختبارات للإجابة عن أي استفسار.
تحديات التكيف الثقافي للطلاب الدوليين
ساهمت التطورات التكنولوجية وتغيُر اللوائح القانونية في زيادة قدرة الأفراد على الانتقال إلى ثقافات وأماكن أخرى لاستكمال دراستهم، إلا أن التأقلم والتكيف مع بيئة تعليمية ثقافية جديدة ليس بالأمر السهل؛ إذ يتطلب بناء علاقات جديدة، والتواصل بلغة أجنبية، ومحاولة النجاح على المستوى الشخصي والمهني، وبالتالي عدم قدرة الطلاب الدوليين على التكيف مع الثقافة الجديدة سيؤثر في مسارهم الأكاديمي، خصوصاً إذا كان متوسط الدرجات جزءاً من تحديد الأهلية للفرص المهمة، مثل المنح الدراسية والمساعدات المالية.
على الرغم من التخطيط للسفر والدراسة في بلد جديد إلا أن الطلاب يتفاجؤون بتعرضهم لتأثير الصدمة الثقافية (Cultural Shock)؛ التي تصف تأثير الانتقال إلى ثقافة غير مألوفة، والانتماء إلى بيئة جديدة، والتعرف إلى أشخاص جدد وقواعد سلوك جديدة، وتشمل أيضاً التأثر بفقدان شبكات الدعم القديمة، مثل العائلة والأصدقاء وغيرهم من الأشخاص الذين يلجأ إليهم الأفراد في أوقات عدم اليقين لتقديم النصح والإرشاد، فما التحديات التي تواجه الطلاب الدوليين في فترة التكيف الثقافي؟
- ضعف التواصل مع طلاب البلد المُضيف
يمكن أن يكون بناء العلاقات أمراً صعباً عند الانتقال إلى بلد جديد، نظراً لاختلاف الثقافات التي تحدد كيفية بناء المجتمعات، وأنماط التواصل، والسمات أو السلوكيات التي يميل الأفراد إلى تقديرها، وغالباً ما تؤدي صعوبة التواصل إلى الشعور بالعزلة والتوتر أو حتى الاكتئاب، وبالتالي، يمكن أن يواجه الطلاب الدوليون مشكلة في تطوير الصداقات وبناء شبكة دعم محلية قوية، إذ عبّر نصف الطلاب الإماراتيين المشاركين في الدراسة المنشورة في جامعة الإمارات، عن شعورهم بالارتياح في التعامل مع طلاب من نفس منطقتهم، أكثر من التواصل والتعامل مع الطلاب الأميركيين.
- تحديات اللغة
يُعد حاجز اللغة أحد أكثر التحديات شيوعاً بين الثقافات، إذ يمكن أن يؤدي اختلاف اللهجات، وسرعة التحدّث، واستخدام التعابير العامية أو الاصطلاحية، إلى صعوبة فهم الطلاب الدوليين للمواد الدراسية وشعورهم بالحرج من طلب تكرار المعلومة، وعليه، بينت الدراسة سالفة الذكر أن 40.2% من الطلاب الإماراتيين و36.9% من الطلاب السعوديين يفضلون العمل مع المتحدثين الأصليين للغة الإنجليزية لإعداد العروض التقديمية أو المشاريع البحثية بطريقة صحيحة.
وعند ذكر حاجز اللغة لا بد من التطرق إلى التأثير السلبي للعرب على أقرانهم، فأحياناً يسخر الطلاب العرب من بعضهم البعض عند نطق مفردات اللغة الجديدة ومحاولة تعلُمها، ما يسبب شعوراً بالإحباط والحرج للطالب يجعله يميل إلى العمل الفردي أو المستقل؛ إذ عبّر 41.3% من الطلاب الإماراتيين و30% من الطلاب السعوديين المشاركين في الدراسة عن ارتياحهم الشديد في العمل الفردي.
- التنشئة الاجتماعية الأكاديمية
تتمثل التنشئة الاجتماعية الأكاديمية في انتقال الطلاب إلى سياق ثقافي ولغوي جديد لاكتساب مهارات الكتابة الأكاديمية في تخصص معين، وخلال هذه العملية الانتقالية يبرز دور المعلمين في تقديم الدعم للطلاب الدوليين لتجاوز أي صعوبات وتحديات، إذ كشفت الدراسة المذكورة أعلاه عن ارتياح 70.9% من الطلاب الإماراتيين و64.3% من الطلاب السعوديين لمناقشة صعوباتهم مع أساتذتهم، وبالتالي عدم حصولهم على هذا الدعم سيعرقل تقدم مسارهم الأكاديمي.
واختلفت آراء الطلاب الإماراتيين والسعوديين حول وجود مدرسين عرب، إذ يُفضل البعض تقديم المعلمين الناطقين باللغة الإنجليزية لبرنامج تعليم اللغة حتى يتمكنوا من إتقانها بسرعة، فيما أبدى الأخرون رغبتهم بالتعامل مع المدرسين العرب نظراً لتفهمهم صعوبة اللغة بالنسبة للطلاب الدوليين وقدرتهم على شرح المفاهيم المعقدة.
- التحديات اللوجستية
من السهل اعتبار بعض الأشياء عند الانتقال إلى بلد جديد مثل معرفة المواعيد الثابتة لتنقُل الحافلة ، أموراً بديهية لا تحتاج إلى تفكير وتخطيط، ومع ذلك، يمكن أن تكون هذه الخدمات اللوجستية غير مضمونة بالنسبة للطلاب الدوليين؛ إذ تبدأ تحديات الانتقال قبل السفر أحياناً، وتتمثل في الترتيب للسكن قبل الانتقال إلى الدراسة في الخارج والتسجيل المُسبق في الجامعة، وما إلى ذلك من قرارات تؤثر في تجربة الطلاب الدوليين قبل انضمامهم إلى الجامعة.
طرق للمساعدة في تقليل صعوبات التكيف الثقافي
يمكن مواجهة التحديات التي ترافق الانتقال إلى ثقافة جديدة بعدة طرق:
- بناء أنظمة دعم جديدة
يساعد الدعم الاجتماعي والتواصل اللفظي وغير اللفظي في التقليل من عدم اليقين حول المواقف والأشخاص، ويعزز تحكم الفرد في تجربته. في هذا الإطار، قدم أستاذ الاتصال في جامعة أوكلاهوما يونغ يون كيم (Young Yun Kim) نموذجاً للتكيف عبر الثقافات عرضه في كتاب التواصل والتكيف عبر الثقافات: نظرية تكاملية (Communication and cross-cultural adaptation: An integrative theory)، ويرتكز النموذج على نمو ديناميات التكيف مع الضغوط التي تفرضها تجربة الانتقال عبر الثقافات، والتي تؤدي إلى التحول التدريجي للأفراد المغتربين ثقافياً نحو زيادة الانسجام في البيئة المُضيفة، إذ تساعد أنشطة التواصل التي تدمج الأفكار والمشاعر والسلوكيات والمعتقدات، بمعايير المجتمع الجديد وقواعده في التكيف مع الثقافات الجديدة.
وعليه، يمكن زيادة أنشطة التبادل الثقافي لتقليل شعور الطلاب الدوليين بالمسافة الثقافية وخلق مساحة دعم جديدة تُسرع من عملية التكيف، على سبيل المثال، يُساعد الانضمام إلى أحد النوادي الثقافية والفِرق الرياضية والمؤسسات الطلابية في بناء علاقات بين الثقافات المختلفة، وإيجاد أرضية مشتركة مع أشخاص متعددي الهويات، فضلاً عن الشعور براحة أكبر عند الاندماج بالحياة المحلية، وتوصلت دراسة الباحثة الإماراتية المرشدي، إلى أن عمليات التنشئة الاجتماعية الإيجابية في الفصول الدراسية تنتقل إلى علاقات قوية خارج إطار الجامعة، إذ أكد المشاركون في الدراسة أن السكن وسيلة لتقوية العلاقة بين طلاب منطقة الخليج والطلاب الأميركيين.
- الاستعانة بمستشارين متخصصين
تختلف البرامج والموارد المتاحة من جامعة إلى أخرى حسب البلد المُضيف، لذا من المهم أن يعرف الطلاب الدوليون تفاصيل الخدمات اللوجستية والتسهيلات المقدمة من المؤسسة التعليمية قبل انضمامها إليها، وهنا يمكن الاستعانة بمستشارين خلال فترة التكيف الثقافي لاتخاذ قرارات صحيحة ومناسبة حول السكن الجديد والتسجيل في الدورات التدريبية لتعلم اللغة الأجنبية، وغيرها من الأمور التي يمكن أن تؤثر في التجربة الجامعية للطلاب الدوليين.
- الممارسة لتحسين المهارة اللغوية
تتعدد الطرق المستخدمة لكسر حاجز اللغة، ولعل أكثرها وضوحاً هو الممارسة، فكلما تحدث الطلاب مع زملائهم وأساتذتهم، تمكنوا من التكيف مع البيئة الثقافية الجديدة بسرعة، ويمكنهم أيضاً الاستعانة بمستشار لمعرفة ما إذا كانت المؤسسة التعليمية تقدم دورات تدريبية لصقل مهاراتك اللغوية.
ويرتبط تحدي اللغة أيضاً باختلاف الطرق التي تفرضها كل ثقافة لتقديم أفكار المشاريع البحثية وبناء الحجج التي تدعمها؛ ما يؤثر في مستوى درجات الطلاب، وتضم العديد من الجامعات مراكز للكتابة أو مدرسين مساعدين لتحسين محتوى عمل الطلاب وتطوير هيكلته.
إذاً، يمكن أن يكون العيش في ثقافة مختلفة عن ثقافة الفرد مغامرة مثيرة وعملية صعبة، لكن التكيف الثقافي جزء من هذه العملية، ومرحلة مؤقتة يمر بها الطلاب الدوليين للوصول إلى تجربة أكثر إرضاءً على المستويين الأكاديمي والشخصي.
نُشر هذا المقال استناداً إلى بحثٍ مقدّم من مركز "أبحاث الشباب العربي".